اعترف وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد امس بالتستر على عمليات التعذيب في السجون التي تديرها القوات الاميركية في العراق ومقراً ايضاً بأن هناك المزيد من الصور ولقطات الفيديو التي تصور عمليات تعذيب وحشية وسادية ضد الاسرى العراقيين.

 ونقلت وكالة مهر للانباء عن موقع صحيفة البيان الاماراتية ان رامسفيلد الذي رفض الاستقالة مع تعالي الاصوات المطالبة بذلك اعلن أنه يتحمل المسؤولية كاملة عن تلك الانتهاكات مقدما اعتذاره للشعبين العراقي والاميركي ولرئيسه جورج بوش الذي سبقه قبل يوم باعتذار مماثل.

لكن اعتذارات الرياء المتأخرة لم تفلح في لملمة الفضيحة بعد ان كشفت اللجنة الدولية للصليب الاحمر ومنظمة العفو الدولية عن وجود انتهاكات منهجية على نطاق واسع تمارسها قوات الاحتلال الاميركي في المعتقلات ضد الاسرى العراقيين, فقد اعترف رامسفيلد بالتستر على عمليات التعذيب حين قدم اعتذاره للأسرى وللشعبين العراقي والاميركي لعدم افصاحه بوجود تجاوزات قبل ظهور صور عمليات التعذيب في الاعلام العالمي معربا عن «أسفه العميق».

وقال رامسفيلد امام جلسة استماع امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ انه يتحمل مسؤولية ما حدث بشكل كامل. لكنه اضاف خلال الجلسة التي سادها التوتر وبدا فيها رامسفيلد مرتبكا ان «جميع الحقائق ليست متاحة حاليا»، وقال إنه أمر بإجراء تحقيق بشأن الطريقة التي تعاملت بها وزارة الدفاع مع مسألة الانتهاكات خلال 45 يوما. كما عرض دفع تعويضات للمعتقلين العراقيين، الذين أثارت صورهم في سجن أبو غريب وهم يتعرضون لانتهاكات على يد بعض الجنود الأميركيين، صدمة في جميع أنحاء العالم. وكان السناتور جون وارنر رئيس لجنة القوات المسلحة المشتركة في مجلس الشيوخ قد افتتح جلسة استجواب رامسفيلد قائلا إن القضية تسببت في ضرر لا يمكن إصلاحه للسياسة الخارجية الأميركية.

وأضاف أن الهدف من الجلسة هو معرفة السبب في عدم اطلاع الكونغرس على حقيقة ما حدث في الوقت الذي كان أعضاء الكونغرس يتلقون فيه عددا كبيرا من المكالمات الهاتفية لمعرفة ما حدث. وبدأ رامسفيلد الإدلاء بشهادته، يحيط به عدد من كبار مسؤولي وزارة الدفاع من بينهم قائد الأركان المشتركة الجنرال ريتشارد مايرز.

واعترف رامسفيلد بوجود «صور أخرى تصور القيام بأعمال عنف جسدية ضد المعتقلين، وهي أعمال لا يمكن وصفها سوى أنها سادية ووحشية وغير إنسانية». وأضاف أن هناك «المزيد من الصور وبعض لقطات الفيديو يجب أن يعرف الكونغرس والشعب الأميركي والعالم هذا».

وقام بعض الحضور من غير أعضاء الكونغرس بمقاطعة البيان الافتتاحي لرامسفيلد، وحثوا الولايات المتحدة على التحقيق فيما يعتقد أنها سلسلة كبيرة من انتهاكات حقوق الإنسان وقعت بحق العراقيين، كما طالبوا بإقالة رامسفيلد.

وأضاف ان التحقيق الذي أمر بإجرائه سينظر في «سرعة ونطاق وعمق التحقيقات الجارية حاليا وتحديد ما إذا كانت هناك حاجة للقيام بالمزيد من التحقيقات أو الدراسات». وألح السناتور جون ماكين، الذي كان أسير حرب، في السؤال عن المسئول عن استجواب المعتقلين في سجن أبو غريب، وحاول معرفة ما إذا كان بعض المدنيين الذين تم التعاقد معهم، قد لعبوا دورا في التحقيق مع المعتقلين العراقيين أو كانوا يتحكمون في الحراس.

