صمود حزب الله في وجه العدوان الإسرائيل على لبنان في حرب الثلاثة والثلاثين يوماً في تموز/آب 2006، عوّض في أذهان العرب من الشعور بالإذلال الذي انتابهم منذ حرب الأيام الستة (1967).

وكالة مهر للأنباء - القسم العربي: أُنشئ الكيان الصهيوني بمساعدة القوى الاستعمارية الغربية للسيطرة على منطقة الشرق الاوسط ولمحاولة تنفيذ المخططات الغربية لهذه المنطقة عن طريق الكيان الصهيوني.

لذلك فان الكيان الصهيوني بني على اساس قوة استيطانية بدعم غربي وامريكي، ساعيا في ظل هذه القوة والدعم المالي والسياسي والاستراتيجي من قبل الغرب لبناء دولة اسرائيل الكبرى.

** دور الكيان الصهيوني في تفتيت الوطن العربي

ان اكثر ما يخيف الكيان الصهيوني هو قيام تحالف عسكري في المنطقة يضم جميع الدول العربية وعلى الرغم من ان هذا الخطر قد خف بعد توقيع مصر على معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، الا ان الكيان المحتل مازال يخشى اعادة قيام تحالف عسكري عربي ضدها. فاسرائيل تسعى دائما لان تكون قوتها العسكرية اكثر من حيث النوعية والكيفية من الدول العربية.

اكثر ما يخيف الكيان الصهيوني هو قيام تحالف عسكري في المنطقة يضم جميع الدول العربية

فيما تقوم ايضا بمحاولة اقناع الدول العربية بانها غير قادرة على تدمير الكيان الصهيوني وبالتالي تصبح التسوية السياسية معها "امر لا بُدّ منه". ولم يكتفي الكيان الصهيوني عند هذا الحد بل انه يحاول منع جميع دول المنطقة من امتلاك اي اسلحة نووية، بل وهددت في اكثر من مرة على انها ستقوم بضرب اي مفاعل ولن تتردد في استعمال القوة العسكرية ضد الدول العربية لكي تمنعها من امتلاكه.

لهذا فان اسرائيل بنت استراتيجيتها على اساس التفوق العسكري على جميع الجيوش العربية. وظلت تلك السياسة مدرجة في عداد التهديدات الكامنة المتربصة بامنها، حتى في حال التوصل الى تسوية مع العرب، والى نقل بؤر الصراع من حدودها مع الدول العربية الى داخل تلك الدول؛ بين بعضها البعض، وبينها وبين الدول الغير عربية المجاورة لها بهدف تفتيت الدول العربية وتدميرها من الداخل واقامة دويلات طائفية وعنصرية في تلك الدول.

اسرائيل بنت استراتيجيتها على اساس التفوق العسكري على جميع الجيوش العربية

وبالتالي تبديد الطاقة العسكرية العربية في الصراعات البينية ومنع قيام اي تنسيق او تعاون امني عربي واحباط اي مسعى لوحدة العرب وتدمير اية قوة عسكرية عربية تطور ذاتها الى حد ما تراه اسرائيل خطرا عليها.

** المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل

بدأت المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل عام 1949، وبلغت ملايين الدولارات، ولكن التعاون العسكري بينهما بدأ فعليا في 1952 بتوقيعهما اتفاقا للدعم اللوجستي الثنائي تلاه اتفاق حول تعاونهما السياسي والأمني.

ومنذ 1958 بدأت إسرائيل بتلقي مساعدات أمنية وعسكرية أميركية أصبحت دائمة بعد حرب 1967، وذلك عقب إنهاء فرنسا علاقاتها الأمنية مع إسرائيل، ووصلت ذروة المساعدات الأميركية بعد اتفاق السلام مع مصر في 1979.

وفي 1985 اتفق رئيس وزراء الكيان الصهيوني شيمون بيريز مع جورج شولتز وزير الخارجية الأميركي الأسبق في إدارة الرئيس رونالد ريغان على منحة سنوية قيمتها 3 مليارات دولار، معظمها للأمن وشراء المعدات العسكرية.

ورغم ان اسرائيل باتت إحدى أقوى دول المنطقة لكنها تبدي تعلقا باستمرار المساعدات العسكرية الأميركية رغبة منها في الحصول على غطاء سياسي ودبلوماسي لتحركاتها العسكرية.

