وهذا هو التفسير الصحيح الذي جعل من المقاومة ذات أثر كبير وذات نتائج عظيمة , فالمقاومون في المعركة هم شهداء في سبيل الله ، والشعارات المرفوعة هي شعارات هذا الإيمان الذي نؤمن به , والمواقف التي نتخذها تنطلق من قاعدة الحلال والحرام , والبناء الذي نبني عليه مناصرينا هو بناء الاستقامة والصلاح ، هذا هو المقياس الأساس للنجاح.
وتابع الشيخ نعيم قاسم قائلا : من هنا بدأتُ في كتابي بالمنهج الفكري والرؤية ، وبعد ذلك تحدثت عن التجربة وعنونت الكتاب "المنهج ، التجربة ، المستقبل" ، لأقول أن البداية من المنهج ، وتأتي التجربة كتطبيق لهذا المنهج ، وعندها يكون المستقبل مشرقاً إن شاء الله تعالى، بناءً على حسن التجربة المستندة على منهج صحيح.
وحول كيفية وصول حزب الله الى هذه المرتبة الشعبية وكيف استطاع ان يتجاوز الخلافات التي دارت بينه وبين باقي الحركات الشيعية الاخرى في فترة من الزمن قال الشيخ نعيم قاسم : حزب الله بدأ عملياً سنة 1982 وكان عبارة عن تجمع لبعض الكفاءات والشخصيات التي كانت لها رؤى متفاوتة ومختلفة جمعها الالتزام بخط الإمام الخميني (رض)، حيث سَلَّم جميع من دخل في قيادة الحزب وشكّل قيادة الحزب بأولوية وأهمية المنهج الذي اعتمده الإمام الخميني (رض) في فهمه للإسلام وتفسيره للقواعد العامة للأحداث ، وبالتالي انطلق حزب الله في إطار الالتزام بولاية الفقيه بهذا المعنى ، ومن المعلوم أن أي حزب ناشئ لا يمكن أن يكون متمتعاً بالصلابة التي تتشكل له مع مرور الزمن ، ولا بسعة الأفق التي تزداد تدريجياً مع التجربة ، ولا بالحصانة الكافية التي يستطيع الحزب من خلالها أن يحمي نفسه إلاَّ بعد أن يتأصل في الأمة أكثر وتتوفر له عناصر إضافية تُشكل له الحماية الكافية ، بمعنى آخر الحزب كالمولود يحتاج إلى فترة في بطن أمه، وهو يكون في هذه الحالة ضعيفاً ومُعرضاً للأخطار ، وقد يولد وقد لا يولد ، وقد يولد حياً أو ميتاً ، إذن توجد حالة جنينية ضرورية لعملية التكوين , بعد ذلك يكون طفلاً ثم يُصبح شاباً ويشتد عوده.
حزب الله مرَّ بهذه المراحل ، ولا ننسى أنه غير متروك وحده، فهناك التآمر الدولي عليه ، ووجود إسرائيل ، والمنافسة الحادة من الأطراف المحلية ، وحتى من ساحتنا الشيعية.
