وكالة مهر للأنباء، ان لشخصية الملك فيصل وقدراته الفردية تأثير كبير في مكاسبه اللافتة في نضاله ضدّ إسرائيل، ويعدّ الملك فيصل أكثر وزراء خارجية العالم خبرة وهو صاحب أطول فترة في تصدي هذا المسند في القرن العشرين.
· أساليب الملك فيصل في نضاله ضدّ إسرائيل :
لقد قام الفيصل في صباه (13 من عمره) بأول مهمة دوليّة خلال سفره إلى (انجلترا) وأنتج في عام 2019 م فيلماً سينمائياً تدور أحداثه حول هذه المهمة وقد عرف بـ (.(Born a King لقد أمسك الفيصل دفة وزارة الخارجية للملكة العربية السعوىية وهو في عمر 26 وكان حتى مماته في عمر 68 الرجل الأبرز في سياسة المملكة وعلاقاتها الخارجية. وقد خلقت هذه التجارب القيمة منه رجلاً ملّماً بالأمور والظروف العالمية.
وقد عرف عن الفيصل أنه رجل دؤوب العمل ومتواضع وقيل عنه أنه يحبّذ بساطة العيش وبعيد عن ترف الحياة، لكن الأهم من خصائصه الفردية هو أساليبه الخاصة تجاه القضیة الفلسطينية. إذ يعدّها الكاتب أساس مكتسباته السياسية ونجاحه في النضال ضدّ إسرائيل، وقد عُرف عن الفيصل نهجه الواضح الذي لا تشوبه أي شائبة تجاه القضية الفلسطينية وإسرائيل حيث كان يعتقد أن الكيان الغاصب هو السبب والأساس في تدهور الأمن والسلام في الشرق الأوسط. اذ لم يعترف أبداً بالكيان المحتل وكان يصرّح دوماً بضرورة محوه لانه لا يمتلك أي حق في تواجده في الشرق الأوسط.
وكان يؤمن بأن القضية الفلسطينية هي الركيزة الأساسية في النزاع العربي-الإسرائيلي وكانت جميع أعماله السياسية تتمركز على تحرير الأراضي الفلسطينية وتأسيس دولة فلسطين. وقد قام الفيصل بخطوات تاريخية وجادة لإدخال فلسطين إلى الأسرة العالمية، وتحت حماية الملك اكتسبت فلسطين كيانا وطنيا ومقعدا في منظمة الأمم المتحدة وقامت منظمة التحرير الفلسطينية بتمثيلها هناك بشكل رسمي بعد الحصول على تأييدٍ من الدول العربية والإسلامية. كان الفيصل على يقين أن الطريق الوحيد لدفع الخطر الإسرائيلي المُحدق وتجنب احتلاله هو توحيد صفوف الدول الإسلامية وقام بجهود جمّة وحصل على العديد من المكاسب القيمة في هذا المجال.
وقد اتّحد العالم الإسلامي وساد الوئام بين الدول الإسلامية بشكل كبيرومن هذا المنطلق يمكن تسمية الملك فيصل بـــ(بطل الوحدة الإسلامية) في العصر الحاضر. قام الفيصل في بادئ الأمر بحلّ الخلافات القائمة بين المملكة وباقي البلدان الإسلامية، وقد أبرم اتفاق سلام مع مصر التي كانت جاهدة على تدمير الحكم الملكي في السعودية وقد دخلت في حرب مع المملكة في اليمن. وقد أدلى بكلمته الشهيرة عن موقفه الخاص تجاه هذه القضية بكلمات وجيزة قائلاً: "الحياة علمتني إن تسامح الأخ مع أخيه هو أكبر قيمة من انتصار المدافع والسيوف" وقد قام بتوطيد العلاقات السعودية مع جميع البلدان الإسلامية، العربية منها وغير العربية، وعمل جاهداً لسدّ ثغرات الخلاف والعِداء بين الدول الإسلامية. وأصبحت القمة الاسلامية الثانية المنعقدة في باكستان معرضاً للمصالحة وتسوية الخلافات بين الدول الاسلامية، حيث انعقدت المصالحة بين باكستان وبنغلادش وكذلك بين إيران والعراق في هذه الفترة. وتحت ظل جهود الفيصل أزيلت الخلافات القائمة بين الأردن من جهة ومصر وسوريا من جهة أخرى قبيل حرب 1973.
وقد قام الملك فيصل بمقابلة النزعة القومية التي أوجدت الخلافات والعداوات المتعددة بين الدول المسلمة وقد تعرض إلى كثير اللعن بسبب هذا الموقف من قبل تابعي القومية العربية وعشاقها. وكذلك كان له موقفاً واضحاً ضدّ الشيوعية ونزعتها المعادية للغرب، إذ كان يؤمن بأن الشيوعية هي قريبة جدا بالصهيونية (نسبةً لدور اليهود الموثر في ثورة أكتوبر الروسية) ومعادية للإسلام ولذلك قام بقطع كافة العلاقات مع الدول الشيوعية.
