نسلط الضوء في مقال اليوم على أبعاد هذه العلاقة و أهم مُحركاتها.
أولى محطات التقارب بين أنقرة و الدوحة
يرجع تاريخ العلاقات الثنائية بين قطر وتركيا إلى سبعينيات القرن الماضي , إلا أن أولى محطات أول تقارب حقيقي بين البلدين قد بدأت فعليّا مع بدايات التحركات الشعبية التي غزت المنطقة العربية و التي سمُيت لاحقا بثورات الربيع العربي , إذ تفاجئ المجتمع الدولي مباشرة بعد هذه الهبّات الشعبية بتغير واضح في الرقعة السيادية لمنطقة الشرق الأوسط , وفيما امتنعت أغلب الأنظمة القائمة وقتها على التعليق مكتفية بالمتابعة أعلنت كل من تركيا و قطر في خطوة استباقية غير متوقعة مساندتهما لهذه الثورات ليتحول بذلك البلدانِ في ليلة و ضحاها إلى أكثر اللاعبين الإقليميين نشاطًا داخل منطقة الشرق الأوسط ما تسبب في نشوب خلافات عديدة خصوصا بين الدوحة و أجوارها.
تجدر الإشارة إلى أن تركيا تشترك مع قطر في دعمها اللامحدود للجماعات الاسلامية السياسية على عكس بقية أنظمة المنطقة -التي لا ترغب في وضع أمنها على المحك- , فعلى ما يبدو فان الحنين إلى أمجاد الماضي السحيق قد عاودت القيادة التركية التي ترغب و بشدة في ضمان تبعية هذه الجماعات وولاءها لها.
الرخاء يصنع الأصدقاء أما المحن فتختبرهم
تشير اغلب التحاليل السياسة إلى أن التقارب في وجهات النظر بين القيادتين في الدوحة وأنقرة في ما يخص مختلف قضايا المنطقة ليس السبب الوحيد لازدهار العلاقة بين الإدارتين خلال الفترة الأخيرة , إذ ساهمت الأزمات السياسية العاصفة التي مر بها كل من الجانبين بدورها في توطيد هذه العلاقة أكثر فأكثر .
تركيا كانت أول المساندين والداعمين لقطر عقب الحصار الذي تعرضت له صيف العام الماضي من خلال إرسال وحدات عسكرية تركية لتأمين السيادة القطرية في حالة انزلاق الوضع إلى مواجهة ميدانية مع الدول المُقاطِعة إلى جانب توفيرها لكل أنواع البضائع والأدوية والمواد الغذائية , خطوة جعلت ولي العهد القطري يتعهد برد الجميل في أول فرصة وقد كان له ذلك إذ ومع الانزلاق الخطير والمفاجئ لليرة التركية لأدنى مستوياتها عقب الأزمة العابرة مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب قضية القس المحتجز أعلنت قطر على حزمة من الإجراءات الاستثنائية لمساعدة الاقتصاد التركي على الصمود , و هو ما يفسر سبب تجاوز قيمة استثمارات قطر في تركيا اليوم 20 مليار دولار( ثاني أعلى نسبة استثمار خارجي في تركيا).
تقارب سياسي واقتصادي تحت غطاء أيديولوجي
إن العلاقة بين تركيا وقطر لا تقوم فقط على المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية فحسب , إنما تخفي ورائها توافقات عَقدية تتجاوز الإطار السياسي إلى النسق الأيديولوجي إذ لا يمكن أن نغفل في جميع الأحوال كون أردوغان هو الابن الوفي لأفكار نجم الدين اربكان المنظر الأول للإسلام السياسي في تركيا , ما يجعله في وجهة نظر الدوحة الوريث الحقيقي للدولة العثمانية التي تدين لها القيادة القطرية الحالية بالولاء .
الإدارة التركية بقيادة أردوغان لا تنظر للدوحة على أنها حليف سياسي مؤقت يشترك معها في تموقعه السياسي فحسب ولكن أيضا كداعم أساسي لمشروعها التوسعي في المنطقة.