إذن هذا الحزب لم يكن وحده موجوداً ، وينمو بشكل عادي وطبيعي، وإنما يواجه مجموعة كبيرة من التحديات ، وهنا لا نستطيع القول بأن القيادة في مرحلة من مراحلها لم تكن جيدة وأصبحت جيدة ، بل أقول أن الظروف التي مرَّت بها القيادة أثناء النشأة تختلف عن الظروف التي أصبحنا عليها, وبطبيعة الحال فالقيادة مع الزمن تتبلور أكثر وتصبح أكثر خبرة , وينشأ بعض الأشخاص الذين يُراكمون هذه التجارب العديدة بحيث يصبحون أكثر حكمة وأكثر دراية خاصة عندما يستفيدون مما جرى ، ويراكمون هذه الخبرة بدل من أن تكون مجرد أحداث لا تعني لهم شيئاً , على هذا الأساس ما حصل مع حزب الله في البدايات أنه من سنة 1982 إلى سنة 1990 يعني لمدة ثماني سنوات لم يكن الحزب مهتماً كثيراً بالظهور السياسي وإنما كان مهتماً بالبناء الداخلي ، وبالعمل العسكري المباشر من أجل أن يحصن نفسه ، وقد صادف أن الواقع اللبناني أيضاً كان واقعاً مقسماً بين منطقة إسلامية ومنطقة مسيحية ، أي لم يكن هناك حياة سياسية في لبنان بالمعنى الحقيقي ، كنا في داخل المشكلة التي كانوا يسمونها الحرب الأهلية في لبنان التي امتدت من سنة 1975 إلى سنة 1990 ، يعني نحن كنا في القسم الثاني من سنة 1982 إلى سنة 1990 ، ومن الطبيعي أن لا نجد محلاً للعمل السياسي بشكل فعال، واهتممنا بشكل أساسي ببناء أنفسنا, من هذه اللحظة دخلنا في مخاض معقد في نهاية الفترة أي من سنة 1989 تقريباً عندما بدأ ما يسمى الخروج من الحرب الأهلية اللبنانية ببداية عقد اتفاق الطائف، فاختلفنا في الداخل بين حزب الله وحركة أمل، ولم يكن الاختلاف داخلياً فقط ، وإنما كان باعتبارات إقليمية ودولية أثرت على الواقع ، وأدخلتنا في مشاكل معقدة خرجنا منها بحمد الله تعالى خلال سنتين ولم تعد قائمة ولم تعد موجودة ، واستفدنا من هذه التجربة ، ثم ابتداء من سنة 1990 بدأنا نُطوّر أداءنا فدخلنا الانتخابات النيابية سنة 1992 ، وكانت المرة الأولى التي ندخل فيها في الاختبار الشعبي على مستوى القاعدة في تركيبة النظام اللبناني ، ومن وقتها بدأت التجليات والمواقف والتطور الكبير جداً الذي وصل إليه حزب الله , وبطبيعة الحال قيادة الحزب استطاعت أن تواكب هذه المراحل وأن تطور إمكاناتها, وتوفقنا بحمد الله تعالى بشخص سماحة السيد حسن نصرالله في المرحلة الأخيرة التي استمرت من سنة 1992 حتى الآن ، بأن يكون للحزب هذا الدور الكبير مع القيادة التي سلكت هذا الاتجاه واستفادت من تجاربها.
وفي ما يتعلق باسباب تحول الشيخ نعيم قاسم من شخصية اكاديمية الى شخصية دينية وتبوءه منصب قيادي في الكفاح ضط الكيان الصهيوني قال نائب الامين العام لحزب الله : عندما كنت في سن السادسة عشرة من عمري بدأت الالتزام الديني من بابه الواسع ، بحيث كنت اهتم بحضور مجالس العلماء والتحصيل الثقافي والمطالعة المكثفة ، أفادني في هذا الأمر أني كنت في السنة الأخيرة تقريباً من الدراسة الثانوية ، بعد ذلك قررت أن أدخل إلى الجامعة لدراسة الكيمياء باللغة الفرنسية ، ومن نتيجة هذه الدراسة بعد خمس سنوات أكون مدرساً في هذه المادة ، وفي آنٍ معاً كنت أتابع التحصيل الديني وأحضر الندوات , وقد توفقت بحمد الله تعالى اني بعد حوالي سنة ونصف من بداية التزامي بدأت أعطي دروساً تثقيفية وتربوية للأطفال ، بحيث كنت أجمع مجموعة منهم مؤلفة من عشرة أو خمسة عشر ولداً من أعمار العاشرة وحتى الثالثة عشر سنة وأعطيهم دروساً دينية , وكنت شغوفاً بالمطالعة والتحضير والمتابعة ما ساعدني أن أتصدى في وقت مبكر لإعطاء الدروس للأولاد والأطفال , إلى إعطاء الدروس للشباب من سن الثامنة عشر إلى العشرين ممن يقاربون جيلي تقريبا ً، وهذا له علاقة بالممارسة والاهتمام بهذا الحقل ، لكن في تلك الفترة لم أكن أفكر بأن أضع عمامة.
