ورأى العميد أمين حطيط في مقال نشرته صحيفة الثورة السّوريّة أن معسكر العدوان على سورية الذي خسر رهاناته حتى اليوم يبدو غير جاهز الان لتقبل مؤتمر مباحثات سورية سورية برعاية دولية تكون هذه أهدافه لذلك نرى ان الأساسيين في معسكر العدوان يعملون بشتى الطرق لقطع الطريق الى الاستانة في الوقت الذي نجد اخرين يبتغون موقعا أفضل ولا يخفون تدافعهم اليه.
كما واشار الى أن الانتصارات الأخيرة للجيش السّوري هي التي أدت بمحور الدّفاع عن سوريا المنتصر إلى استثماره سياسيًّا، حيث اضطرت تركيا على قبول انتداب الطرف الآخر وسوقه إلى المفاوضات في العاصمة الكازاخستانيّة الآستانة.
وهذا نص المقالة التي كتبها العميد حطيط لجريدة الثورة السورية اليوم الاثنين:
كان من البديهي ان يسارع الطرف الذي حقق انتصارا استراتيجيا في حلب ان يستثمر هذا الانتصار و يدعو مباشرة الى صرفه بالسياسة و كان بديهيا أيضا ان يدعو الى مؤتمر( او سمه ما شئت) لتتم فيه عملية التحويل و الصرف تلك فكانت الدعوة الى الاستانة في كازاخستان فكرة اطلقها المعسكر المنتصر الذي وجد انه بحاجة الى مكون من الفريق المهزوم حتى يعتدل او يستقيم المشهد على الأقل شكلا فكان اختيار تركيا لتكون المكون الاخر الذي ينضم الى الجهة الرئيسية الداعية الى مؤتمر الاستانة لرعاية المباحثات السورية - السورية التي تشكل المدخل و الطريق الى حل سياسي يخرج سورية من ازمتها .
لقد اتخذت الأطراف التي شكلت هيئة الرعاية والدعوة لمؤتمر الاستانة كافة التدابير الميدانية و الإجرائية التي تمكن من انطلاق المؤتمر بالشكل المجدي الذي يحقق أهدافه ، و هنا كان التفاهم حول التمييز والفصل بين المسلحين بعد تصنيفهم في فئتين: فئة ترتضي الحل السلمي و تبدي استعدادا للحوار للوصول الى مخرج من الازمة ، و فئة ترفض ذلك و تعتمد السلاح أداة لفرض الإرادة ، وقد صنفت دوليا بانها منظمات إرهابية و هي داعش و جبهة النصرة ، ثم كان القرار بوقف العمليات القتالية مع الفئة الأولى و الاستمرار بقتال الثانية الإرهابية وتم التأكيد على الاتفاق هذا بقرار من مجلس الامن الدولي.
وبعد هذا كان لابد من العمل التنفيذي والاجرائي لإنجاح المؤتمر في الاستانة فكان ان حدد تاريخه في 23\1\2017 وتمت تسمية الأطراف السورية المعارضة التي قبلت فكرته وأبدت استعدادا للدخول فيه في مواجهة الحكومة السورية حضور يتكئ على الوجود التركي في هيئة الدعوة والرعاية خاصة وان معظم تلك الفصائل المسلحة التي استجابت لفكرة المؤتمر هي على علاقة إيجابية متفاوتة السقوف مع تركيا ويريحها ان تكون تركيا جزءا من هيئة الدعوة اليه.
مع هذا التسارع في التنظيم والتحضير الى مؤتمر الاستانة ، ومع وضوح متتالي في الأهداف التي يرمي المؤتمر الى تحقيقها تسارعت المحاولات وتصرفات المعنيين محكومة بأحد اتجاهات ثلاثة: اتجاه الرفض والتعطيل الكلي وتقوده إسرائيل خارجيا وتنفذه جبهة النصر وداعش داخليا، واتجاه الضغط لتعديل جدول الاعمال وإعادة النظر بمفهوم المؤتمر والأهداف منه و هو الاتجاه السعودي، و اتجاه الضغط الميداني و السياسي لتحسين الأوضاع وجمع الأوراق الفاعلة على طاولة التفاوض من اجل الحصول على مكاسب أكبر و هو الاتجاه التركي ، اما اميركا فتموضعت راعية للاتجاهات الثلاثة لتحصد ما يجنيه أي منها.
لقد وجدت الأطراف التي بقيت خارج هيئة الدعوة و الاشراف و خارج المدعوين للمؤتمر وجدت ان استثناءها يمس بموقعها ومصالحها اذ ليس من مصلحتها بعد ان كانت هي الأساس او القطب الرئيسي في مؤتمرات مماثلة سابقة ، ليس من مصلحتها او حتى لا يجوز لها الخروج من الجادة الى الرصيف لمراقبة ما يفعل الاخرون فعادت الى مقاولة "لنا او للنار" و "نملك او نُهلِك" و بالتالي كان بديهيا ان تبادر الأطراف تلك المستبعدة عن الاستانة الى القيام بعمل ما من شانه ان يدخلها الى المشهد و بالحجم و القوة التي تريد او ان تقوم بقطع الطريق الى الاستانة مهما كان الثمن . وفي هذا السياق سجلت في الأيام التي تسبق مؤتمر الاستانة التصرفات التالية:
- في الميدان: قامت اسرائيل بعدوان جوي تزامنا مع عمليات إرهابية وتفجير في كل من المزة وكفروسة في دمشق وفي ريف حماه. وكان الاهم منها العدوان الإسرائيلي على مطار المزة قرب دمشق حيث استعملت الطائرات الأميركية ف35 في اول مهمة عملانية إسرائيلية لهذه الطائرات في رسالة إسرائيلية واضحة تقول بان إسرائيل وبرعاية أميركية مستمرة في الميدان السوري في مهمة التخريب والعدوان ودعم الإرهابيين وقطع الطريق على أي مسعى يضع حدا للقتال في سورية. ثم كان هجوم داعش المنسق ضد مواقع الجيش الربي السوري في دير الزور وريف حمص الشرقي كلها عمليات تزامنت ثم اتبعت بعملية غدر وحشي ارتكبتها جبهة النصرة في وادي بردى أودت بحياة اللواء غضبان من الجيش العربي السوري اثناء قيامه بتنفيذ اتفاق لإعادة ضخ المياه الى دمشق. تمت كل تلك العمليات من اجل التسبب بانهيار وقف العمليات العسكرية ولقطع الطريق الى الاستانة.
