وكالة مهر للأنباء: يشهد العالم خلال السنوات الاخيرة الماضية تغيرات عديدة على كثير من الأصعدة، وبالأخص منطقة غرب آسيا، فقد شهدت الفترة الأخيرة احداث كبيرة ومتسارعة لعل أكبرها اغتيال الشهيد الفريق "قاسم سليماني" والشهيد "أبو مهدي المهندس" ورفاق سلاحهما الامر الذي نتج عنه تداعيات عديدة كالرد الإيراني على قاعدة "عين الأسد" في العراق وغيرها من التداعيات، وشهدنا مؤخراً أيضاً نبأ إعلان أحادي الجانب من قبل الرئيس الامريكي "دونالد ترامب" عن ما يسمى ب"صفقة القرن" التي عارضها الفلسطينيين كافة، وعليه أجرت وكالة مهرللأنباء حوارا صحفياً مع الإعلامي والمحلل السياسي اللبناني الشهير الأستاذ "ناصر قنديل" الذي أفاض لنا ولم يبخل علينا مما لديه من علم وخبرات وتحليلات في هذا المجال.
إليكم نص المقابلة:
س: بعد اغتيال الفريق سليماني ونظراً لاستمرار الازمة في سوريا كيف تقيمون مستقبل المنطقة وخاصة بعد انسحاب الرئيس التركي من العلاقات الثلاثية الروسية الإيرانية التركية فيما يتعلق بملف إدلب وخاصة أنه لاعب أساسي في الازمة السورية وأيضاً مع الأخذ بعين الإعتبار الدور الأمريكي بعد استشهاد الفريق سليماني وأبو مهدي المهندس، كيف تقيمون مستقبل المنطقة؟
ج: استشهاد الفريق "قاسم سليماني" لن يغير في المنطقة كما طمحت امريكا ولن يثني الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن دورها في المنطقة، بالعكس فقد اعطى إغيال القائد سليماني دفعة قوية لإيران وحلفائها في المنطقة، صحيح أن هنالك اختلاف في الآراء بين اللاعيبين الأساسيين، ولكن لا اعتقد أن أحداً يفضل أن يصل إلى مرحلة "الطلاق السياسي" ويقطع العلاقات السياسية بشكل كامل، والإقدام على أعمال عسكرية غير محسوبة، راي هو أننا في هذه المنطقة محكومين بسقفين
السقف الأول: ترسخ بعد الإنسحاب الامريكي من الإتفاق النووي، صحيح ان كان ورائه تراب وسياسته وخصوصيته ولكن أيضاً يعبر عن صعوبة بناء تسويات ترتبط فيها اميركا مع محور المقاومة تاذي تمثل إيران القوة الاعظم فيه دون النظر إلى أمن إسرائيل، لانه إذا فتشنا في عمق الأشياء، من الذي وقف وراء التحريض على الإتفاق النووي؟ كيف نظمت التعبئة ضده؟ وما هي الشروط التي وضعت مقابلالعودة إليه او إيجاد تعديلات عليه؟ جميعه يرتبط بأمن "إسرائيل" لا باي شيئ آخر، لذا التسورية الكبرى في المنطقة بين أمريكا ومحور المقاومة صعبة حتى الآن وذلك بسبب ال"إسرائيلي" وهذا يترتب عليه المزيد من تنامي قوة إيران الإقليمية ومعها قوى المقاومة وتنعكس سلباً على أمن "إسرائيل".
وأيضاً هناك إستحالة من جانب إيران أن تدخل بتسوية تقدم فيها ضمانات لأمن "إسرائيل"، هذا السقف الأول
السقف الثاني: زمن الحروب الخاطفة وزمن النصر الحاسم انتهى، لا يتمكن احد اليوم من الإقدام على حرب خاطفة ولا يوجد احد اليوم بإمكانه أن يصنع نصرحاسم نصر كامل، هذا الزمن لم يعد موجوداً، وبالتالي الذهاب إلى الحروب هو نوع من المخاطرة التي لا يرغبها أحد، فنستنتج انه لا يوجد حروب كبرى، ولا يوجد تسويات كبرى، وبين هذين الحدين تتحرك المنطقة، بخلط الاوراق الدائم.
الطرف الذي يملك القدرة على القضم التدريجي، هو محور المقاومة وليس الطرف الآخر
وهذا واضح وجلي في جبهة سوريا في اليمن حتى بالعراق بصورة أو بأخرى، هناك تحسن إن لم نستطيع القول بالجغرافيا فهناك تحسن ب"الديموغرافيا"، وذلك من خلال حراك السيد مقتدى الصدر مع قوى المقاومة بعد فراق دام ل7 سنوات فبالتالي هناك عملية تراكم تدريجي من شأنها تحسين الاوضاع، وأيضاً التعبئة الشعبية التي رافقت استشهاد الفريق قاسم سليماني، والتي اضافت عنصر تفوق لصالح إيران وحلفاءها، وكما نعلم أن الحرب تحتاج إلى ثلاث شروط،
_العامل الأول هو "الإرادة": وأظهرت أمريكا باغتيال القائد قاسم سليماني أنها لديها الإرادة وهذه هي الرسالة التي ارادت إيصالها باستهداف الشهيد قاسم سليماني، أنهم لديهم الإرادة بتنفيذ ما يريدون ولديهم الإرادة في المواجهة، وعلى الطرف الآخر قصف قاعدة عين الأسد كان رداً يقول: "ونحن ايضاً لدينا الإرادة".