* ماهي حجم المساعدات الامريكية لاسرائيل؟

تشكل المساعدات الأميركية لإسرائيل 55% من جميع المساعدات الأميركية للعالم، وبلغت منذ عام 1948 قرابة 130 مليار دولار، وتفيد تقديرات أخرى بأنها وصلت إلى 270 مليار دولار، وأقرت الولايات المتحدة حزمة مساعدات لإسرائيل لأعوام 2019-2028 بقيمة 38 مليار دولار، وتشمل تمويل مشاريع عسكرية مشتركة للحماية من الصواريخ.

وتمثل المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل 18% من الميزانية العسكرية للأخيرة، وبموجبها تشتري أسلحة بقيمة 815 مليون دولار سنويا، وتخصص 500 مليون دولار لتعزيز الدفاعات الصاروخية، بما فيها اسطورة القبة الحديدية.

** بداية عصر نهاية اسرائيل

* حركات المقاومة تكسر شوكة اسرائيل وتقلب موازين القوى / تثبيت معادلة الردع

إن معضلة الكيان الصهيوني الكبرى تتمثّل بفقدان قواته البرِّية فعاليتَها القتالية، الأمر الذي أفقد الكيان القدرة على إنجاز المهمات المَنوطة به، ولاسيما في مواجهة الحركات المقاوِمة، التي تُعَدّ منظمات غيرَ حكوميةٍ ذات قدراتٍ تسليحيةٍ تفوق في بعض النواحي القدرات التي تمتلكها دولٌ وازنةٌ في العالم، كما هي حال القدرة الصاروخية التي يحوزها حزب الله، على سبيل المثال، والتي تفوق القدرة النارية للدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي مجتمعةً، وذلك بحسب تقارير مراكز أبحاث صهيو- أميركية.

بدأ العجز لدى جيش الكيان في الظهور في إثر انسحابه من جنوبي لبنان في أيار/مايو 2000، وتجلّى في حرب تموز/يوليو 2006

ناهيكم عن الفارق الواضح بين معنويات مقاتلي محور المقاومة المرتفعة، ومعنويات جنود الاحتلال شبه المنهارة.

بدأ هذا العجز لدى جيش الكيان في الظهور في إثر انسحابه من جنوبي لبنان في أيار/مايو 2000، وتجلّى في حرب تموز/يوليو 2006، ليزداد بعد ذلك عمقُ مأزق سلاح البر لديه، في حروبه الثلاث اللاحقة، والتي شنّها على قطاع غزة في الفترات 2008-2009 و2012 و2014، وصولاً إلى معركة "سيف القدس" الأخيرة، والتي لم يجرؤ فيها على استخدام قواته البرِّية للقيام بعمليةٍ برِّيةٍ على الأرض تواكب عمليات سلاحه الجوي.

ومن الضرورة بمكان أن نلتفت إلى ما يشير إليه هذا العجز من محدودية نتائج عملية المراجعة وتطوير استراتيجياتٍ قتاليةٍ جديدةٍ، والتي عكف عليها رئيس أركان جيش الكيان أفيف كوخافي خلال العامين الماضيين، والتي تهدف إلى إعادة صَوغ مفهوم "تصوُّر النصر" لدى جيش الاحتلال.

وفي هذا الخصوص، صدر مؤخراً، عقب معركة "سيف القدس"، مقالٌ مهمّ وتفصيليٌّ عن "معهد القدس للاستراتيجيات والأمن"، في كيان الاحتلال، بعنوان "تصور النصر: الحاجة إلى مفهوم مُحَدَّث للحرب"، بحيث شرح المقال الأفكار الأساسية للأمن القوميّ "الإسرائيليّ"، والتي قام عليها مفهوم "تصوُّر النصر" لدى الكيان الصهيوني منذ بداياته.

واعتمد جيش الاحتلال خلال العقود الأربعة الماضية، على نحو متصاعدٍ، على سلاح الجوّ، في مقابل تراجع مكانة القوة البرِّية لديه، على الرغم من الالتزام اللفظي في الكيان بالأفكار الأساسية للأمن القومي "الإسرائيلي".

* حرب الـ 33 يوما / بداية نهاية اسطورة اسرائيل

كان صمود حزب الله في وجه العدوان الإسرائيل على لبنان في حرب الثلاثة والثلاثين يوماًفي تموز/آب 2006، عوّض في أذهان العرب من الشعور بالإذلال الذي انتابهم منذ حرب الأيام الستة (1967).

