وكالة مهر للأنباء، محمد بيات: إن توسيع نطاق الوجود العسكري للاحتلال الإسرائيلي في جنوب سوريا ولبنان قد أوضح مرة أخرى للدول الإقليمية أن أساس تشكيل "إسرائيل" في القرن العشرين كان قائمًا على التوسع الإقليمي. هذه "القوة العسكرية" لا تجد أمامها خيارًا سوى تغيير خريطة المنطقة بالاعتماد على قدراتها التسليحية، وذلك لتجاوز حالة الحصار الجيوسياسي وتطوير "العمق الاستراتيجي" في جميع أنحاء الشرق الأوسط العربي. اليوم، بفضل النفوذ الواسع للوبيات اليهودية في واشنطن، تحولت تل أبيب إلى فرع للأسلحة الأمريكية في منطقة غرب آسيا. ولم يكتفِ المحتلون بوجود حليف قوي خارج المنطقة، بل قاموا أيضًا ببناء ما يقرب من 200 رأس نووي.
في الأيام الأخيرة، ومع تصاعد أصوات الحرب من قبل القوى المتطرفة في الأراضي المحتلة، بدأت الدول العربية، وخاصة قطر، اتخاذ إجراءات دبلوماسية وقانونية وإعلامية جديدة لاحتواء آلة الحرب الإسرائيلية.
في يوم الأحد، أعلنت وزارة الخارجية القطرية في بيان لها أن الدوحة قد طلبت من المراقب النووي للأمم المتحدة أن يضع جميع المنشآت النووية الإسرائيلية تحت إشرافه. كما طالبت هذه الدولة العربية بانضمام الكيان الصهيوني إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وزيادة الجهود الدولية لوضع جميع المنشآت النووية للكيان تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
كما أدان جاسم يعقوب الحمادي، الطلب الإسرائيلي بتهجير قسري لسكان غزة، ومنع إرسال المساعدات الإنسانية، وتصعيد الهجمات العسكرية في الضفة الغربية. وكان الشيخ محمد عبدالرحمن آل ثاني قد حذر في مقابلة مع الإعلامي الأمريكي الشهير تاكر كارلسون من أن أي هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية (خاصة محطة بوشهر) سيؤدي إلى نقص المياه في دول المنطقة.
وأكد وزير الخارجية القطري أن الدوحة قد قامت بمحاكاة هجوم الكيان الصهيوني على إيران، وقد تم تأكيد هذه التصريحات بالأدلة. وأضاف أن بلاده قد زادت من بناء خزانات تخزين المياه، لكن هذا لا يزال يشكل تهديدًا لدول المنطقة. النقطة الأساسية هي أن ليس فقط مياه الخليج الفارسي، بل جميع الكائنات الحية الموجودة فيه، وكذلك الملاحة الدولية، ستواجه خطرًا حيويًا.
دعم قطر لإيران في مواجهة الكيان الصهيوني
في السنوات الأخيرة، اتخذت إمارة قطر، كواحدة من الحلفاء الإقليميين لإيران في الخليج الفارسي، مواقف دعم ملحوظة تجاه التوترات بين طهران وتل أبيب. وقد تعززت العلاقات الدبلوماسية الوثيقة بين الدوحة وطهران، خاصة بعد حصار قطر من قبل المملكة العربية السعودية وحلفائها في عام 2017، مما جعل قطر شريكًا استراتيجيًا لإيران.
خلال التوترات الأخيرة بين إيران وإسرائيل، أكد المسؤولون القطريون مرارًا على ضرورة الحفاظ على استقرار المنطقة وتجنب الإجراءات الاستفزازية. وفي العديد من الاجتماعات الدولية، انتقد وزير الخارجية القطري السياسات التوسعية للاحتلال الإسرائيلي، مطالبًا باحترام السيادة الوطنية لإيران، وأكد دائمًا على الحلول الدبلوماسية بدلاً من المواجهة العسكرية.
كما لعبت الدوحة دور الوساطة النشطة في تقليل التوترات الإقليمية من خلال استضافتها لمفاوضات غير رسمية بين الدبلوماسيين الإيرانيين والقوى العالمية. وفي المجال الإعلامي، سعت قطر من خلال تغطية متوازنة للأخبار المتعلقة بإيران عبر شبكة الجزيرة، إلى تقديم صورة أكثر إنصافًا عن مواقف الجمهورية الإسلامية في الرأي العام العالمي.
على الصعيد الاقتصادي، حافظت قطر على تعاونها التجاري مع إيران رغم الضغوط الدولية، واستمرت في العلاقات المصرفية والتبادلات المالية مع طهران حتى خلال فترات العقوبات الشديدة. ويعتبر إدارة حقل الغاز "بارس الجنوبي" (القبة الشمالية) كأكبر حقل غاز في العالم، مثالًا بارزًا على التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
في المجال الأمني، دعمت قطر موقف إيران في الدفاع عن حقها في السيادة وسلامة أراضيها، ودعت إلى ضبط النفس من الجانبين في النزاعات العسكرية. وأعلن الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال زيارته إلى طهران ولقائه مع القائد الأعلى للثورة الإسلامية عن تضامنه مع موقف إيران في مواجهة التهديدات الخارجية.
