وكالة مهر للأنباء- فاطمة صالحي: أصبح مجلس تعاون دول الخليج الفارسي هذه الأيام مكاناً لتصعيد الخلافات والتوترات بين الدول العربية بدلاً من التركيز على "التعاون".
فشل هذا المجلس حتى الآن في حل النزاعات بين أعضائه، وأهم مثال على ذلك هو أزمة قطر وسياسات بعض دول الخليج الفارسي في حصارها.
يتألف مجلس تعاون دول الخليج الفارسي من ست دول (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر وعمان والبحرين)، تم تشكيل هذا المجلس في 25 مايو 1981 في اجتماع عقد في الرياض على فكرة "جابر الأحمد الصباح" أمير الكويت آنذاك، وعرض الأمير الكويتي ملء ما يسمى بـ "الفراغ" بعد انسحاب بريطانيا من الخليج الفارسي وكان الهدف الأساسي لهذا المجلس هو تعزيز الوحدة بين دول الخليج الفارسي وإقامة تنسيق مشترك بينها في جميع المجالات.
على الرغم من أنّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر حاصرت وقطعت العلاقات مع قطر لما يقارب ثلاث سنوات بذريعة دعم الدوحة للأرهاب وحماية الارهابيين، إلا أن مجلس التعاون فشل في اتخاذ أي خطوة إيجابية، ومن المثير للدهشة أن هناك العديد من الاختلافات بين البلدان التي لديها روابط لغوية وعرقية ودينية ودخل وموارد وأسرية واجتماعية عميقة.
الأزمة في قطر وعدم وجود آفاق واضحة لحلها:
تعد أزمة قطر من أسوأ الأزمات في دول مجلس تعاون دول الخليج الفارسي منذ تشكيله.
أعلن مجلس تعاون دول الخليج الفارسي وعلى رأسهم "عبد اللطيف الزياني" الأمين العام السابق (الذي حل محل "نايف الحجرف" أمينا عاما جديدا بعد 10 سنوات) في نوفمبر 2017 بعد خمسة أشهر من حصار قطر لا يمكنها حل هذه الأزمة وهي في أيدي قادة الدول الأعضاء.
سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ بداية الأزمة القطر إلى حلها مع المسؤولين القطريين والعرب في أقرب وقت ممكن، حيث كانت هذه التوترات والنزاعات في معسكر حلفائه العرب في المنطقة تضر بواشنطن، ولم تحل الأزمة القطرية على الرغم من كل المشاورات والضغوط والتهديدات الأمريكيةعلى أعضاء هذا المجلس.
ويمكننا الجزم أن أحد أسباب إطالة الخلافات بين أعضاء مجلس التعاون هي الخلافات التي بقيت على مستوى القادة العرب والسياسيين، لكن هذه الخلافات وصلت اليوم إلى مستوى الدول. فيما يتعلق بالأزمة في قطر، على الرغم من أن العديد من هذه البلدان لديها تبادلات اجتماعية عميقة وروابط ثقافية وعائلية فقد طغت هذه الاختلافات السياسية على هذه العلاقات وعمقتها بطريقة ما.
بالطبع لم تكن خلافات جادة بين قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين في عام 2017 ولكن في 5 مارس 2014 استدعت هذه الدول العربية سفرائها من الدوحة وفي النهاية بعد 8 أشهر من عقد اجتماع الدوحة أعلنوا نهاية الخلافات.
ومع ذلك وبعد حوالي ثلاث سنوات استؤنف الصراع من جديد وإستمر حتى يومنا هذا، وهذا يدل على أن الخلافات بين هذه الدول ليست قضية سطحية تنتهي باجتماع أو توقيع وثيقة مصالحةفيما بينهم.
هذا ولم يتخذ مجلس التعاون أي خطوات لإنهاء النزاعات العربية في عام 2014 رغم جهود الكويتالدبلوماسية لستوية الخلافات.
مجلس التعاون وأزمة جديدة
بالإضافة إلى فشل مجلس تعاون دول الخليج الفارسي في البعد السياسي وحل الخلافات بين أعضاء المجلس، فإنه قد ينهي عمله في ظل أزمة أخرى. في الآونة الأخيرة زادت المملكة العربية السعودية ضرائبها بنسبة 15 بالمائة اي أكثر بثلاث مرات، في أعقاب الأزمة المالية وإجراءات التقشف، وهذا يعني نهاية التنمية الاقتصادية والتنسيق السياسي في المنطقة حيث أن مناقشة التدابير الاقتصادية وتبني السياسات التجارية الأحادية بين الأعضاء في مجلس التعاون هي أحد الأسس الرئيسية لهذا المجلس.
