الوزير بومبيو يعتبر فرض العقوبات على إيران، أو أي دولة أخرى، إجراء مشروع لحماية الأمن القومي الأميركي، وينسى أن حكومة بلاده رفعت هذه العقوبات بعد توصل الدول الست العظمى إلى اتفاق نووي مع إيران، وإعادتها بعد انسحابها من هذا الاتفاق من جانب واحد، وسط معارضة شركائها فيه الذين خاضوا مفاوضات ماراثونية للتوصل إليه استمرت خمس سنوات.
يصعب علينا أن نفهم كيف يؤدي اللجوء إلى محكمة دولية محترمة من قبل دولة عضو فيها، لمناقشة حصار يمكن أن يترتب عليه مقتل مئات الآلاف من أبنائها، على غرار حصار أميركي آخر استمر 12 عاماً على العراق، إلى انتقاص سيادة دولة عظمى مثل الولايات المتحدة؟ ثم أين يمكن أن تشكو دول فقيرة معدمة في العالم الثالث مظالمها من الدول الكبرى، مثل أميركا؟
متى احترمت الولايات المتحدة الأميركية سيادة الدول؟ ألم يكن غزو العراق واحتلاله، ودون أي قرار دولي، انتهاكاً لسيادة هذه الدولة، وهيبة الأمم المتحدة والقانون الدولي؟ ألم يكن تدخل الولايات المتحدة وإنفاقها 70 مليار دولار لتسليح فصائل مسلحة، بهدف الإطاحة بالنظام في سوريا، ودون تفويض دولي أيضاً، انتهاكاً لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة؟ ألم يكن الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل خرقاً لقوانين الشرعية الدولية، وقتلاً لحل الدولتين الذي تبنته الأمم المتحدة؟
العقوبات الأميركية على إيران لا تشكل انتهاكاً لسيادة الولايات المتحدة، وإنما للسيادة الإيرانية، وخطوة على طريق تغيير النظام في طهران من خلال تجويع الشعب الإيراني ودفعه إلى الثورة ضد النظام بتحريض من إسرائيل.
الإدارة الأميركية الحالية لا تعرف إلا لغة واحدة تجيدها باقتدار، وهي استفزاز وابتزاز جميع الأطراف في العالم، بما في ذلك المنظمات الدولية، وحتى قرب حلفائها في الغرب والشرق معاً، وهذا مؤشر على زيادة جرعة الغطرسة والاستكبار، وانهيار الأعصاب، الأمر الذي يحتاج إلى علاج سريع قبل ارتكاب كوارث تدمر أمن العالم واستقراره.
منظمة العدل الدولية لم تخطئ مطلقاً بمناقشة هذه العقوبات الأميركية، التي تأتي في إطار حروب اقتصادية تشمل الصين وروسيا وكندا والاتحاد الأوروبي، ونأمل ألا تؤثر هذه الهجمة الإرهابية الأميركية على قضاتها الذين يحتلون أعلى درجات العلم والنزاهة معاً.
فإذا كان رئيس الدبلوماسية الأميركية يفتقد إلى الحد الأدنى من الدبلوماسية في تعاطيه مع أهم مؤسسة قانونية دولية، فكيف نلوم الدول المارقة، والجماعات الإرهابية، والخارجة عن القانون في العالم؟
* "رأي اليوم"