رأى المدير العام لمؤسسة مهجة القدس للشهداء والأسرى والجرحى جميل عليان انه بعد ۷۲ عاماً تزداد الفجوات بين الشرائح السياسية والإجتماعية الصهيونية وهذا واضح بعد ۳ جولات إنتخابية صهيونية للبرلمان والفشل في تشكيل الحكومة إضافة إلى التقلبات والانزياحات الحزبية الصهيونية.

وكالة مهر للأنباء - محمد مظهري: كان قيام ما يسمى " دولة إسرائيل " محصلة موازين القوى في النظام العالمي الذي تشكل بعد  الحرب العالمية الأولى حيث كانت بريطانيا دولة الانتداب على فلسطين بقرار من عصبة الأمم عام ١٩٢٢ ثم كانت الحرب العالمية الثانية و التي أعطت نظام ما بعد الحرب الكونية الأولى القوة و الهيمنة فكان قيام دولة إسرائيل مؤامرة كونية شارك فيها عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية و الامم المتحدة التي تشكلت كأحد نتائج هذه الحرب . 
على مدار ۷۲ عاماً تعتمد إسرائيل في وجودها وشرعيتها على العوامل الخارجية وأهمها الدعم الأمريكي والأوروبي ورضا أغلب زعماء الانظمة العربية وهذا ما تقوم به إسرائيل على الدوام من خلال ربط علاقاتها بالأقطاب الدوليه المتنفذه مثل الصين وروسيا وبالأقطاب العربية كدول الخليج الفارسي ومصر والأردن والمغرب والسودان ...إلخ , حيث يرى المراقبون في الشأن الاسرائيلي انه أي خلل في النظام العالمي والهيمنة الأمريكية سيؤثر بشكل كبير على مصير إسرائيل وكما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إذا تمكنا من طرد أمريكا من المنطقة فلن نحتاج لحرب مع إسرائيل لأنها ستنهار .

في هذا السياق ولتسليط الضوء على ماهية الكيان الصهيوني بعد مرور ۷۲ سنة على تشكيله اجرت وكالة مهر للأنباء حوارا مع المدير العام لمؤسسة مهجة القدس للشهداء والأسرى والجرحى جميل عليان. فيما يلي نص الحوار:

۱. بعد مرور ٧٢ عاما على احتلال الأراضي الفلسطينية , كيف تقيم أوضاع الكيان الصهيوني سياسيا وإجتماعيا وكيف يتعامل هذا الكيان مع أزمة الهوية؟ 

