وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: على مدى سنة ونيف حاول العدو الصهيوني الهمجي الفاشي القضاء على المقاومة الفلسطينية، وتقليب الشعب الفلسطيني في غزة على مقاومته، وحاول جاهداً إفراغ القطاع من ساكنيه، فارتكب في سبيل ذلك ابشع واقسى المجازر بحق المدنيين الابرياء ودمر البشر والحجر، الا انه رغم كل ذلك وفي اليوم الاول لوقف اطلاق النار فوجىء العدو والمستوطنين بخروج عناصر المقاومة بكامل عديدهم وعتادهم بشكل منظم ملفت في احياء وشوارع قطاع غزة، ويلتف حولهم الشعب الغزّي الذي ملأ الساحات بافراح النصر، لسان حال المشهد للعدو: "قد ذهبت محاولاتك سدى". الأمر الذي دفع إعلام العدو للاستهزاء بالكيان الصهيوني، فتلك المشاهد دفعت المستوطنين وإعلامهم إلى مخاطبة المسؤولين في الكيان بالقول" ماذا كنا نفعل في غزة لأكثر من سنة"
حول اتفاق وقف اطلاق النار في غزة وعن اليوم التالي، أجرت مراسلتنا، الاستاذة وردة سعد، حواراً صحفياً مع، رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، المفكر والكاتب السياسي الأستاذ، معن بشور، وجاء نص الحوار على النحو التالي:
تابعنا اذعان العدو الاسرائيلي لشروط المقاومة وتوقيعه على صفقة وقف اطلاق النار في غزة، وبدأ الحديث عن النصر والهزيمة. بداية ما هي الدوافع الحقيقية التي جعلت غلاة الصهاينة يتراجعون عن شعاراتهم وسقوفهم العالية والقبول بوقف الحرب؟
لا شك ان اضطرار العدو للموافقة على وقف حرب الإبادة بحق أهلنا في غزة كان هزيمة له ولادعاءاته يوم بدأت الحرب، ولأهدافه المعلنة وغير المعلنة من تلك الحرب.
وأسباب هزيمة العدو تعود الى جملة أسباب أولها صمود أهلنا في غزة صموداً اسطورياً على مدى 15 شهراً اثبتوا فيها بمقاومتهم على قدرات هائلة في التصدي للعدوان طيلة هذه المدة ورغم ظروف مستحيلة كانت تواجههم وتواجه حاضنتهم الشعبية وتعود أسباب هزيمة العدو ايضا الى ان الشعب الفلسطيني في كل الأرض الفلسطينية المحتلة، لا سيّما في الضفة المحتلة كانت شريكاً في هذه المواجهة وقدم في سبيل نصرة إخوانهم في غزة مئات الشهداء والاف الاسرى ناهيك عن العديد من العمليات الفدائية النوعية داخل الضفة وعلى ارض فلسطين عام 1948، مما يسمح لنا ان نقول انه فتح جبهة أخرى ضد العدو داخل المناطق التي كان يعتبرها آمنة.
وثاني الأسباب هو دور قوى الاسناد العريية والاسلامية وتضحياتها لا سيّما في لبنان واليمن والعراق بالإضافة الى الجمهورية الإسلامية في ايران هو دور بلغ أعلى درجات التأثير على أمن الكيان ومعنويات مواطنيه خصوصاً في الجبهة اللبنانية التي قدمت آلاف الشهداء وفي مقدمهم شهداء المقاومة الإسلامية وعلى رأسهم شهيد الامة سماحة السيد حسن نصر الله – رحمه الله – بالإضافة الى الاسناد اليمني النوعي الذي أعطى لهذه الحرب بعداً دولياً من خلال تصديه للسفن الإسرائيلية والمتوجهة الى الكيان الغاصب ولأساطيل أكبر قوتين بحريتين في العالم وهما الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
أما ثالث هذه الأسباب فهو الالتفاف الشعبي العربي والإسلامي حول المقاومة في غزة والذي عبّرت عنه مسيرات شعبية كبيرة في عدة أقطار عربية وإسلامية لا سيّما في المغرب والأردن والعراق وتونس والبحرين ناهيك عن المسيرات المليونية الأسبوعية في اليمن، والتظاهرات الضخمة في الجمهورية الإسلامية في ايران، بالإضافة الى مشاعر أبناء المساندة لغزة، رغم قيود الأنظمة لها، ولكن عبر عنها ابطال في عملياتهم النوعية كما رأينا في مصر والأردن.
