وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: خلال الاعوام الماضية وجدت سوريا نفسها أمام عدو برؤوس متعددة، وكلهم يكنّون نفس العداء لسوريا، فلا يريدون أن تقوم سوريا وحفائها باعادة بناء واعمار البلاد، ولا يريدون أن يكون لها صداقات قوية في المنطقة لكي يُحكموا سيطرتهم عليها، فهم لا يريدون أن تكون سوريا ذات سياسة مستقلة تتسم بالمبدأية في المواقف تجاه قضايا الأمة المصيرية.
وليست هذه المرة الأولى التي تفرض فيه امريكا والقوى الغربية فيها حصار اقتصادي على سوريا وحلفائها، ولكن سوريا وحلفائها خرجوا من هذه الحرب منتصرين، وبالعودة لبدايات هذه المؤامرة نجد أن توقيت هذا الاستهداف كان في مرحلة كانت فيه سوريا ذاهبة الى إطار دفع عجلة التطوير والتنمية والتحديث في كل مفاصل الدولة وبالاخص الاقتصادي وهذا ما جعل دول العدوان تعجل بهذا الاستهداف لإيقاف عجلة هذا التقدم والتطور والتحديث، ونهب معاملها خير دليل على ذلك.
ويرى الكثيرين ان التحرك الامريكي لم يكن تحركا ملموسا منذ زمن، حيث وقد قامت الأنظمة الغربية والعربية بتأدية دور العميل على أكمل وجه، لكن جائحة الصراع في الأونة الأخيرة قد أزاحت الستار عن حقيقة من يقومون بتأدية دور الأصوت، ولتكن الخيالات واسعة بالنسبة للسياسة الأمريكية التي عاثت في الأرض الفساد، وجعلت من العالم لقمة سائغة للاكل، فالجميع بات اليوم يدفع الاموال تكاليف الهروب التي تشنها امريكا.
وها هنا تبرز مرة اخرى السياسة الامريكية المُتبعة فيما يخص الملف الروسي الاوكراني. فأمريكا لا تستحي من فعل أي شيء، فهي لا تحترم جولة ولا دستور ولا شرعية.
وفي هذا الشأن اجرت مراسلة وكالة مهر، "وردة سعد" حواراً صحفياً مع الإعلامي والكاتب والخبير بالشؤون الأوروبية الأستاذ "أكثم سليمان"، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:
** في الوقت الذي كان ينظر فيه العالم الى اوكرانيا والاوضاع والتطورات فيها، اذ تتحول تلك الانظار الى سورية، زيارة قصيرة وسريعة قام بها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الى سوريا تحمل رسائل فوق صوتية، ما هي مضامينها ؟
في كتابي "أطول حروب الشرق" الصادر عام ٢٠١٩ في بيروت، حاولت ربط ما يجري في العالم بما يجري في منطقتنا من حروب انطلاقا من حرب الخليج الثانية عام 1991 وصولا إلى معركة حلب نهاية 2016.
وفي الحقيقة لا يمكن فهم حروب منطقتنا بمنأى عن المواجهات الدولية، وبهذا المعنى كان شويغو في طرطوس يزور حليفا آخر وجبهة أخرى في هذه الحرب الكبرى، ملفا سورية وأوكرانيا مترابطان بأكثر مما توحي به الجغرافيا.
** هناك تسريبات خاصة حول مقترح صيني بدفع 250 مليار دولار لسوريا مقابل استثمار لمدة 50 عاما بالبنية التحتية واعادة اعمار المناطق الحيوية. ما مدى قبول الحكومة السورية للمقترح الصيني ؟، وما امكانية تنفيذه خاصة وأن هناك شروطاً صينية لتنفيذه منها خروج القوات الاجنبية من سوريا ؟، وهل من محاذير يحملها هذا المقترح ؟
لم تخض سورية معارك السنوات الماضية، وحتى ما قبل "الأزمة"، كي تنتهي بوضع بيضها كله في سلة واحدة، أيا كانت. الأكيد أن الحصة الأكبر من إعادة الإعمار ستكون من نصيب الدول الداعمة، وأكيد أن الصين ككتلة مالية ومعرفة تقنية هي على رأس هذه الدول، وسيكون لها دور أساسي، لكن لا يمكن ربط الاستثمار الاقتصادي بأثمان سياسية بهذه الطريقة الفجة.
الاستثمار يعود على المستثمر بالأرباح ولا يشكّل حملة تبرعات، والحقيقة أن الذي يربط عملية إعادة الإعمار بشروط سياسية هو الغرب وليس أي أحد آخر.