علاوة على ذلك، لم تدعم قطر في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية، القرارات المناهضة لإيران التي اقترحها الاحتلال الإسرائيلي وحلفاؤه، وعلى عكس بعض الدول العربية، لم تتخذ خطوات نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل. هذه المواقف الداعمة تعزز من مكانة إيران الإقليمية وتساهم بشكل كبير في إضعاف مشروع "إيران فوبيا" في ظل التوترات مع الكيان الصهيوني.
قطر كداعم لمحور المقاومة
تُعتبر قطر، الدولة الغنية الواقعة على الساحل الجنوبي للخليج الفارسي، قاعدةً للوساطة بين فصائل المقاومة والقوى العالمية من خلال اتباع سياسة خارجية مستقلة. فقد استضافت الدوحة المكتب السياسي لحركة حماس وقامت باستقبال قادة هذه الحركة، مما يعكس دعمها الفعلي للمقاومة الفلسطينية. وفي خضم الصراعات في غزة، لعبت قطر دورًا بارزًا في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
تُعد شبكة الجزيرة، كوسيلة إعلامية قوية تابعة لقطر، أداة فعالة في فضح الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، حيث تغطي بشكل واسع انتهاكات هذا الكيان وتعكس صوت الشعب الفلسطيني المظلوم. كما أظهرت قطر دعمها العملي للشعب الفلسطيني من خلال إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة في المنطقة.
على الصعيد الدبلوماسي، اتخذ المسؤولون القطريون مواقف نقدية تجاه السياسات التوسعية للاحتلال الإسرائيلي، ورفضوا، على عكس بعض الدول العربية، تطبيع العلاقات مع هذا الكيان.
فيما يتعلق بعلاقاتها مع باقي أعضاء محور المقاومة، أقامت الدوحة علاقات وثيقة مع الجمهورية الإسلامية، وحافظت على تعاونها الاقتصادي مع طهران خلال فترة العقوبات الدولية. كما سعت قطر، رغم اختلاف وجهات النظر مع دمشق، إلى المساهمة في حل الأزمة السورية من خلال الحوار والوساطة.
وفي لبنان، لعبت قطر دورًا إيجابيًا في تعزيز المقاومة من خلال دعم إعادة بناء المناطق المتضررة من الهجمات الإسرائيلية والمساعدة في تقوية البنية التحتية للبلاد.
تظهر مواقف أمير قطر في الاجتماعات الدولية ضد الأعمال العدوانية للاحتلال الإسرائيلي، وتركز على الحق المشروع لشعوب المنطقة في المقاومة ضد الاحتلال، التوافق الاستراتيجي للدوحة مع أهداف محور المقاومة. إن هذا النهج المتوازن الذي يتبناه تميم بن حمد، يعزز من العلاقات مع الغرب، ويساهم في تقوية جبهة المقاومة في المنطقة وتقليل الضغوط الدولية على هذا التيار.
خلاصة القول
في عقيدة الأمن القومي لقطر، أدى وجود الجيران الكبار إلى خلق نوع من "الرعب" بشأن الاحتلال من قبل أي من هذه الدول. بناءً على ذلك، سعى المسؤولون القطريون في السنوات الأخيرة إلى استخدام مواردهم المالية لإنشاء أسس جديدة من القوة في المجالات الإعلامية والدبلوماسية والعسكرية.
على مدى العقدين الماضيين، قرر القطريون، ردًا على أحد أسئلتهم الأمنية المتعلقة بـ "الهوية" و"التوازن الإقليمي"، أن يضعوا سياسة دعم فصائل المقاومة الفلسطينية ومواجهة الإجراءات غير القانونية للاحتلال الإسرائيلي في صميم عمل سياستهم الخارجية.
تظهر جلسة جاسم يعقوب الحمادي، سفير وممثل قطر في الأمم المتحدة، مع مديري الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتركيز هذا البلد العربي على ضرورة تفتيش المنشآت النووية للاحتلال، الموقف المبدئي للدوحة تجاه تل أبيب. وقد طالب القطريون سابقًا بشكل علني بضرورة كبح جماح إسرائيل من قبل المجتمع الدولي، حتى لا تقوم بأي إجراء غير محسوب أو عدواني ضد إيران.
إن وضع القطريين الحالي يتطلب منا الإشارة إلى هذا البلد العربي كأحد الشركاء لإيران في مجلس تعاون الخليج الفارسي.
/انتهى/