وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: من الأربعين إلى فلسطين، عنوان عريض لتحرير القدس عبر الشرفاء وأحرار العالم.
فلسطين اليوم هي أهم ما سعت إليه كربلاء في أبعادها، وهي تشكل كربلاء العصر، وهنالك صراع بين الإنسانيّة وبين اللاإنسانيّة، وبين الحق والباطل بين العدالة وبين الظلم، ففلسطين اليوم تمثّل واجهة الصراع بين أمّتنا وبين الغرب والاستكبار العالمي وأعداء الإنسانيّة.
حول مؤتمر نداء الأقصى الذي انعقد في كربلاء المقدسة، والذي عرض مظلومية الشعب الفلسطيني لزوار الإمام الحسين عليه السلام، أجرت مراسلتنا، الأستاذة وردة سعد، حوارا صحفيا مع رئيس تجمع الأمناء في تجمع العلماء المسلمين، سماحة الشيخ غازي حنينة، وجاء نص الحوار على النحو التالي:
**نبدأ بسؤالكم مولانا كونكم شاركتم بالمؤتمر في كربلاء المقدسة والذي أُخذ عنوانه من وحي واقعة الطف ومن مظلوميّة الإمام الحسين (ع) إلى طوفان الأقصى وما يحصل من مجازر وإبادة للشعب الفلسطيني في غزة، كيف تنظرون لهذا المؤتمر وأنتم من الداعمين بقوّة للقضيّة الفلسطينيّة، وما أهميّته في هذا الوقت، وما هو شعوركم وأنتم تستمعون لجرحى من غزّة كانوا يتحدّثون عن معاناتهم الأليمة؟
بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم والحمد الله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين وصحبه الأخيار الميامين وعلى جميع عباد الله الصالحين من بني آدم إلى قيام يوم الدين وبعد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
كربلاء وواقعة الطّف وأحداث العشر الأول من محرم هذه الأيّام وهذه الواقعة وهذه الأرض التي أصبحت نقطة ارتكاز في مواجهة الباطل وفي مواجهة الظلم والطّغيان لدعاة الحريّة والحق والعدالة، ومن هنا كان نداء الأقصى للمؤتمر في دورته الثالثة أن يعقد في مدينة كربلاء وفي الأجواء العاشورائية التي شكّل فيها الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه نموذجًا للأحرار، ونموذجًا لوقفة الحق في وجه الباطل، ونموذجًا لكلمة الحق في وجه سلطان جائر، كما قال جده رسول الله (ص)، من هنا كانت مشاركتنا في مؤتمر نداء الأقصى بدورته الثالثة هذا العام تمثيلًا لتجمّع العلماء المسلمين في هذا المؤتمر بما أمثله كرئيس لتجمّع الأمناء في تجمّع العلماء المسلمين، هذا المؤتمر الذي ينعقد كل عام على مدى سنوات ثلاث دعمًا لقضيّة فلسطين ونصرة لأهل فلسطين ونصرة للمسجد الأقصى المبارك، تميّز هذا العام بحضور عدد من الجرحى من أهل غزّة، وتميّز هذا العام أن المؤتمر ينعقد في أجواء طوفان الأقصى، ولذلك كانت طبيعة المؤتمر في هذا العام تختلف عن سابقاتها من الأعوام السابقة، حيث أن أجواء طوفان الأقصى انعكست بشكل فعال على فعاليّة المؤتمر وعلى كلمات المشاركين والممثلين لأكثر من ستّين دولة عربية وإسلاميّة وغربيّة من المسلمين والمسيحيين، ومن هنا كان حضور وكما ذكرت عدد من الجرحى الذين تحدّثوا عن معاناة أهل غزّة وعن الظروف الصعبة التي يعيشها أهل غزّة والأوضاع الإجتماعيّة والصحيّة والإغاثيّة، وحالات التّهجير المستمرة التي يعيشها أهل غزّة، وهذه الظروف الصعبة التي أحدثتها غارات العدوان الصهيوني والإجرام الفاشي الذي يمثّله هذا الجيش النازي تجاه أهلنا في غزّة والذي أدّى إلى قرابة أربعين ألف شهيد والآلاف من المفقودين وعشرات الآلاف من الجرحى، هذه الأحداث نقلها الآن الإخوة الجرحى من أهل غزّة، وعشناها ودموعنا تنسكب من عيوننا حزنًا وألمًا على أهلنا في غزّة ومعاناتهم، إلا أنّ الذي بلسم جراح نفوسنا وقفات المقاومين والصامدين من شباب غزّة المقاوم من كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب الأقصى وغيرهم من الفصائل الفلسطينية الأخرى.
