صرح الباحث في الشؤون العسكرية والإستراتيجية العميد " شارل ابي نادر" أن لفرنسا مصالح من وراء مبادرتها تجاه لبنا، مشيراً إلى أن هذه المبادرة غیر بعیدة عن صراع النفوذ فی منطقة غرب آسيا، مؤكداً أن التعويل يبقى على وعی اللبنانیین وثباتهم بان لا ینجروا الی التنازل عن المسلمات.

وكالة مهر للانباء، القسم العربي: ترجع الأطماع الإستعمارية في السيطرة على مقدرات وخيرات الشعوب إلى زمنٍ بعيد، وهنالك شواهد تاريخية عديدة عليها، ولعل أشد تلك الصور الإستعمارية وضوحاً في هذا القرن ما سمي بإتفاقية" سايكس بيكو" التي قسمت المنطقة عبر حدودٍ وهمية إختلقتها قوى الإمبريالية والإستكبار العالمي، وذلك ليسهل السيطرة على تلك الدول الحديثة، ووفقاً للإتفاقية كان نفوذ فرنسا في مناطق جنوب شرق تركيا وشمال العراق وسوريا ولبنان. ومع تطور الزمن انتقلت طرق الإستعمار المباشر إلى طرق غير مباشرة، ولم تكف تلك القوى عن أطماعها في منطقتنا أبداً. مؤخراً وبعد الحادث الأليم الذي شهدته العاصمة بيروت اقترحت فرنسا مبادرة لحل الأزمة في لبنان، وكأنها استطاعت معالجة مشاكلها الداخلية وكأن الرئيس ماكرون تمكن من الإستجابة لمطالب شعبه. وجاء في تصريح لماكرون ما مضمونه " اذا لم تف السلطات اللبنانية بوعودها فستکون هناک عواقب" تصريحٌ ملفت للإنتباه ويحمل بين جنباته كثير من معاني الهيمنة والكبر ويعكس الفكر الإستعماري الذي يتمتع به هذا الرئيس. لكل ذلك وأكثر، أجرت وكالة مهر للأنباء لقاء صحفي مع الباحث العسكري والإستراتيجي العميد "شارل ابي نادر" ليروي لنا وجهة نظره إزاء المبادرة الفرنسية. 

إليكم نص المقابلة

 في تصريح لماكرون قال " اذا لم تف السلطات اللبنانية بوعودها فستکون هناک عواقب" بنظركم ما هي هذه الوعود وماهي العواقب؟  

الوعود هي الإصلاحات الإدارية والإقتصادية والمالية والقضائية والتي فشل السياسيين اللبنانيين في إقرارها  سابقا.

 العواقب هي تعقيد التفاوض مع صندوق النقد الدولي  وتأخير إطلاق مؤتمر سيدر بما يحمله من عقود ومساعدات.

وايضا العواقب هي فرض عقوبات على السياسيين اللبنانيين، الفاسدين منهم والذين عددهم كبير جدا، وذلك من خلال مصادرة اموالهم التي هربوها الى خارج لبنان والتي كانوا قد حصلوا عليها من خلال استغلال مراكزهم  ومواقعهم الرسمية في الإدارة والوزارات اللبنانية... وهذه المبالغ بالمناسبة هي ضخمة جدا  وقادرة على تحسين وضع الخزينة اللبنانية بنسبة كبيرة وهي اساسا اموال الشعب والخزينة العامة.  

طبعا لبنان مأزوم اقتصاديا  وسياسيا وهذا الموضوع  والذي يتحمل المجتمع الغربي  والاوروبي ومن ضمنه الفرنسيين، مسؤولية في ذلك. بنسبة معينة، حيث المسؤولية الكبرى على اللبنانيين وخاصة المسؤولين السياسيين الفاسدين.

بعد قراءة تصريح ماكرون يتبادر إلى الأذهان سؤال: من هو ماکرون، هل هو رئيس لبنان ليصرح هكذا تصريح؟.

