١٠‏/١٠‏/٢٠٢٣، ١٠:٢٦ م

في حوار لِمِهر؛

الشيخ النابلسي: أخطار حرب العدو الثقافية أكبر من أخطار حروبه العسكرية

الشيخ النابلسي: أخطار حرب العدو الثقافية أكبر من أخطار حروبه العسكرية

أكد سماحة الشيخ الدكتور، صادق النابلسي، أن الأخطار الثقافية هي أكبر من الأخطار العسكرية لأنها تعتمد على التضليل والتشويه والتشويش والتحريف والتزوير، مضيفاً "الإنسان الضعيف يقع بسهولة تحت تأثير الحرب الناعمة التي تخترق العقول والقلوب".

وكالة مهر للأنباء_ القسم الدولي: لم ينقضى وقتٌ طويل على فعاليات أسبوع الوحدة الإسلامية، التي تتزامن مع تاريخ ميلاد خير البرية سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

فكرةٌ ابتدعها الإمام الخميني (رض) لتوحيد الصف ولسد باب الفتنة أمام العدو الذي يتربص بالأمة بحروبه المختلفة، مستخدماً لها كل أدوات التفرقة والنزاع والخلاف.

وعلى ذكر حروب العدو وأدواته في التأثير على المجتمعات، يقول ضيفنا سماحة الشيخ الدكتور صادق النابلسي، بما يتعلق بالحرب الناعمة: الأخطار الثقافية هي أكبر من الأخطار العسكرية لأنها تعتمد على التضليل والتشويه والتشويش والتحريف والتزوير. والإنسان الضعيف يقع بسهولة تحت تأثير الحرب الناعمة التي تخترق العقول والقلوب. الهشاشة النفسية يمكن أن تدفع المرء إلى اليأس أو العزلة أو الابتعاد عن المنطق والعقلانية والأصالة والإيمان.

وهذا ديدن حلف الطاغوت، فهو يبذل الغالي والنفيس في التأثير على الشعوب وتسخيرهم لخدمة مصالحه التوسعية، مستخدماً لذلك آلته الإعلامية التي تقلب الحق باطلاً والباطل حقاً.

وفي جانب من المقابلة تطرقنا لخطاب سماحة السيد حسن نصر الله بمناسبة المولد النبوي الشريف، وعلّق سماحة الشيخ النابلسي على سؤالنا؛ عندما سألناه عن التطبيع بالقول: التطبيع حركة لا يمكن أن تكون مساراً أصيلاً داخل الأمة، سماحة السيد يدرك أكثر من غيره أن مسألة التطبيع لا أفق لها. الأمة لا يمكنها السير في هذا المشروع والقضية الفلسطينية ستبقى هي القضية المركزية. ومن خلال المقاومة يمكن أن نحبط مشاريع العدو ونفشل خططه. المقاومة هي بوابة الفرج لهذه الأمة ومن خلالها ستستعيد الشعوب آمالها. أما أنّ الصهاينة قد ظنوا أنهم بالتطبيع أمام مستقبل جديد فهم واهمون. المقاومة ستثبت أنهم حمقى وأن المستقبل سيكون للشعوب الحرة الشريفة. فلا مكان للرضوخ ولا مكان للاستسلام بل إن الهزيمة هي من ستكون حليفة كل المطبعين في العالم العربي.

لكل هذا وأكثر، أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء الأستاذة "وردة سعد" حواراً صحفياً مع سماحة الشيخ الدكتور صادق النابلسي، وجاء نص الحوار على الشكل التالي:

السلام عليكم سماحة الشيخ الدكتور صادق النابلسي، بداية نتوجه بالتعازي لكم بإسمنا وبإسم وكالة مهر برحيل سماحة الشيخ المناضل المجاهد القدوة عفيف النابلسي رحمه الله، والذي كان لآخر لحظة في عمره يحارب بالكلمة وبجهاد التبيين الأكاذيب والحرب الناعمة بكافة وجوهها، ونسألكم اي دور لعبه في هذا المجال ومن المعروف انه كان يتابع مواقع التواصل الاجتماعي ويجيب على العديد من الاشكاليات والإستفسارات والاسئلة؟