**انعقد قبل أيام مؤتمر علمائي موسّع في كربلاء ضم علماء من المذاهب الإسلاميّة المختلفة ورجال دين مسيحيين من نحو ستّين بلدًا في العالم، لنصرة القضيّة الفلسطينيّة ومساندة المقاومة الإسلاميّة في هذه المواجهة التّاريخيّة مع الغزو الصهيوني، ما أهمية هذا الحدث النادر في هذه المرحلة؟ وما هي الرسالة التي يوجهها للعالم ولشعوب المنطقة؟
انعقد مؤتمر نداء الأقصى في هذا العام بهذا الزخم العربي والإسلامي والدّولي من أميركا اللاتينية ومن أوروبا ومن كندا ومن أقطار آسيوية في آسيا الوسطى أيضّا، وتميّز بالحضور الإسلامي والمسيحي ومن كل المذاهب الإسلاميّة، هذه المشاركة أعطت نكهة تختلف عن سابقاتها أنّ قضيّة فلسطين قضيّة إنسانيّة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، حيث أنّ البعض أراد أن يخرقها في عناوين ضيّقة فجاءت الانطلاقة من العنوان الإسلامي المسيحي إلى أن يكون عنوانًا عالميًّا، يشارك فيه أطراف دوليون
ورجال فكر وثقافة ودين على مستوى العالم أجمع، هذا يؤكّد أنّ هذه الرسالة التي أراد مؤتمر نداء الأقصى أن يوصلها للعالم أجمع، أن قضيّة الأقصى ليست قضيّة ضيّقة ولا قضيّة محصورة بدين أو مذهب أو طائفة إنّما هي قضيّة إنسانيّة عالميّة أصبح العالم، كل العالم، اليوم يتبناها ويحملها ويتحدث بها، وهذا ما أثبتته تداعيات طوفان الأقصى على المستوى العالمي وخاصة في الولايات المتّحدة الأميركيّة وفي بريطانيا وفي فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وألمانيا والسويد والدانمارك وكندا وأوستراليا وحتى في الدّول الآسيويّة كالصين مثلًا وماليزيا وأندونيسيا وغيرها من أقطار آسيويّة أخرى، من هنا كانت رسالة نداء مؤتمر الأقصى قد وصلت إلى ما يُراد لها أن تصل وأن تحقق هدفها وهو أنسنة قضيّة الأقصى واعتبارها قضيّة إنسانيّة تحمل العنوان الإنساني العالمي.
**توقف كثيرون من المراقبين عند الصلاة الجامعة والموحدة التي أدّاها العلماء المسلمون في كربلاء المقدسة. كيف قرأتم هذه الرسالة على صعيد وحدة الأمّة؟ وهل ترون أنّها تحمل ردًّا قويًّا على استراتيجيّة العدو الصهيوني والأميركي في بث الفتنة وتفجير الصراعات المذهبيّة؟
لا شكّ أن صلاة الجماعة هي بحد ذاتها عنوانًا للوحدة، ولذلك كانت إحدى العناوين العملانيّة لدعوة الوحدة الإسلاميّة هي صلاة الجماعة وأيضًا الجمعة، والجمعة فيها أيضًا صلاة الجماعة، لذلك عندما أدّى علماء المسلمين من كافة المذاهب الإسلاميّة صلاة الجماعة في حرم الإمام الحسين (ع) ونقلت وسائل الإعلام المرئيّة هذه الصورة المشرقة لوحدة الأمّة أننا نصلي كلنا وراء إمام واحد في رحاب الإمام الحسين وفي أجواء الروحانيّة الحسينيّة المحمّديّة الإسلاميّة الأصيلة، هذا يؤكّد أننا أمّة واحدة كما قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، ومن هنا نقول أن كل الإمكانيّات التي بذلتها أميركا ومعها الصهيونيّة العالميّة ومعها منافقي العرب لبث روح التّفرقة والشرذمة والعداوة والبغضاء بين أمّة واحدة أمّة الإسلام قد سقطت كلها أمام الوحدة الإسلاميّة التي تحققت في هذه الصلاة التي هي تعبير عن وحدة الموقف تجاه فلسطين، إننا كأمّة مسلمة نحن موقفنا واحد تجاه القضيّة الفلسطينيّة لا نختلف عليه مهما تعددت آراؤنا الفقهيّة، فنحن بالموقف الإسلامي الواحد حول فلسطين ومع فلسطين وحول المسجد الأقصى ومع المسجد الأقصى، وهذا أكبر رد وأقوى رد على دعاة الفتنة المأجورين الذين يستغلون منابر المساجد منابر رسول الله (ص) لإثارة الفتنة بين المسلمين، سواء كان هؤلاء دعاة الفتنة من السنّة أو من الشيعة، ولذلك كانت صلاة الجماعة في رحاب الإمام الحسين (ع) هي الرد العاصف والصاعق على كل هؤلاء جميعًا.
