وكالة مهر للأنباء – فاطمة صالحي: أثار قيام المحتلين الأمريكيين في العراق باغتيال الجنرال قاسم سليماني وعدد من الوجوه البارزة في قوات الحشد الشعبي خلال اليومين الماضيين استنكارا واسعا بين الأوساط السياسية والشعبية في دول المنطقة.
وتوعدت السلطات السياسية والوجوه العسكرية في إيران برد ساحق علی الإرهاب الأمريكي حيث أعلن سماحة قائد الثورة الإسلامية في إيران آیة الله العظمی السيد علی الخامنئي أن انتقاماً قاسياً في انتظار المجرمين.
وفي شأن هذه الخطوة الإرهابية أكد الكاتب والصحافي الفلسطيني، خالد الجيوسي في حواره لوكالة مهر أنه "لا يُمكن أبداً التّقليل من أهميّة الجنرال قاسم سليماني على صعيد ملف دحر الإرهاب في سورية والعراق، بالإضافة إلى دوره في التنسيق والإدارة مع حركات المُقاومة في المنطقة، ودليل ذلك تقدير حركة المُقاومة الإسلاميّة الفلسطينيّة "حماس" لدوره هذا، رغم بعض تحالفاتها مع التركي والقطري، والمُتحفّظ عليها من البعض في محور المُقاومة ووصفها له بالشّهيد هو اعترافٌ صريحٌ منها بهذا الدور، وهذه كلها أسباب وضعته في قائمة الاستهداف الأمريكي".
وتابع "إنّ استهدافه في هذا التّوقيت بالذات، وفي بغداد تحديداً، هو الرّد الذي أرادت أن تقول الولايات المتحدة الأمريكيّة فيه، إنها صاحبة اليد العُليا في العراق، وذلك بعد الإهانة التي تعرّضت لها وجنودها في سفارتها هُناك، وتجمهر الشعب العراقي أمام السفارة، مُطالباً بإغلاقها، والجنرال الشهيد سليماني هو المسؤول بحسب الأمريكيين عن مقتل المئات من جنودهم، وانسحابهم على يد المُقاومة الشعبيّة من العِراق، وبالتّالي قد تعتقد أمريكا للوهلة الأولى، أنها قدّمت العقاب، وأنهت الحساب بينها وبين الجنرال، وباستهدافٍ غادر، وبطائرة درونز، دون الاستعانة حتى بجندي أمريكي واحد، وهو انتقام ضعيف بكُل الأحوال، بدولة المفروض أنها تمتلك أقوى جيش في العالم، وأمام قائد اختار أن يكون دائماً في صفوف القتال الأولى".
وصرح بأن "هدف أمريكا من اغتيال الجنرال سليماني، وبحجم نفوذه وتأثيره، يخدم أهدافاً أمريكيّة أخرى، تتعلّق بهيبة الرئيس دونالد ترامب داخل بلاده، وهو الذي واجه فضائح على مدار سنوات حكمه ماليّة وجنسيّة، وانتهى بالتّصويت على قرار عزله من منصبه بتقديمه للمُحاكمة، هذا عدا أنه على بُعد عام وأكثر قليلاً، ليُنافس على ولايته الثانية للرئاسة، وهو يُريد من خلال اغتيال سليماني، أن يُعيد ثقة الناخبين به، كرئيس قوي، وموثوق، بالرغم أنه كان قد قدّم نفسه رئيساً لا يُريد الحرب، ويرغب بالسّلام، وينوي سحب جيشه من الشرق الأوسط في بدايات حكمه، والأهم كسب ثقة الإسرائيليين، واللوبي الصهيوني، فالجنرال قاسم سليماني، يدعم حركات المُقاومة في المِنطقة، الذين يُشكّلون خطراً وجوديّاً على الكيان المُحتل إسرائيل، وثناء بنيامين نتنياهو على عمليّة اغتيال سليماني، لهو أبرز دليل في ذلك الشأن".
وتابع بأن هدف ثالث، وقد يكون الأهم، وهو أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة تُريد أن تعود بقوّة إلى الشرق الأوسط، وبعد خسارتها نفوذها، لحساب روسيا، ودول إقليميّة، ولعلها بحسب تقديرات إدارة ترامب، تضع اغتيال سليماني كتهديد لدول الخليج الفارسي، تستطيع من خلال العُبور بآلاف الجنود تحت عُنوان الحماية لهم من الرّد الإيراني الانتقامي المُحتمل، ضد القواعد الإمريكيّة، لكن صياغة الرد الإيراني قد تكون مُفاجئة، وتقلب الموازين، دون حتى الاضطرار لتهديد أمن الخليج الفارسي، والذي ادّعت وتدّعي أمريكا حمايته، فيما الخليجيّون يصدّقون الكذبة وصاحبها للأسف.