مخاطر العداء للإسلام من قبل أمريكا والغرب المستكبر وضبابية وهلامية الشعارات التي رفعتها بعض الجماعات الإسلامية وسلوكيات التكفير التي أنتجها العقل الظلامي الجاهلي وضعت سماحة الوالد أمام مسؤوليات هائلة. الفشل في تقديم نموذج إسلامي أصيل كان سوف ينظر إليه على أنه فشل للإسلام. سماحة الوالد قدم قراءة حية للإسلام متأثراً بأستاذيه الإمام محمد باقر الصدر والإمام موسى الصدر ومستلهماً أفكار وأخلاق الإمام الخميني (رض) الذي أضاء بنور فكره ظلام الجهل والجهالة، ومن خلال تفكيك بنية العقل الاستعماري ودحض مقولاته الفلسفية والاقتصادية والسياسية وصولاً إلى طرح الإسلام الأصيل كمنهج معرفي وأخلاقي كي يحقق الإنسان سعادته وكماله.
لقد ذكر سماحته من خلال خطاباته وكتاباته على مدى أكثر من خمسين عاماً الكثير من الإشكالات والسمات التي طبعت العقل العربي والإسلامي واستفحال النظرة السكونية في قراءة النص الإسلامي ووجد أن واجبه يقتضي تبين هذا النص بأنساقه المتعددة والنزول إلى واقع الناس واستنهاضهم بثقافة جديدة ورؤى جديدة تنتشلهم من واقع التخلف والبلادة والرؤية القاصرة لمخططات الأعداء.
لقد شدد سماحته على أنّ الأمة رغم جراحها تستطيع أن تستولد النصر والعزة، ومن خلال العلم تستطيع أن تراكم مكتسبات مهمة لتسبق الزمن، ومن خلال الوحدة تستطيع أن تعلو فوق خلافاتها، وأن تحوّل مواردها الاقتصادية والسياسية إلى وجود مهاب يستحيل تجاهله، وأن كل الحروب المباشرة أو الناعمة، حرب الإغواء أو الإكراه، يجب اعتبارها فرصة لتزيد الأمة من وعيها وكفاءتها في ميادين القتال لتغيير التوازنات
وفي الوقت الذي كانت تعيش فيه الكثير من النخب الإسلامية والرسمية حالة الإحباط كان يزيد من جرعة الأمل وأن الأمة بمقاوميها وعلمائها المجاهدين ستقود العالم إلى واقع جديد بعيد عن تلك التصورات اليائسة ومتناقضة مع صورتها المحبِطة".

مرة اخرى تعود النزعة التكفيرية لتطل برأسها في المنطقة، عبر بعض علماء الدين تارة، وجماعات ارهابية تكفيرية تارة اخرى.. وما شهدناه بمناسبة المولد النبوي ان بعضهم اتخذ من المناسبة ذريعة لقتل المسلمين واباحة دمائهم.. هل ترون ان هذه الخلافات تبرر هذا السلوك المتوحش؟ والى متى ستستمر هذه الاشكاليات في تمزيق صفوف الامة؟

من الواضح أن من يسير في موجة التكفير من علماء أو حركات يعيش جهلاً بمعرفة الإسلام ومن الواضح أنّ هؤلاء تحت تأثير نسق ثقافي تراثي تراكمي يقوم على فهم التراث الروائي بطريقة سطحية ومحرفة، يستأنفه هؤلاء على وحي الصراعات الأيديولوجية ومن خلال توظيف استعماري واضح لتأجيج النزاعات بين المسلمين. هذه الحركات واقعة تحت تأثير أمّية على مستوى الوعي الديني والمعرفة الأصيلة للإسلام وواقعة أيضاً تحت تأثير الاختراق الاستخباري الذي يستخدم التكفيريين في مشاريعه. هذه الجماعات ومشايخها ينزعون من جهة إلى تعزيز التفرد والتمايز الديني والسياسي، ويشتغلون على ضرب كل مصدر للقوة في هذه الامة. هؤلاء يظهرون دين الإسلام الذي هو "دين الرحمة" على أنه "دين السيف". دين التعصب الذي لا يستطيع قبول الآخر ولا التعايش معه ولا التكيّف مع التطور العلمي والاجتماعي .
لذلك على كل علماء الأمة المخلصين التفكير بكل وسيلة لمعالجة هذه الرؤية المشوهة للإسلام. الرؤية التي تُظهر النبي محمد نبياً متعطشاً للدماء ولا تقوم دعوته إلا على العنف والقتل.
الإسلام قام على مبدأ الرحمة والعدل وهؤلاء يضعون مبادئ جديدة تقوم على النبذ والإقصاء والإكراه والعنف المتوحش. هناك عداء أحمق ومتوحش وأهوج ضد كل من يحتفل بميلاد الرسول. أي مصيبة هي هذه؟ حين نجد مثل هذه الأيديولوجيات العمياء وهذا المفاهيم المغلقة علينا أن نتحرك للدفاع عن دين الرحمة. لقد أصبح الدم طقساً دينياً عند هؤلاء ومفهومهم للدين مختزلاً وغريباً ما يعقّد ويصعب عملية الحوار. لذلك عملية تنقية الأمة من شوائب هؤلاء عملية تمر بسيرورة ثقافية ودينية وسياسية وتاريخية معقدة.

