وكالة مهر للأنباء، هادي برهاني: ان استمرارا للقسم الاول من مقال " الملك فيصل السعودي من المنظور الايراني" نشير الى مواقف الملك فيصل في مجال محاربة الإحتلال الإسرائيلي:
• أيُها الإخوة المسلمون! إن القدس الشريف يناديكم ويستغيثكم لتنقذوه من محنته ومما أُبتلي به، فماذا ننتظر وإلى متى ننتظر ومقدساتنا وحرمتنا تنتهك بأبشع صورة فماذا يخيفنا؟ هل نخشى الموت؟ وهل هناك موتا أفضل وأكرم من أن يموت الإنسان مجاهداً في سبيل الله؟ ... أسال الله سبحانه وتعالى، أن يكتب لي الموت شهيداً في سبيله، أرجو أن تعذروني إذا أرتج، فإنني حينما أتذكر حرمنا الشريف ومقدساتنا تنتهك وتستباح وتمثل فيها المفاسد والمعاصي والانحلال الخلقي فإنني أدعو الله مخلصاً إذا لم يكتب لنا الجهاد وتخليص هذه المقدسات ألا يبقيني لحظةً واحدة على الحياة».
هذا كان جزء من خطاب الملك فيصل قبل إغتياله ووفاته عام 1975م. لقد خاطب الملك فيصل في مناسبات عديدة الأمة العربية والشعوب الإسلامية وأكدّ على ضرورة الجهاد المقدس ضد الصهاينة من أجل تحرير القدس والدفاع عن مقدسات المسلمين في فلسطين. وفي مناسبة أخرى بتاريخ 28 مارس 1965 م صرح الفيصل قائلا: "إننا نعتبر قضية فلسطين قضيتنا وقضية العرب الأولى، وإن فلسطين بالنسبة لنا أغلى من البترول كسلاح في المعركة إذا دعت الضرورة لذلك، وإن الشعب الفلسطيني لا بد أن يعود إلى وطنه حتى ولو كلفنا ذلك أرواحنا جميعا."
فهاجم الملك الكيان الصهيوني مراراً في لقاءات عدة، جمعته بقادة العرب والدول الإسلامية عبر كلمات شيقة وأكدّ على ضرورة حماية النضال الفلسطيني. يمكننا مشاهدة العديد من خطابات الملك فيصل الحماسية على يوتيوب أو المواقع الأخرى. إذ تظهر لنا مشاهدة هذه الخطابات مدى تأثير هذه الكلمات البارزة، ومن خلالها يمكن أن نتعرف على المواقف الصلبة للملك فيصل تجاة القضية الفلسطينية، سيما تذكرنا هذه الكلمات، في ايران، بخطاب الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري في عاشوراء عام 1348 ه.ش، حيث دعا الإيرانيين آنذاك للدفاع عن الفلسطينين صارخا: "والله وبالله أننا لمسؤولون تجاه هذه القضية، أقسم بالله أننا مسؤولون، والله إنّنا في غفلة من هذه القضية. هذه هي القضية التي أدمت قلب النبي وأدمت قلب الحسين بن علي."
• لم يقتصر كلام الملك فيصل عن حقوق الشعب الفلسطيني في المناسبات الإسلامية والعربية وبين الجماهير المسلمة فحسب بل ذكرها في مناسبات دولية عديدة وصرخ مدافعاً عن هذا الحق أمام الآخرين. وقد صرّح الملك في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1963م بأن إسرائيل هي المانع الرئيس للسلام في الشرق الأوسط قائلاً: "ما بدّد السلام في المنطقة العربية هو القضية الفلسطينية وظهور إسرائيل." وكذلك في لقاء له مع قناة BBC الإنجليزية، أجاب بجزم ودون تأنٍّ عن سؤال حول أمنيته لمستقبل الشرق الأوسط قائلاً: "أول كل شيء زوال إسرائيل!"
لقاءات ومحادثات الملك فيصل في هذا المجال:
• التقى الملك فيصل طيلة فترة حكمه (1964 حتى 1975) بالعديد من الرؤساء والقادة وقام بإجراء محادثات هامة معهم وفي هذه الفترة سافر إلى بلدان مختلفة واستقبل العديد في المملكة العربية السعودية. كان الملك فيصل ملتزما بالدبلوماسية والحوار وقد حاول جاهداً متابعة أهدافه بهذا الأسلوب. القضية الفلسطينية وضرورة رفع الإحتلال الإسرائيلي كانت دائماً محوراً هاماً في محادثاته مع المسؤولين والقادة الأجانب. ونظراً إلى الكتب والمستندات التي اطلعتُ عليها، من الصعب أن نتصور حاكماً تحدث عن القضية الفلسطينية قدر الملك فيصل في كل التاريخ (باستثناء القادة الفلسطينين أمثال ياسر عرفات، إذ لم يكن لهم هماً آخر غير فلسطين وقضيتها وهذا أمرٌ طبيعي).
