لم ينزل الاكراد من كوكب المريخ ولم يأتوا من القارات الاخرى الى هذه المنطقة التعيسة بل هم ابناء هذه الامة عاشوا وترعرعوا في كيانات مختلفة واصبحوا من اهلها طوعا او كرها.

شاء ت الاقدار ان يتوزع الاكراد لا من الناحية القومية والثقافية والعرقية بل من الناحية الجغرافية بين عدة دول متاخمة ولكن البعد الجغرافي لم يفصلهم عن تكوينهم الحضاري والثقافي حيث التواصل الروحي بقي موجودا بين هذه الشريحة على مر العصور.

ولكن كان لكل جزء من هذه الشريحة المقطعة الاوصال شأن ومصير في اي بلد يقطنون فيه , يختلف تماما عن البلدان الاخرى.

فمثلا في تركيا كلمة " كرد" تكاد ان تكون كفرا والحكومة الاتاتوركية لا تنظر اليهم كمواطنين بل اتراك يقطنون في سفوح الجبال ولم تعترف بحقوقهم الثقافية والسياسية.

وفي سوريا اصبح الاكراد معزولين عن المجتمع السوري وحقوقهم مسلوبة وينظر اليهم كمواطنين من الدرجه الثانية او الثالثة.

وفي ايران اختلفت حالة الاكراد عن باقي البلدان اذ ان وضع الاكراد فيها افضل من نظرائهم الموجودين في الدول المجاورة.

والسبب هو ان الجمهورية الاسلامية لا تنظر الى القوميات من منظار طائفي وقومي بل تعتبر كل شخص مسؤول عن تصرفاته الشخصية حسب نص الدستور الاسلامي الذي يستند الى قوله سبحانه وتعالى " ان اكرمكم عند الله اتقاكم" .
 ولهذا السبب فان الاكراد في ايران لا يتطلعون الى خارج الحدود ومصيرهم يرتبط ارتباطا تاما بمصير باقي شرائح المجتمع الايراني.

اما في العراق فان الاكراد عانوا الويلات و المصائب والقتل والتشريد والحرمان منذ اكثر من 6 عقود.

وكانت كل حكومة عراقية تاتي الى الحكم تضع مشروع قمع الاكراد ضمن خططها الخمسية!  وكأن قوة الحكومات العراقية تكمن في ضرب هذه الشريحة المظلومة.

فلقد ناضل الاكراد والتجأوا الى الكهوف والوديان وراحوا يطالبون بحقوقهم المسلوبة وقدموا عشرات الآلاف من الضحايا وخير دليل على ذلك  مجزرة حلبجة وضربها بالاسلحة الكيمياوية والتي راح ضحيتها اكثر من 5 آلاف كردي جلهم من الاطفال والنساء.

كما ان عمليات الانفال التي نفذها الجنرالات البعثيين الجبناء تعتبر وصمة عار على جبين البشرية جمعاء  حيث قتل ما لا يقل عن 180 الف كردي وهذه المجزرة  لا تكفي لادانة صدام المجرم من وجه نظر منظمات حقوق الانسان و" بول بريمر" ايضا!.

وعلى اية حال فالقضية الكردية اخذت منحى و منعطفا خطيرين على مر الزمن ولم يهدأ بال الاكراد في مقارعة الحكومات الطاغية الا  لفترة وجيزة  الا وهي فترة حكم الرئيس عبدالكريم قاسم والذي استجاب لنداء المرجع الديني الكبير الامام السيد محسن الحكيم "رض" وكف عن قمع الاكراد.

ومن هذا المنطلق كان ومازال الاكراد يكنون الاحترام و الاجلال للمرجعية الدينية في النجف ويسعون الى توطيد الصلة مع الشيعة في العراق رغم اختلافهم في المشارب.

وبعد سقوط الديكتاتور الجبان صدام حسين اصبح الاكراد ضمن المجتمع العراقي كمواطنين لا من الدرجة الثانية بل من الدرجة الاولى وبدرجة شرف ايضا ,  رغم كل المحاولات الاقليمية والعربية التي ارادت تهميشهم مرة اخرى.

واستخدم الاكراد نفوذهم في الساحة الدولية ودخلوا مجلس الحكم بقوة واصبحت كلمتهم مسموعة لدى العالم ما عدا العرب الذين  اغتاضوا من الوضع الجديد للاكراد وتبوئهم مناصب عليا كوزارة الخارجية مثلا.

ولكن رغم مجريات الاحداث والتغييرات التي حصلت على الساحة العراقية والمنطقة والعالم ايضا , ثمة اصوات كردية تهدد بين الحين والآخر بالانفصال عن العراق وتشكيل كيان منفصل ذات سيادة كاملة.

هذه الاصوات قد لا تدرك تماما ان الانفصال  ليس من مصلحة الاكراد بتاتا  ومصلحتهم تقتضي في التعايش مع باقي اطياف الشعب العراقي في وطن واحد لان الاكراد اولا  ليس لهم عمق جغرافي خارج العراق ولا يوجد لهم عمق اقليمي  يحميهم  سياسيا واقتصاديا ومعنويا , وثانيا هذا الانفصال قد يغير خارطة المنطقة من الناحية الجغرافية السياسية ويثير الفزع لدى دول الجوار, والمنطقة لا تتحمل مثل هذه التغييرات والنزاعات حيث انهما تبددان طاقة  الاكراد والمنطقة على حد سواء.

فلذا يتعين على قادة الاكراد وهم بطبيعة الحال اصحاب كفاءة وحنكة الا ينجرفوا وراء بعض الوعود التي يقطعها لهم الغرب والامريكان والا ينخدعوا  كما انخدع عميلهم السابق صدام حسين , اذ انه بعد انتهاء مهمته وضعوه في حفرة الجرذان ومن ثم القوا القبض عليه بعد 35 عاما من العمالة.

حسن هاني زاده -  خبير الشؤون الدولية بوكالة مهر للانباء