ورد رامسفيلد بتردد أن هناك شركتين كانتا تشاركان في المسؤولية. وأراد باقي أعضاء اللجنة معرفة المرحلة التي علم فيها رامسفيلد بأنباء الانتهاكات، ورد رامسفيلد قائلا «في 13 أو 14 يناير» وتم بدء تحقيق بعد هذا بيوم أو يومين». وقال رامسفيلد ان فكرة هدم سجن ابوغريب الواقع غرب بغداد الذي تفجرت الفضيحة منه «فكرة لا بأس بها»..

ومع تصاعد الدعوات المطالبة باستقالته رفض رامسفيلد الاستقالة معلنا انه كان سيستقيل فورا لو كان مقتنعا بأنه لم يعد في وسعه تأدية وظيفته، غير انه لن يستقيل لاسباب سياسية. وقال «لن استقيل لمجرد ان بعض الاشخاص يحاولون ان يجعلوا ( من قضية سوء معاملة المعتقلين العراقيين) قضية سياسية».

وكان نواب في الحزبين الديمقراطي والجمهوري وكتاب بارزون في الصحافة اضافة الى المرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري قد طالبوا في وقت سابق باستقالة رامسفيلد. ونفى رئيس اركان الجيوش الاميركية الجنرال ريتشارد مايرز الذي قام بمداخلة بعد رامسفيلد ان يكون الجيش حاول اخفاء وقائع بشأن هذه القضية. وقال «لا احد يحاول اخفاء معلومات، لكن احترام قواعد نظامنا القضائي امر اساسي بشكل مطلق».

وسعى الامين العام للأمم المتحدة كوفي عنان امس للمساهمة في امتصاص النقمة العربية على الفضيحة مقدما «النصيحة» لهم بقبول اعتذار بوش. وقال عنان «انا مرتاح لان القادة الاميركيين اخذوا هذه المسألة على محمل الجد بمن فيهم الرئيس باعرابه عن الاسف لما حدث. وآمل في ان يستجيب الناس في المنطقة لردة فعله هذا».

لكن تلك الاعتذارات لم تفلح في لملمة الفضيحة بعد ان تكشفت ابعاد اخرى لها وبأن عمليات التعذيب كانت منهجية وعلى نطاق واسع. فقد اعلن مسئول كبير في اللجنة الدولية للصليب الاحمر امس ان اللجنة اكتشفت في السجون التي يديرها العسكريون الاميركيون في العراق سوء معاملة منهجيا «يمكن اعتباره تعذيبا».

وقال بيار كرينبول مدير عمليات اللجنة الدولية للصليب الاحمر خلال مؤتمر صحافي ان «العناصر التي اكتشفناها يمكن اعتبارها تعذيبا»، مؤكدا ان «هناك بوضوح حالات معاملة مذلة ولا انسانية». وتابع «اننا لا نعتبر الامر بمثابة حالات معزولة» بل «نظاما واسع النطاق». واشار الى ان مخاوف الصليب الاحمر لا تقتصر على سجن ابو غريب في بغداد حيث التقطت الصور التي تصدرت وسائل الاعلام في العالم لمعتقلين عراقيين يتعرضون لمعاملة مشينة.

وكانت صحيفة «وول ستريت» جورنال كشفت في وقت سابق عن وثيقة مؤلفة من 24 صفحة صادرة عن اللجنة الدولية للصليب الاحمر وجرى تسريبها ان الاتهامات التي تعرض لها السجناء في العراق كانت واسعة النطاق وفي بعض الحالات «تعادل التعذيب»

وقالت مصادر في اللجنة الدولية للصليب الاحمر ومقرها جنيف ان الوثيقة التي تغطي الفترة من مارس الى نوفمبر عام 2003 اصلية، وبسبب تسرب الوثيقة فان اللجنة دعت الى عقد مؤتمر صحافي سيذاع فيه النص كاملا.