بالطبع في الماضي، كانت مجالات التعاون الاقتصادي بين هذه البلدان أكبر من المجالات الأمنية المشتركة. يعتقد أغلبية أعضاء المجلس أنه من الأفضل التركيز على القضايا الاقتصادية والتعاون المشترك بدلاً عن التركيز على القرارات المتعلقة بالشؤون الخارجية والعسكرية.
ولهذا السبب اتخذ أعضاء مجلس التعاون خطوات لتحقيق التعاون الاقتصادي فيما بينهم وتوقيع اتفاقية التجارة الحرة وإنشاء اتحاد جمركي وسوق مشتركة فيما بينهم ولكن هذه الإجراءات أصبحت صعبة بسبب النقص في الإنتاج والنقص في الخدمات. يكون حجم التبادلات التجارية بين دول هذا المجلس هو 10٪ فقط من إجمالي حجم التجارة غير النفطية. ويضاف فشل وإخفاق توحيد الجهود لوضع سياسة نقدية متكاملة بين دول المجلس إلى إخفاقات المجلس الأخرى.
حتى الآن ، بعد قيام السعودية بزيادة الضرائب تبدو فكرة الإجراءات الجمركية المنسقة غير محتملة، إن مستقبل السياسة الاقتصادية لدول مجلس التعاون يكمن في غموض المنافسة بين الأعضاء في مجالات الضرائب والاستثمار الأجنبي ومنح الجنسية للمواطنين الأجانب.
نزاعات أخرى بين دول هذا المجلس
صحيح أنّ الإختلافات الرئيسية بين دول مجلس التعاون تتمثل في أزمة قطر، ولكن لا يمكن القول أن هذه الاختلافات تقتصر على هذه الدولة فقط، لطالما كانت عمان غير راضية عن الوجود العسكري السعودي في محافظة "المهرة" على الحدود بين عمان واليمن، بالإضافة إلى إنتقاد الشعب العماني الأنشطة التجسسية الإماراتية ضد بلادها، وحتى عام 2019 حكم على 5 مواطنين إماراتيين بالسجن بتهمة التجسس.
كما تحاول الكويت أن تبقى محايدة في القضايا المتنازع عليها ولكن تمارس الضغوط عليها من قبل الرياض وأبو ظبي.
أما في الشأن اليمني، فقد رأينا أن بعض الدول العربية التي كانت في الأصل أعضاء في التحالف السعودي المعتدي، غادرت التحالف السعودي تدريجيًا بعد سنوات قليلة من بدء الحرب على اليمن.
الخلاف بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية حول اليمن تسبب في إصطدام عنيف بين العناصر المدعومة من كلا البلدين في جنوب اليمن.
هيمنة المملكة العربية السعودية على مجلس التعاون
لا يخفى على أحد أن مجلس التعاون هو في النهاية تحت سيطرة وهيمنة المملكة العربية السعودية وأي دولة تعارض الرياض تتعرض لضغط من هذا المجلس.
"عبد اللطيف الزياني" لم يلتزم بمبدأ الحياد فيما يتعلق بالأزمة في قطر عندما كان في السلطة وكان دائما ينتقد قطر و كانت هذه الخطوة متوقعة في ضوء السيطرة السعودية على مجلس التعاون حيث أشاد في تصريحاته بالسعودية وسياساتها وتجاهل جهود الرياض لخلق انقسامات بين دول المجلس.
يبدو أن "الحجرف" بديل "الزياني" قد أنذر، وفي أول تعليق له على أزمة قطر شدد على أنها خلافات بين الدول العربية. وقد أثار هذا التصريح مستشار قطر للشؤون السياسية، وقال الوزير القطري إن "الحجرف" عبّر عن وجهات نظر ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" في مجلس التعاون ولا ينبغي وضع الأزمة القطرية وحصرها بين النزاعات العربية.
كما تستمر المملكة العربية السعودية في اجراءاتها التدخلية بقرارات مجلس التعاون حيث منعت وزيرًا قطريًا من المشاركة في أحد اجتماعات المجلس، ووفقا للصحيفة الأمريكية"ناشيونال انترست" أنها ترى من غير المرجح أن تحتاج قطر وعمان والكويت إلى حضور المملكة العربية السعودية في مجلس التعاون في المستقبل القريب، حيث إنها تتبع سياسات غير ناضجة في مواجهة وضعها الداخلي المضطرب.
إن سياسات المملكة العربية السعودية التي تتمثل بالأمير الشاب الذي يدعى "محمد بن سلمان" جعلت البلاد لم تعد عضوًا سابقًا في مجلس التعاون .
وأخيراً، يبدو أن جامعة الدول العربية التي مقرها يقع في مصر ومجلس التعاون قد فقدتا مكانتهما ومصداقيتهما وتاثيرهما بين الدول العربية، ولن تحل الخلافات بين الدول العربية إلا بتغيير هذه السياسات بشكل جذري.