ماكرون ليس رئيس لبنان طبعا  وهو يتكلم بهذه الطريقة لانه كما يبدو يحمل تفويضا غربيا بمقاربة المشاكل في لبنان، وكما يبدو فإن إيران ليست بعيدة عن هذه المبادرة الفرنسية،  والمؤشر لذلك هو وجود ممثل حزب الله في اجتماعات ماكرون وتجاوب الحزب مع قسم كبير من الطروحات المتعلقة بالإصلاحات والتي قسم كبير منها هي غير بعيدة عن طروحات حزب الله اساسا.  

النقطة الأخرى والتي تعطي ماكرون هذه الثقة بالتكلم  هكذا  ومقاربة الموضوع بهذا الاسلوب، هي أن اغلب السياسيين اللبنانيين- دون فريقي المقاومة ورئيس الجمهورية - هم من السياسيين الفاسدين والفاشلين وفرنسا والعالم يعلم ذلك، ماكرون يتوجه بشكل خاص للفاسدين فقط ، كما أن حزب الله  وافق على تسمية الرئيس المكلف مصطفى اديب مع علمه ان طرح اسمه غير بعيد عن الفرنسيين، لذاك كما يبدو فان حزب الله يعطي فرصة للمبادرة الفرنسية.

کیف يتلقى  الشارع اللبناني هذه المبادرة؟. 

اللبنانيون الصادقون والوطنيون، وخاصة بيئة المقاومة، لديهم ثقة كبيرة بانفسهم بانهم لن يفرطوا بسيادتهم وبمبادئهم الثابتة وهم بالمرصاد لاي محاولة غربية او فرنسية تحاول تجاوز تلك المبادىء انما هم فقط يهمهم  الوضع الاقتصادي والمالي والذي على اساس شبه الانهيار الذي توصل اليه، هم يقبلون بأية مساعدة خارجية الا من العدو الصهيوني وهذا  الكلام أشار إليه امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله بشكل واضح.

من ناحية أخرى،  طبعا فرنسا لديها مصالح، سياسية  وتجارية واقتصادية  اجتماعية من وراء مبادرتها هذه تجاه لبنان، كما أن هذه المبادرة غير بعيدة عن صراع النفوذ في شرق المتوسط ولكن يبقى وعي اللبنانيين وثباتهم بان لا ينجروا الى التنازل عن المسلمات الاساسية التي ضحوا كثيرا  في سبيل تحقيقها، مع مصلحتهم في إعادة إطلاق عجلة اقتصادهم  وعودة التوازن الاجتماعي والمالي الى بلادهم بعيدا عن الانهيار الأكيد في غياب المساعدة الخارجية.

كما تعلمون صرحت وسائل الإعلام اليوم أن "ماكرون" وصل بغداد لدعم مسيرة السلام في العراق على حد زعمه، يتبادر إلى الأذهان سؤال في هذا الصدد؟ من أتى بالحروب إلى العراق لياتي اليوم بالسلام؟

بخصوص زيارة ماكرون الى العراق،  فطبيعي ان فرنسا وغيرها من الدول الغربية لعبت دورا في تنظيم الحرب على العراق تحت قيادة التحالف الاميركي، وتبقى مصالح الدول هي المحركة الاساسية لاستراتيجياتها.

 كما أن العراق الرسمي اليوم وبقيادة الكاظمي، ذهب إلى واشنطن وهو يقود حوار وتفاوض لامكانية انهاء الإحتلال الاميركي للعراق، لذلك قد يكون التواجد الفرنسي في هذه الحركة الديبلوماسية مفيدا للعراق، تجنبا للتفرد الاميركي في مقاربة الملف.

الموضوع بحاجة لمتابعة جدية وللتاكد من صدق الطروحات او اذا لا تحمل نوايا أخرى في غير مصلحة لبنان ، ولكن المنطق والواقع يفرضان التجاوب والطروحات ومتابعتها قبل  النظر  إليها بتحفظ او بتردد. 

/انتهى/