من الظلم تحميل ورقة التفاهم والعلاقة مع المقاومة، المسؤولية عمّا جرى ويجري؛ وحتى فرصة التلاقي الإنتخابي بين التيار الحر والرئيس بري وحركة أمل هي خيار قائم، وصولاً حتى للتقاطعات السياسية، وهذا سيحكمه المتغير الهائل القادم من المنطقة باتجاه لبنان، خلال الأشهر القادمة.

وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: ورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله مرت بمطبات لكنها حافظت على متانتها، لأن هذا التفاهم وطني مبني على أسس ثابتة وجنب لبنان من مشاكل كبيرة جداً هذا الاتفاق كان من المفترض أن يمتد إلى شرائح أخرى من الشعب اللبناني، لكن لأسباب سياسية خارجة عن إرادة الطرفين لم نتمكن من توسيع هذا التفاهم.

وصحيح أنّ ورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله تقترب من إطفاء شمعتها السادسة عشرة في السادس من شهر شباط القادم، وهذا عمر قياسي غير مسبوق لِأي تحالف سياسي داخلي في لبنان منذ الإستقلال، وقد حصد منذ أشهره الأولى نصراً وطنياً في تموز من نفس العام أمام أعتى عدوٍ للوطن وهو العدو الإسرائيلي

وفي هذا الصدد أجرت مراسلة وكالة مهر، "وردة سعد" حواراً صحفياً مع الباحث السياسي الدكتور "وسيم بزي"، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:

** هل ما يجري من تراشق واتهامات وتصعيد في المواقف داخلياً بين الاطراف السياسية وتحديداً بين أمل والتيار الوطني الحر هل هدفه هو شد عصب الشارع قبل الانتخابات ؟ أو أنه يكشف عن الوجه الحقيقي في الانقسام بين هذي الأطراف السياسية ؟ وما أفق هذه المواجهة المفتوحة بتسجيل النقاط كما أسماها البعض ؟

التراشق السياسي الداخلي خاصةً بين التيار الوطني الحر وحركة أمل في هذه المرحله تتحكم به مجموعه من الحسابات على ضفتيْ الخلاف؛ وهذه الأخيره بعضها حسابات استراتيجيه لها علاقه بانتخابات الرئاسة الأولى، وبعضها الأخر تكتيكي مرتبط بشدْ العصب الإنتخابي خاصةً بالنسبة للتيار، وبعضها الثالث بُنيوي مُرتبط بأصل مقاربة كل من الطرفين للواقع الداخلي منذ مطلع التسعينات الى اليوم.

ونظرة كل منهما للملفات الداخلية وتموضعه تجاهها، وهذا ما راكم مساحة هائلة من عدم الثقة ترسّخت في محطات عديدة من أهمها وصول الرئيس عون لسِّدة الرئاسة الأولى ووقوف الرئيس بري على مسافة بيضاء من هذا الخيار، ولكن مع يد ممدوده للتعاون المؤسساتي من قبل الرئيس بري وهذا تجلّى في أول ثلاث سنوات من عمر العهد.

ويُؤخذ على التيار في هذا المسار أنّ رفعه لِراية مكافحة الفساد كان فيه محاولة لحصر هذا العنوان الكبير والمتراكم في زاوية إتهام الرئيس بري وحركة أمل كطليعة لمقاربته، علما أن التفنيد التاريخي والحالي لهذا الملف يؤدي إلى تظهير دولة عميقة عابرة للطوائف والأحزاب طوال عقودٍ مضت، وهذا يفتح الباب على عدم استثناء أحد من التورط؛ وعلى رأس هؤلاء منظومة هائلة تقودها الولايات المتحدة، وتمثل الأُسْ التاريخي لِوحش الفساد المتأصل في أصل البنيان اللبناني.

بناءً على ما سبق، يبقى أُفق التلاقي بين الطرفين، في ظل مصالح انتخابية ظرفية، ووجود حزب الله كحليف ضابط لِكليهما (ضابط لحدود الإختلاف)، وقدرة كل من الرئيسين عون وبري على تجاوز الحروب السجالية التي تجري تحتهما وفي لحظات قليلة متى حسُنت النوايا وتوفرت الظروف، عندها فقط يمكن قراءة هكذا حروب سياسيه في إطارها الدقيق الذي يُمكن البناء عليه".

