في ظل الجعجعة الإعلامية الغربية والتهديد بضرب منشآت إيران النووية، يستشعر شيوخ المشيخات العربية في الخليج الفارسي بشبح الموت الذي سيلقي بظلاله على المنطقة أجمع في حال تم تنفيذ أي مغامرات غربية.

وكالة مهر للأنباء- محمد بيات: إن تصعيد التوتر وإشعال نار الحرب يمكن أن يؤثر بشكل كبير على اقتصاد دول جنوب الخليج الفارسي. بعد تصعيد المعارك بين محور المقاومة والكيان الصهيوني بدعم من القوى في منطقة اليورو-أطلسي، أصبحت نظم الأمن في منطقة غرب آسيا أكثر هشاشة وضعفًا من أي وقت مضى. أدى تبادل النيران المباشرة بين طهران وتل أبيب إلى عودة ظل الحرب إلى المنطقة مرة أخرى. بعبارة أخرى، تعاني دول شرق العالم العربي وجنوب الخليج الفارسي من حالة "معضلة الأمن" وتطالب بالحد من الأزمة على كلا جانبي النزاع. على الرغم من الإعلان الرسمي للحكومة الرابعة عشرة بشأن الالتزام بالأمن الجماعي وضرورة السيطرة على التوترات، إلا أن مسؤولي الكيان الصهيوني، بدعم من الساكن الجديد في البيت الأبيض، يتحدثون عن احتمال الهجوم على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية! في الرواية الصهيونية، توصلت طهران بعد 15 شهرًا من معركة "طوفان الأقصى" إلى أنه لمواجهة إسرائيل يجب أن تتجه نحو زيادة مستوى التخصيب وفي النهاية بناء قنبلة! حسب هذه الرواية الزائفة، إذا لم تتمكن الدول الغربية والكيان الصهيوني من التوصل إلى نوع من الاتفاق النووي الجديد (في الواقع نزع السلاح والاستسلام الكامل) في الأشهر المقبلة، فإن أمريكا وإسرائيل مستعدتان لتنفيذ "الخطة ب" ضد المنشآت النووية الإيرانية!

في الجهة المقابلة، وعدت طهران بأنها ستعتبر أي اعتداء على أراضيها بداية لحرب إقليمية. لكن وراء هذه الروايات الإعلامية توجد حقائق أخرى. إنها معركة الدول العربية من أجل البقاء! في مثل هذه الظروف، حذر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس وزراء ووزير خارجية قطر، في مقابلة مع تاكر كارلسون، المذيع الأمريكي اليميني، من أن أي هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية (وخاصة محطة بوشهر) سيؤدي إلى نقص المياه في دول المنطقة. وأكد وزير خارجية قطر أن الدوحة قد قامت بمحاكاة هجوم إسرائيل على إيران، وأن هذه التصريحات تستند إلى أدلة تم جمعها. وأضاف محمد بن عبدالرحمن أنه بعد هذه المحاكاة، زادت بلاده من بناء خزانات تخزين المياه، لكن هذا الأمر لا يزال يشكل تهديدًا لدول المنطقة. النقطة الأساسية هي أنه ليس فقط مياه الخليج الفارسي، بل جميع الكائنات الحية الموجودة فيه، وكذلك الملاحة الدولية، ستواجه خطرًا حيويًا. كما أن هناك احتمالًا بأن تقوم القوات المسلحة الإيرانية، في خطوة انتقامية ومشروعة، بإغلاق مضيق هرمز واستهداف مصالح شركات النفط في المنطقة.

شبح الموت على اقتصاديات المنطقة

إن تصعيد التوتر وإشعال نار الحرب من قبل الغرب يمكن أن يؤثر بشكل كبير على اقتصاد دول جنوب الخليج الفارسي. التأثير الأول والأهم سيكون الزيادة المفاجئة في أسعار النفط. نظرًا لأن منطقة الخليج الفارسي هي أكبر مورد للنفط في العالم، فإن أي توتر عسكري في هذه المنطقة سيؤدي إلى القلق بشأن اضطراب إمدادات الطاقة، مما ينتج عنه زيادة في الأسعار. قد تبدو هذه الزيادة في الأسعار على المدى القصير مربحة للدول المصدرة للنفط، ولكن على المدى الطويل، يمكن أن تؤدي إلى زيادة التضخم في الاقتصاد العالمي وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، مما يقلل بدوره من الطلب على النفط ويضر باقتصاد هذه الدول.

بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة التوترات وعدم اليقين في المنطقة قد تؤدي إلى انخفاض الاستثمارات الأجنبية في دول جنوب الخليج الفارسي. يسعى المستثمرون الدوليون إلى الاستقرار والأمان، وأي صراع عسكري في المنطقة يزيد بشكل كبير من مخاطر الاستثمار. كما سيتأثر قطاعا السياحة والنقل بشكل كبير. إن الخوف من انعدام الأمن والحرب سيجعل السياح يتجنبون السفر إلى المنطقة، مما يسبب مشاكل خطيرة لشركات الشحن والطيران.