_العامل الثاني هو "القدرات التقنية": العملية التي نفذها ترامب باغتيال الشهيد قاسم سليماني صحيحاً انها عملية جبانة وغادرة لكن بالنهاية هي عملية تقنية تكتيكية، استعرض فيها مقدراته التقنية، وأيضاً الرد على قاعدة عين الاسد هو استعراض لمقدرات تقنية.
_العامل الثالث هو "التفويض الشعبي والسياسي": حجم التفويض الشعبي الذي حصلت عليه قيادة محور المقاومة مع اغتيال القائدين "سليماني والمهندس" هو عكس تماماً الإنفكاك الشعبي والسياسي عن خيارالحرب الذي شهدته الساحة الأمريكية والساحات الغربي.
وعلیه یمکنن القول اننا آمام سلمین، محور المقاومة يحصل على مزيد من الاوراق، وأيضاً لدينا مسرح إنتخابي أمريكي مسيطر على الساحة في المنطقة،
صفقة الترامب التي أسميها ب"صفقة السنة" أيضاً كانت نتائجها عكسية، فعندما لا يكون لديك القدرة على أن تفرض شيئ بالقوة، وحتى الفرضية التي قامت عليها بإعطاء "إسرائيل" ما تحتاجه وبرضاء شريك فلسطيني ترضيه بالأموال، انهارت تلك الصفقة، وتبين أن ليس لها اساس أصلاً، وبالتالي هناك خسارة كبرى من ذلك الطرح على مستوى الضفة الامريكية و"الإسرائيلية"، كان يمكن لتلك الخسارة أن تعوض لو ان صفقة القرن نجحت، فالذي كانت تعول عليه امريكا هو تحييد قسم كبير من الشعب الفلسطيني ما يقارب %70إلى 80% عن ساحة المقاومة وإيهامهم بامل السياسة وما شابه، ولكن الموقف الامريكية بعد صفقة ترامب، يقول للفلسطينيين "لا تراهنوا" ليس هنالك امل لا بتفاوض ولا بتسوية غذهبوا جميعاً إلى صف المقاومة، والواقع الفلسطيني اليوم خير شاهد ودليل، فلم يمضى على صفقة ترامب 10 أيام نجد كل يوم مواجهات في كل الشوارع الفلسطينية والقرى والبلدات، وبالتالي هذا الشيئ يضاف إلى رصيد محور المقاومة لانه ليس هنالك تقدم عملي سياسي وراء ما سمي ب"صفقة القرن" لذلك أنا أعتقد ان هذه السنة هي سنة مراكمة تكتيكية لإنجازات في الجغرافيا وفي السياسة وفي الميدان لصالح محور المقاومة بانتظار ما سوف تحمله الإنتخابات الأمريكية.
س: بنظركم ما هو الهدف النهائي الذي أراده ترامب من خلال ما يسمى ب"صفقة القرن" في الوقت الذي يقول فيه الكثير من المحللين ان السبب هو الإنتخابات الامريكية؟
ج: بالتأكيد الإقدام على طرح الصفقة قطعاً لحساب ترامب الإنتخابي، لكن ثمة حساب آخر يجب ان يكون موجود، برأي الأمريكي يشعر ان هنالك تغيير في المنطقة وهذا الكلام ليس بالجديد،
والأمريكي فشل بمشاريع تعديل موازين القوى التي اعترف فيها "بيكر هاملتون" في تقريره الآن في حال الوصول إلى الحقائق التي جاء بها تقرير "بيكر وهاملتون" والتي أصبحت أكثر رسوخاً وأكثر ثباتاً. فأمريكا اليوم عاجزة عن تحقيق الهزيمة بمن يهددون أمن "إسرائيل" لذلك تحاول إرضاءها بصفقة القرن والجولان وما شابه، وبنظري لم يعد لها مصلحة حيوية بالبقاء العسكرية في المنطقة، على أقل تعبير في منطقة غرب آسيا كالعراق وسوريا وأفغانستان، بنظري الأمريكي يستعد للخروج من تلك المنطقة ولكن هذا الخروج يحتاج إلى تفاهم مع روسيا والصين وإيران، ويحتاج غلى إبراء ذمة تجاه "إسرائيل"، بديلاً عن تسوية تضمن امن إسرائيل.
الامر الثاني: هناك تحول بنيوي حصل في الصراع مع "إسرائيل" خلال العشرين سنة الأخيرة، هذا التحول أخرج النظام العربي الرسمي من الصراع، ومن القدرة على صناة التسوية، ولم يعد النظام العربي لاعباً أساسياً في صناعة اقرار والتسويات، وحل محله محور المقاومة الذي يهدف إلى إزالة "إسرائيل من الوجود". وانا أجزم إذا ما وافقت إيران ومحور المقاومة على إنشاء دولة فلسطينية على حدود 67 أمريكا ستقبل وتوقع سريعاً. لذلك أنا برأيي هناك موازين جديدة في المنطقة والموازنات التي كانت في الماضي لم تعد صالحة اليوم، وكل طرف من الاطراف يعمل على بناء قوته ورؤيته.