وهنا نسجل بإيجابية عالية كيفية تعاملت الحكومة السورية مع كل من هذه العمليات بحكمة وحزم حيث ان إسرائيل علمت ولمست ان الرد السوري يكون بالشروط السورية وبالتوقيت السوري (وهذا ما حصل وآلمها) ولا يكون بشروط إسرائيلية تستدرج سورية الى حيث تريد.
- في السياسة: جاءت محاولة تركية لدعوة اميركا للمشاركة في الاستانة دون تنسيق مع الأطراف الأخرى، وقد ابتغت تركيا من هذا التفرد بالدعوة ان تتمظهر وكأنها الأساس في تنظيم المؤتمر وبشروطها فكان الرد الروسي تسفيها لمنطقها واعلانا بان أي دعوة ترسل يجب ان تكون ممهورة بتوقيع ثلاثي روسي إيراني تركي مشترك وطالما ان التواقيع الثلاثة لم تجمع فان الدعوة لن ترسل.
- الدعوة الى مؤتمر الرياض ل 14 دولة هي" جماعة العداء للشعب السوري" والاستثمار بالإرهاب ورعايته، مؤتمر يستبق الاستانة ويجري تحت عنوان مزعوم "كيف نفعل الحرب على داعش " بينما نرى ان الحقيقة هي خلاف ذلك فحسب اعتقادنا هم ذهبوا لاعادة النظر في طرق ووسائل الاستثمار بالإرهاب ودعم داعش والنصرة بشكل أفضل بعد سقوط الإرهاب في حلب وتأكله في الموصل.
- اما على صعيد المشاركة فقد تم التأكيد على ان هناك 91 فصيلا مسلحا يرتضي السير في العملية السياسية ويبدي جهوزيته للذهاب الى الاستانة للمشاركة في اعمالها مؤيدا او مدعوما من أكثر من طرف سياسي سوري مناكف خاصة الدعم العلني الذي تلقاه في الساعات الأخيرة من "الهيئة العليا للمفاوضات" التي تزعم انها تمثل المعارضة السورية.
ان التباحث السوري-السوري في الاستانة برعاية المثلث الداعي اليه، ليس كما أراد البعض ان يروج له، بالقول بانه عمل شكلي استعراضي من غير جدوى، اذ انه لو كان كذلك لما اهتم به أحد ولما حرك هذا الكم من المواقف المتنوعة، وبالمقابل لا نتوقع ان يكون من الأثر والفعالية الى الحد الذي يقود الى انهاء الازمة السورية والعودة بالأمور الى طبيعتها امنا واستقرارا، بل ان أهمية مباحثات الاستانة تكمن فيما يلي:
- إطلاق العملية السياسية التي جمدتها اميركا في نيسان من العام الماضي بعد ان اعتمدت استراتيجية حرب الاستنزاف و"إطالة امد الصراع" في سورية لمزيد من القتل والتدمير في البلاد بعد ان عجزت عن اسقاطها او تقسيمها لوضع اليد عليها كليا او جزئيا.
- تصحيح مسار العملية السياسية وتصويب المفاهيم التي تبنى عليها، والتحول من مفهوم تسليم السلطة الى الجماعات المسلحة عبر المنطق الأميركي القائم على فكرة " انتقال السلطة او الانتقال السياسي للسلطة " والحكم الانتقالي الذي يقفز فوق الإرادة الشعبية السورية، الى اعتماد منطق الشرعية الدستورية السورية بما يعني القبول بالواقع القائم والتباحث حول كيفية تطويره مع احترم الإرادة الشعبية في كل ما يتفق عليه.
- التأكيد على ان الحرب على الإرهاب هو شان منفصل عن العمل السياسي ويجب ان يتم بمسار موازي للعملية السياسية بحيث ان أي طرف عليه ان يختار في ان يكون اما في العملية السياسية وضد لإرهاب، او مع العمل الإرهابي ضد الحل السياسي ولا يمكنه ان يكون في الان ذاته مع الإرهاب وشريكا في العملية السياسية.
فاذا التأم المؤتمر وحقق أهدافه يتم الانتقال بعده الى جنيف او اي مكان اخر وينضم اليه بعد التصحيح والتصويب وتثبيت المفاهيم أعلاه، ينضم اليه من تبقى من اطراف دولية مع من استبعد نفسه او استبعد من أطراف سورية بعد ان يستوفي شروط الانضمام وعندها تتطلق العملية السياسية بكامل زخمها لإيجاد الحل النهائي للازمة.
ان معسكر العدوان على سورية الذي خسر رهاناته حتى اليوم يبدو غير جاهز الان لتقبل مؤتمر مباحثات سورية سورية برعاية دولية تكون هذه أهدافه لذلك نرى ان الأساسيين في معسكر العدوان يعملون بشتى الطرق لقطع الطريق الى الاستانة في الوقت الذي نجد اخرين يبتغون موقعا أفضل ولا يخفون تدافعهم اليه./انتهی/