** هناك تسريبات من حميميم حول انسحاب القوات الاجنبية من سوريا. القوات الاميركية تنسحب بمجرد انسحاب القوات الايرانية، والايرانية تنسحب بمجرد انسحاب القوات التركية. هل هذا الطرح الروسي يأتي ضمن تسوية أوكرانيا ؟ وما امكانية تمريره ؟
الذي يطالب بسحب القوات الأجنبية غير الشرعية هي دمشق نفسها، وفيما يخص قوات الحلفاء فالأكيد أن القوات التي دخلت في ظرف معين كان عنوانه محاولة إنهاء الدولة السورية لن تميل للبقاء بعد استقرار الأمور وانتفاء هذا الظرف.
لكن ومرة أخرى ان القضية ليست سوريةً بحتة، لا في أسبابها ولا في تجلياتها، وبالتالي فإن نضوج أي سيناريو بخصوص الخرائط العسكرية القادمة في سورية مرتبط بتطورات باقي الساحات والجبهات، والمؤشرات بعد أزمة أوكرانيا الأخيرة تقول إن ثمة حاجة من وجهة نظر موسكو للبقاء طويلا في سورية وفي غيرها من الساحات.
** هل الازمة الاوكرانية قد تعرقل استراتيجية الكيان الاسرائيلي تجاه سوريا ؟ وهل هذا ما يفسر قلق الكيان من التطورات الدراماتيكية في الازمة الاوكرانية ومن تدحرج كرة النار ؟
لا تنظر تل أبيب إلى ملف أوكرانيا بعين الرضا لأنه أولاً يفرض توازنات معينة عليها، فهي عضو أطلسي غير معلن، وهي تتمتع بعلاقات قوية في نفس الوقت مع موسكو، ولأن هذا الصراع بين الكبار يحجّم أدوار اللاعبين الصغار، تماما كما فعل الملف النووي الإيراني والذي ستضطر تل أبيب قريباً لابتلاع حبة الاتفاق القادم بكل مرارتها.
** المستشار الألماني أولاف شولتز بعد زيارته البيت الابيض حط رحاله في موسكو محاولاً إيجاد أرضية مناسبة لحل سياسي للأزمة، لماذا تتبنى ألمانيا موقفاً اكثر حذراً من الدول الاوروبية في الازمة الاوكرانية ؟، لطالما يُعتبر دور ألمانيا محورياً في نزع فتيل أزمة أوكرانيا، ماذا عن حسابات برلين بين الطرف والوسيط بأزمة اوكرانيا ؟
كلما ارتفع التوتر بين موسكو وواشنطن تظهر خارطة تحركات أوروبية متعددة المستويات، تحمل فيها بولندا ودول البلطيق لواء التصعيد سواء بالتصريحات أو باستقدام القوات الأطلسية، وتأخذ برلين وباريس على عاتقهما محاولات الوساطة وتخفيف التوتر. ويُمكننا مشاهدة هذا التوزيع في أزمات سابقة كأزمة جورجيا عام 2008 أو بداية الأزمة الأوكرانية عام 2014 والآن أيضا.
ومن المؤكد أن الوعي بآثار أي حرب على أمن أوروبا التي ستدفع الأثمان الأكبر يلعب دورا، ومن المؤكد ايضا أن الناحية الاقتصادية سواء تعلقت بملف الطاقة أو الاستثمارات والتبادل التجاري تلعب دوراً خاصة في الحالة الألمانية، لكن المؤكد أيضاً وبمراجعة تاريخية أن لا برلين ولا باريس يمكنهما لعب دور وسيط لا تريده واشنطن، بمعنى أن هاتين العاصمتين تحاولان خفض التوتر طالما المعركة مؤجلة، أما في حال اندلاعها فإن الانتماء الأطلسي يسود حتى على حساب المصالح الوطنية.
** "عودة المفخخات لسوريا" ما الهدف منها ومَن وراءها ومن المستفيد ؟
لا يمكن النظر إلى الوضع الأمني بمعزل عن بقية الملفات السورية، ولا بمعزل عن بقية ملفات العالم، على الصعيد السوري الداخلي هناك جمود في الجبهات، وهناك جمود سياسي بالإضافة إلى تراجع الوضع المعيشي.
كل هذا يعزّز رغبة كثيرين لاصطياد ما يمكن اصطياده في المياه العكرة سواء من خلال هجمات إرهابية تحاول خلخلة الشعور بالأمان والانتصار، وسواء من خلال هجمات إسرائيلية من الخارج تحاول هز الصورة العامة والثقة بالحلفاء.
يُضاف إلى هذه وتلك الوضع الدولي المتوتر، وكنا تحدثنا في موضع آخر عن رسائل شويغو وزيارته لسورية ولقائه الرئيس السوري؛ ثمة من يقرأ هذه الرسائل ذات الأبعاد الأكبر بقلق ويحاول إفشالها بكل السبل، وأسهل السبل هو الطعنات الأمنية التي تحاول الإيحاء بأن هذه الجبهة أو تلك قابلة للاختراق، لذلك جاء التحذير هذه المرة عن وجود مخططات أمنية ضد القوات السورية وحلفائها من قبل جهات روسية./انتهى/