والحقيقة ان هذه الاشارات دغدغت مشاعر بعض الساسة في اروقة صنع القرارات السياسية في ايران دون ان تدرك هذه الجهات ان الحكومة المصرية لم ولن تتحرك في مجال السياسة الخارجية الا باستأذان من البيت الابيض.
وكما هو معروف فان كل دولة تبني علاقاتها السياسية مع الدول الاخرى وفق المصالح الوطنية ولكن العلاقات بين ايران ومصر لها طابع آخر اذ ان هذه العلاقات تأتي من منطلق مصلحة الدول الكبرى قبل ان تصب بمصلحة البلدين.
فقد كانت ايران ومصر ابان الحكم الملكي في هذين البلدين قد تميزتا بعلاقات حميمة ووطيدة بلغت حتى اقامة مصاهرة بين البلاطين في عقد الثلاثينات من القرن الماضي.
وما لبث ان قام شاه ايران المقبور بتطليق زوجته فوزية شقيقه الملك المصري فاروق ، وعلى اثرها توترت العلاقات بين البلدين.
وبعد ثورة الضباط الاحرار عام 1952 وتولي الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر سدة الحكم ازدادت حدة التوتر بين ايران ومصر الى ان وصلت حد القطيعة السياسية وبات قادة كلا البلدين يكيلان الشتائم والتهم ضد بعضهما البعض.
وبعد رحيل الرئيس السابق جمال عبدالناصر و تولي الرئيس انور السادات مقاليد الحكم استؤنفت العلاقات بين ايران ومصر والتي توجت بقيام الرئيس المصري انور السادات بزيارة طهران في منتصف السبعينات من القرن الماضي والقاء خطاب مكتوب باللغة الفارسية خلال مأدبة عشاء اقامها شاه الايران المقبور على شرف ضيفه الرئيس انور السادات.
وما ان انتصرت الثورة الاسلامية ولجوء شاه ايران المخلوع الى صديقه انور السادات وبعد التوقيع على معاهدة كامب ديفيد المشؤومة عام 1978 توترت العلاقات بين البلدين وقطعت بعد مقتل انور السادات في 6 اكتوبر عام 1981 على يد ضابط مصري يدعي خالد الاسلامبولي.
وقامت بعض الجهات في ايران تحت تاثير النزعة الثورية ونكاية لمن قاموا بالتوقيع على معاهدة كامب ديفيد بتسمية احد شوارع طهران باسم خالد الاسلامبولي مما اثار غضب الجانب المصري اكثر من ذي قبل.
كما ان الرئيس المصري المقتول انور السادات وقف الى جانب الدكتاتور العراقي المعدوم صدام حسين في بداية عدوانه الغاشم ضد الجمهورية الاسلامية في سبتمبر / ايلول عام 1980.
ومنذ الحرب الصدامية ضد ايران حتي نهايتها عام 1988قدمت مصر الى العراق شتى المساعدات العسكرية من خلال ايفاد جنرالاتها الى جبهات القتال تلك الجنرالات التي هربت من امام الجنود الصهاينة في حرب حزيران عام 1967 متنكرة بزي رعاة الاغنام.
ولم ينس الشعب الايراني الدعايات المضللة للاعلام المصري طيلة فترة الحرب العراقية ضد ايران لان جل الكتاب المصرييين وقفوا الى جانب الدكتاتور العراقي المعدوم ووجهوا شتى الاساءات الى شيعة العراق والشعب الايراني بالتحديد.
واليوم وبعد ما يقارب الثلاثة عقود من الجزر والمد في العلاقات بين البلدين بات الشعب الايراني لا يعير اي اهتمام للعلاقات مع مصر.
فهذه العلاقات اساسا لا تصب في مصلحة ايران لان مصر فقدت بريقها السياسي والثقافي ومكانتها الاقليمية والدولية في ظل التخبط السياسي للنظام المصري الحالي.
ورغم الاحترام الذي يكنه الشعب الايراني للشعب المصري فان ثمة غموض ما زال يكتنف جدوى استئناف العلاقات بين مصر وايران.
فمصر لها علاقات وطيدة وواسعة مع الكيان الصهيوني والعلم الاسرائيلي مازال يرفرف فوق سماء القاهرة رغم المعاناه التي يواجهها الشعب الفلسطيني جراء البطش الاسرائيلي.
فالحكومة المصرية الحالية ابتعدت كليا عن القضايا العربية والاسلامية ولا يمكنها ان تتخذ قرارا لا يصب في مصلحة اميركا واسرائيل , وبطبيعة الحال فان استئناف العلاقات مع ايران لا يصب في مصلحة واشنطن وتل ابيب.
وبما ان الشعب المصري رغم طاقاته الاقتصادية والثقافية الهائلة يعيش على مساعدات اميركا والغرب فبالتالي لايمكن للنظام المصري القيام باتخاذ خطوة سياسية مستقلة لا ترضي اميركا والغرب.
فاذن من السابق لاوانه التحدث عن استئناف العلاقات بين طهران والقاهرة دون اعطاء تقييم دقيق عن المتغيرات الدولية والاقليمية وقبل ان تقوم الحكومة المصرية باتخاذ خطوات سياسية بعيدا عن املاءات الادارة الاميركية التي تتدخل بكل شؤون مصر السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
حسن هاني زاده – خبير الشؤون الدولية بوكالة مهر للانباء