س: كيف تقراًون الأحداث في لبنان والعراق في ظل المعادلات الإقليمية وهل تعتقدون انها مرتبطة ببعضها ام لا؟
ج: لست من أنصار القول انها مفتعلة حجم الفساد الموجود في العراق وحجم الفشل الموجود في لبنان ففي لبنان هناك فساد ولكن السبب الأول هو فشل الحكومات المتعاقبة السبب فقد أفلست البنوك اليوم وتبخرت ودائع الناس التي وضعتها في تلك البنوك على مدار 30 عام والتي صرفت على الدولة بموافقة المصارف و إدارة مصرف لبنان بعملية قرصنة لم يشهد مثلها التاريخ فهذا الوجه الأبشع للأزمة في لبنان وهو الفشل الحكومي.
أما المشكلة الكبرى في العراق متمثلة بالفساد، فالعراق لديه 4 مليون برميل يومياً، فهل من المعقل أن العراق مازال اليوم بلا كهرباء، ومياهه ملوثة فهذه الإنتفاضات الشعبية في العراق وفي لبنان التي أشعلها حدثاً ما هي تعبير عن حالة غضب حقيقية ومشروعة وعابرة للطوائف والمناطق والاحزاب، ولكن ليس لها هوية سياسية، والذي يعطيها هوية سياسية هي جماعات لها مصالح سياسية.
فالأولولية اليوم في لبنان هو منع الإنهيار منع تعريض السلم الاهلي للخطر، أما في العراق وبسبب تشكيل وحدة نوعاً ما بعد الأزمة وبعد استهداف القادة سليماني والمهندس هناك إمكانية تحقيق مراكمة إنحازات لديهم فرصة بتشكيل حكومة، موارد العراق لازالت سليمة لم تصب بأذى فالعراق بلد نفطي وغني ولديهم فرصة في تشكيل وحدة سياسية، فشخصية السيد مقتدى الصدر تساعد كثيراً في هذا الموضوع، فعليه أنا اتوقع انه في العراق سوف تتحسن الأمور وفي لبنان لا أرى تحسن قريب.
س: عن العلاقات بين إيران والسعودية، هل من الممكن أن يكون هناك توافقات بين البلدين؟
ج: انا أعتقد في وقت ما كان هنالك وهم متبادل، ولا أتكلم عن الخلاف السياسي، فمن ناحية الخلاف السياسي انا مع إيران، ولكن في قراءة وتقدير إمكانية تغيير موازيين القوى من خلال المواجهة، كحرب اليمن وأيضاً الرهان على إنهاء الإحتجاجات الشعبية في البحرين، التسليح الأمريكي بكميات هائلة، وأيضاً مسئلة التطبيع مع الكيان الصهيوني، برأيي هذا المشروع بدأ يصل إلى نهاياته، ففي اليمن هنالك فشلاً كبير مهما كابروا في الإعلام فهم يعرفون الحقيقة في قرارة نفسهم، وفي البحرين أيضاً هم عاجزون عن السيطرة عليه، وأيضاً رأينا فشل السلاح الامريكي في هجوم آرامكو وحتى مسألة التطبيع فلو ان بن سلمان قادر على اللتطبيع لرايناه في صورة إلى جانب نتانياهو، وقرار الجامعة العربية دليلاً على ذالك ايضاً، فجميعهم قالوا نحن رهن قرار الفلسطيني، والفلسطيني رفض الصفقة، وإلى الآن لم يجرؤ أحد على الذهاب بشكل مباشر ويقولون لترامب نحن معك ومع الصفقة، لذلك برأيي زمن غنتهاء هذه الاوهام على الضفة السعودية اقترب من نهايته.
وأيضاً بيوم من الأيام كان هنالك قناعة في إيران ان السعودية وغيرها ممالك رمال وملح ويمكن إزالتها بصاروخين ومثل هذا، نقول أن المعطى العربي على الضفة الاخرى هو جزء من العملية السياسية والترتيبات الامنية والشراكات السياسية، الخطاب الإيراني مؤخراً منذ سنة تقريباً يركز دائماً على الحواروالإستعداد للحوار والرغبة بالشراكة وايضاً على الطرف السعودي اظن في شيئ مثل هذا مثالاً عليه العلاقات السعودية السورية مؤخراً، فالسعودي يعتقد ان الإستثمار في العلاقة مع سوريا يحد من الطغيان التركي ويفتح مجال لعلاقة من نوع آخر مع إيران فاعتقد ان هنالك تطورات ستشهدها الايام القادمة في هذا الصدد، يمكن أن يحصل ربط نزاع أو تخفيض من مستوى التوتر وليس البحث عن حلول، دائماً عندما لا يوصل التوتر إلى نتيجة فيتجه الاطراف عندها إلى البحث عن تخفيف التوتر ولو تحت طاولة. /انتهى/