رأى عضو المكتب السياسي في حركة أمل "طلال حاطوم" أن الإمام الخميني أدخل المشروع الإصلاحي والنهضوي الإسلامي، لأول مرة في التاريخ الحديث المرحلة العملية حيث تَجَسّد مشروعه في قيام الدولة الإسلامية في إيران.

وكالة مهر للأنباء - من يعرف إيران قبل الثورة الاسلامية عام 1979 وبعدها ولكي يحكم على كيفية تغيرها، وما إذا كان هذا التغير إيجابيا أما سلبيا، يحتاج الى التعرف على المنظومة الفكرية لقيادات هذه الثورة وأهم شخصية قادت الشعب الايراني خلال مواجهتها للاستبداد والاستعباد هو الامام روح الله الموسوي الخميني. لابد ان ندرس مفهوم الاسلام والديمقراطية وحقوق الشعب لدى هذ القائد الكبير وشخصيته المحورية في كفاح الشعب لنتطلع الى مستقبل النظام الاسلامي الذي أسسه في ايران.

ومن هنا تأتي اهمية التعرف إلى فكر هذا القائد الذي استطاع إحداث تحولات فكرية وسياسية في مسار الحياة العامة للمسلمين في مواقع انتشارهم الجغرافي وفي المجتمعات الدولية التي يقيمون فيها، فضلاً عن تأثيراته السياسية والفكرية في العالم، وذلك من خلال قيادته ثورة إسلامية شعبية تمكنت من إنشاء نظام حكم سياسي مغاير للكثير من النظم السياسية السائدة في عصره. وفي هذا السياق اجرت وكالة مهر للأنباء حوارا مع طلال حاطوم، عضو المكتب السياسي في حركة أمل ومدير عام اذاعة الرسالة في لبنان. فيما يلي نص الحوار:

س:  ما هو دور الإمام الخميني في بث روح جديدة في الحركات السياسية والاجتماعية المعاصرة؟

ما حدث على يد الإمام الخميني (قدس) يبقى نقطة تحوّل مهمة في تاريخ العالم بشكل عام والمسلمين بشكل خاص، فما حصل كان دخول المشروع الإصلاحي والنهضوي الإسلامي، لأول مرة في التاريخ الحديث، المرحلة العملية، متمثلاً بقيام الدولة الإسلامية في إيران، التي تسعى لجعل المشروع الإسلامي متحركاً على أرض الواقع، وليصبح للإسلام السياسي حضور فاعل يفرض نفسه على المعادلات السياسية العالمية والإقليمية. 
وفي التاريخ العديد من حركات النهوض التي قام بها مفكرون وعلماء مسلمون وغير مسلمين بهدف الإصلاح والتغيير والتجديد سبقت حركة الإمام الخميني (قدس) ونهضته، وكان لها آثار إيجابية متفاوتة، لعل أبرزها وأهمها إبقاء روح النهضة حيّة في نفوس تيار من المسلمين، وإن كان ضعيفاً نسبياً، ويبقى الأمل يراود الأمة في أن تستعيد موقعها الحضاري يوماً ما.
وقد اعطت افكاره وآرائه في قضايا الدين والحياة والاجتماع الإنساني واضافت بعداً سياسياً مجتمعياً وعملياً للمشروع الحضاري الإسلامي أكد أهميته بما هذا وأن الفكر الاسلامي الاصيل موجود في صحائف الكتب المرجعية، ولم يضف الإمام جديداً على أصوله وثوابته، بل ان ما قام به هو نفخ الروح وبعث الحركة في هذا الفكر الموجود، والعمل على تطبيقه وتحريكه في عقول الناس وأفئدتهم ورده إلى منابعه الأصلية، مع ما يستلزم ذلك من إلغاء المسافة بين الدين والسياسة فـعودة الإسلام إلى الحياة وعودة الأمّة الوسط لممارسة دورها على الساحة البشرية، وعودة كيانها المسلوب يفرض أولا القضاء على فكرة انفصال الدين عن السياسية.