في كلمته بمناسبة المولد النبوي الشريف اثار الأمين العام سماحة السيد حسن نصرالله مسألة في غاية الاهمية، وهي اسقاط دلالة ما جاء في الاية الكريمة ليطفئوا نور الله بأفواهم...، على الحرب الناعمة القائمة حاليا، واعتبار الهجمة الغربية على القيم الاسلامية من اخطر الحروب التي تشن على الامة!! لما هي الاخطر برأيكم؟ وكيف يمكن التصدي لهذه الحرب؟

الأخطار الثقافية هي أكبر من الأخطار العسكرية لأنها تعتمد على التضليل والتشويه والتشويش والتحريف والتزوير. والإنسان الضعيف يقع بسهولة تحت تأثير الحرب الناعمة التي تخترق العقول والقلوب. الهشاشة النفسية يمكن أن تدفع المرء إلى اليأس أو العزلة أو الابتعاد عن المنطق والعقلانية والأصالة والإيمان. ولا شك أنّ من يشن على المسلمين هذه الحرب يعلم أن اختراق البواطن يمثل انتصاراً في الحرب. تماماً كمن يتسلق الأسوار ويحطمها ليدخل إلى قلب المدينة. العدو يحاول ان يخترق الأسوار الإيمانية والثقافية ليسيطر على حركة الإنسان المسلم ووعيه وتوجهاته. لذلك المطلوب التحلي باليقظة الثقافية. لأن العدو لن يكف عن نشر الشائعات ونقل الأخبار الكاذبة وتسلق أسوار المسلمين بالخداع والحيل والدعايات والمكر. مسؤوليتنا تتطلب إحباط الفتن الثقافية والتقدم على العدو بما نملك من قيم إلهية. الأجواء الضبابية التي يثيرها العدو وزرع الشكوك في صفوف المسلمين يتطلب البصيرة. يجب أن يعلم المسلمون ماذا يخطط لهم من قبل العدو. يجب أن يشخصوا العنصر الخبيث من العنصر الجيد، الخائن من المجتهد، معرفة العدو أمر ضروري لمنعه من التسلل والعبث بقوة وإيمان المسلمين ومنعه من النيل من الرموز المقدسة وعلى رأسها القرآن الكريم وشخص النبي محمد (ص).

الامام الخميني قدس الله سره الشريف اعلن اسبوع الوحدة، لحسم الخلاف حول تاريخ ولادة الرسول الاعظم!! بداية لماذا الربط بين ولادة رسول الله صلى الله عليه واله، وبين وحدة المسلمين؟ وكيف للامة ان تتوحد في ظل الخلافات والفوارق الكبيرة على مستوى العقيدة والاجتهاد بين المذاهب؟

الطرح الذي قدمه الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه طرح عبقري. هو يقول: علينا أن نحول كل أمر يظهر منه الاختلاف والارتباك إلى عنصر قوة. يسعى العدو أن لا يكون المسلمون متوحدين وهو يسعى لتتفشى فيهم روح الفرقة والخمول والبطالة والعنف والقطيعة. والإمام يقول: ليكن ما نريد هو عكس ما يريده العدو. لتكن الوحدة هي الأساس. ليكن التلاقي والتفاهم والتراحم والعمل المشترك على رأس أعمالنا وأولوياتنا. هذا ما يحبه الله ورسوله وهذا ما يجب أن نسعى له بكل قوة. أما ما يبغضه الله ورسوله وهي الفرقة والخلاف فيجب أن نمتنع عنه. وهذا يتطلب عدم الإساءة بعضنا بالبعض الآخر والثقة المتبادلة والشعور بالمحبة لتنزل بعد ذلك فيوضات الخير والعزة.