بعد أكثر من سيعة عقود من عمر دولة الاغتصاب الصهيوني نجد أن هناك الكثير من الفرص التي حققتها لكن كل هذه الفرص ليست ثابتة إنما متغيره بتغير الإقليم والعالم لذلك نرى أن قادة العدو وحاخاماته يسكنهم الأن خوف شديد فيما يسمونه عقدة العقد الثامن من عمر هذا الكيان المجرم وجميع هذه الفرص يمكن أن تتحول إلى تهديدات بين عشية وضحاها لذلك نجد أن الاتفاقيات العربية الإسرائيلية سواء المصرية والأردنية والفلسطينية وحمى التطبيع الخليجي مع الصهاينة تقتصر على النخب السياسية الحاكمة وبعض الأتباع من الكتاب والصحفيين والفنانين وهذه نسب ضئيلة جدا ولا تمثل شريحة معينة ولا تعتبر ظاهرة تجتاح الشعوب العربية و الإسلامية. 
نعم هذه الاتفاقيات منحت إسرائيل الشرعية لدولتها ولاغتصاب فلسطين بل وتعمل على قلب الحقائق وتشويه الرواية التاريخية الفلسطينية لكن هذه الاتفاقية و مخرجاتها ليست قدراً أنما ستنتهي فور سقوط أي نظام مرتبط بهذه الاتفاقية أو تلك ونعتقد أن اتفاقية أوسلو التي وقعها زعيم فلسطيني بمفرده وبعيداً عن شعبه ومدى تأثير أوسلو على الحالة الفلسطينية بحيث أصبح النظام السياسي الفلسطيني الذي تشكل بعد أوسلو أحد أدوات المشروع الصهيوني الأمني والثقافي والسياسي مما أوجد صراعاً فلسطينيا داخليا على مستوى الحقوق والسياسات والإرتباطات المحلية والدولية والعلاقة مع إسرائيل وفي هذا الصراع الطرف الفلسطيني الأصيل والوطني هو الأقوى بألاف المرات.
 ان قوة سلطة أوسلو منذ نشأتها حتى الأن لم تكن فلسطينية بل إسرائيلية دولية لذلك لا أعتقد أن السلطة يمكن أن تخرج من وصاية إسرائيل والنظام الدولي إلا إذا غير الفلسطينيون وقوى المقاومة والقوى السياسية والحزبية هذا النظام الدنيء الذي لا يملك أدنى شرعية فلسطينية داخلية. 
بعد ۷۲ عاماً نرى أن الواقع العربي الذي شكل في السابق الجبهة المضادة لإسرائيل نجد الأن انه يعيش أسوأ مراحله من حيث التفكك والاختلاف والفشل في كل المجالات وصولاً إلى إرتهانه للقوى الدولية والإقليمية خاصة أمريكا وإسرائيل ويعتبر وضع العرب الان من الفرص الهامة لدولة العدو والتي تحاول إستغلالها قبل فوات الأوان كما يحدث الأن مع دول الخليج (الفارسي) والسودان وإضافة إلى الدور الصهيوني الواضح لما أطلق عليه في العقد الحالي بالثورات العربية ودعم إسرائيل لتفتيت الدول العربية المركزية كسوريا والعراق .
إن الوضع العربي الأن يعتبر أرضاً خصبة لتمرير مخططات الكيان الصهيوني وتشويه الوعي العربي تجاه إسرائيل ومن هذا نؤكد أن العوامل الخارجية تعتبر من أكبر الداعمين لإستمرار دولة إسرائيل , لكن هذا الوضع يصطدم بالموروث الثقافي والديني للمنطقة العربية الإسلامية والذي يتسعد ويزداد هذ الأيام بغض النظر عن الزعماء والقادة , هذا الموروث لن يصطلح مطلقاً مع المشروع الصهيوني وسيبقى في حالة صدام معه على المستوى الثقافي و الديني وسيعمل على المحافظة على قاعدة التعامل مع هذا الكيان و هي معادلة النفي و التضاد .

ثانياً : موازين القوى 
ربما تمتلك إسرائيل منظومة من الأسلحة التدميرية المخيفة وتحقق توازناً كبيراً مع كل الأنظمة العربية سواء على المستوى النووي أو الأسلحة الإستراتيجية وتجعل من تأثير هذه الأسلحة على القرار العربي مرتكزاً أساسياً في عقيدتها الأمنية وهي ما تعرف بقوة الردع لكن هذه العقيدة فشلت تماماً مع المجموعات والقوى العسكرية الفلسطينية وظلت هذه الأسلحة عاجزة عن ردع الفلسطينيين وردع محور المقاومة الذي له دور كبير في إظهار هشاشة هذه القوة الصهيونية وأكدت القوة الفلسطينية المقاومة ومعها محور المقاومة أن هذا الكيان بمثابة " بيت العنكبوت " . كما أن جولات الحروب و التصعيد مع العدو الصهيوني منذ العام ۲۰۰۸ حتى الأن أكد أن الأسلحة المتواضعة التي يمتلكها الفلسطينيون تمتلك قوة التأثير والنتائج على دولة العدو مئات أضعاف قدرتها التدميرية .
إن المعادلات التي حققتها المقاومة في فلسطين جديرة بالبناء عليها ووضع الخطط الفلسطينية ومحور المقاومة بناءاً على هذه النتائج والتي أدت بالعدو أن يعيش حالة من التخبط والتردد قبل الإقدام على أي عدوان بعكس السابق حيث كان قرار العدوان والهجوم يقوم به ضابط صغير من الصهاينة. 
بعد ۷۲ عاماً تزداد الفجوات بين الشرائح السياسية والإجتماعية الصهيونية وهذا واضح بعد ۳ جولات إنتخابية صهيونية للبرلمان والفشل في تشكيل الحكومة إضافة إلى التقلبات وألانزياحات الحزبية الصهيونية وكذلك الإنشقاقات والتحالفات الحزبية وإتساع الفجوات بين الشرائح الإجتماعية وحالات الفقر والتنوع في المجتمع الصهيوني بحيث هناك عداء مستتر بين الشرقي والغربي وبين الديني والعلماني وما حدث مؤخراً في قضية الحريديم بحيث كانت من أهم نقاط الخلاف في تشكيل الحكومة الصهيونية إضافة إلى وجود شريحة تنتمي إلى أصول روسية ليست بالهينة وشرائح يهود إثيوبيا إضافة إلى زيادة قوة وتأثير الكتلة العربية وهم الذين تمسكوا بأرضهم عام ۱۹۴۸ وباتوا يشكلوا حوالي ۱۷% من مجموع سكان ما يسمى دولة " اسرائيل " وبالتالي ترى أنه بعد ۷۲ عاماً من الكيان أن ما حققه العدو من إنجازات القوة والردع قد تلاشت أمام معادلات القوة لدى قوى المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة وأن محاولات استبدال العداء الاستراتيجي في المنطقة من " إسرائيل " إلى إيران فشلت وكذلك الاتفاقيات بقيت بين الطبقة العربية الحاكمه وبين العدو الصهيوني والشعوب بأكملها ترفض وجود إسرائيل وأن عملية التطبيع ليس لها على أرض الواقع أي أثر بل بين فئة تحاول أن تجد لنفسها موقعا تحت الشمس أو للحصول على المال ودعم النظام السياسي .
كما أنه بعد ۷۲ عاماً فإن القوى الداعمة لإسرائيل مثل أمريكا في حالة تراجع على المستوى الدولي و كذلك على المستوى الداخلي وأوروبا أصبحت أضعف بحيث لا تستطيع دعم هذا العدو كالسابق وأن تسارع عمليات المقاطعة في العالم BDS تؤكد أن رفض إسرائيل بات رأي عام عالمي وليس عربيا إسلاميا فلسطينيا ونؤكد أن كل أدوات القوة التي تمتلكها إسرائيل الأن هي أدوات آنيه لن تصمد امام أي مواجهة في المنطقة على المستوى الثقافي الفكري أو السياسي والعسكري لذلك بقاء إسرائيل في هذا الوطن العربي الإسلامي أمر مستحيل وسيبتلع هذا الخوض إسرائيل اجلاً أم عاجلاً وستعود فلسطين إلى شكلها و أهلها و تاريخها . 

