قال العلامه السيد محمد حسين فضل الله ان أنّ ما يُتحدّث عنه الأميركيّون من مؤتمر للسلام في الخريف المقبل، لن يكون إلا لعبةً سياسيّة جديدةً للمناورة، التي تترك الفلسطينيّين بعدها للمجهول

واشار العلامه فضل الله خلال خطبتي صلاه الجمعه في مسجد الامامين الحسنين "ع" في حاره حريك ببيروت الي الاوضاع في الساحة الفلسطينيّة قائلا: ان  العدو يتحرّكّ لتضييق الحصار على الفلسطينيّين في قطاع غزّة، في حاجاتهم الضروريّة الحيويّة، إلاّ أنّه من المستبعد أن ينتقد المجتمع الدولي الكيان الصهيوني على هذا العقاب الجماعي الذي قد يؤدّي إلى كارثة إنسانيّة كبيرة في القطاع، بالإضافة إلى صمت هذا المجتمع أمام تهديد وزير حرب العدوّ باجتياح غزّة.
واضاف : إذا كان المبرّر المطروح لذلك هو إفهام حماس أنّ هناك ثمناً لكلّ صاروخ يُطلق على مناطق مأهولة، فإنّ هذا العقاب الجماعي موجّه لكلّ المواطنين المدنيّين من الفلسطينيّين، حتّى الذين لا علاقة لهم بإطلاق الصواريخ، مع العلم أنّ المقاومة تتحرّك في هجومها على المستوطنات المحتلّة وعلى مراكز الجيش الصهيوني دفاعاً عن حرّية الوطن كلّه، وردّاً على الاحتلال من جهة عدوانه، اغتيالاً وتفجيراً واجتياحاً واعتقالاً وتعذيباً للمدنيّين على المعابر بوحشيّة تعرّض الأطفال والشيوخ والنساء الحوامل للموت أو للإجهاض، ما يجعل صواريخ المقاومة الفلسطينيّة دفاعاً عن الشعب والوطن، وليست عدواناً ابتدائيّاً.
و اكد العلامه فضل الله ان في هذا المجال، لا بدّ لمنظّمات حقوق الإنسان، والأنظمة العربيّة والإسلاميّة، إضافةً إلى السلطة الفلسطينيّة، من أن تتحمّل مسؤوليّاتها في الوقوف ضدّ هذا العقاب الجماعي، ورفع الصوت عالياً أمام الانتهاكات الإسرائيليّة الفاضحة للقوانين الدوليّة، وشرعة حقوق الإنسان وكلّ القيم الأخلاقيّة.
وعلى الفلسطينيّين، سلطةً وشعباً، أن يدركوا أنّ ما يُتحدّث عنه الأميركيّون من مؤتمر للسلام في الخريف المقبل، لن يكون إلا لعبةً سياسيّة جديدةً للمناورة، التي تترك الفلسطينيّين بعدها للمجهول، ولاسيّما مع إعلان رئيس حكومة العدوّ أنّه لا يتوقّع أن يصل كيانه إلى وضع اتّفاق نهائي قبل مدّة تراوح بين 20 و30 سنة، وتأكيده أن المؤتمر المزمع عقده في الخريف لن يكون إلا بمثابة غطاء دوليّ لتأييد العمليّة السياسيّة بين كيانه والفلسطينيّين.
وانتقد العلامه فضل الله تصريحات وزير الحرب الصهيوني ضد سوريا قائلا ان هذه التصريحات توحي بأنّ كيان العدوّ لا يزال يخطّط لرفع مستوى التوتّر الأمني في المنطقة، وذلك بالتنسيق مع الولايات المتّحدة الأمريكية التي تستخدم الكيان الصهيوني لتحريك مخطّطاتها الاستراتيجية العدوانيّة التي تطاول كل قوى المنطقة ودولها؛ الأمر الذي يفرض على المقاومة في لبنان أن ترفع درجة استعدادها الدفاعي لمواجهة أي عمل عدوانيّ على لبنان، كما حصل في العام الماضي.
وهذا ما يجب أن يفهمه اللبنانيّون، حكومةً وشعباً؛ لينطلق الحوار الجادّ لتحديد استراتيجيّة الدفاع عن الوطن، ولاسيّما مع الرفض الأمريكي لتسليح الجيش اللبناني بما يشكّل حال دفاعيّة واقعيّة ضدّ عدوان العدوّ؛ باعتبار أنّ الخطّة الأمريكية هي بقاء العدوّ الإسرائيلي في الدرجة العليا من القوّة في المنطقة كلّها؛ وليؤكّد الحوار فشل مقولة أنّ السياسة هي التي تحمي لبنان لا السلاح، وذلك بعد أن أثبتت هذه المقولة فشلها في أكثر من محطّة من تاريخ لبنان، وفي أكثر من نموذجٍ في المنطقة.
واشار الي تدخل اميركا في شوون العالم قائلا :لا تزال الولايات المتّحدة الأمريكية في استعراض القوّة العسكريّة والسياسيّة في المنطقة، والتدخّل في أوضاع العالم كلّه، تنشر الفوضى في أكثر من منطقة، على مستوى الاهتزاز السياسي كما في لبنان، أو التوتّرات الأمنيّة كما في الصومال، أو الاضطرابات السياسية والأمنية، كما في باكستان، أو الاحتلال الإجرامي كما في العراق وأفغانستان، أو عندما تدفع عملاءها في كلّ بلدٍ رافضٍ للاستسلام لسياستها الاستكباريّة العدوانيّة، للسيطرة على البلد كلّه، واعتقال المعارضة الرافضة لهم، واللعب بالوسائل الديمقراطيّة بحيث تكون لحساب الحاكمين، لا لحساب الشعب...