واضاف : لقد كنت أسكن في منطقة المصيطبة في بيروت الغربية ، ولم يكن في ذهني أن أدرس من أجل أن أضع عمامة على رأسي ، وإنما كنت أفكر أن الدراسة الحوزوية تساعدني لمزيد من الثقافة الدينية التي أتحرك فيها من أجل أن أقوم بأنشطة المناسبات وخاصة مناسبة عاشوراء ، كنت أُكلَّف بالتعريف في هذه المناسبات في عدة ليالي ، وساعدني هذا الأمر على أن أصعد المنبر وأنا في سن العشرين وأقدم بعض التعريفات للمحاضرين ، وفي السنة التالية طُلب مني أن أتكلم كلمة وليس فقط تعريفا ً، إضافة إلى التعريف الذي كان مقرراً في بعض الليالي ، وهذا ما عزّز من شخصيتي وقدرتي على مخاطبة الناس بشكلٍ أكبر، وكانت الدراسة الحوزوية تسير جنباً إلى جنب مع دراستي الجامعية ، إلى أن قرّرت بعد فترة من الزمن يعني بعد حوالي تسع سنوات تقريباً من الدراسة الحوزوية أن أتعمم وأن أترك التعليم العلمي يعني في مادة الكيمياء , لأني لمست في تلك الفترة - مع تطور النشاط الإسلامي - أن الساحة بحاجة أكثر، وأني أستطيع أن أخدم مع العمامة بشكل أفضل ، وكنت مقتنعاً أن الصورة التي يجب أن تُعطى من معمّم يجب أن تكون صورة جيدة وحسنة , حتى نتخلص أيضاً من بعض الصور التي لم تكن ناجحة في كيفية تعاطيها مع الناس أو في توجيه الناس ، فكان أن حسمت الموقف ولبست العمامة في سنة 1983 ، وكان سبب تركي للتعليم العصري والتدريس هو عدم وجود الوقت الكافي لدي للجمع بينهما , وإن كان الجمع له دلالة لطيفة وجميلة ، إلاَّ أن القدرة عندي لم تكن موجودة للجمع بسبب المتطلبات العملية ، هنا أذكر أنه في السنوات الأولى لالتزامي أي خلال الفترة الجامعية أسّست مع مجموعة من الاخوة "الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين"، وبدأنا ننشط في الجامعة في إطار الطرح الإسلامي ، ولا أخفيك كنت أشعر بأني غريب في كلية التربية التي كنت فيها ، إذ لم يكن معي أحد من الذين يؤمنون بما نؤمن به , حيث كان الاتجاه اليساري هو الطاغي ، وكانت هناك أفكار قومية واتجاهات أخرى , ولم يكن الالتزام الديني التزاماً بارزاً في أوائل السبعينيات في لبنان , لكن مع ذلك كنت أسعى إلى أن أتعاون مع بعض الأشخاص في داخل الكلية من أجل القيام بنشاطات محدودة جداً , لأنه لم يكن لنا دور وحضور ، إلاَّ أنه من خلال "الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين" اجتمعنا من مجموعة مناطق لبنانية ، وكنا نعمل في هذا الاتجاه , كذلك شاركتُ في تأسيس لجنة ثقافية في منطقة المصيطبة حيث أسكن , وتعاونا مع لجان إسلامية أخرى في المناطق الأخرى ،/ يتبع /
تاريخ النشر: ٩ سبتمبر ٢٠٠٧ - ١٦:١٦
إذن هذا هو البناء الذي جعل لنا القوة الحقيقية ، لذا أقول : النظرة إلى حزب الله على أنه مقاومة عسكرية هي نظرة خاطئة ، يجب أن ننظر إلى حزب الله على أنه حزب عقائدي صلب وواضح في توجهاته يعمل في مقاومته للاحتلال ،