وكالة مهر للأنباء، ان الملك فيصل أبرز شخصية سياسية، من الحكام المسلمين، في إيجاد اللُحمة والوئام بين المسلمين في وجه العدو الإسرائيلي .حيث أن النضال ضدّ إسرائيل كان قبل الملك منحصراً فقط بالدول العربية ولم يكن لباقي الدول الإسلامية أي دور يذكر.
• إجراءات الملك فيصل في مجال محاربة إسرائيل:
ليست الكلمات والخطابات ما تُبرز مكانة الملك فيصل في معركة النضال ضد إسرائيل وتجعله شخصيةً مرموقةً في هذا المجال، بل هي الإجراءات التي أقدم عليها ضد إسرائيل والصهاينة. حيث بدأت هذه الأعمال عام 1948 م حينما كان وزيراً للخارجية السعودية. في هذه السنة وحين التصديق على قرار تقسيم فلسطين (بين الفلسطينين واليهود) في الجمعية العامة للأمم المتحدة وحماية الولايات المتحدة لهذا القرار ( رغم مخالفة السعودية والدول الإسلامية) بضغطها المتزايد على باقي الدول لتمريره، كانت مطالبة الفيصل لقطع كافة العلاقات مع أميركا ردة فعل قوية وجريئة لكن الملك عبد العزيز لم يوافق عليها. وفي موقف ثانٍ وبعد الهجمة الخاطفة الإسرائيلية على البلدان العربية (مصر وسوريا والأردن)عام 1967 م، اجتمعت القيادات العربية في الخرطوم وفي هذا الإجتماع وبحماية الملك فيصل أتّخذ الموقف الشهير المعروف بـ(لاءات الثلاث) وهي لا للسلام مع إسرائيل ولا للاعتراف بهذا الكيان ولا للحوار معه.
وبعد هذه الحرب التي إنهزمت الدول العربية فيها وتدمر من خلالها الجزء الأكبر من القدرات العسكرية والجوية لهذه الدول، سارع الملك فيصل لمساعدة جمال عبد الناصر رغم عداوته للمملكة السعودية وقامت المملكة بدور أساسي في تخصيص إعانات كبيرة لهذا الثالوث المهزوم وقد سمي هذا المخصص المالي في إجتماع الخرطوم بـ(المعونات أو المساعدات).
وقد اعترض الملك فيصل على هذه التسمية وقام بتغييرها بكل تواضع إلى (الالتزامات). مكّنت هذه المساعدات كلاً من مصر وسوريا إعادة هيكلة قدراتهما العسكرية وجهزت الجيش بشكل تام لهجوم سنة 1973 م على إسرائيل. لم تتمكن الدول العربية تجهيز جيوشها دون هذه المساعدات ولم يتحقق ذاك الهجوم الضارب في حرب رمضان.
ويعدّ حظر النفط العربي ضد الولايات المتحدة الأميركية والدول المساندة لإسرائيل أبرز الأعمال التي قام بها الملك في نضاله ضد الاحتلال الاسرائيلي. كان النصر في بداية حرب 1973 م للجيوش العربية وقامت الجيوش بتقدم كبير في الأراضي المحتلة لكن سرعان ما هرعت أميركا لمساعدة إسرائيل عبر مدّها جسورأً جويّة غيرمسبوقة من المساعدات العسكرية، مما ساعدت الجيش الإسرائيلي بإعادة ترتيب أوراقه في ساحة القتال وأخذه زمام المبادرة في بعض من الجبهات.
فكان حظر النفط علي الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل كردّة فعل من قبل الدول العربية المصدّرة للنفط بقيادة الملك فيصل وقد حمّل هذا الحظر الذي استمر شهورا عدة الإقتصاد الأميركي والأوروبي المتحالف مع إسرائيل خسائر فادحة. وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض ضغوط شديدة على الملك فيصل وتهديد المملكة بمصادرة أموالها في أميركا وكذلك تهديدها بشنّ هجوم عسكري على أراضيها.