۲. هل تمكن الكيان الصهيوني من تحقيق هدفه في ترسيخ مكانته في المنطقة من خلال الإبادة الجماعية و تشريد الفلسطينيين؟ 
حاولت إسرائيل منذ عام النكبة ۱۹۴۸ إنكار وجود شعب فلسطيني وأن فلسطين كانت أرضا بلا شعب ومن أجل تحقيق هذه الأمنيه بإنكار وجود شعب فلسطيني كانت المحاولات لضم الضفة الغربية للمملكة الأردنية وقطاع غزة لمصر ولكن بعد تشكيل الهوية الوطنية الفلسطينية في منتصف الستينات من القرن الماضي والقائمة على فلسطين الكاملة وحق العودة ومواجهة العدو الصهيوني من خلال الكفاح المسلح وكل ذلك أفشل المخطط الصهيوني بتجاوز الشعب الفلسطيني ومحنته على الرغم من كل المجازر التي قام بها العدو قبل النكبة عام ۱۹۴۸ وبعدها والتي قال عنها "مناحيم بيجن" رئيس وزراء دولة العدو سايقاً " لولا مذبحة دير ياسين لما قامت اسرائيل " ...

المذابح أدت إلى هجرة الفلسطينيين خارج قراهم ومدنهم خوفاً من المجازر والقتل ادت إلى زيادة الوعي الفلسطيني ورسخت مفاهيم التمسك بالأرض والعودة وبالتالي اجهضت الحكم الصهيوني بغياء الضحة الفلسطينية وذوبانها في المنافي وحاول مراراً أن ينفذ سياسة الترحيل والتوطين وإلغاء المخيم عنوان النكبة وكذلك مؤخراً حاول إلغاء الأونروا كشاهد على وجود الشعب الفلسطيني وشاهد على النكبة كما حاول اعتماد حل الوطن البديل في الأردن لكن كل هذه الحلول فشلت تماماً وظل الشعب الفلسطيني متمسكاً بحقه في فلسطين وبحقه في المقاومة . 

