وكالة مهر للأنباء، إن حیاة الإمام موسى بجمیع أبعادها تتمیز بالصلابه في الحق، والصمود أمام الأحداث، وبالسلوك النیر الذي لم یؤثر فیه أي انحراف أو التواء، وإنما کان متسماً بالتوازن، ومنسجماً مع سیرة الرسول الأعظم (صلى الله علیه وآله) وهدیه واتجاهه، والتزامه بحرفیه الإسلام.
وکان من بین تلك المظاهر الفذه التی تمیزت بها شخصیته هو الصبر على الأحداث الجسام، والمحن الشاقه التی لاقاها من طغاه عصره، فقد أمعنوا فی اضطهاده، والتنکیل به، وقد أصر طغاه عصره على ظلمه فعمدوا إلى اعتقاله وزجّه فی ظلمات السجون، وبقی فیها حفنه من السنین یعانی الآلام والخطوب. ولم یؤثر عنه أنه أبدی أی تذمر أو شکوى أو جزع مما ألم به، وإنما کان على العکس من ذلک یبدی الشکر لله، ویکثر من الحمد له على تفرغه لعبادته، وانقطاعه لطاعته.
فکان على ما ألمّ به من ظلم واضطهاد من أعظم الناس طاعه، وأکثرهم عباده لله تعالى، حتى بهر هارون الرشید بما رآه من تقوى هذا الإمام وکثره عبادته فراح یبدی إعجابه قائلاً: (إنه من رهبان بنی هاشم).
ولما سجن فی بیت السندی بن شاهك، کانت عائله السندی تطلّ علیه فترى هذه السیره التي تحاکي سیره الأنبیاء، فاعتنقت شقیقه السندي فکره الإمامة، وکان من آثار ذلک أن أصبح حفید السندي من أعلام الشیعة في عصره.
إنها سیره تملک القلوب والمشاعر فهی مترعه بجمیع معانی السمو والنبل والزهد فی الدنیا والإقبال على الله. لقد کانت سیره الإمام موسى بن جعفر مناراً نستضیء بها حیاتنا.
ومن ظواهر شخصیته الکریمه هي السخاء، وإنه کان من أندى الناس کفاً، وأکثرهم عطاءً للمعوزین. لقد قام الإمام موسى (علیه السلام) بعد أبیه الإمام الصادق (علیه السلام) بإداره شؤون جامعته العلمیة التی تعتبر أول مؤسسة ثقافیة في الإسلام، وأول معهد تخرجت منه کوکبة من العلماء وقد قامت بدور مهم فی تطویر الحیاه الفکریة، ونحو الحرکة العلمیة في ذلك العصر، وامتدت موجاتها إلى سائر العصور وهي تحمل روح الإسلام وهدیه، وتبث رسالته الهادفة إلى الوعي المتحرّر والیقظة الفکریة، لقد کان الإمام موسى (علیه السلام) من ألمع أئمه المسلمین فی علمه، وسهره على نشر الثقافة الإسلامیة وإبراز الواقع الإسلامی وحقیقته.
ویضاف إلى نزعاته الفذّة التی لا تُحصى حلمه وکظمه للغیظ، فکان الحلم من خصائصه ومقوماته، وقد أجمع المؤرخون أنه کان یقابل الإساءة بالإحسان، والذنب بالعفو، شأنه فی ذلک شأن جدّه الرسول الأعظم (صلى الله علیه وآله) وقد قابل جمیع ما لاقاه من سوء وأذى، ومکروه من الحاقدین علیه، بالصبر والصفح الجمیل حتى لقب بالکاظم وکان ذلک من أشهر ألقابه.
وما أحوج المسلمین إلى التوجیه المشرق، والرسالة التی سطرها لنا هذا الإمام فی التضحیة فی سبیل الله والانطلاق نحو العمل المثمر البناء.
/انتهی/