هناك إجابة معروفة للملك فيصل قالها في ردّه لتهديدات وزير الخارجية الامريكية هنري كيسينجر في لقاء جمعهما: لو فرضنا هجومكم المزعوم، سنعود إلى خيامنا وسنأكل التمر واللبن كما كنا قديماً، لكنكم ماذا ستفعلون دون الوقود الذي يحرك سياراتكم؟! وتظهر أهمية هذا الموقف الشجاع للملك فيصل حينما نعرف أن أميركا هي المتحد الأكبر للمملكة السعودية آنذاك، إذ لم يكن للسعودية أي علاقة مع السوفييت وكتلتهم الشيوعية والسعودية كانت معتمدة على الغرب وأميركا في كافة الأمور سيما العسكرية منها.
يعدّ حظر البترول على أهمّ حلفاء السعودية والضغط الهائل الذي تسبب به على إقتصاد الولايات المتحدة دليلاً واضحاً على شجاعة وصداقة الملك فيصل في نضاله ضدّ إسرائيل، إذ إن في عالم السياسة، دائماً ما تفضّل المصالح على أي أمر آخر وما قام به الفيصل يعد نادراً أو فريداً. علاوة على ذلك، كان للملك فيصل دور محوري وهام في التطورات السياسية الاخرى في مجال النضال ضد إسرائيل منها حرق مسجد الأقصي عام 1969م . اذ كان له دور حاسم لتجريم هذا العمل المعادي للإسلام والمسلمين.
حيث إن جهوده الواسعة، أدّت إلى إقامة أول قمة لقادة الدول الإسلامية لمناهضة إسرائيل . وقد اتّخذ العديد من المواقف ضد العدوان الإسرائيلي من قبل القادة والأعضاء المشاركين في القمّة التي عقدت في الرباط عاصمة المملكة المغربية وكان لهذا الإجتماع ودبلوماسية الملك فيصل، دور هام في تأسيس منظمة الدول الإسلامية وإقامة التعاون والإخاء الإسلامي، حيث انت الأعضاء بيت المقدس المحتل مقراً للمنظمة الإسلامية وتمّ تعيين جدّة مقراً مؤقتاً حتى تحرير القدس من الاحتلال الصهيوني.
وقد تمّ التأكيد على قضية تحرير فلسطين والقدس في تشريع أهداف المنظمة وقد انتخب أحد معاوني السكيرتر العام للمنظمة، مسؤولاً مباشراً لمتابعة القضية الفلسطينية. لايمكن تحديد مساعي الملك فقط في الموارد التي أشرنا اليها سلفاً، حيث إن للملك فيصل مواقف وابتكارات عدة للحدّ من انتهاكات الصهاينة منها: إرسال قوات عسكرية سعودية لمساندة الجيوش العربية في حربي 1967 و 1973 وكذلك كانت له مساندة مالية سخيّة في نفقات الحرب وقد شملت هذه المساعدات الدول العربية المشاركة في الحرب والمنظمات المناضلة الفلسطينية وكذلك قام الملك فيصل باستخدام الثروة النفطية للمملكة لتشجيع العديد من الدول بقطع علاقاتها أوخفضها مع الكيان الإسرائيلي الغاشم .
• مكتسبات الملك فيصل في نضاله ضد إسرائيل:
النتائج والمكتسبات الفريدة هي ما جعلت نضال الملك فيصل خالداً: فقد آلت سياسة الملك فيصل في حمايته للدول المناضلة في الخط الأول، خاصةً مصر وسوريا، إلى أول نصر في الحروب العربية ضد اسرائيل. فقد إنهزم العرب في كافة الحروب السابقة (1946 ،1956 ،1967) وهزيمة الجيوش العربية عام 1967 قد تكون أفدح هزيمة في التأريخ العسكري للشرق الأوسط. فبمساعدات الملك فيصل (المالية والسياسية والدبلوماسية) أُخرج العرب من بؤرة الهزيمة إلى باحة النصر في عام 1973 .