 "مناحيم بيجن" رئيس وزراء دولة العدو سايقاً:  " لولا مذبحة دير ياسين لما قامت اسرائيل " 
إن وجود ما يقارب من مليوني فلسطيني يعيش داخل فلسطين المغتصبة عام ۱۹۴۸ ويؤكدون على تمسكهم بهويتهم وحقوقهم تعتبر من علامات فضل الكيان الصهيوني وما أقدم عليه العدو مؤخراً من سن قانون القومية وقانون يهودية الدولة تعتبر بمثابة استشعار الكيان الصهيوني بخطورة الوجود الفلسطيني داخل فلسطين أو خارجها وبالتالي يريد أن يحصن دولته المزعومة عبر قوانين لا يمكن أن تصمد أو ترى النور في الحالة الفلسطينية و بات من المؤكد أن الكيان الصهيوني لم يحقق اهدافه من خلال الإبادة والتشريد فهناك أكثر من ۵ مليون فلسطيني داخل حدود فلسطين الانتدابية والملايين الأخرى يتحلقون حول فلسطين في دول الطوق إنتظاراً للعودة وما زال كل الفلسطينيين يتمسكون بالمفتاح وأوراق الطابو للأراضي التي يمتلكونها .
وما حققته المجازر ضد الشعب الفلسطيني كان بمثابة صدمة للصهاينة فزاد من حالة العداء للعدو والتمسك أكثر بخيار المقاومة ومقاتلة العدو وستواصل قوى المقاومة إرهاق العدو وملاحقته حتى نصل للحظة ألأانقضاض والعودة على المقاتلة و المواجهة و ليس من خلال الاتفاقيات .


۳. هل تعتقد أن مشروع القبة الحديدية ناجح وأين وصل مسار إكمالها؟
العقيدة الأمنية الصهيونية ترتكز على نقل المعركة إلى أرض الخصم، وظلت هذه العقيدة سارية المفعول حتى وقت قريب عندما نجحت المقاومة اللبنانية والفلسطينية بنقل المعركة إلى داخل ما يسمى "بإسرائيل" ومن هنا بدأت دولة العدو تفكر باستخدام نظام صاروخي مضاد يستطيع حماية الجبهة الداخلية الصهيونية من الصواريخ قصيرة المدى، بمعنى آخر صواريخ حزب الله وقوى المقاومة الفلسطينية.
استطاعت الصناعات العسكرية الصهيونية تطوير نظام صاروخي أطلق عليه القبة الحديدية، وحسب النظام الصاروخي يستطيع أن يحمي الجبهة الصهيونية بعمق من ۶۰-۷۰كم، ومنذ اللحظة التي أدخل فيها نظام القبة الحديدية للخدمة العسكرية طورت المقاومة في فلسطين من قدراتها الصاروخية المتواضعة، ونجحت بشكل كبير في تخطي وإفشال منظومة القبة الحديدية الصهيونية ووصلت الصواريخ الفلسطينية إلى ما بعد تل أبيب والقدس وأحدثت أضرارًا كبيرة جدًا.
كان الهدف من القبة الحديدية حماية الجبهة الداخلية وعدم التشويش على الحياة، ولكن بدلًا من ذلك اضطر ثلث سكان دولة العدو في المعارك الاخيرة إلى اللجوء للملاجئ، وهذا يؤكد أن منظومة القبة الحديدية فشلت تمامًا في التصدي للصواريخ الفلسطينية وتحقيق الأمن للجبهة الداخلية الصهيونية.
كما أن تكلفة القبة الحديدية عالية جدًا وتحتاج إلى إطلاق صليات كبيرة من الصواريخ للتصدي لصواريخ المقاومة، كما ان المقاومة لجأت إلى تكتيك من شقين لإفشال فعالية منظومة القبة الحديدية، أولها: إطلاق عدد محدود من الصواريخ، وتبدأ القبة الحديدية بالتعامل معها وبعدها بدقائق معدودة يتم إطلاق دفعة جديدة من صواريخ المقاومة التي تستطيع تجاوز قدرات القبة الحديدية، أما الأمر الثاني: فهو إطلاق دفعة كبيرة من الصواريخ مرة أخرى وهو ما تعجز عنه القبة الحديدية.
نعتقد أنه من السهل جدًا خداع القبة الحديدية حتى لو عبر رصاصات في الهواء قبيل إطلاق الصواريخ، وبات واضحًا أن مشروع القبة الحديدية لم يحقق الأمن للجبهة الداخلية ولا يمنع سقوط صواريخ المقاومة، وإن كان نجح بإسقاط نسبة معينة منها لا تتجاوز ۵۰% وهذا شيء طبيعي في معركة بين صواريخ بدائية وكيان يمتلك أقوى وأحدث الأسلحة العالمية.

