قال العلامة فضل الله في خطبتي صلاة الجمعة في بيروت ان الثورة الإسلامية في ايران جعلت من قاعدتها في حركتها السياسية موقعا قويا متحركا ضد الظلم والظالمين والاستكبار والمستكبرين وآلت على نفسها أن تقف مع المستضعفين في العالم.

 وافادت وكالة مهر للأنباء نقلا عن وكالة الأنباء اللبنانية الوطنية أن العلامة فضل الله أوضح في خطبتي صلاة الجمعة اليوم في جامع الامامين الحسنين "ع" في حاره حريك ببيروت أن "الحرب الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني تتواصل باشكال جديدة واساليب مختلفة مشفوعة بتغطية سياسية واعلامية غربية وبضغوط عربية تستهدف الدفع بالفلسطينيين الى الفخ الاسرائيلي والى التسليم بالشروط الاسرائيلية التي توفر المناخ السياسي الملائم للانتخابات الصهيونية, بعدما حاولت آلة الحرب طوال ما يزيد على ثلاثة أسابيع أن تمهد الطريق الأمني لذلك دونما جدوى".
 واعتبر إن ما يحدث في المنطقة في هذه الأيام يمثل الترددات للزلزال الذي أحدثته غزة عربيا وإسلاميا, وحتى دوليا, على الرغم من قسوة الحرب ووحشيتها, ومن حجم التواطؤ الذي استهدف الشعب الفلسطيني, معتبرا اللقاءات الجارية هذه الأيام تمثل الامتداد للقاءات والقمم العربية, وتأتي في اطار محاولات جديدة للدفع بالاتجاه نفسه الذي تحركت فيه الدبابات الإسرائيلية, بهدف سوق الفلسطينيين إلى الاستسلام الذي ينهي قضيتهم تحت عنوان "حل قضية الشرق الأوسط".
 وتابع:"إنني أعتقد أن العرب، على مستوى الكثير من الأنظمة، لا يخلصون للقضية الفلسطينية، ولا يعملون لتوحيد الفلسطينيين من خلال حوار هادئ وبناء، بل يتطلعون إلى تأمين صدقية وأهمية لمحور هنا ولشخصيات سياسية هناك، وهي التي وجدت نفسها محرجة أمام هول ما حدث في غزة، وفي ظل اتساع الهوة مع شعوبها، ولذلك أرادت أن تكرس الانقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني، وأن تحدث مشكلة في الواقع العربي والإسلامي تحت عناوين ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب والانقسام.
ولعلَّ ما يبعث على الأسى والأسف، أن ينطلق الصوت من داخل السلطة الفلسطينية برفض الحوار مع من لا يعترف بمنظمة التحرير، التي لم نجد لها أي موقف في أثناء الحرب كما لو فقدت الحياة، مع أن هؤلاء يحاورون العدو الذي لا يعترف بالشعب الفلسطيني، ليستكمل هؤلاء واولئك الهجمة المنظمة على الشعب الفلسطيني وعلى قضيته التي يراد لها ان تكون رهينة في ساحة الاعتدال العربي قبل ان يصار الى تسليمها للراعي الأميركي الذي يتطلع إلى تسليمها للعدو جثة هامدة باسم منع تهريب السلاح، متجاوزا مسألة الاحتلال التي تمثل أصل المشكلة، والتي يحاول الإعلام العالمي وبعض الإعلام العربي أن يقفز فوقها، فلا يرى أمامه إلا صواريخ تطلق، وعبوات تزرع، ويتناسى أنها لم تنطلق إلا كرد فعل على الاحتلال الذي لم يترك مجالا من مجالات الوحشية والعدوانية إلا وخاضه".
 واضاف:"ندعو جميع الحقوقيين العرب والمسلمين، وكل أولئك الذين انتصروا للشعب الفلسطيني المظلوم من أنصار الحرية في العالم، إلى أن يسعوا بكل إمكاناتهم وطاقاتهم لملاحقة المسؤولين في قيادات العدو وجيشه على الجرائم الفظيعة التي ارتكبوها في غزة،لاننا نعتقد ان معركة غزة لم تنته وان بالامكان محاصرة العدو على نتائجها الانسانية وملاحقته دوليا".
 وعن الذكرى السنوية لانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية, قال العلامة فضل الله: "نلتقي في هذه الأيام بالذكرى الثلاثين لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، هذه الثورة التي انطلقت من الخط الإسلامي الذي عاش في فكر الإمام الخميني "رض" ، والذي بقي الإسلام كمنطلق للحكم والشريعة والحياة في قلبه وفكره، حيث كتب عن الحكومة الإسلامية منذ كان في النجف.
وقد سارت الثورة في خطى هذا الإمام الكبير، وحاولت أن تنفتح على الإسلام في تجاربها المتعددة، وعلى الحركات الإسلامية، وعلى أحرار العالم، كما انفتحت على القضية الفلسطينية وبقيت وفية لها، فلم تتنازل عن احتضانها ورعايتها ودعم الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة، على الرغم من الإغراءات الهائلة التي انهالت عليها عالميا".