وبدأت هذه الحروب بعبور الجيش الباسل المصري من قناة السويس و كسر جدار بارلو الشهير، وقد استعاد الجيش المصري والسوري قسماً من صحراء سيناء ومرتفعات الجولان لكنّ المساعدات الأميركية مكّنت الصهاينة بإجراء هجمات مضادة ومؤثرة. وفي النهاية وبعد الضغوط السعودية على الولايات المتحدة وحظر بيع النفط عليها، رضخت إسرائيل لبعض المطالب العربية وتراجعت (جزئيا) من المناطق المحتلة عام 1967.
يعدّ تحرير قناة السويس والبعض من مرتفعات الجولان (منها مدينة القنيطرة) من قبضة إسرائيل أول تحرير للأراضي العربية المحتلة ويمكننا القول إن هذه الإنتصارات نتيجة نضال الملك فيصل وخاصة الحظر النفطي الذي قام به وقد حمّلت الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين بسبب حمايتهم إسرائيل خسائر فادحة، حيث إن هذا الحظر قد رفع سعر البترول العالمي لخمسة أضعاف، مما حمل الدول الغربية إلى إعادة النظر في رؤيتها المحايدة للقضية الفلسطينية.
وقد طلب ألأوروبيون والدول الغربية، في هذه الآونة، تنفيذ قرار 242 لمنظمة الأمم المتحدة و إنسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة وقد قاموا بتهديد إسرائيل بتغيير سياستهم المتعلقة بهم إن لم يقوموا بتنفيذ الإنسحاب. وقد شوهد في هذه الفترة تغييرٌ ملفتٌ لسياسة تلك الدول و الخطاب الغربي تجاه القضية الفلسطينية. وقد دخلت إثر هذه التغيرات مصطلحات وتعابير جديدة مساندةً للقضية الفلسطينية كــ(السلام العادل والتسوية العادلة والحقوق الشرعية للفلسطينيين) في قاموس قادة أوروبا.
وفي هذه الفترة قام الملك فيصل عن طريق العلاقات الدبلوماسية بفرض ضغوط جمّة على الدول المؤيدة لإسرائيل لقطع علاقاتها معها، مما أسفرت هذه الضغوط العربية بقيادة الملك فيصل بقطع علاقات أكثر من أربعين دولة مع إسرائيل. إذ كانت إسرائيل قبل هذه التحولات قد بنت علاقات رسمية مع 33 دولة إفريقية وقد أسفرت الضغوط التي ذكرناها سلفاً بتقليل هذا العدد لثلاث دول (ليسوتو وسوازيلاند ومالاوي) فقط.
في الحقيقة إن جميع الدول الإفريقية ذات الأغلبية السمراء قد قامت بقطع علاقاتها مع إسرائيل إلا القليل منها وهي الدول الإفريقية التي تحكمها الأقلية البيضاء (إفريقيا الجنوبية ورودسيا) أو بعض الدول التي تعدّ من تابعي تلك الدول (ليسوتو و سوازيلند علي سبيل المثال). وقد قام الملك فيصل بالكثير من الرحلات لتحقيق هذه السياسة إلى العديد من البلدان الإفريقية. وفي واحدة من تلك التطورات، قامت دولة النيجر بدعوة رسمية للملك فيصل لزيارة أراضيها، لكن الملك فيصل رفض الدعوة بكل وضوح وقال إن أقدام الفيصل لا تطئ أرضاً إسلامية يرفرف فيها العلم الإسرائيلي. ونتيجة هذه الإجابة الواضحة من الفيصل، أعلنت النيجر عبر رسالة رسمية إلى المملكة السعودية قطع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي بشكل تام وقد قام الملك فيصل بزيارة رسمية إلى نيامي (عاصمة النيجر) بعد أسبوعين فقط من هذا الإعلان.