وأضاف بأن "نُقطة مُهمّة يجب الإشارة إليها، وقد جرى تسليط الضوء عليها في بعض الإعلام الخليجي، بأنّ الجنرال سليماني كان يتنقّل بعلم الأمريكيين في العراق وسورية، وجرى استهدافه بعد الانتهاء من دوره، وهذا بالطّبع لا يتوافق مع المنطق، فإن كان للقادة الإيرانييين والمُقاومين أدوار خفيّة مع أمريكا وحتى إسرائيل كما جرى الادّعاء، فكان حري بأمريكا إن كانت تستطيع اغتيال قاسم سليماني حين كان يتواجد في غرفة عمليات لبنان أثناء الحرب، وتجوّله إلى جانب السيّد حسن نصر الله، ومُشاركته في إدارة المعركة هُناك، وتكليف العدو الخسائر، فإسرائيل باعترافها تأمل باستهداف قادة المُقاومة، واغتيالهم، هذا كلام تافه، وغرضه تشويه سيرة الجنرال العكسريّة"
وشدد علی أن "أمريكا تُحاضر بقيم الديمقراطيّة، والقيم، والعدالة، والحريّات، وتدّعي مُحاربة الإرهاب، وهي أم الإرهاب بعينه، فماذا يعني مُمارستها الخداع، واستهدافها بشكلٍ ماكر الجنرال سليماني، ومن رافقه، بأسلوب أشبه بالعصابات، وغدرها، وتخطيطها لاغتياله يُدينها، فالجنرال قائد عسكري في دولة شرعيّة ذات سيادة، ومنصبه مُعلن، ودخوله إلى العراق الشقيق، في زيارة سريّة أو علنيّة لا يُدينه، فهو ليس قائد فصيل تنظيمي إرهابي، واستهدافه وقع بأي تهم، وحتى إن جرى تصنيفه إرهابيّاً أمريكيّاً، وجب عقد مُحاكمة، ووحده القانون الإيراني من له الحق في مُحاسبته في حال تقصيره أو اتّهامه، هي جريمة إرهابيّة بامتياز بالطّبع بحق القوانين والإنسانيّة".
و صرح بأنه "يجب ألا تأخذنا العاطفة، ونتريّث قليلاً بعد مقتل الجنرال سليماني، القوّة الإيرانيّة في الرّد على اغتياله، ربّما تكمن في عدم الرّد، فمجرّد الحديث الأمريكي عن رغبة في عدم التّصعيد بعد الاستهداف، هو اعتراف صريح بقوّة الجمهوريّة الإسلاميّة، وقُدرتها العسكريّة على فرض رد مُزلزل، والساحة مفتوحة في العراق وسورية، وحتى السعوديّة، ولكن شخصيّة مثل قائد فيلق القدس سليماني، تتطلّب ردّاً يتناسب مع حجم وأهميّة الرجل، ولا يُظهر القيادة الإيرانيّة مظهر الضّعيف أيضاً، الرّد باعتقادي لن يكون سريعاً، وعلى مراحل مدروس، ولعلّه قد يتم تطبيق نظريّة تمنّي الموت، على أن يتم تحقيقه على وقع الاستنفار الأمريكي في المنطقة، والخليج الفارسي تحديداً، بانتظار رد إيراني لا يُعرف شكله أو وقته، وأنفاس الأمريكيين، والإسرائيليين في هذا المجال ليست طويلة، فيما يُحذّرون من حربٍ إقليميّة وحتى عالميّة في مُقارنة مع أسباب الحرب العالميّة الأولى، والتي اندلعت جرّاء اغتيال ولي عهد النمسا العام 1914، واغتيال الجنرال سليماني اليوم".
وأضاف بأن "الدول العربيّة المنضوية تحت عباءة الأمريكي، لا يُؤمل منها أو يُنتظر أن تُدين استهداف الجنرال سليماني، فهي تعتقد أنّ بقاءها، ومصالحها، تكمن في التماهي تماماً مع الأمريكيين، لا بل من المُؤسف أن تشهد منصّات التواصل الخليجيّة "احتفالات" افتراضيّة بعد استشهاد الجنرال، واعتباره نصراً إسلاميّاً، رغم أنّ حالة تباين فرضت نفسها حتى في داخل أمريكا، وخُطورة الاستهداف على أمن الولايات المتحدة، وهو ما يستدعي تساؤلاً حول مدى حالة الوعي التي يتمتّع بها صنّاع القرار في تقييم المشهد السياسي العام، وإن كان من يقرأ بالأساس، ويُقر بالحقائق، تلافياً للكارثة، والخليج الفارسي سيكون الأكثر تضرّراً بلا شك، لو وقعت الحرب".