۴. كيف تصف التوازن الذي أوجدته المقاومة في المنطقة؟ هل إسرائيل قادرة على تغيير هذا التوازن؟
الصراع مع العدو يغطي كل جبهات الاشتباك العسكري والثقافي والتاريخي والإنساني، وعلى الرغم من التفوق الكبير للعدو في مجال الأبواق الإعلامية والمؤيدين في العالم الغربي، فلم يستطع مطلقًا أن يهزم الرواية التاريخية الفلسطينية ولا الأبعاد التاريخية والإنسانية للقضية الفلسطينية ولا حتى نجح في إلغاء صورة المظلومية الفلسطينية من خلال الشتات والهجرة والمخيم.
وهذا الفشل الصهيوني قابله فشل آخر في المواجهات العسكرية التي حدثت مع الفلسطينيين في العقد الأخير سواء كانت مواجهات عسكرية عالية الوتيرة كالحروب التي شنها العدو على غزة منذ العام ۲۰۰۸م حتى الآن، أو المواجهات المنخفضة الوتيرة التي تحدث في الضفة الغربية من أعمال فردية وحالات الدفاع عن الأرض والأقصى وحقق الفلسطينيون فيها إنجازات مهمة.
نجحت المقاومة الفلسطينية في السنوات الأخيرة في غزة من تحقيق معادلات القصف بالقصف والردع ومعادلات الجغرافيا بمعني قصف العاصمة تل ابيب مقابل قصف المدنيين، وهذه المعادلات أجبرت العدو مرارًا على التراجع عن الرد على أعمال المقاومة، وأهم ما يميز القرار الصهيوني الآن بخصوص الاغتيال أو القصف في غزة هو التردد الشديد بل والخوف من أي اعتداء على غزة لأنه يدرك أن ثمن هذه الاعتداءات سيكون رد قاسي للمقاومة يشل الحياة داخل المجتمع الصهيوني وندفع بالملايين للحياة لعدة أيام داخل الملاجئ وكذلك يشل الحياة الاقتصادية التي تعتبر أهم مرتكزات دولة العدو الأمن والاقتصاد.
ومن الملاحظ في السنوات الأخيرة هو محاولة قادة العدو تحميل بعضهم البعض المسئولية عن القرارات العسكرية وكيف أن نتنياهو كان يلقي بالمسئولية على الجيش ويتهرب من اتخاذ قرارات المواجهة مع غزة، وكذلك المؤسسة الأمنية الصهيونية، كان الكل يتهرب من تحمل المسئولية سواء كان الشاباك أو الجيش أو الاستخبارات العسكرية وكان آخر مظاهر هذه الفوضى الصهيونية في التعامل العسكري مع غزة هو استقالة وزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان وحل الكنيست.
نستطيع أن نجزم أن المقاومة نجحت في كي الوعي لدى قادة العدو، وبدأة يتخبطون في التعامل مع المقاومة ويحاول الكل التهرب من مسئولية القرار إضافة إلى التحول في المفهوم الأمني للتعامل مع غزة فأصبح معظم قادة المؤسسة الأمنية يطالبون بأنسنة مشكلة قطاع غزة، وهذا ليس من باب الأخلاق، إنما مرده الخوف من قرارات المواجهة.
وكذلك إذا انتقلنا إلى الجبهة اللبنانية وحزب الله نلاحظ أن العدو الذي يصرخ ليل نهار من صواريخ دقيقة وبعيدة المدى وقدرات تدميرية وهدد عشرات المرات لكنه ظل عاجزًا عن اتخاذ أي خطوة ولو صغيرة في لبنان، حتى لا ينكشف وهن وضعف جبهته الداخلية وبتنا لا نسمع من العدو إلا التهديدات الجوفاء واستجداء الدول والمؤامرات الداخلية، وهذا ما يؤكد أننا أمام معادلات جديدة حققتها المقاومة نستطيع أن نبني عليها مستقبلًا فيما لو تم مأسسة موضوع توحيد الجبهات وتحديد الأدوار والأدوات.

