كتب وزير الخارجية الايراني خلال توجهه إلى بيروت لحضور مراسم تشييع الأمين العام لحزب الله اللبناني الشهيد السيد حسن نصرالله: "لقد أدرك العالم أن موازين القوى في المنطقة تغيرت لصالح محور المقاومة".

وأفادت وكالة مهر للأنباء، انه كتب وزير خارجية بلادنا السيد عباس عراقجي في مذكرة أثناء توجهه إلى بيروت لحضور مراسم وداع الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله في لبنان: "اليوم قد يظن أعداء المقاومة أنه بفقد السيد حسن نصر الله فإن طريقه قد توقف". ولكن، كما هو الحال دائما، فإنهم يرتكبون خطأ في فهم الحقائق.

واليوم ينعى العالم الإسلامي وكل أحرار العالم، في أجواء مليئة بالحزن والمجد، الجثمانيين الشريفين للسيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين على أيديهما. وداعًا ليس وداعًا لقائدين عظيمين من قادة المقاومة فحسب، بل تجديدًا للولاء للطريق والفكر والمثل التي ضحيا من أجلها بحياتهما. وتشهد شوارع لبنان والعالم الإسلامي طوفاناً هائجاً من البشر الذين يعتبرون بعيون دامعة ولكن بإرادة صلبة أن استشهاد هذين الزعيمين ليس نهاية الطريق، بل نقطة جديدة في مواصلة النضال ضد الظلم والاحتلال. ترقد أجسادهم بسلام، لكن مدرستهم لا تزال حية وستبقي طريق المقاومة مشرقاً في قلوب الملايين من الناس الأحرار.

نصرالله؛ الزعيم الذي غيّر المعادلات

وفي عصر كان فيه الكثير من زعماء العالم العربي والإسلامي يذعنون للضغوط الخارجية، استطاع السيد حسن نصر الله بصموده وكرامته أن يحوّل فكرة المقاومة إلى معادلة استراتيجية على مستوى المنطقة. كان يعتقد أن شرعية أي حركة لا تكمن في السلاح والدعم الأجنبي، بل في دعم الشعب وجذورها الاجتماعية. وبذلك، حوّل حزب الله من جماعة مسلحة إلى لاعب مؤثر في المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي في لبنان والعالم الإسلامي. لقد كان فنه هو الذي قدم ليس فقط حركة عسكرية، بل وخطاباً حضارياً وأخلاقياً على المستويين الإقليمي والدولي.

التطورات التاريخية للمقاومة؛ من تحرير لبنان إلى تغيير موازين القوى

لقد كانت التطورات التي شهدها لبنان في العقدين الأخيرين من القرن العشرين بمثابة ساحة لإظهار العمق الاستراتيجي الذي يتمتع به نصر الله. في العام 2000، عندما اضطر الجيش الإسرائيلي إلى الانسحاب من جنوب لبنان من دون أي مفاوضات، أدرك العالم أن ميزان القوى في المنطقة تحول لصالح محور المقاومة. وكانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تضطر فيها إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها دون أي تنازلات. ولم يتحقق هذا النصر بالوسائل الدبلوماسية، بل بفضل المقاومة الفعالة وصمود الشعب اللبناني.

وبعد ست سنوات، في صيف عام 2006، فرضت إسرائيل، بدعم من القوى العالمية، حرباً على لبنان لتغيير معادلات الماضي. ولكن بفضل القيادة الذكية لنصر الله، لم يتمكن حزب الله من الوقوف في وجه الجيش الإسرائيلي المدجج بالسلاح فحسب، بل خلق أيضاً معادلة جديدة في الردع العسكري في المنطقة. ومنذ ذلك الحين لم يحدث أي عدوان من قبل الكيان الصهيوني دون أن يحسب تكاليف باهظة.

دعم فلسطين؛ استراتيجية نصر الله الأساسية

في عالم السياسة، ينظر العديد من اللاعبين إلى فلسطين باعتبارها ورقة دبلوماسية فحسب. ولكن بالنسبة لنصرالله فإن فلسطين لم تكن شعاراً، بل كانت عقيدة. وكان يؤكد دائماً أن القضية الفلسطينية ليست نزاعاً إقليمياً فحسب، بل هي قضية إنسانية وأخلاقية وتاريخية مرتبطة بشرف الأمة الإسلامية. وكان حزب الله بقيادة نصر الله أحد أهم ركائز الدعم للشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال.

وباستخدام قدرات حزب الله، دعم الفلسطينيين ليس فقط في المجال العسكري، بل وفي المجالين الدبلوماسي والإعلامي أيضاً، وتمكن من عزل الكيان الصهيوني على الساحة العالمية. لقد حمى نصر الله المقاومة الفلسطينية ليس فقط ضد المحتلين، بل أيضاً ضد خيانة بعض الحركات الإقليمية، وضمن بقاء القضية الفلسطينية حية.

دور نصر الله في عملية طوفان الأقصى

ويعتبر دخول حزب الله في الصراع مع الكيان الصهيوني، والذي تم بعد معركة طوفان الأقصى ودعماً للشعب الفلسطيني المظلوم، صفحة ذهبية أخرى في تاريخ المقاومة اللبنانية. ولم يكن هذا الإجراء بمثابة رد فعل قصير المدى، بل كان مبنياً على استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى تقليص القوة الهجومية الإسرائيلية ومنع استمرار الإبادة الجماعية في غزة. بقرار بعيد النظر، أثبت نصرالله أن المقاومة ليست مفهوماً مؤقتاً، بل هي حركة تاريخية تسير دائماً على طريق الحق.

حزب الله؛ حركة شعبية لا تقهر

ومن بين السمات المميزة لحزب الله والتي تميزه عن العديد من المجموعات العسكرية والسياسية في المنطقة، طبيعته الشعبية. إن حزب الله ليس مجرد قوة عسكرية أو منظمة سياسية، بل هو حركة متجذرة في سياق المجتمع اللبناني. هذه الطبيعة المشهورة جدًا هي سر بقائها ونجاحها. كلما حاول أعداء المقاومة إضعاف الحركة من خلال اغتيال قادتها أو الضغط الخارجي، كان الجسم الشعبي لحزب الله يعيد بناء نفسه ويستمر في مسيرته أقوى من ذي قبل. وهذه الحقيقة تثبت أن الحركات التي تستمد شرعيتها من الشعب لن يتم تدميرها أبدا بوسائل القمع التي يستخدمها أعداؤها.

/انتهى/