وبالنسبه الينا في حركه امل فان العلاقه مع الجمهوريه الاسلاميه في ايران بدات مع الامام الخميني (قدس سره) قبل انتصار الثوره الاسلاميه من خلال العلاقه مع الامام القائد المغيب السيد موسى الصدر الذي كان في لبنان امتدادا للفكر الثوري والتجديد والنهضه التي قام بها الامام الخميني وتمثل ذلك بان الشهيد الدكتور مصطفى شمران كان اول مسؤول تنظيم لحركه امل وطبعا استمر زخم العلاقه مع دوله الرئيس نبيه بري رئيس حركه امل وهذه العلاقه متجذره فكرا وتنظيما وقياده بفكر المقاومه وعمليات الاصلاح والتغيير المطلوبة في مجتمعاتنا العربيه والاسلاميه.

س: كيف تمكّن الامام الخميني من حثّ الشعوب لمواجهة الهيمنية الغربية والشرقية والدعوة الى انهاء تبعية العالم الثالث للاستكبار العالمي؟

لقد اعتقد البعض أن موجـة الاسـتـقـلال الـتـي اجتاحت معظم الدول آسيا وأفريقيا بـعـد الحـرب العالمية الثانية سوف تؤدي بالضرورة إلـى تحـقـيـق استقلالها الاقتصادي والثقافي والإعلامي. ولكـن حتى منتصف السبعينات لـم يـبـدُ أن أيـة دولـة مـن دول العالم الثالث قد استطاعت أن تحقق سيادتها الإعـلامـيـة كـامـلــة. ورغــم آن مــظــاهــر الــتــبــعــيــة الاقتصادية في العالم الثالث قد أصبحت واضحة للجميع فإن التبعية الفكرية والثـقـافـيـة والإعـلامـيـة لـم يـتـم الكشف عنهما إلا بشكل محدود وفى سياق الأختام بدراسة الجوانب الاقتصادية والاجتماعـيـة. والآن قد مرت عقود طويلة حفلت بالممارسات والمحاولات العديدة من أجل الخروج من دائرة التبعية ولم يقدر النجاح إلا لحالات قليـلـة بـيـنـمـا لا تـزال الـغـالـبـيـة العظمى من شعوب العالم الثالث تسعى للـخـلاص الشامل.
وهنا اهمية حركة الامام الخميني وثورته التي رفضت التبعية للمحاور شرقا وغربا واصرّ على الالتزام بجذور الشجرة الاسلامية.

س: لماذا أكد الامام الخميني أن "القدس" يجب ان تتصدر القضايا الاسلامية والعربية؟

شغلت قضية القدس وفلسطين الحيّز الاكبر في وجدان الإمام الخميني قدس سره واهتماماته، وقلما يجد الباحث في كلمات الامام الخميني (قدس سره) السياسية والتعبوية قضية حاضرة وفاعلة كقضية القدس وفلسطين، ففي البداية كان الهدف الاساس الذي استوطن عقل الامام ورافقه في درب الجهاد هو اسقاط الشاه، هذا الهدف الذي سيطر وحكم على جميع الاولويات وكان متصدراً الخطابات والبيانات والمواقف الصادرة عن الامام الخميني (قدس سره) في رحلة جهاده الطويلة، سواء في مرحلة تواجده بين الجماهير في ايران او خلال مسيرة النفي المتعددة البلدان، لكن بعد ان تحقق الهدف الاساس وسقط الشاه وتدحرج تاج التسلط، وانكسرت هيبة الطاغوت ومعه ارادة امريكا التي كان لها في ايران موطئ قدم تمارس من خلاله عدوانيتها على الشعوب في منطقة الشرق الاوسط، بعد ذلك تصدرت الاولوية التي تبدو واضحة في ثنايا كلمات الامام العظيم، وعنوانها اولوية تحرير القدس وفلسطين، ففي ذلك الزمن حيث الامام حطّم عرش الطاغوت واقتلع سارية العلم الامريكي ورماها ارضاً، واحرق الراية الزرقاء وعليها نجمة داوود.
واختار يوما عاليما للقدس بعيدا عن القوميات والجغرافيا يتوحد من حوله كل الاحرار في العالم تحت عنوان يوم القدس في اليوم الجمعة الاخيرة من شهر رمضان المبارك من كل عام.