ورابع الأسباب هو العزلة الدولية التي واجهها الكيان من خلال المسيرات الضخمة في كافة قارات العالم لا سيّما في الولايات المتحدة ودول الغرب المتعاطفة حكوماتها مع الكيان الإرهابي ، تلك التظاهرات والمواقف السياسية ساهمت في الضغط على حكوماتها المتواطئة وأجبرتها على تغيير -تدريجي في مواقفها ، بل ساهمت في تدعيم محاكمة العدالة الدولية وفي اتخاذ قرارات تاريخية بحق الكيان ومسؤوليه.
لقد أدت هذه العوامل الى ان يجد العدو نفسه أمام مأزق كبير عسكري وسياسي واقتصادي واخلاقي بدأ ينعكس على وحدته الداخلية كما على أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية.
سادت اجواء من الخيبة والفشل في الاوساط الصهيونية سواء على صعيد الشارع الشعبي او الطبقة السياسية والعسكرية، لماذا تولد هذا الشعور برأيكم؟ والى اي حد شكلت هذه الحرب ضربة وجودية لهذا الكيان المؤقت؟
لا شك ان لكل هزيمة تداعياتها، وحجم هذه التداعيات هو بحجم الهزيمة نفسها، وبالنسبة للكيان الصهيوني المهزوم والمأزوم من الطبيعي ان تنعكس هذه الهزيمة على وحدته الداخلية وعلى اقتصاده وعلى سمعته في العالم، وقد رأينا كيف بات تظاهرات أهل الاسرى الإسرائيليين لدى المقاومة تتحول الى محاكمة شعبية لنتنياهو وحكومته على مدى أشهر دون توقف.
وكلنا يذكر ان الرأي العام الإسرائيلي المصدوم مما جرى يوم السابع من أكتوبر 2023، كان في غالبيته مؤيداً للحرب على غزة، بل ومتحمساً لها وهو ما كان يدفع بحكام تل ابيب الى التعنت في المفاوضات لوقف اطلاق النار وكيف ان "شعبية الحرب" بدأت تتراجع من تزايد الخسائر البشرية والعسكرية والاقتصادية حتى وصلت الى حد ان الغالبية في الكيان باتت ميالة لوقف هذه الحرب، ولكن دون ان نهمل ان تداعيات الهزيمة ما زالت في بداياتها ،و والآتي أعظم ،على نتنياهو وزمرته.
منذ الايام الاولى لهذا العدوان على الشعب الفلسطيني وعلى غزة تحديدا طرحت دوائر الكيان الصهيوني والمسؤولون الاميركيون السؤال عن اليوم التالي! فهل ظهرت اليوم ملامح هذه المرحلة التي ارادها العدو عنوانا لانهاء المقاومة وبالتاليل القضية الفلسطينية ؟ وما هي مؤشرات ما بعد الحرب برأيكم؟
مما لا شك فيه ان العدو وداعميه في واشنطن وعواصم الغرب كان يريد طرح السؤال عن "اليوم التالي" الإيحاء بأن الهزيمة ستلحق بأهل غزة ومقاومتهم البطولية وان فراغاً سينشأ لا بد من ملئه، ولكن تطورات الحرب أثبتت ان ذلك لم يكن أكثر من أحلام رغبوية سرعان ما تبخرت أمام وقائع الميدان.
اما اليوم التالي بالنسبة للشعب الفلسطيني سيكون يوماً فلسطينياً لا مجال لأي تدخل خارجي فيه بل سيكون يوماً مقاوماً ويوماً للوحدة الفلسطينية القادرة على استثمار هذا النصر للمضي قدماً على طريق تحقيق المطالب والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بل على طريق تحرير فلسطين كلها .