** أمام هذه التطورات على الساحة اللبنانية هل سيجد الحوار طريقه للتنفيذ بعد دعوة رئيس الجمهورية للحوار وتأكيد سماحة السيد حسن نصرالله، بمعنى آخر هل الأرضية جاهزة لهكذا حوار ؟ وما أهميته وانعكاسه على الوضع العام اللبناني ؟

أمّا بالنسبة الى موضوع الحوار الوطني، والذي طرحه الرئيس ميشال عون في رسالته الأخيرة، وبالرغم من الأهمية القصوى لهكذا دعوة من قبل الرئيس، خاصةً في ظل الواقع الصعب سياسياً واقتصادياً ومعيشياً، لكن من الواضح أنّ المعنيين بالمشاركه ممن يُفترض أنهم يشكلون تاريخياً طاولة الحوار من رؤساء سلطات أو رؤساء أحزاب أو رؤساء كُتل نيابية، كلٌ منهم يتعاطى تبعاً لحساباته السياسيه وارتباطه الخارجي والوضع الشعبي الإنتخابي، بإستثناء الرئيس نبيه بري الجاهز دائما لِأيْ لحظه حواريه من حيث المبدأ، وهو الذي قاد العديد من طاولات الحوار واحتضنها ورعاها.

وكذلك موقف حزب الله المنسجم مع قناعاته الوطنية، ودأبه كصاحب يد ممدودة للشريك في الوطن مهما تعاظم شأن الخلاف السياسي، ولكن من الواضح أن هناك من لا يُريد أن يُعطي للرئيس عون فُرصة تصدُّر هذه اللحظة واستثمارها بالسياسة، ونحن دخلنا سنة الإستحقاقين النيابي ومن ثم الرئاسي، وبالتالي أتى الردْ الإعتراضي الأول من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، وهذا أحرج رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والذي قدّم للرئيس عون ردّاً غير مُعلن وأكثر انسجاماً مع موقف الحريري كما يبدو.

وكذلك موقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط والذي يبدو رمادياً أقرب لِعدم المشاركه، ومن الطبيعي أنّ متأبط عصا السعودية في لبنان، أيْ قائد حزب القوات سمير جعجع يُعتبر رافض طبيعي لدعوة الحوار، فكيف إذا أتت من الرئيس عون المُحاصر أميركياً وخليجياً لتصنيفه وعهده كحليف للمقاومة.

وبناءً عليه، فمن الصعب الوصول إلى طاولة حوار تقطع الطريق وطنياً على المخطط الخارجي، وأذرع إفشال الحوار كأدوات للخارج معروفين من خلال تفاعلهم مع الدعوة، وبالتالي لا أفق إيجابي يُعوَّل عليه من خلال هذه الفرصة في المدى المنظور.

** بالنسبة لمواقف جبران باسيل التي تطرق فيها لموضوع وثيقة التفاهم وسلاح حزب الله وتعطيل اجتماعات الحكومة، هل هو انتقاد فعلي نابع من ذات باسيل وبالتالي قد نكون أمام بداية استدارة مواقف التيار ؟ أم هي مناورة انتخابية ؟ أم هناك فعلا ضغوط داخلية وخارجية تُمارس على رئيس التيار الوطني الحر في سبيل احراج حليفه حزب الله والتضييق عليه في هذه المرحلة ؟

حصدت الشراكة بين التيار الوطني الحر وحزب الله منذ أشهرها الأولى نصراً وطنياً في تموز من نفس العام أمام أعتى عدوٍ للوطن وهو العدو الإسرائيلي، وأتى مؤتمر الدوحة كحاصل جديد لهذا التحالف

صحيح أنّ ورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله تقترب من إطفاء شمعتها السادسة عشرة في السادس من شهر شباط القادم، وهذا عمر قياسي غير مسبوق لِأي تحالف سياسي داخلي في لبنان منذ الإستقلال، وقد حصد منذ أشهره الأولى نصراً وطنياً في تموز من نفس العام أمام أعتى عدوٍ للوطن وهو العدو الإسرائيلي، وأتى إعتصام وسط بيروت وصولاً الى ٧ أيار ٢٠٠٨ ومن ثمّ مؤتمر الدوحة كحاصل جديد لهذا التحالف، والذهاب الإستباقي دفاعاً عن سورية، وصولاً للذروة مع تبوأ الرئيس عون سِدّة الرئاسة الأولى في ظلال الإتفاق النووي ومعركة حلب، إلى هزيمة الإرهاب في معارك التحرير الثاني على السلسله الشرقية.

كل هذه البانوراما هدفت سرديتها لِشرح بركات ورقة التفاهم والجزء المليئ من كوبها، أمّا تطبيق بنودها المتعلّقة بمكافحة الفساد وبناء الدولة، فنقاش الظروف التي حكمت الواقع الداخلي لهذا المسار، تحتمل أكثر من وجهة نظر، وتتطلب عدلاً في توزيع المسؤوليات والأخطاء، والأدهى من كل ذلك أجندة أعداء ورقة التفاهم في الداخل والخارج، وصولاً لإختطاف الحريري من قبل السعودية، وبعدها الثورة المُدعاة، ومن بعدها انفجار المرفأ، حتى الإنهيار الحالي، وتسييل كل هذا المسار مع الحصار والتجويع من الأميركي لكل الشعب اللبناني، لتسييله في صندوقة الإقتراع القادمة.

