وخلافا للاعراف السائدة في الانتخابات التي تجرى في دول العالم , فانه ليس هناك مرشح فائز او خاسر في انتخابات رئاسة الجمهورية.
والسبب في ذلك يعود الى ان المرشح الفائز يجب عليه ان يثبت التزامه بالوعود التي قطعها للشعب وان تنفيذ جميع الوعود الانتخابية يستلزم مساع حثيثة وتضحيات ونكران للذات.
من جانب آخر فان كل مرشح لا يتمكن من الحصول على اغلبية الاصوات لا تعني انه خسر الانتخابات , لان قبول المسؤولية في الجمهورية الاسلامية تعني التعهد وقبول المسؤوليات الاخلاقية والوجدانية تجاه الشعب.
وطبعا هذا الامر يعود الى الهيكل الحكومي للجمهورية الاسلامية لان الاسلام وخاصة مذهب الشيعة يعتبر ان قبول المسؤولية لاتعني السيادة والرئاسة وانما تحمل اعباء المسؤولية.
والانموذج التاريخي لهذا الامر كان قبول الامام الاول للشيعة ومولى المتقين علي بن ابي طالب (ع) الخلافة باكراه بعد مقتل الخليفة الثالث , والذي تحمل العزلة لمدة خمسة وعشرين عاما من اجل المصلحة العامة للمسلمين وللحيلولة دون وقوع الفرقة بين اوساط الامة الاسلامية.
ومن هذا المنطلق فانه خلافا للحكومات العلمانية التي تعتبر قبول المنصب بمفهوم الحصول على الرفاهية واكتساب الثروة , فان قبول المسؤولية في الجمهورية الاسلامية بمثابة السير في حقل الغام.
ومن جهة اخرى فان ذاكرة الشعب الايراني في متابعة القضايا السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي وقدرته التحليلية العجيبة في كل دورة انتخابية قد فاجأت العالم باسره.
ففي الانتخابات التي جرت مؤخرا اثبت التوجه الجديد للايرانيين ان الشعب سئم من سماع الشعارات غير الواقعية.
وهذه الانتخابات كانت تحمل رسالة في مضمونها وهي ان الشعب الايراني يولي اهتمامه بالدين والعدالة الاجتماعية وضرورة تقليل الهوة بين الفقراء والاغنياء ومكافحة الفساد والانحطاط الاخلاقي.
فالمجتمع الايراني مجتمع تقليدي ومتدين ولايرغب في التضحية بمبادئه الدينية والوطنية باي ثمن كان.
ومن جهة اخرى فان المجتمع الايراني شاهد خلال العقد الماضي للاسف تهميش القوى الملتزمة والمخلصة , وهو امر مرفوض بالنسبة للشعب الايراني.
فالقوى التي ضحت على مدى ثمانية اعوام من الدفاع المقدس باخلاص من اجل الحفاظ على مبادئ الثورة السامية ووحدة الاراضي الايرانية , فرضت عليها للاسف العزلة خلال العقد المنصرم ولحقت بها اضرار فادحة.
وعلى هذا الاساس فان المفهوم الآخر لانتخابات رئاسة الجمهورية الاخيرة هو العودة الى المبادئ المقدسة والتي طويها النسيان خلال الاعوام العشرة الاخيرة.
ولهذا السبب فان الفائز الرئيسي في هذه الانتخابات هو الشعب الايراني الذي اكد من خلال اقتراعه على العودة الى مبادئ وقيم الثورة الاسلامية الاصيلة.
من جانب آخر فان على رئيس الجمهورية الذي انتخبه الشعب ان يستوعب المفهوم الحقيقي لاصوات الشعب ويعمل من جل تحقيق مطالب الشعب الاقتصادية والمعيشية والرفاهية.
ولو ان تلبية المطالب الشعبية بشكل سريع يتطلب ايجاد تغيير عام في الهيكل الاداري للنظام ولكن بدون اجتناب التوجهات الفئوية المتطرفة والابتعاد عن تصفية الحسابات الشخصية فان هذا الامر مستحيل تحقيقه.
وعلى كل حال فان الشعب الايراني بمشاركته الواسعة في انتخابات رئاسة الجمهورية قد حصن النظام في مواجهة التهديدات الخارجية اولا , وثانيا اثبت انه لم يبتعد مطلقا تحت اية ظروف كانت عن اهداف الثورة الاسلامية والقيم الدينية.
ويتعين على الرئيس الايراني المقبل وفي اطار اجتياز الازمات الدولية والاقليمية ان يراقب بدقة التطورات العالمية , وان يوظف شرعيته المكتسبة في الداخل , لتعزيز دور ايران في مجال اتخاذ القرارات الدولية.
وهذا الدور يجب ان ياخذ في نظر الاعتبار الثقل السياسي والاقليمي للجمهورية الاسلامية الايرانية واستقرارها السياسي لكي يكون مؤثرا على الصعيد الدولي , من اجل ان تستعيد ايران مكانتها الحقيقية في المعادلات السياسية المختلفة./انتهى/
حسن هاني زاده - خبير الشؤون الدولية بوكالة مهر للانباء
تاريخ النشر: ٢٦ يونيو ٢٠٠٥ - ١٢:٥٣
دلت نتئج المرحلة الثانية من انتخابات رئاسة الجمهورية في ايران على ان الشعب الايراني وادراكا منه للظروف الداخلية والخارجية توجه الى صناديق الاقتراع بوعي من اجل ايجاد الحصانة المطلوبة لنظام الجمهورية الاسلامية الايرانية.