سماحة السيد نصر الله اعتبر ان اهم العبر والرسائل التي يمكن استخلاصها من ولادة الرسول الاعظم، ان نحافظ على الامة ومقدساتها.. واليوم هناك تهديد صريح لاولى القبلتين، القدس الشريف.. فكيف تستقيم الدعوة لوحدة الامة في وقت يذهب قسم منها الى التطبيع مع الاحتلال والتنكر لواجب تحرير المقدسات ؟

التطبيع حركة لا يمكن أن تكون مساراً أصيلاً داخل الأمة. سماحة السيد يدرك أكثر من غيره أن مسألة التطبيع لا أفق لها. الأمة لا يمكنها السير في هذا المشروع والقضية الفلسطينية ستبقى هي القضية المركزية. ومن خلال المقاومة يمكن أن نحبط مشاريع العدو ونفشل خططه. المقاومة هي بوابة الفرج لهذه الأمة ومن خلالها ستستعيد الشعوب آمالها. أما أنّ الصهاينة قد ظنوا أنهم بالتطبيع أمام مستقبل جديد فهم واهمون. المقاومة ستثبت أنهم حمقى وأن المستقبل سيكون للشعوب الحرة الشريفة. فلا مكان للرضوخ ولا مكان للاستسلام بل إن الهزيمة هي من ستكون حليفة كل المطبعين في العالم العربي.

هناك اجواء سياسية مبشرة لوأد الفتنة ظهرت مع الاعلان عن الاتفاق الايراني السعودي، كرمزين اساسيين للامة الاسلامية.. ولا شك ان الجميع حريصون على تعزيز الوئام بين المسلمين.. ولكن كيف يمكن تحييد هذه القضية عن واجب التصدي للتطبيع الذي اعتبره سماحة السيد نصرالله عدوانا على الشعب الفلسطيني وتخليا عن واجب تحرير الاقصى والمقدسات؟ وهل تخشون من انهيار التفاهمات بسبب التطبيع مع كيان الاحتلال ؟

لا شك أن أي تقارب بين إيران والسعودية مهم لأنه يخفف التوترات والنزاعات المذهبية. ولكن أعتقد أن السعودية تنظر إلى العلاقة مع إيران من زاوية غير إسلامية. أي من زاوية مصالحها كدولة. التي تبحث عن الأمن والاستقرار وحل النزاعات بالوسائل المعروفة دولياً وقانونياً.
أما من جهة تطبيع علاقاتها مع كيان العدو فهذا الأمر سيبقى مؤثراً على طبيعة واستمرار وثبات هذه العلاقة بين البلدين. خصوصاً أن كيان العدو لن يسمح باستقرار هذه العلاقات وسيستخدم كل وسيلة لتخريبها، كما أنّ إيران لن تتنازل عن أي من ثوابتها الإسلامية وتحديداً فيما يتعلق بنصرة القضية الفلسطينية على حساب هذه العلاقة مع السعودية. لذلك أعتقد أن المسألة إشكالية وملتبسة وسوف تخضع لتبدلات واهتزازات من حين لآخر بسبب تضارب المصالح الاستراتيجية فيما يتعلق بملفات المنطقة لا سيما القضية الفلسطينية.

لعل ابرز المسائل التي اثارها سيد المقاومة في ذكرى المولد النبوي، التحذير من محاولات الفتنة بين اللبنانيين والسوريين على خلفية الجدل حول النزوح السوري في لبنان.. وضرورة عدم تحميل الفقراء السوريين مسؤولية الازمة التي هم اول ضحاياها.. هل تشعرون بأن هناك من يحاول الوقيعة بين الشعبين مستغلا خطر النزوح؟ وما تعليقكم على الخطة التي اقترحها السيد نصرالله، وهل يمكن ان تلقى استجابة من الاطراف الاخرى؟

قضية النزوح السوري قضية جدلية وتحمل الكثير من عناصر التفجير بسبب التعقيدات الطائفية والظروف التي يمر بها لبنان بفعل الحصار الاقتصادي الذي يتعرض له. أمريكا ومعها بعض الغرب والعرب يملكون القوة والمال لتحويل هذه الملف إلى حالة ضغط على لبنان الرسمي والشعبي وإذكاء مشاعر التوتر الطائفي ولاستخدام هذه الورقة في وجه المقاومة. إذاً نحن أمام قضية تحتاج في معالجتها إلى الكثير من الحكمة والعقلانية وبرودة الأعصاب وكذلك من الشجاعة لمواجهة المخطط الغربي لتغيير الواقع السياسي والديمغرافي في لبنان.

/انتهى/

رمز الخبر 1937459

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha