فحزب الله اتخذ خلال اكثر من شهر تاكتيكا عسكريا فريدا من نوعه اطلقت عليه القيادة العسكرية الاسرائيلية الحرب مع الاشباح.
ويقصد القادة العسكريون ان القوات الاسرائيلية كانت تواجه هجمات من كل القواطع في الجنوب دون ان تشاهد اي من ينفذ هذه العمليات.
وتكبدت القوات الاسرائيلية خسائر جسيمة بالارواح والمعدات كما ان الصواريخ التي اطلقها حزب الله على شمال الاراضي الفلسطينية المحتلة اثارت للمرة الاولى في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي الرعب في نفوس المستوطنين الصهاينة.
واسرائيل المدللة لدى امريكا والدول الاوروبيةلم تكن تتوقع يوما ما بان مجموعة عربية تسطيع ان تزرع الخوف والهلع في قلوب اليهود لان اليهود كانوا القوة الضاربة في المنطقة زهاء نصف قرن من الزمن.
والجيش الصهيوني بدوره هو الذي هزم جيوش العرب بطائراتهم ودباباتهم ومدرعاتهم حيث بلغ الامر الى ان يتنكر جنرالات العرب بزي النساء ورعاة الاغنام للهروب من ساحات الوغى.
وهذه النكسة زرعت الخوف في نفوس ملايين العرب وجعلتهم يرتعدون من سماع هدير الدبابات الصهيونية وبات اليهودي هو العنصر الوحيد الذي يتحكم بالقرارات الاقليمية والدولية الخاصة بالشرق الاوسط.
وعقدة الخوف من الجيش الاسرائيلي ملأت قلوب سكان المنطقة مما جعل قادة الدول العربية تهرول لاقامة علاقات مع الكيان الصهيوني دون الحصول على اي مكسب.
وبلغ الامر الى الدرجة التي يستخدم وزير الخارجية الاسرائيلي السابق سيلفان شالوم لهجة استهزائية ومهينة ضد العرب قائلا ان كل دولة عربية تريد ان تقيم علاقات مع اسرائيل فعليها ان تقف في الطابور لياتي دورها لان ليس لدى اسرائيل متسعا من الوقت لدراسة ملف كل هذه الدول!
وحينما كانت صواريخ حزب الله تدك مدن الاراضي الفلسطينيه المحتلة والمقاومة تسجل الانتصار تلو الآخر كشفت ملامح الحرب بان حزب الله هو الذي سينتصر في هذه المعركة المصيرية.
فلذا بعد عشرين يوما من الحرب قررت الانظمة العربية تشكيل اجتماع طارئ على مستوى وزراء الخارجية في العاصمه اللبنانية بيروت. فماذا حدث؟
لقد قام الكيان الصهيوني بتبليغ وزراء خارجية الدول العربية قبل التوجة الى بيروت بان اسرائيل ليس بمقدورها ان تضمن سلامة الطائرات العربية التي تدخل الاجواء اللبنانية واي طائرة تريد الذهاب الى لبنان ينبغي ان تمر عبر اجواء الاراضي الفلسطينية.
وفعلا رد وزراء خا رجية الدول العربية بالقول " سمعا وطاعة"! وكانت الطائرات التي تقل الوفود العربية تذهب الى فلسطين المحتلة ومن ثمة ترافقها طائرات حربية اسرائيلية حتى مطار بيروت.
وليت لم يسجل قادة العرب هذا الموقف المتخاذل والمشين من خلال اجتماعهم في بيروت وكان من الافضل ان يجتمعوا مثلا في اي بلد عربي لتلافي اهانات اسرائيل.
ورغم ان الانظمة العربية باتت في المعادلات الاقليمية والدولية كالصفر على الشمال ولا حول لها ولا قوة الا ان انتصارات حزب الله في جبهات القتال هي التي غيرت موازين القوى وارغمت الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن التحدث مع موفد الجامعة العربية الى نيويورك والاستماع الى مطالبه وتغيير صياغة قرار وقف اطلاق النار.
فالحقيقة ان حزب الله ولاول مرة في تاريخ الصراعات في المنطقة غير مقولة "حق القوة " التي كانت تمتلكها اسرائيل وامريكا و اصبحت اليوم "قوة الحق" هي التي تتحكم بقرارات الاروقة الدولية.
والمقولة الاخرى التي انكشفت خلال فترة الحرب بين اسرائيل ولبنان هي مدى عداء الانظمة العربية للمقاومة الاسلامية ليس كونها مقاومة تدافع عن ارضها وكرامتها وكرامة الامة العربية ايضا بل كونها مقاومة شيعيه فقط.
ولم تكن بعض الانظمة العربية ترغب بان ينتصر حزب الله على الجيش الاسرائيلي لسبب واحد فقط وهو ان هذا الانتصار سيعزز مكانة الشريحة الشيعية ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة برمتها.
فلذا دأب بعض قادة العرب على تحريض اسرائيل لضرب المقاومة باي ثمن كان والقضاء عليها لان حسب رايهم فان بقاء اسرائيل القوة الضاربة اهون من ان يصبح حزب الله قدوة للشعوب العربية المغلوبة على امرها.
فاذن انتصار حزب الله وهو ترجمة للآية الشريفة "اذا جاء نصر الله والفتح " يعتبر انتصارا على بعض الانظمة العربية قبل الانتصار على اسرائيل حيث ان هذه الانظمة ستتهاوى من الآن فصاعدا تحت ضغط الشارع العربي الذي قد يحاسب قادته من الموقف المتخاذل الذي اتخذته هذه الانظمة طيلة الحرب ضد لبنان.
حسن هاني زاده – خبير الشؤون الدولية بوكالة مهر للانباء