تاريخ النشر: ٤ ديسمبر ٢٠١٩ - ١١:٤٦

تشهَد قمّة حلف النّاتو التي بَدأت في لندن للاحتِفال بالذّكرى السّبعين لتَأسيسه خِلافات مُتفاقِمة تُهَدِّد وحدته، وربّما تُعجِّل بانهيارِه ومُواجهة مَصير حِلف وارسو إذا لم يتم تطويقها، وهذا أمرٌ صعبٌ، إن لم يكُن مُستَحيلًا.

وكالة مهر للأنباء نقلاً عن صحيفة رأي اليوم : إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا، كان أوّل من علّق الجرَس، ووصَف حِلف "النّاتو" بأنّه يُعاني حاليًّا من "سكتةٍ دماغيّة"، أو في حالةِ "موت دِماغي"، الأمر الذي أثار غضَب الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب الذي رأى في هذا التّوصيف بأنّه مُهينٌ للغاية.

الأوروبيّون يُريدون الخُروج من تحتِ المِظلّة العَسكريّة الأمريكيّة، وانعَكست هذه الرّغبة بوُضوحٍ في مُؤتمر ميونخ للأمن العام 2017، عندما طالبت كُل من وزيرتيّ الدّفاع الفرنسيّة والألمانيّة بتَأسيس قوّة دفاعيّة أُوروبيّة مُستقلّة، وقوّات تدخّل سريع بعيدًا عن الولايات المتحدة التي تَجُر العالم إلى حافّة الهاوية.

تأسيس تحالف أوروبي مُستَقِل عن نظيره الأمريكيّ، لتأمين المِلاحة البحَريّة في الخليج مقرّه قاعدة أبو ظبي الفرنسيّة العسكريّة كان الخُطوة الأبرز تَطبيقًا لهذا التوجّه الدّفاعي الأُوروبي المُستَقِل.

أبرز الخِلافات بين الولايات المتحدة وشُركائها الأوروبيين تتمثّل في ضُغوط إدارة الرئيس ترامب على الحُكومات الأُوروبيّة لزيادة نِسبَة مُشاركتها في تمويل حِلف "النّاتو" وتخصيص 2 بالمِئة من ناتِجهم القوميّ الإجماليّ للإنفاق العسكريّ، مُضافًا إلى ذلك انسِحاب أمريكا من الاتّفاق النووي الأمر الذي دفع بإيران إلى العودة إلى تخصيب اليورانيوم بنسبٍ مُرتفعةٍ تصِل إلى 5 بالمِئة، والتّهديد بالتخلّي عن التِزاماتٍ أُخرى مَفروضةٍ عليها بمُقتَضى الاتّفاق.

العلاقات التجاريّة الأمريكيّة الأوروبيّة كانت من أبرز المُتأثِّرين بهذه الخِلافات، فقد أدّت خُطوة فرض الولايات المتحدة رُسومًا على وارِداتها من النّبيذ والحقائب النسائيّة والأجبان الفرنسيّة إلى تمرير البرلمان الفرنسي لقانون يفرِض ضرائب بنسبة 3 بالمئة على عائِدات الشركات الأمريكيّة العِملاقة مِثل "غوغل" و"فيسبوك" و"الأمازون"، ممّا دفَع ترامب إلى الرّد بالتّهديد بزِيادة الضّرائب على المُنتجات الفرنسيّة التي تصِل قيمتها إلى 2.4 مِليار دولار سَنويًّا بأكثَر من 100 بالمِئة.

الخِلاف بين تركيا من ناحيةٍ وأمريكا والدول الأوروبيّة من ناحيةٍ أُخرى داخل حِلف "النّاتو" مصدر آخَر للتصدّع، خاصّةً بعد إقدام الحُكومة التركيّة على شِراء صفقة صواريخ "إس 400" الروسيّة المُتقدّمة وتلويحها باحتمالِ إكمال صفقة أُخرى لشِراء طائرات "سوخوي 35" أيضًا، وهي أسلحة يقول الأُوروبيّون والأمريكان إنّها تتعارض مع المَنظومة العسكريّة لحِلف "الناتو".

من الصّعب أن تنجح اللِّقاءات العلنيّة أو الجانبيّة في قمّة لندن في تطويق الخِلافات المذكورة آنِفًا بين أعضاء حِلف "النّاتو" العِشرين، في ظل اتّساع الشّرخ وتجاوزه مرحلة التّرقيع أو الإصلاح، ولا نَستبعِد أن تكون تركيا أوّل المُغادِرين لهذه المنظومة الدفاعيّة بسبب اقتِرابها أكثر من روسيا، العدوّ الأوّل لهذا الحِلف.

حِلف "النّاتو" يقِف حاليًّا على أبواب التّفتُّت بالطّريقة نفسها التي تفكّكت فيها منظومة وارسو السوفيتيّة، بعد أن هَرِمَ هذا الحِلف، ولم يعُد قادِرًا على إلزام أعضائه ببُنود مِيثاقه، وخاصّةً تركيا التي غزَت شِمال سورية دون التّشاور مع قِيادته، مُضافًا إلى ذلك ظُهور التّحالف الروسي الصيني القوي، وتَراجُع القُوّتين العسكريّة والاقتصاديّة الأمريكيّة أمامه.

لا أسَف على انهيار هذا الحِلف أو ضعفه على الأقل، لأنّه كان رأس الحِربة في التدخّل العسكريّ في العديد من الدول العربيّة وتدميرها مِثل سورية وليبيا والعِراق، ولا ننسى أفغانستان الإسلاميّة أيضًا. /انتهى/