كانت مساعي اسرائيل في تلك الحقبته هي إقامة "إسرائيل الكبرى". لكن هذه الحقبة انقضت بعد أن أُجبر على الانسحابين الأُحاديي الجانب من جنوبيّ لبنان في أيار/مايو 2000، ثم من قطاع غزة في أيلول/سبتمبر 2005. وبهذا، ثَبُت للعدو أنه ربما يكون قادراً على دخول أراضٍ عربيةٍ جديدة واحتلالها، لكنه لن يكون في استطاعته إدامة وجوده فيها، إذا جوبه بمقاومةٍ جادةٍ ومصممةٍ، وذات نفَسٍ طويل.

وهنا، دخل كيان الاحتلال في طورٍ جديدٍ، يعتمد، في صورة رئيسية، على تفوُّقه الجويّ وقدرتيه، النارية والتدميرية، الكبيرتين، من السماء، وذلك بهدف إنقاذ إرادته السياسية على دول المنطقة، إمّا بالحرب من الجوّ على نحو أساسي، وإمّا حتى بمجرد التهديد بحربٍ مدمِّرةٍ، يبتزّ بها دول الإقليم. وبهذا، يستمر في تلبية متطلبات أصل وجوده ككيانٍ وظيفيٍ، وكذراعٍ ضاربةٍ بالنيابة عن القوى الإمبريالية، ضمن استراتيجيات تلك القوى.

نظرية وحلم الكيان الصهيوني كُسِر في حرب تموز/يوليو 2006، عندما أخفق الكيان في تحقيق أيٍّ من أهدافه في تلك الحرب

إلاّ أن هذه النظرية كُسِرت في حرب تموز/يوليو 2006، عندما أخفق الكيان في تحقيق أيٍّ من أهدافه في تلك الحرب. فلا استطاع القضاء على حزب الله في الميدان، بفعل تفوقه العسكري: جويّاً ونارياً. ولا قدِر على فرض إرادته السياسية على حزب الله، وإجباره على إعادة الجنود الصهاينة الأسرى لديه عبر تلك الحرب، التي اعتمدت، في الأصل، على قوة سلاح الجوّ، قبل أن يُضطر الكيان إلى محاولة تنفيذ مناورةٍ برِّيةٍ داخل الأراضي اللبنانية من أجل تحقيق أي مكسبٍ - ولو شكليٍّ - من أجل حفظ ماء الوجه.

وتتالت بعد ذلك إخفاقات نظرية الكيان هذه في حروب غزة، في الفترات 2008-2009 و2012 و2014، ناهيكم عن إخفاقه المستمر في إجبار سوريا على الدخول في اتفاقيات تطبيع، أو إرهابها لدفعها إلى التخلي عن عقيدتها الراسخة في دعم حركات المقاومة، أو التنازل عن ثوابتها القومية والعربية.

ثمّ جاءت معركة "سيف القدس"، التي رسَّخت، بما لا يدع مجالاً للشكّ، عجزَ سلاح الجوّ الصهيوني عن تحقيق النصر، عبر تحييد قدرات العدوّ من الجوّ، أو عبر إنفاذ كيان الاحتلال إرادتَه السياسية على الفلسطينيين، عبر قَبول انتهاكات الاحتلال الممارَسة في المسجد الأقصى والقدس المحتلة، وتبعاً المقدسات المسيحية في فلسطين.

** الموساد يعترف بالفشل في مواجهة الجمهورية الاسلامية

ان "وضْع إسرائيل في مواجهة إيران أسوأ ممّا كان عليه عشية الاتفاق النووي عام 2015" هي شهادة من داخل "الموساد" الإسرائيلي، المسؤول عن قيادة الحرب ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية في السنوات الأخيرة، وتضمّنت توجيه اتهام إلى رئيس حكومة العدو السابق، بنيامين نتنياهو، بالفشل، بالنظر إلى أن طهران لا تزيد عمليات تخصيب اليورانيوم بل طَوّرت أيضاً من قدراتها العسكرية وزادت من نفوذها وحضورها في المنطقة.

ورد ذلك وأكثر في مقابلة نائب رئيس "الموساد"المنتهية ولايته، في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تشتمل الكثير مما يجب إطلاع القارئ عليه، كونها تُعبّر عن نوع من اللوم والمحاسبة الذاتيَّين والإقرار بالفشل في أكثر من جانب من جوانب المعركة التي تقودها إسرائيل ضدّ إيران، ليس فقط في الملفّ النووي، بل على مستوى وجود إيران نفسها ونفوذها وتأثيرها في المنطقة./انتهى/