تاريخ النشر: ٢٦ يناير ٢٠٢٠ - ١٦:٤٤

يحاول الرئيس الأمريكي في الفترة الاخيرة تقديم حل سياسي لأكثر الملفات تعقيدًا في المنطقة وبهذا السبب طرح خطته المعدة لتصفية القضية الفلسطينية، والمعروفة إعلاميًّا بـ"صفقة القرن"، قبل إجراء الانتخابات "الإسرائيلية".

وكالة مهر للأنباء - أحمدأبوزهري: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يدرس، خلال هذه الأيام، إمكانية طرح خطته المعدة لتصفية القضية الفلسطينية، والمعروفة إعلاميًّا بـ"صفقة القرن"، قبل إجراء الانتخابات "الإسرائيلية"، المقررة في آذار/ مارس المقبل، بعد تعرضها لانتكاسات متكررة أدت لتأجيلها مرارًا.

فالظروف السياسية، وتسارع الأحداث في المنطقة، والأزمات الداخلية الإسرائيلية، والرفض الفلسطيني، وغياب موقف عربي داعم بشكل قوي وفاعل، وعدم نضج الرؤية الأمريكية، والخشية من ردات الفعل في المنطقة، والتغييرات التي كانت تجرى في إدارة ترامب، إضافة إلى غياب التمويل الحقيقي والضمانات لإمكانية تنفيذها، شكل كل ذلك عائقًا نحو طرحها في وقت سابق، فما الذي تغير ليكون الرئيس الأمريكي في عجلة من أمره الآن؟!

في حقيقة الأمر قد نكون منصفين إذا ما تحدثنا أن (ترامب) يحاول تقديم هدية لرئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإنقاذه من الوحل، فقد يكون الإعلان قبل الانتخابات بمنزلة وصفة علاج سحرية، وخصوصًا بعد دعوة كل من نتنياهو وزعيم حزب أزرق أبيض بيني غانتس لزيارة البيت الأبيض هذا الأسبوع لإجراء مشاورات حول الصفقة.

هذا إلى جانب سعي الرئيس الأمريكي لتقديم حل سياسي لأكثر الملفات تعقيدًا في الشرق الأوسط؛ فترامب يعاني ضغوطًا داخلية تمثلت في الانتقادات لسياساته التي أضرت بالمصالح الأمريكية ومنها غياب الردع الأمريكي والحسم في ملفات عدة ومنها، العراقي، والأزمة مع طهران، وتعريض الجنود الأمريكيين للخطر بعد اتخاذ قرار متسرع بتصفية قاسم سليماني قائد فيلق القدس، الأمر الذى أدى إلى قصف قواعد توجد فيها القوات الأمريكية (عين الأسد) و(أربيل) وجلب اعتراض واسع من مجلس النواب الأمريكي.

في حين لم يقدم أي حلول في ملف ليبيا، وأفغانستان، وسوريا، والأزمة مع كوريا، وما زال يواجه إجراءات داخلية يقودها مجلس النواب لمحاكمته ومحاولة عزله، وهو على أعتاب انتخابات قريبة، وحاجته لتسويق نفسه، وتقديم إنجاز ملموس لجمهوره وناخبيه، وكسب الرضا لسياساته بهذه الخطوة، لكن طرح الخطة قبيل الانتخابات الإسرائيلية تعرضه لانتقادات واسعة من قبل الأوساط الإسرائيلية على الأقل.

وكان أبرز ردود الأفعال موقف حزب أزرق أبيض والذي عد أن دعوة غانتس لواشنطن إهانة مرفوضة، وأن الدعوة تأتي للتدخل في الانتخابات وتقوية نتنياهو، وما غرد به زعيم حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان من أن موعد إعلان نشر الخطة سيمنع إجراء نقاش موضوعي ومعمق في مبادرة سياسية هي الأهم التي يشهدها في السنوات الأخيرة، إضافة إلى جملة من المواقف المعارضة معتبرة القرار إنقاذًا لنتنياهو وتدخلًا في الانتخابات.

ومن الوارد أن يرفض زعيم حزب أزرق أبيض هذه الدعوة، وفي حال قبل الدعوة قد يؤدي تصميمه ومعارضته إلى تأجيلها، خصوصًا بعد أن اتضح أن من يقف وراءها هو خصمه السياسي الذي يحاول الإمساك بطوق نجاة، وحتى إذا ما تم الإعلان عنها فإن نتنياهو لن تكون حظوظه أفضل، ولا أعتقد أنه يمكن أن ينجو من الملاحقات القضائية، أو إمكانية الفوز وتشكيل الحكومة المقبلة، فغالب الاستطلاعات لا تعطيه هذا الأمل.

نتنياهو الذي يحسن استخدام الحلفاء، يرى أن الوقت مناسب في ظل حالة الضعف الفلسطيني وهشاشة عظام السلطة وبنيتها، وعمق الخلاف الفلسطيني، وقناعته بمحدودية ردود الأفعال في الضفة الغربية، وعدم إمكانية اندلاع مواجهة وانتفاضة حال إعلانها، فالتقارير الأمنية المشتركة مرضية، حيث (التنسيق الأمني)، فضلا عن حالة التردي العربي، والتساوق الرخيص نحو تطبيع العلاقات، وتوافر مواقف علنية وأخرى في السر لإنهاء هذا الصراع لإقامة علاقات أكثر قوة ومتانة.

وإزاء هذه التطورات الخطيرة، فإن الإعلان عن الصفقة يمكن أن ينهي أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية، ويجعل السلطة الفلسطينية مجرد فقاعة في الهواء، لا وزن ولا ثقل ولا تأثير لها، وينهي أي دور لها، ويغلق الباب الأخير في مشروعها السياسي، ويشكل نكبة جديدة لشعبنا على الصعد كافة، الأمر الذي يفرض عليها بحث خياراتها العاجلة، وتغيير أولوياتها، من خلال مواقف جادة ومسؤولة، باتخاذ قرار فوري بتنفيذ المصالحة الوطنية، ووقف التنسيق الأمني، والاستعداد لأكبر مواجهة شعبية في الأراضي الفلسطينية، فإن وحدة الموقف السياسي، وظهور مقاومة داعمة في ميادين الضفة كفيل بتهشيم ركائز الصفقة، وتفريغها من مضمونها، وإعادة الاعتبار للكيانية والموقف الفلسطيني، الأمر الذي سيفرض واقعًا جديدًا يمكن أن يضع حدًّا لحالة التدهور القائمة.

إن أي تقاعس عن الاضطلاع بدور وطني من السلطة سيجعلها عرضة للذوبان من المشهد، ومحط شك، وموضع اتهام إما بالتقاعس، وإما بالاستسلام، وإدخال شعبنا في نفق مظلم، يكون فيه مضطرًّا لأخذ زمام المبادرة ومواجهة التحديات دون اعتبار لسلطة قد تصبح شاهد زور أمام المخاطر والتحديات./انتهى/