و حذّر العلامه السيد محمد حسين فضل الله رئيس وزراء بريطانيا بسبب تحالفه الوثيق مع الولايات المتّحدة الأمريكية قائلا ان ّ القوّة وحدها لن تكون كافية، مشيراً إلى أنّ العنف الاستكباري لأمريكا وحلفائها في دول العالم الثالث، ولاسيّما في الدعم المطلق للكيان الإسرائيلي،مضيفا ان هذا التحالف أصبح يزيد في الانفلات الأمني، ويحرّك المعارضة الشعبيّة في أكثر من بلدٍ ضدّ إرهاب الدولة.
واضاف : نحن نرى هذه السياسة الاستكباريّة في استغلال الهيمنة على مجلس الأمن الدولي، من قبل أمريكا وفرنسا وبريطانيا، لاستصدار القرارات الضاغطة على إرادة أكثر من شعبٍ، كما في لبنان أو في إيران، تحت عناوين وشعارات لا تنطلق إلا من خلفيّة استكباريّة استعماريّة، وتعمل على أن لا تمتلك الشعوب أيّ خبرة علميّة في المجالات الحسّاسة، ولاسيّما النووية، حتّى تبقى الشعوب أسيرة ما تقدّمه تلك الدول في ظلّ تكريس مبدأ الاستهلاك لشعوبنا بعيداً عن عمليّة تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وحذر من تنامي الخطر الاميركي علي المنطقه قائلا :إنّنا نحاول أن نثير في وجدان العالم المستضعف، ولاسيّما العالم العربي والإسلامي، الشعور بالخطر الأمريكي الذي يخطّط لامبراطوريّته الكونيّة، سواء في قوّته الذاتيّة أو في تحالفاته الدوليّة أو في اجتياحاته الاقتصاديّة؛ وذلك بالرفض الكلّي لهذا الأخطبوط الاستكباري بما يؤدّي إلى تحريك موازين القوّة لدى الشعوب، والعمل على تطويرها لتتحوّل إلى موقع كبير من مواقع الحرّية والاستقلال، وأن ينطلق العالم الإسلامي للتخفيف من حدّة الصراعات الداخليّة، سواء كانت مذهبيّة أو قوميّة أو عرقيّة أو ما إلى ذلك، والتي قد تتحرّك فيها مواقع رسميّة، حتّى أن بعضهم بات يمارس عمليّة التمييز العنصري أو المذهبيّ الذي تديره أجهزة الاستخبارات الدوليّة وتشجّعه الأموال الضخمة؛ كلّ ذلك ليبقى هذا الرئيس أو ذاك المسؤول في موقعه السياسي، ضاغطاً على حرّية شعبه، ليرثه أولاده من بعده، ما يدلّ على التخلّف الفكري والسقوط الروحي والانهيار السياسي.
وتطرق الي الاوضاع في لبنان قائلا أن بعض نقاط القوّة في إيجاد حلّ للأزمة الخانقة في مسألة الاستحقاق الرئاسي، ولكنّ الظلام الذي تنتجه الدول الكبرى، وفي مقدّمها الولايات المتّحدة الأمريكية، لا يزال يخنق أيّ نقطةٍ للنور في الأفق، ولا يزال اللبنانيّون يعيشون أكثر من هاجسٍ واقعيّ بفعل المخاوف التي يثيرها الصراع الداخلي الذي تحكمه الكلمات الحادّة والاتّهامات القاسية والخلفيّات السياسية الخاضعة لهذه الدولة أو تلك، وللمواقع التي يخشى بعض أصحابها، من زعماء الطوائف، على زعاماتهم أو التزاماتهم من أيّ مبادرة إنقاذيّة واقعيّة، ولاسيّما أنّ بعض هؤلاء مكلّفون بأن يلعبوا أدواراً في خدمة المشاريع الدوليّة لمصلحة أزمة المنطقة؛ لإبقاء لبنان ساحة للنفوذ الخارجي، في عمليّة استغلال للوضع الطائفي الذي يسود في واقع البلد، واليأس الوطني، والعبث السياسي، والهواجس النفسيّة من جريمة هنا وتفجير هناك ممّا يبشّر به بعض السياسيين الذين لا يعرف الناس مصادر تنبّؤاتهم التي يديرون من خلالها الخوف لدى الناس من الخطر القادم، كوسيلةٍ من وسائل اللعبة السياسية التي تحفظ لهم مواقعهم الطائفيّة.
واضاف العلامه السيد محمد حسين فضل الله مخاطبا القوي السياسيه في لبنان قائلا : إنّ الأوضاع الدوليّة والإقليمية والمحلّية تتحرّك من أجل زرع الأشواك في طريق المستقبل، حتّى لا يأتينا مزروعاً بالورود، تماماً كما زرعت إسرائيل، ومن خلفها أمريكا، ملايين القنابل العنقوديّة والألغام التي تنفجر في أجساد المدنيّين./ انتهي /