اضاف:"إننا في الوقت الذي نعرف أن الثورة قد جسدت الإسلام في كل حركاتها وتوجهاتها، وخصوصا في ظل الضغوط الكبيرة التي عملت على محاصرتها والإطباق على مسيرتها، إلا أننا نعتقد أن الإسلام ظل الهاجس الذي التزمته قيادات الجمهورية الإسلامية، ولذلك فنحن ندعو الحركات الإسلامية، بمختلف انتماءاتها المذهبية وتوجهاتها السياسية، إلى الانفتاح على هذه التجربة، ورفدها بالنصيحة الإسلامية، وبالموقف السياسي الإسلامي الذي يتطلع إلى مصلحة الإسلام والمسلمين والأمة كلها, لقد جعلت الثورة الإسلامية من قاعدتها في حركتها السياسية موقعا قويا متحركا ضد الظلم والظالمين، والاستكبار والمستكبرين، وآلت على نفسها أن تقف مع المستضعفين في العالم، ودخلت في ساحة الصراع مع كل هذه القوى الطاغية التي أعلنت الحرب عليها تحت وابل من عناوين الإثارة والعصبية، تارة من خلال الحديث عن المذهبية الشيعية، وأخرى من خلال تحريك عنوان القومية الفارسية، ولا تزال أميركا، ومعها حلفاؤها في أوروبا وحتى في العالم العربي والإسلامي، تسعى لعزل إيران من خلال استخدامها العنوان النووي وغيره، ولكننا نعتقد أن كل هذه الأساليب ستفشل أمام إيران التي تسلك طريق الرشد السياسي من خلال قيادتها الإسلامية الواعية والحكيمة".
 وتابع:" اننا في الوقت الذي نبارك للجمهورية الإسلامية خطوتها النوعية الأخيرة بإطلاق أول قمر اصطناعي للاتصالات محلي الصنع، ونجاح هذه الخطوة التي تمثل واحدة من الانجازات الكبرى للثورة على خط الاكتفاء الذاتي في مسيرة التطور العلمي والتكنولوجي، وفي مجال الدفاع الذاتي بمواجهة العدو الصهيوني ومن يكيدون لإيران الإسلام، نريد للمسلمين جميعا، وللأمة كلها، أن تستفيد من تجارب الجهورية الإسلامية في إيران، ليس على مستوى حركية الحكم والاستقلال في القرار الذاتي فحسب، بل على مستوى التطور العلمي الذي يصوب عليه الأعداء، ويخشاه ضعاف النفوس، أولئك الذين يمعنون في السير في خط الضعف، لأنهم يخافون من أن تتقدم الأمة في مسيرتها العلمية والجهادية بما يفتح عيون العالم، وخصوصا العالم المستكبر والظالم، عليها".
 وتطرق الى الوضع في لبنان وقال: "إننا نلاحظ بأن السياسة اللبنانية ـ في كثير من نماذجها ـ ابتعدت عن الجانب الأخلاقي، وأضحت القيم الأخلاقية مستبعدة من الحركة السياسية وحتى من التعبيرات السياسية، وقد دخل ملف التنصت، بمستوره ومفضوحه، على الخط بما يمقته الناس الذين استذكر بعضهم الحقبة الماضية التي كان الزوج يتكلم بحذر شديد حين يتحدث مع زوجته، أو التاجر مع شركائه، والمواطن مع أقرانه، بما يمثل تجسيدا لديكتاتورية الملاحقة والقمع، بعيدا عن الذرائع الأمنية التي يتحدث المسؤولون عنها".
اضاف:"نحن نستغرب مواصلة المسؤولين والسياسيين لسجالاتهم الداخلية بهذه الطريقة الاستعراضية، فيما يستعرض العدو عند الحدود مع فلسطين المحتلة ويبعث ـ عبر وزير حربه ـ بالمزيد من التهديدات، ويتحدث بلغة الحرب إذا امتلكت المقاومة صواريخ أرض جو التي قد تهدد حركته العدوانية اليومية فوق الأراضي اللبنانية، ولعل ما يبعث على الاستهجان أكثر، أن الذين يستهلكون الحديث حول سلاح المقاومة والإستراتيجية الدفاعية لا يحركون ساكنا، كما أن الدولة توحي في كل حركتها السياسية والأمنية الصاخبة أنها لم تعد العدة لهذا الموضوع، فضلا عن صمت "اليونيفيل" والمجتمع الدولي الذي لا يفكر إلا بأمن إسرائيل ولو تم تدمير الأمن العربي واللبناني والإسلامي كله.إننا أمام هذا الواقع، ندعو الجميع لسحب سجالاتهم الداخلية بعناوينها الخلافية لحساب التصدي لمخططات العدو ومكائده وأفخاخه، والتي تستهدف لبنان حجرا وبشرا وموقعا، كما ندعو لإخراج المواضيع السجالية، بصناديقها المختلفة وعناوينها المتعددة، من الدوائر المذهبية ومن لعبة المحاصصة الطائفية، لمصلحة الوطن في قضاياه الكبرى، ولمصلحة الأمة في قضاياها العليا"./انتهى/