ادارت فصائل المقاومة المواجهة العسكرية بحنكة وشجاعة كما ادارت المفاوضات السياسية بحكمة وصلابة قل نظيرها. ما تقييمكم لاداء قيادة المقاومة لهذه المعركة وكيف يمكن ان تنعكس على مجمل الصراع والحضور الفلسطيني على الساحة الاقليمية والدولية ؟
لا شك ان إدارة قيادة المقاومة في الميدان للمعركة العسكرية قد كانت إدارة متميّزة حققت ما يشبه المعجزة في المواجهة العسكرية على غير صعيد، وستكون هذه الحرب محل دراسات استراتيجية في معظم المعاهد ذات الصلة بالعلم العسكري.
ولم تقل إدارة المقاومة للمعركة الديبلوماسية كفاءة وحكمة وثباتاً عن تلك العسكرية وأكدت انها مؤهله لقيادة المراحل التالية للنضال الفلسطيني حتى التحرير لا سيّما اذا نجحت في ترتيب البيت الفلسطيني وفي بناء الوحدة الوطنية على قاعدة التكامل بين الفعل المقاوم والعمل السياسي.
كان خروج مقاتلي القسام والشرطة الفلسطينية في الساعة الاولى لوقف النار بهذا المشهد المهيب معبرا ولافتا. فما هي الدلالات الرمزية لهذا المشهد ؟ وكيف اثر خروج الاف الفلسطينيين للترحيب بعناصر المقاومة في حرب الصورة والمعركة الاعلامية المصاحبة لهذه المعركة الطاحنة؟
لا شك ان جملة الصور التي خرجت من غزة في الساعات الأولى لتنفيذ وقف حرب الإبادة على غزة، قد عزز من فرح الشعب الفلسطيني وأبناء الأمة العربية بهذا الانتصار التاريخي، وأكدت ان المقاومة ما زالت معافاة رغم كل ما دفعته من أثمان، وهو ما أضطر وزير الخارجية الأميركية السابق ان يعتبر بأن عدد الشباب الذين تطوعوا في صفوف حركة (حماس) لا يقل عن عدد المقاتلين الذين استشهدوا في المعارك.
طبعاً هناك صور عديدة عبّرت عن فرح أهل غزة بانتصارهم وتمسكهم بمقاومتهم واصرارهم على مواصلة النضال، وهو ما يؤكد ان اليوم الثاني سيكون يوماً فلسطينياً مقاوماً لا سيّما بعد ان انتصرت الإرادة على الابادة.
الادارة الاميركية شريك اساسي وفاعل في العدوان على غزة ودول محور المقاومة، وهي كانت منخرطة واقعيا في الحرب وليس فقط من خلال تسليح وحماية جيش الاحتلال وحكومة الكيان، فهل صحيح انها ضغطت في النهاية لوقف الحرب؟ ولماذا تنافس الرئيسان بايدن وترامب على قطف هذه الثمرة المرة عليهما وعلى الكيان ؟
لقد أدركت الإدارة الأميركية التي كانت شريكة في التخطيط والتجهيز والتنفيذ في حرب الإبادة على غزة، ولكنها أيضاً شعرت أن هذه الحرب قد أدت الى هزيمة العدوان ليس في غزة فقط بل في لبنان واليمن وايران، ولا سيّما في البحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب على يد قوى المقاومة في الامة، بل أدركت أيضاً، وخصوصاً بعد العزلة الدولية والملاحقة القضائية للكيان الغاصب، ان هذا الكيان بات عاجزاً عن تأدية دوره في خدمة المعسكر الاستعماري العالمي وعلى رأسه الولايات المتحدة، بل انه قد تحوّل الى عبء,
أما المنافسة بين ادارتي بايدن وترامب على قطف ثمار هذا الاتفاق هو شعورهما بأن الرأي العام في بلادهما كما في العالم كله، لم يكن مؤيداً لتلك الحرب العدوانية وسيكون مرتاحاً لوقفها.
/انتهى/