كما أن زيادة النفقات العسكرية والأمنية لدول المنطقة، التي ستكون ضرورية لمواجهة التهديدات المحتملة والحفاظ على أمنها، ستخصص جزءًا كبيرًا من ميزانيات الحكومات، مما يقلل من الاستثمارات في القطاعات التنموية والبنية التحتية. إن بيئة الاستثمار في دول جنوب الخليج الفارسي تعتمد بشكل كبير على الاستقرار والأمان في المنطقة. إن تصعيد التوترات من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل يهدد هذا الاستقرار بشكل جدي، مما يخلق موجة من عدم اليقين بين المستثمرين المحليين والأجانب.

المستثمرون الأجانب الذين يبحثون عن عوائد مضمونة ومنخفضة المخاطر، سيقومون بسرعة بسحب أموالهم من المنطقة ونقلها إلى أسواق أكثر أمانًا. يمكن أن يؤدي هذا الخروج من الاستثمارات إلى انخفاض قيمة العملات الوطنية، وزيادة معدلات الفائدة، وركود اقتصادي في دول مجلس تعاون الخليج الفارسي. ستتوقف أو تتأجل المشاريع الكبيرة في البنية التحتية والتنمية التي تتطلب استثمارات ضخمة وطويلة الأجل.

سيعاني قطاع العقارات، الذي يعد أحد القطاعات الاقتصادية المهمة في هذه الدول، بشكل كبير. إن انخفاض الطلب، وتراجع الأسعار، وركود المعاملات، سيضع هذا القطاع في أزمة. بالإضافة إلى القضايا المذكورة، سيتأثر بيئة الأعمال بشكل كبير. ستواجه الشركات والأعمال المحلية انخفاضًا في الطلب، وزيادة في التكاليف، ومشكلات في التمويل. في مثل هذه الظروف، ستضطر حكومات المنطقة إلى محاولة الحفاظ على الاستثمارات ومنع الانهيار الاقتصادي من خلال تقديم حوافز مالية وضمانات حكومية، لكن هذه الإجراءات ستتحمل أيضًا تكاليف باهظة على ميزانية الدولة، وقد لا تكون فعالة بالكامل.

شبح الموت على البيئة في المنطقة

كما أكد وزير خارجية قطر، فإن تصعيد التوترات من قبل إسرائيل والولايات المتحدة يحمل تهديدات بيئية خطيرة جدًا لدول جنوب الخليج الفارسي. تقع محطة بوشهر بالقرب من ساحل الخليج الفارسي، وأي ضرر يلحق بهذه المحطة يمكن أن يؤدي إلى انتشار مواد مشعة في البيئة البحرية والجو. كما أن الهجوم الانتقامي الإيراني على خطوط الطاقة والموقع النووي في ديمونا يمكن أن يخلق ظروفًا صعبة لدول المنطقة.

يمكن أن تنقل التيارات البحرية في الخليج الفارسي التلوث الإشعاعي بسرعة إلى سواحل دول جنوب الخليج، مما يؤدي إلى تدمير النظام البيئي البحري في هذه المنطقة بشكل جدي. يمكن أن يبقى التلوث الإشعاعي في البيئة لعقود، ويؤثر بشكل مدمر على صحة الإنسان، والحياة البرية، والزراعة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي التلوث النووي الناجم عن الهجمات العسكرية إلى تلوث نفطي واسع النطاق في الخليج الفارسي. يمكن أن يتسبب التلوث النفطي في أضرار جسيمة للحياة البحرية، وصناعة الصيد، ومنشآت تحلية المياه. تعتمد دول جنوب الخليج الفارسی بشكل كبير على محطات تحلية المياه، ويمكن أن يواجه تلوث مياه الخليج مشكلة خطيرة في تأمين مياه الشرب لهذه الدول.

كما أن الحرائق الناجمة عن الهجمات العسكرية يمكن أن تؤدي إلى تلوث الهواء وانبعاث غازات دفيئة، مما سيكون له تأثيرات سلبية على جودة الهواء وتغيرات المناخ في المنطقة.

النتيجة

تفرض الجغرافيا السياسية على دول جنوب الخليج الفارسي أن تتابع بقلق تصريحات ترامب ونتنياهو بشأن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية. إنهم يشعرون بقلق شديد إزاء أي صراع محتمل بين إيران وإسرائيل، ولا يرغبون في أن يتحولوا إلى ساحة معركة بين قوتين إقليميتين. على الرغم من أن تصريحات الولايات المتحدة وإسرائيل حول المنشآت النووية الإيرانية تشبه إلى حد كبير الجعجعة الإعلامية، إلا أن أي هجوم محتمل على إيران قد يؤدي إلى مستويات غير قابلة للتقدير من التلوث الإشعاعي في المنطقة، مما يهدد الحياة البشرية فيها.

مع فهم هذا الأمر، قد يصبح من الأسهل فهم جهود عمان وقطر، ومؤخراً المملكة العربية السعودية، لمنع أي صراع عسكري بين إيران والغرب. اليوم، يسعى أعضاء مجلس تعاون الخليج الفارسي، بالإضافة إلى الاستثمار الداخلي، إلى جذب استثمارات من دول أخرى في القطاعات العامة والخاصة، بهدف تقليل اعتمادهم على عائدات النفط تدريجياً والسعي نحو تطوير اقتصاد متنوع ومتعدد المنتجات.

في مثل هذه الظروف، فإن أي مغامرة من قبل اليمينيين المتطرفين في تل أبيب وواشنطن ستعرض مباشرة أمن دول الخليج الفارسي للخطر، وستقضي على جميع خططهم!

/انتهى/