**أن ينعقد مثل هذا المؤتمر في هذا الوقت أمر مهم! وأن ينعقد في العراق وفي مكان مقدّس مهم أيضًا! لكن رمزيّة الانعقاد في ذكرى أربعينيّة الإمام الحسين (ع) وشهداء كربلاء طغى بأهمّيته ودلالاته الرمزيّة على ما سواه، فأين هي عوامل الربط بين الحدث التّاريخي وما يجري اليوم على أرض فلسطين وفي غزّة تحديدًا؟ وكيف تستفيد الأمّة من هذه المناسبات العظيمة في تاريخها للدّفاع عن نفسها وقيمها ومقدّساتها؟
العراق هو إحدى الدول الدّاعمة للقضيّة الفلسطينيّة والمؤيّدة والمناصرة للشعب الفلسطيني، ولعل ما نشهده من أحداث على مدى أحدَ عشرَ شهرًا من الأشهر الماضية من 7 أكتوبر ودور العراق دور ريادي ومهم وحساس في قضيّة طوفان الأقصى، لذلك إن انعقاد مؤتمر نداء الأقصى على أرض العراق وفي مدينة كربلاء له رمزية، خاصة وكما ذكرت سابقًا أنّ المؤتمر يُعقد في رحاب الإمام الحسين (ع)، الإمام الذي وقف وقفة الحق تجاه الباطل، والذي استشهد هو وأهل بيته وأصحابه دفاعًا عن العقيدة الصحيحة عن الإيمان واليقين بأنّ الحق يُستشهد ويُضحى من أجله بما أعطانا الله سبحانه وتعالى إيّاه من نِعم وهي نعمة الروح والحياة ونعمة الولد والأهل والأصحاب، لذلك كان انعقاد مؤتمر نداء الأقصى في رحاب الإمام الحسين (ع) وفي كربلاء وفي أجواء أربعينية الإمام الحسين (ع) هذه الأيام العظيمة المجيدة وقوف ثورة الإمام الحسين (ع) في وجه الطّاغية يزيد، هذا يعطي دفعًا لمسيرة الشعب الفلسطيني أن يقدّم كل ما أعطاه الله عز وجل إياه من أجل تحرير أرضه واستعادة المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة، وهذا ما أرادته المقاومة في غزة في حركة طوفان الأقصى.
**يتساءل البعض عمّا إذا كانت المواجهة الضّارية في المنطقة مع الغزو الصهيوني قد تحوّلت إلى حرب دينيّة! وبعضهم يطرح السؤال من باب النّقد والتّشويه! فما توصيفكم لهذه الحرب اليوم من أجل فلسطين؟ وكيف يمكن للأمّة الإسلاميّة أن تنخرط في المواجهة مع الصهيونيّة التي ترفع الخرافة الدينيّة لفرض واقع استعماري عدواني؟
يحاول البعض تصوير الصراع على أنّه صراع ديني، أبدًا، نحن نقاتل العدو الصهيوني باعتباره مغتصب لفلسطين، ولا نقاتل اليهود باعتبارهم أصحاب معتقد لهم أصل رسالي من عند الله سبحانه وتعالى، هناك يهود كثر في العالم ونحن لا نتعرّض لهم وإنّما موقفنا من الصهاينة الذين شرّدوا أهل فلسطين وهجّروهم وشتّتوهم في بقاع الأرض وأخذوا ديارهم واستولوا على أرضهم وأقاموا دولة إغتصاب صهيوني على أرض فلسطين، لذلك حتّى البعض من المسلمين يحاول أن يصور المعركة بأنّها معركة دينيّة وهذا مفهوم غير صحيح، نحن لا نحارب اليهود كيهود وإنّما نحارب الصهاينة باعتبارهم محتلين معتدين غاصبين لأرض فلسطين، احلالين أي يريدون إحلال شعب مكان شعب وناس مقابل ناس، ولذلك المعركة على أرض فلسطين هي معركة بين الظالم والمظلوم، بين الحق والباطل، بين العدل والظلم، بين الخير والشر، وهذه المعركة ليس لها طابع ديني إنّما طابعها الحق في مواجهة الباطل طابع الشعب الفلسطيني المظلوم في مواجهة العدو الصهيوني الظالم النّازي الفاشي الذي قتل أطفالنا وشبابنا ونساءنا ورجالنا وهجّرهم من أرضهم على مدى 75 عامًا ولذلك من حقّنا نحن اليوم أن نسترد أرضنا وأن نعيد الشعب الفلسطيني إلى داخل فلسطين، ونحن لسنا دُعاة إلقاء في البحر وإنّما نحن دُعاة عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه من أجل إقامة دولته الفلسطينيّة المستقلّة من البحر إلى النّهر بكل شبر من فلسطين وبكل حبّة تراب منه، هذا هو العنوان الصحيح الذي ينبغي أن نؤكّد عليه في مواقفنا دائمًا وهو أن المعركة هي بين ظالم ومظلوم كما كانت المعركة بين الحسين المظلوم ويزيد الظالم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
/انتهى/
تعليقك