فالقدس اولى القبلتين للمسلمين ترزح تحت الاحتلال عينه الذي كان محتلاً لايران بالسياسة والثقافة والاقتصاد، لكنه في فلسطين احتلال عسكري وارهابي وتسلطي، فاعتبر الامام (قدس سره) ان اكمال الثورة لا يتحقق الا بازالة "اسرائيل" من الوجود وليس فقط بطرد الصهاينة من طهران وارجاء ايران، فتوجه شطر المسجد الاقصى مؤكداً له انه سيتحرر ولو بعد حين، وقد اعطى الامام الخميني هذه المسألة أي تحرير فلسطين، بكامل ترابها، كل الاهتمام الذي تستحق وكل الابعاد التي ترمز اليها كاسلامية وقومية ووطنية فضلاً عن كونها اسقاطاً لرمز الارهاب الصهيوني من جهة ولمظلومية الشعب الفلسطيني من جهة ثانية، كما اشار الامام في كلماته وبياناته الى خلفيات الصراع مع العدو الذي يربض في قلب الامة ويتمدد يميناً وشمالاً، فقد بيّن الامام الخميني (‏قدس سره) انه صراع عقائدي ديني وانه صراع قومي وانه صراع حضاري فكري هذا فضلاً عن جزئيات الابعاد والرؤى التفصيلية التي تلامس اطراف القضية او جوهرها والتي عمل الامام الخميني ليبعدها عن المصالح السياسية والتكتيكية للدول والامصار، لانها ان دخلت في هذا المضيق فانها لن تصل الى عمق الصراع وستبقى تقارب السطوح، هذا فضلاً عن امكانية ضياع فلسطين حال الالتفات الى المصالح الذاتية المؤقتة للبلدان العربية والاسلامية التي تربطها مصالح مع امريكا حامية "اسرائيل" مما يفرض عليها نوعاً من المهادنة والمسالمة مع "اسرائيل" على حساب حقوق الامة وحقوق الشعب الفلسطيني وذلك تحت ذريعة حماية او تحقيق المصالح الوطنية.

 هذه المصالح التي عادة ما تخضع لتكتيكات تنتهجها الدول من اجل بلوغ الاهداف المسماة وطنية اعتبرها الامام الخميني (قدس سره) متنافية مع القضية الساطعة الحقانية وهي قضية فلسطين وها هو الامام الخميني نفسه لم يلتفت الى مصالح ايران في هذه المسألة طالما انها مبدئية وجلية ولا يمكن اخضاعها او ادخالها في ترهات المصالح التكتيكية التي يمكن ان تخضع لها القضايا الجزئية الهادفة الى تحصيل المكاسب الفضلى بحسب طبيعة كل قضية، انما هنا فيما يتعلق بفلسطين لا مجال للمجاملة ولا لانصاف الحلول ولا للطروحات المجتزأة هنا بل يجب ان يتم طرد الاحتلال وتحرير فلسطين وازالة "اسرائيل" من الوجود مهما كانت التضحيات ومن دون الالتفات الى العواقب، فعند الامام الخميني (قدس سره) نفس وجود "اسرائيل" في هذا المكان من العالم الاسلامي يعني الهوان لهذه الامة فاذا قامت ونهضت ولم تقدر على ان تفعل شيئاً وضحت بنفسها فلا ضير طالما انها محكومة بالفناء على كل حال، كيف وان الامور مختلفة تماماً فهناك الامكانية الكبيرة لتحقيق هدف التحرير، فلو قام جزء من الامة بمسؤولية وواجب الجهاد، فهناك وعد الهي محسوم بان الله ينصر من ينصره.