• يجبّ أن نعترف إن الملك فيصل يعدّ أبرز شخصية سياسية، من الحكام المسلمين، في إيجاد اللُحمة والوئام بين المسلمين في وجه العدو الإسرائيلي .حيث أن النضال ضدّ إسرائيل كان قبل الملك منحصراً فقط بالدول العربية ولم يكن لباقي الدول الإسلامية أي دور يذكر. وقد أثمرت جهود الملك فيصل في إقامة أول إجتماع لقادة الدول الإسلامية من أجل الدفاع عن فلسطين والقدس.
وكذلك يجب أن نعدّ تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي وعملها في الإطار الفلسطيني من مواقف الملك فيصل حيث أكدّ إلى ضرورة توحيد جميع التنظيمات الفاعلة في مجال النضال الفلسطيني ضد الكيان الغاصب وقد كان له بمعية البعض دور هامّ في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية التي ضمت عدداً من التنظيمات الفلسطينية آنذاك. في بادئ الأمر تمّ الاعتراف بهذه المنظمة من قبل الدول العربية و المؤتمر الإسلامي ومن ثمّ أنطلق هذا التأييد في الأجواء العالمية سيما الأمم المتحدة. ومن بعد هذا التأريخ، حصل الشعب الفلسطيني على مشروعية تمثله. إلا أن الشعب الفلسطيني لم يعد كياناً مستقلاّ في الأمم المتحدة والعالم العربي قبيل تلك التطورات الهامة .
• وقد تغيّرت مكانة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وممثلها القانوني (منظمة التحرير الفلسطينية ) في المجتمع الدولي إثر هذه التحولات وتحولت قضية فلسطين من قضية عربية بحتة الى قضية اسلامية بل قضية شرعية ودولية. وأصبح انعكاس هذه التغييرات بالنسبة للقضية الفلسطينية مشهوداً في الأمم المتحدة وباقي المنظمات الدولية.
وقد أدخلت الأمم المتحدة موضوع القضية الفلسطينية لأول مرة عام 1974 في قائمة أعمالها، وقد صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذه السنة على العديد من القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية. وتمّ قبول منظمة التحرير كعضو مراقب في الأمم المتحدة و أيّدت الفلسطينين في تقرير مصيرهم. وفي هذه السنة تمّت دعوة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، لبيان خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي الاجتماع القادم للمنظمة الدولية، الاجتماع الثلاثين، الذي أقيم عام 1975 م أتخذ فيه أبرز وأقوى المواقف الأممية ضد إسرائيل.
حيث أُقرّ من خلالها ( قرار رقم 3379 ) بأن الصهيونيّة نوع من أنواع العنصرية وتمّت ادانتها بهذا السبب. وفي الإجتماع التالي للجمعية العامة للأمم المتحدة تمّ الطلب على تأسيس وطن للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. وفي هذه الفترة تمّ طرد إسرائيل من منظمة اليونسكو بجهد من الدول الإسلامية.
• لقد تغيرت المعطيات وخلطت الأوراق السياسية بعد هذه التطورات العالمية، حيث يمكن القول إن توازن القوى بين إسرائيل والدول العربية، قد تغير بشدة أثناء حرب 1973 وتداعياتها. وقد تحسّن موقف الدول العربية وفلسطين في المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة وتزايدت قوته بشدة.
وفي المقابل ضعف الموقف الإسرائيلي في العالم. وتعكس هذه التطورات التاريخية بشكل واضح حقيقة هامة: إن العالمين الإسلامي والعربي بلغا ذروة القوة في هذه الفترة، فترة قيادة الملك الراحل، إذ هذا المستوى من القوة و التاثير على الساحة الدولية لم يتكرر أبداً بعد رحيله. دور الملك فيصل المثالي في هذه التطورات، يجعل الفيصل أبرز القادة العرب المعاصرين وأكثرهم اكتسابا في النضال ضد الكيان الإسرائيلي الغاصب.
يتبع في القسم الرابع ....