۵. كيف تعلق على مسار التطبيع السياسي والثقافي الذي تحاول بعض الأنظمة العربية تسريعه؟
هذا التصرف المشين الذي تمارسه القلة النادرة من بعض الزعامات العربية وبعض الزعماء والفنانين لا يعبر عن الموروث الديني والأخلاق والسياسي لكافة الشعوب العربية والإسلامية، فعملية التطبيع لم تكن وليدة اللحظة التي نراها اليوم من بعض قادة الدول الخليجية كالبحرين أو مسلسل أم هارون ومخرج ۷ ومؤتمر البحرين الاقتصادي وغيره، إنما عملية التطبيع بدأت منذ اللحظة الأولى التي بات بعض زعماء العرب التفكير بالاعتراف بإسرائيل والتعامل معها، لذلك كل الاتفاقيات الموقعة مع العدو التي كان أولها كامب ديفيد هي شكل من أشكال التطبيع، وحاول البعض تغليفها ببعض "الاشتراطات" كالحقوق الفلسطينية أو إنشاء دولة فلسطين على حدود ۴ حزيران ۱۹۶۷، لكنها كال أول البوابات للتطبيع.
ظل بعض الزعماء العرب المشتاقون للتطبيع يخافون من الإقدام عليه خوفاً من شعوبهم ومن رد الفعل الفلسطيني، لكن للأسف بعد اتفاق أوسلو والصدمة التي أحدثتها هذه الاتفاقيات عند المشاهد والمراقب العربي وهو يرى الفلسطيني النقطة المركزية في القضية يلتقي ويصافح ويعترف بل وينسق مع العدو ضد الفلسطيني المقاوم والرافض لهذا العدو بشكل مطلق، بدأ الذين ينتظرون على أبواب التطبيع في امتلاك الجرأة والقفز عن ثوابت الأمة وأحاسيس شعوبهم والتعامل مع هذا العدو.
ونعتقد أن التطبيع مع العدو يمثل أعلى درجات الخيانة لدين وتاريخ ومستقبل الأمة مهما كانت الدوافع والأسباب، وللأسف لم يقف الأمر عند حدود التطبيع من خلال علاقات اقتصادية أو تبادل منافع مشتركة مع رفضنا المطلق والمبدئي لذلك، لكن الأمر تعداه إلى تحالف استراتيجي ومحاولة تسويق عدد جديد للمنطقة تارة تحت مسمى العدو المشترك إيران، وتارة من خلال خلق تهديدات كالتكفيريين والتذرع بالمواجهة الشاملة للإرهاب، ولا ننسى الاشتراطات الأمريكية للدول العربية بالدخول من البوابة الإسرائيلية للوصول إلى مساعدات ودعم واشنطن.
لكن كل هذا التطبيع سواء على مستوى الاتفاقيات والتي أسوأها أوسلو أو المبادرات وأسوأها المبادرة العربية (مبادرة بيروت) ۲۰۰۲م أو المؤتمرات والزيارات المشتركة، لكنها تبقى حبيسة بعض الزعماء والمنتفعين والباحثين عن الشهرة، وهؤلاء لا يشكلون أي نسبة في الأمة العربية والإسلامية، بل بضعة عشرات أو مئات على أكثر تقدير، أما بقية الأمة فهي لا زالت مع فلسطين القضية والتاريخ والعقيدة، وكما فشلت كل مؤامرات إنهاء القضية ستفشل عملية التطبيع وسينقلب السحر على الساحر، وبدلاً من أن يكون التطبيع مدخلاً لإسرائيل للعواصم والعقل العربي ستحاسب الشعوب زعماءها وأبناءها الذين سلكوا طريق التطبيع.
إن مشروع التطبيع الثقافي والسياسي مشروع فاشل، ولا يمتلك أي من مقومات الصمود والتمدد؛ لأنه يصطدم بمكونات الأمة الثقافية والدينية، ولا يستطيع أحد أن يضع حائل بين شعوب المنطقة وقرآنها وسور الإسراء. كما أن الممارسات الإجرامية الصهيونية لم ترك أي بقعة في الوطن العربي إلا وامتدت لها يد القتل والإجرام، وأيضاً الأنظمة التي تمارس التطبيع هي أنظمة على عداء مع شعوبها ومصالحها، وكل هذه الخطوات باعتقادي ستزول بانتهاء هذه الأنظمة المتأمركة والمتأسرلة.