ومن هنا موقف الوزير باسيل والتيار الحر من الثنائي أمل وحزب الله، ومن ورقة التفاهم مع الحزب تاليا، هذا الموقف قد يكون فيه أكثر من بعد، صحيح أن العقوبات الأميركية على الوزير باسيل هدفت للإجهاز اللئيم على فرصته الرئاسية، وصحيح أنّ أميركا تُعاقب الرئيس عون وتياره المسيحي على سابقة التحالف مع المقاومة، وصحيح أنّ شد العصب الإنتخابي هو أولوية للجميع وكلٌ له ساحته وظرفه وطريقته بالتعبئة والشحن، وانّ الساحة المسيحية تمثّل فرصة التوازن أو الكسر في أُم المعارك الإنتخابية القادمة، وأنّ الفساد هو حالة مستشرية عابرة للطوائف والأحزاب وهي جزء من الأزمة وليس جوهر الأزمة.

رغم كل ذلك، من الظلم تحميل ورقة التفاهم والعلاقة مع المقاومة، المسؤولية عمّا جرى ويجري؛ لا بل أن التحالف حتمي بين التيار والحزب، وحتى فرصة التلاقي الإنتخابي بين التيار الحر والرئيس بري وحركة أمل هي خيار قائم، وصولاً حتى للتقاطعات السياسية، وهذا سيحكمه المتغير الهائل القادم من المنطقة باتجاه لبنان، خلال الأشهر المصيرية القادمة.

** السيد حسن نصرالله في خطابه بمناسبة الذكرى الثانية لقادة النصر عرّى دور السعودية في لبنان والمنطقة وقال لنظامها أنتم الارهاب رداً على تصريحات ملك السعودية ضد شريحة واسعة من اللبنانيين باتهامها بالارهاب، ولكن في هذه المرحلة التي يجري فيها التقنيص والتصويب على حزب الله، الى اي حد يخدم خطاب السيد نصرالله محاولة تقريب العلاقات اللبنانية - الخليجية ؟ ويخدم خطوات الحوار السعودي - الايراني ؟ والى اي حد يخدم مصلحة حزب الله وبالتالي ألا يُخشى من محاولات تحميل الحزب المزيد من مسؤولية وعبء اي مشكلة قد تحصل في لبنان تحديداً والتي ستفتح شهية البعض بالتصويب اكثر على حزب الله ؟

في الإطلالة الأخيرة لسماحة السيد حسن نصرالله بمناسبة الذكرى الثانية لإستشهاد "قادة النصر"،كان هناك مجموعة من الملاحظات التي يمكن إيرادها بالتسلسل التالي:

١_ المناسبة بطبيعتها وخصوصيتها ونوعية القائد الذي يتصدّى لها، ورمزية ما يرطبه تكاملياً بشخص من سقطوا شهداء، وكبر المسؤولية عليه في قيادة المحور ما بعد استشهادهما، لهذه الأسباب والكثير غيرها، كان هناك ترصدٌ لما سيُطلِقه سماحة السيد من مواقف، ولكِنّ سقف وطيف ووزن وتأثير ما أطلقه سماحته من مواقف تجاوز كل التوقعات.

فالسعوديه كانت النجم الأكثر حضوراً في قلب السقف العالي لما أُطلق، وكان ذلك تعداد بانورامي لكل سياسات المملكة في دعم الإرهاب وإنتاج الحاضنة الفكرية الوهابية له، حتى تمويله ورعايته وقتل عشرات الألاف من أبناء الوطن العربي والإسلامي عبر هذه الأداة المُنتجة حصراً بالشراكة بين الأميركي والسعودي.

٢_ كثير من علامات الإستفهام طُرِحتْ حول الدوافع الخفية والرسائل التي يحملها توقيت هذا الهجوم، والسياق الحقيقي الذي يجب أن يوضع فيه، والمُؤدىّ والمُراد من قوة الدفع التي أنتجتها نارية ما أطلقه سماحته.

٣_ متجاوزاً كل تعقيدات اللحظه السياسية الحالية في لبنان، ضارباً عرض الحائط بكل الإنبطاح والهلع التي عاشتها بعض المواقف الرسمية سعياً وراء رضىً سعودي لم يأتِ رغم طول رجاء وارتماء، وكال سماحته "لسياسة السعودية اللبنانية" ضربات قاتلة، وأسّسَ لِشكل المواجهة القادم على خلفية الإنتخابات النيابية والرئاسية.