وذكرت الصحيفة ان التقرير السري خلص الى ان سوء المعاملة في بعض الحالات «يصل الى حد التعذيب» واستند التقرير الى عمليات التفتيش والزيارات والاستجوابات التي قامت بها اللجنة الدولية للصليب الاحمر في العراق. وقالت الصحيفة ان تقرير فبراير اظهر ان معاملة السجناء في العراق تختلف عما يرد في تصريحات مسئولين في ادارة بوش قالوا فيها ان القيادات الكبرى لم تغض الطرف عن الانتهاكات.

ونقلت الصحيفة عن التقرير قوله ان المعلومات التي جمعها الصليب الاحمر «توحي بأن اساءة معاملة اشخاص سلبوا من حريتهم تخطت كونها حالات خاصة وقد تعتبر سلوكا مقبولا» من جانب قوات الاحتلال. وقال الصليب الاحمر في تقريره ان السجناء كانوا يحتجزون عرايا في زنازين سجن ابو غريب ويتعرضون للضرب من قبل الجنود وقال ثلاثة افراد سابقين من الشرطة العسكرية في السجن ان الانتهاكات كانت شائعة.

وذكرت الصحيفة ايضا ان الصليب الاحمر قال ان قوات الاحتلال كانت تفتح النار على سجناء عزل من ابراج المراقبة وقتلت بعضهم كما ارتكبت «انتهاكات خطيرة» لمعاهدات جنيف التي تحكم معاملة اسرى الحرب.

وكانت منظمظة العفو الدولية قد ذكرت انها سلمت تقريرا مفصلا عن خروقات حقوق الانسان في العراق للحاكم الاميركي للعراق بول بريمر في يوليو الماضي، وان جزءا من هذا التقرير تضمن افادات من سجناء عراقيين تعرضوا للتعذيب من قبل قوات الاحتلال في معتقلات بينها ابو غريب.

واجرت المنظمة مقابلات مع شهود عيان كانوا معتقلين في سجن ابو غريب. وقال احد هؤلاء المعتقلين للمنظمة بعد الافراج عنه، انه شاهد جنودا اميركيين يردون شابا قتيلا باطلاق الرصاص عليه بدم بارد. وطالبت المنظمة الرئيس الاميركي جورج بوش بالتحقيق في جرائم حرب محتملة في العراق.

كما كشف 3 جنود اميركيين عملوا في سجن ابو غريب عن ان عمليات التعذيب كانت تتم بشكل شائع وهو ما دفع جون اشكروفت وزير العدل الاميركي الى الاعلان عن ان وزارته يمكن ان تشارك في التحقيق في بعض حالات انتهاك حقوق السجناء العراقيين وتعهد باتخاذ الاجراء المناسب. وفي لندن اعلنت وزارة الدفاع البريطانية ان جنديا بريطانيا ادلى بشهادته الى الشرطة العسكرية الملكية حول تجاوزات في حق سجناء عراقيين.

وادلى الجندي الذي لم تكشف هويته بشهادة امام الشرطة العسكرية في لندن بعد ان كان تحدث لصحيفة «ديلي ميرور» التي اثارت فضيحة بنشرها السبت الماضي صورا تظهر عسكريين بريطانيين يضربون سجينا عراقيا ويذلونه.

الا ان متحدثا باسم وزارة الدفاع البريطانية قال لوكالة فرانس برس ان «الامر يتعلق بجندي آخر قدم ما يمكن ان يكون ادعاءات جديدة»، واضاف «هذا الامر ليس له اي علاقة بالصور التي نشرت الاسبوع الماضي». واوضح رئيس تحرير «ديلي ميرور» بيرس مورغن ان الجندي يمتلك ملفا من الادلة يتضمن على الاقل اربع حالات مختلفة من «ممارسات الحرق بالسجائر في حق اسرى حرب».

وخصصت الصحيفة الجمعة خمس صفحات كاملة لشهادة الجندي، الشخص الوحيد المعروف الذي توجه الى الشرطة العسكرية البريطانية مباشرة ليقدم لها تقريرا عما رآه من ممارسات./انتهى/