وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: تغييرات سريعة في المنطقة تحصل في ظل وساطات دولية اقليمية واستراتيجية، خاصة بعد عودة بروز النفوذ السعودي في لبنان وانتخاب رئيس للجمهورية، وللحكومة اللبنانية وفي ظل عدم تسمية كتلتي الوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير اي اسم لرئاسة الحكومة، وفي ظل ما قاله رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب الحاج محمد رعد والذي قال بأن " الكتلة خطت خطوة ايجابية عند انتخاب رئيس الجمهورية، وكانت تأمل ان تلاقي اليد التي لطالما تغنت بأنها ممدودة وإذ بها قطعت"، حول هذه التطورات المتسارعة في لبنان، أجرت مراسلتنا، الأستاذة وردة سعد، حواراً صحفياً مع وزير الخارجية اللبناني السابق، الدكتور عدنان منصور، وجاء نص الحوار على النحو التالي:
ما تقديركم لهذا الاهتمام الخارجي وتحديدا الغربي والخليجي بانتخابات الرئاسة في لبنان، وما هو الدور المرتقب للبنان في اللعبة السياسية الاقليمية والاستراتيجية الاميركية للمنطقة؟
لم يكن لبنان بعيدا عن الاهتمام الخارجي وبالذات عن الاهتمام الاميركي الاوروبي الغربي والاهتمام الخليجي لجهة العمل على تسهيل انتخابات رئاسة الجمهورية، نظرا لكون لبنان تربطه علاقات متينة مع الدول الشقيقة ومع الدول الصديقة، علاقات استثمرت بعد ظروف صعبة جدا شهدها لبنان لا سيما بعد العدوان "الاسرائيلي" الذي ما زال مستمرا حتى الٱن بأشكال مختلفة، والذي مضى عليه سنة وثلاثة اشهر. كان لا بد بعد وقف إطلاق النار، وبعد الفراغ السياسي من اجل العمل على ايجاد حل لانتخاب رئيس للجمهورية، ووساطة شاركت فيها دول عربية واجنبية لاخراج معين وانتخاب رئيس للجمهورية. كان هناك وساطة اميركية وفرنسية وخليجية ومصرية، كل ذلك ادى الى تحقيق توافق بين المكونات السياسية اللبنانية اسفر عن انتخاب الرئيس جوزيف عون رئيسا للجمهورية.
اللافت للاهتمام الغربي والعربي بالشأن اللبناني ظهور الاندفاعة السعودية المفاجئة لحمل الملف اللبناني الثقيل بعد الانكفاءة السعودية طيلة السنوات الماضية، ما هي حسابات الرياض على هذا الصعيد؟ وما هي صورة التوازنات الاقليمية الجديدة بعد سقوط النظام السوري ؟
لبنان كونه جزء لا يتجزأمن هذه المنطقة، يتأثر بها امنياً وسياساً واستقراراً واقتصاداً. لبنان ليس بعيدا عن ما يدور في المنطقة من سياسات غربية تهدف الى تعزيز نفوذها وامتيازاتها، ومصالحها الاقتصادية والسياسية والامنية، والاستراتيجية. اذن لبنان في المرحلة القادمة يتأثر بشكل كبير بالمتغيرات التي تشهدها المنطقة. لكن هذا لا يعني أن يتخلى لبنان عن سيادته وحرية واستقلالية قراره وهو في خضم اللعبة السياسية الدولية والاقليمية في المنطقة.
لا شك ان الاهتمام الغربي والعربي بالشأن اللبناني ليس وليد الساعة وهو يعود الى عقود طويلة، ولكن ما حصل في سوريا من تغيير النظام عجل باندفاعة عربية وغربية من اجل استيعاب الامور، ومن اجل العمل على حل المشكلة المعضلة في لبنان بعد ركود سياسي وفراغ في رئاسة الجمهورية وفي الحكومة المستقيلة التي اقتصرت على تصريف الاعمال.
اذن تغيير النظام في سوريا له تأثيره المباشر على المنطقة ككل وعلى دولها، ما عجل بدول عديدة للتحرك من جديد لاستيعاب الامور، والتعاطي مع ما حصل في سوريا بسياسة تخدم الاطراف في المنطقة التي ترتبط بالوضع اللبناني وتتعاطى معه.
فتح انتخاب الرئيس جوزف عون الباب واسعا امام احلام اللبنانيين برفع الحصار الاميركي على بلدهم وعودة مرحلة من تعويم لبنان اقتصاديا بالمال الخليجي، فما مدى واقعية هذه التوقعات، وما هي الحسابات السياسية التي تختفي خلفها؟
لا شك ان انتخاب رئيس الجمهورية جوزيف عون اعطى املا كبيرا للبنانيين بعد فراغ استمر لسنوات عديدة، وخاصة ان لبنان شهد ومنذ عام 2018 تدهورا في الحياة الاقتصادية والمعيشية والمالية، خاصة ان لبنان فقد 90٪ من قيمة عملته الوطنية، وهذا ما ادى الى الانهيار، وايضا سرقة اموال المودعين، بالاضافة لما حلَّ في مؤسسات الدولة، وما تعانيه من ترهل وفساد، بالاضافة الى وجود اكثر من مليوني نازح سوري يشكلون عبئا كبيرا على بلد صغير مثل لبنان، هذا الانتخاب اليوم يعطي املا كبيرا للبنانيين، ويعلّقون الآمال الكبار على رئيس الجمهورية من اجل اعادة بناء لبنان على مختلف الصعد، وخاصة بعد الحرب المدمرة التي شنتها "اسرائيل" على لبنان والتي كبدته خسائر بمليارات الدولارات، هذا الوضع يتطلب عودة عربية خليجية الى لبنان من اجل المشاركة في اعادة بناء قدراته وبناء اقتصاده، وتخفيف الاعباء عن اللبنانيين.