خصوصية المواجهة بين حزب الله والسعودية لها دفترها الخاص، خاصةً في الجزأية اللبنانية المُثقلة برغبة الثأر السعودي من أعتى وأقوى أركان محور المقاومة وهو حزب الله

خارج مترتبات حوارات فيينا بين إيران وأميركا، وكذلك اقتراب الجولة الخامسة من الحوار السعودي - الإيراني في بغداد، من الواضح أن خصوصية المواجهة بين حزب الله والسعودية لها دفترها الخاص، خاصةً في الجزأية اللبنانية المُثقلة برغبة الثأر السعودي من أعتى وأقوى أركان محور المقاومة وهو حزب الله، وأمّا لجهة أنْ تضع هذه التطورات "حزب الله" تحت مزيد من الضغط أمام الناس، فإنّ تشخيص العدو من البداية، وفهم المعركه وأدواتها منذ خمس سنوات على الأقل، ومزج الرهان على الوعي والصبر والتحمل، وهذا مترافق مع ما توفره المقاومة من وسائل متاحة للتخفيف بالحد الأدنى، ومع الأمل دائماً باقتراب ساعة الفرج والنصر.

ودائما مع المؤمن المضحيِّ والثابت على الوضوح في رؤياه، يبقى الأمل معقوداً أنه خلف كل هذا الظلام، لا بدّ من لحظة بزوغٍ تشرق من قلب التضحيات. عِلماً أنّ البُعد العراقي كان في جوهر كلام سماحة السيد، وما جرى في الجلسة الأولى للبرلمان العراقي بالأمس ليس إلاّ رأس جبل الجليد لما يُحيكهُ الأعداء للعراق الشقيق.

أمّا بالنسبة إلى مصلحة حزب الله، فالحزب الذي تمرسَّ في فن الصمود وفي إفشال أهداف أعدائه ( على كثرتهم وقوتهم وتنوع أدواتهم )، وهو الذي يُدرك اليوم أنّ القوّة الناعمة هي آخر الأسلحة المتبقية في مخازن أعدائه، وبالتالي هو يزن مصلحته من صميم مُعاناة الناس وتعزيز صمودهم وتوفير المقّدرات والتواضع في الشعور بِأنينهم وسماع شكاويهم، وهذا كله مخزون لِارتفاع وسموْ في تشخيص مصلحة حزب الله على المدى القادم من الاستحقاقات.

** في خطابه بالذكرى الثانية أكد السيد نصرالله بموضوع المقاومة ومعادلاتها أنه لا عودة الى ما قبل "سيف القدس" الى اي حد يؤكد هذا الأمر بأن الوضع اللبناني بات مرتبطاً بالحسابات والمعادلات الاقليمية وبالتالي هذا الأمر ينسف المطالبات والمحاولات والجهود المستميتة لينأى لبنان بنفسه ؟

معركة "سيف القدس" حسب الفهم الإستراتيجي لقائد المقاومة، هي في الوقائع الجديدة الحاكمة التي أفردتها على لوحة الصراع، وهو الصراع التراكمي الذي مثّلت فيه كل مواجهه، لحظتها وخصوصيتها والعِبر المستخلصة منها ومستجدات القوّة التي أبرزتها كعنصر مضاف، بعض هذه المواجهات راكم تكتيكاً وبعضها راكم ردعاً وتحولاً في الرؤية والعقيدة والأسلوب والكم والنوع واتساع الجغرافيا والمدى والسلاح وتراكم التجربه.

من هنا مثّلت حرب تموز وسيف القدس معنىً استراتيجيا حاكماً طوّر منطوق المواجهة وحوافزه الى ذُروةٍ غير مسبوقة. وجعل كل عناوين التوهين والتخاذل وابتداعات اللغة وبِدَعها، كمثل أكوذبة "النأي بالنفس" ليست سوى محاولات التفاف عاجزة ومتواضعة أمام حقائق الصراع، وهذه الأكاذيب تستخدمها أدوات العمالة كوسيلةٍ من وسائل الخضوع وترهيب المجتمعات والتحذير من الأكلاف، وتبقى حوافر التاريخ وحقائق الجغرافيا، أقوى وأجذر من كل جدران التلطيِّ كالتدويل والحياد والنأي بالنفس وقوّة لبنان في ضعفه، وغيرها الكثير في قاموس الهزيمة والمهزومين في دواخلهم وتربيتهم وعمالتهم التي تكتب فيها مآثر في مدرسة الخضوع".

/انتهى/