حيث غدتْ بعض محادثاته في تلك الفترة قصصاً معروفةً. محادثات الفيصل مع القادة الأمريكان مثل نيكسون وهنري كيسينجر حول العقوبات النفطية العربية وحديثه مع الجنرال شارل ديغول رئيس الجمهورية الفرنسية جديرة بالذكر. وفي السنوات الأخيرة وبعد تسريبات موقع ويكي ليكس تمّ نشر المستندات الأخرى التي تثبت جهد الملك فيصل الدؤوب لحماية نضال الشعب الفلسطيني في سبيل تحرير فلسطين في محادثاته مع الأطراف الأجنبية.
وفي القسم التالي من المقال سنتطرق إلى تقرير وجيز عن محادثات الملك مع رئيس الجمهورية الفرنسية في عام 1967م قبيل حرب النكسة. كان الجنرال ديغول حتى ذلك الوقت أبرز مدافع لإسرائيل بين قادة العالم، وكانت القوات الإسرائيلية معتمدة على السلاح الفرنسي وقد أنشئت القدرات النووية الإسرائيلية بمساندة فرنسية. لقد سمع فيصل أن ديغول رجل مسيحي ملتزم مؤمن بحماية إسرائيل ايمانا قلبياً، كذلك كان يعرفه كرجل سياسي يميل الى النهج الصحيح، لذلك شعر أن الحديث معه، يمكنه أن يكون ذا تأثير وجدوى.
وقد كان لقاء الملك فيصل مع شارل ديغول مفيدا في تغيير مواقفه، تغير موقف فرنسا بعد هذا اللقاء حيث أصبحت أكبر مدافع (غربي) للدول العربية بعد ما كانت أكبر مدافعي إسرائيل، وقد قيم المراقبون محادثة الملك فيصل مع ديغول بأنها مؤثرة في هذا التغيير التأريخي للموقف الفرنسي وقد اعترف الجنرال ديغول نفسه بتأثير هذا اللقاء على موقفه الفلسطيني.
• فيما يلي تقرير وجيز عن هذه المحادثات (وفقاً لمذكرات الدكتور معروف الدواليبي أستاذ الحقوق ورئيس وزراء سوريا الأسبق و مستشار الملك فيصل): الجنرال ديغول: جلالة الملك هل تحاولون رمي إسرائيل في البحر؟ أصبحت إسرائيل اليوم واقعاً وقد تقبّل الجميع هذا الواقع . يجيب الملك فيصل قائلاً: سعادة الرئيس! عجبت من كلامكم هذا، لقد احتلّ هتلر باريس وأصبح هذا الاحتلال واقعاً وقد تقبّل الجميع هذا الواقع غيركم.
بقيت المقاومة ضد الواقع المعاش قائمةً حتى تمكّنتم من هزيمتهم والانتصار عليهم. لم تتقبّل أنت والشعب الفرنسي هذا الاحتلال ولم تنحنوا أمامه، وقد أثار عجبي من موقفكم هذا، حيث إنكم تريدون مني الاعتراف بالاحتلال الصهيوني. تباً لضعفاء العالم إذا تقبّلوا قاعدتكم الذهبية هذه التي تشير إلى أن شرعية الاحتلال تتحقّق عبرعمل الأقوياء.
يردّ ديغول قائلاً: جلالة الملك لا تنسوا أن الإسرائيلين يجزمون بأن فلسطين أرضهم الأم وجدّهم الأكبر (يعقوب) قد وُلد فيها. قال الملك فيصل: سعادة الرئيس أنا من محبيكم وأكنّ لك الاحترام كثيراً، حيث إنك رجل مؤمن. دائماً ما أشعر بالارتياح عند رؤيتي أناسا يتعبّدون بإخلاص وأجزم أنكم قد قرأتم الكتاب المقدّس حتى الآن، حيث ذكر في الكتاب المقدس أن بني إسرائيل جاءوا من مصر وقاموا باحتلال فلسطين، وحرقوا المدن وقتلوا الرجال والنساء والأطفال، فكيف لكم هذا القول إن فلسطين هي بلدهم الأم!!! وقد كان العرب الكنعانيون يقطنون في هذه الأرض وقد احتلتها اليهود واستعمرتها.
أنتم تحاولون إعادة استعمار 4 آلاف سنة إلى الواجهة فلمَ لا تحاولون إعادة الاستعمار والاحتلال الإيطالي لفرنسا إذ إنه حدث قبل 3 آلاف سنة. هل يجب أن نصلح الخارطة العالمية لصالح اليهود؟!! لماذا لا نصلح الخارطة العالمية لصالح ايطاليا التي احتلت فرنسا والبحر الأبيض المتوسط حتى إنجلترا؟!! نحن العرب قد حكمنا جنوب فرنسا لفترة تقارب القرنين والحال أن اليهود لم يبقوا في فلسطين أكثر من سبعين سنة وقد تم طردهم من هناك.
ثم قال ديغول: لكن اليهود تدعي أن أباهم قد وُلد في فلسطين، فأجاب الفيصل: عجبا! حالياً يتواجد أكثر من 150 سفيراً في فرنسا والكثير منهم قد يولد أبناءهم هناك، فإن عاد السفراء لأوطانهم وصار واحداً من هؤلاء رئيساً لبلاده وقام بهذه الذريعة بالإدعاء بباريس، فحينها ماذا ستكون عاقبة باريس البائسة وفقاً لهذا المنطق؟!
يتبع في القسم الثالث...
تعليقك