ما هي الصورة المتوقعة للحكومة اللبنانية الاولى في عهد الرئيس جوزف عون على ضوء خطاب القسم؟ وهل تتوقعون نشاطا ديبلوماسيا لبنانيا مختلفا في المرحلة المقبلة؟
امام الحكومة اللبنانية الجديدة مهمات ضخمة، إذ يقع على عاتقها مهام كبيرة جدا اقتصادية وسياسية ومعيشية وتربوية ، وبالذات اعادة بناء الدولة، وهذا ما اكد عليه رئيس الجمهورية اللبنانية في خطاب القسم امام مجاس النواب، والرئيس جوزيف عون تطرق الى النقاط الحساسة التي تصيب في الصميم ما يعانيه لبنان واخذ على عاتقه ان يحل هذه المسائل في عهده الذي بدأ منذ ايام قليلة، هذا الامر يتم من خلال تضافر الجهود، التي لا تقتصر على رئيس الجمهورية،بل يجب ان يكون هناك تنسيق بين المؤسسات اللبنانية الدستورية، رئاسة الجمهورية، والحكومة، والمجلس النيابي. لان التعاون بين المؤسسات الدستورية الثلاث ، هو الذي يسهل العمل في اعادة بناء لبنان وايجاد الحلول لمشاكله الاقتصادية والاجتماعية، وايضا يعزز من فرص التعاون الدولي والتنسيق مع لبنان، بغية المساهمة والمشاركة في اعادة بناء ما هدمته الحرب.
في هذا الاطار لا بد للبنان من ان يفعل العمل الديبلوماسي على الصعيد الاقليمي والعربي والدولي، وان تكون هناك ديبلوماسية ناشطة للمرحلة المقبلة، لان ما يتوجب على لبنان فعله في الداخل اللبناني لا ينفصل عما يجب فعله في الخارج، لانه من خلال العلاقات الوثيقة بين لبنان والدول الخارجية، تستطيع هذه الديبلوماسية ان تفعل العلاقات الثنائية وايضا تعمل على دفع هذه الدول لمساعدة لبنان والمشاركة في اعادة البناء.
ربما تكون العلاقات اللبنانية السورية الاكثر تعقيدا في المرحلة المقبلة، بسبب تشابك الملفات والمصالح بين البلدين، هل نحن امام انفراجات على هذا الصعيد، ام ان المصالح الاميركية "والاسرائيلية" ضمنا ستواصل فرض عوامل التوتر والقلق بين الجانبين؟
لبنان اولا جزء لا يتجزأ من هذه المنطقة امنا وسلاما واستقرارا، وتجمعه بالشقيقة سورية روابط تاريخية وجغرافية واقتصادية، وأمنية، وأسرية. له حدود برية وحيدة مع سورية على اعتبار ان الحدود الفلسطينية المحتلة مقفلة مع لبنان، وليس للبنان ممر بري سوى سوريا، وهذا الممر يعتبر شريانا حيويا للتجارة اللبنانية اذ ان الصادرات اللبنانية البرية التي تذهب الى دول الخليج والى الاردن والعراق تمر عبر البوابة السورية. لذلك لا بد من تمتين هذه العلاقات بين لبنان وسوريا من اجل خدمة مصالحهما المشتركة. إن اي اتفاق لبناني سوري لا يصب في خدمة بلد واحد وانما يصب في صالح البلدين الشقيقين، اليوم هناك قضايا عديدة يجب ان تبحث، وقد ذهب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتهنئة رئيس المجلس الانتقالي الجديد في دمشق، مشددا على علاقات متينة مع سوريا. مع العلم ان هناك قضايا عديدة في المستقبل يجب ان تبحث لإيجاد الحل لها مثل ترسيم الحدود البرية بشكل نهائي، وايضا ترسيم المنطقة الاقتصادية الحصرية في شمال لبنان بين البلدين. كما ان هناك قضية النازحين السوريين الذين وصل عددهم الى اكثر من مليوني نازح سوري، وما يشكلونه من اعباء ضخمة على لبنان لا يستطيع لبنان ان يتحمل اعباءها الاقتصادية والمالية والاجتماعية. هناك ايضا ترتيبات امنية بين البلدين لا بد من النظر فيها، وضبط الحدود امام المهربين وامام العابثين بالامن السوري واللبناني ، اذن هناك قضايا عديدة في المستقبل يمكن حلها من خلال الثقة المتبادلة بين الطرفين، وايضا استنادا الى العلاقات الاخوية التي تربط لبنان بسوريا.
/انتهى/