وكذلك لم يقع الملك فيصل في عداءه مع الصهاينة في فخ الشعارات المفرطة والمعادية لليهود بل ذكر أن اليهود جماعة يحترمها الإسلام وهم من أهل الكتاب. كان الملك فيصل مدركاً لأهمية الدبلوماسية ومدى تأثير النقاش وقد خصّص الجزء الأكبر من نضاله ضد إسرائيل بالحوار مع الأطراف الدولية لصالح قيم فلسطين التحررية. فيصل، على عكس القادة العرب الآخرين المناهضين للصهيونية (الذين خاطبوا الجماهير العربية، حرضهم على الثورة ضد الحكام وكسر النظام القائم، وتحول خطابهم المعادي لإسرائيل في النهاية إلى محاربة الدول العربية / الإسلامية) بني جهوده الموفقة للضغط على إسرائيل على اللعمل مع السلطات الرسمية والتعاون بين الحكومات الاسلامية. عداوة الملك فيصل لإسرائيل لم تدخل حيز الخصام مع الدول الإسلامية والعربية (التي كانت تتصف بمواقف ضعيفة في مواجهة إسرائيل) وتبعاً لهذه السياسة ابتعد العالم الإسلامي عن العدوان والأزمات الداخلية وسار إلى الوحدة والوئام في تقابله ضد كيان إسرائيل الغاصب. النظرة الواقعية للملك تجاه الأوضاع العالمية واعتقاده التام بأن الحكومات هي التي تمتلك القرار وهي اللاعبة الأساسية في الساحة الدولية، أبعدت الشعوب من خطابه وجعلتهم في الاولوية الثانية للخطاب .
وهذه الرؤية إلى الواقعية (بعيدا عن النظرة المثالية) توكد أن قدرة الشعوب لا يمكنها إحداث فارق أساسي دون مساهمة الحكومات في المسئلة. وقد كان نهجه السياسي هذا، ماجعل شعبيته اقل من الحكام الشَعبويين في المنطقة، لكنه كان اساسا لنجاحاته الحقيقية في النضال ضدّ إسرائيل.
وكانت دبلوماسية الفيصل المعتمدة على الحكومات، مشجعة لتعاون الدول المتغربة (كحكومة إيران في العهد البهلوي الثاني) مع العالم الإسلامي (في المسئلة الفلسطينية). وقد كان تصويت إيران الإيجابي في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح القرار المتعلق بإدانة الصهيونية، كنوع من أنواع العنصرية، والذي أثار غضب الإسرائيليين، يمكن اعتباره من نتائج سياسة الملك فيصل الموفقة والموثرة تجاه الدول الإسلامية وحكوماتهم.
· اذا استمرت التغيرات الأساسية والمكتسبات الحاصلة إبان حكم الملك فيصل ونضاله ضدّ إسرائيل، وبقاء قيادة الملك فيصل في المنطقة (أو دوام نهجه السياسي في النضال ضد الاحتلال)، لكانت إسرائيل واحتلالها في الشرق الأوسط في وضع مختلف وحرج. لكن اغتيال الملك (في شهر آذارعام 1975) ورحيله المفاجئ، منع تحقق هذه التوقعات، ولم يكن موته فقط، خاتمةً لقيادته المثالية بل كان أيضاً انتهاء العمل بسياسته الموفقة، إذ لم تنتهج من بعده. تمّ اغتيال الملك فيصل بمسدس على يد ابن أخيه فيصل بن مساعد لكن العديد من الشعوب والشخصيات المناضلة لم تقتنع بما قيل واعتبرت الملك فيصل ضحيةً لنضاله ضد الصهيونية وحظره النفط على حماة إسرائيل.
· يعدّ الملك فيصل أحد أكثر القادة في العالم الاسلامي شعبيةً، لكن هذه الشعبية والمكانة، قد انحرفت وتضاءلت بشكل غريب في العديد من الدول العربية وإيران أيضا. هناك أسباب مختلفة أدت إلى لهذا التضاؤل في إيران والدول العربية. في العالم العربي يعدّ نهج الفيصل السياسي الخاص هو السبب الرئيسي لتجاهل دوره النضالي ضدّ إسرائيل من قبل الكثير من النشطاء الفلسطينيين وعامة الناس. لقد كانت علاقة الفيصل مع الدول الغربية والأوروبية حسنة وقد إصطف الفيصل إبان الحرب الباردة مع الولايات المتحدة وكانت نظرته تجاه السوفييت والأفكار الشيوعية والإشتراكية سلبية. كان يعتقد أن كراهية الغرب نتاج للفكر اليساري وهي غير منصفة. كان يؤمن بالحوار والعمل مع الدول الغربية وقد اختار النهج الديبلوماسي في نضاله ضدّ إسرائيل، لكن النضال الذي اعتمدت عليه الحكومات والمنظمات والشعوب العربية في تلك الحقبة كان متأثراً من الفكر الشيوعي والاشتراكي، حيث كانت غالبية المنظمات العربية المناضلة ذات ميول يسارية وكانت تعتقد أن السوفييت والكتلة الشرقية، الصديق والمساند لنضال الشعب الفلسطيني.
وفي ظل هذه الميول انتشرت النظرة العدائية للغرب بين الشعوب المسلمة وأميركا عرفت بالعدو الرئيسي للعرب. وقد حاول الملك فيصل رغم وجود هذه الإتجاهات القوية، إقامة علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة والغرب من أجل تغيير مواقفهم تجاه إسرائيل. كانت نظرة الملك فيصل تجاه القومية العربية والتشدّد القومي العربي بالإضافة إلى ما ذكر، من تلك الأسباب تجاهل المنظمات اليسارية لمكانة الفيصل ودوره النضالي. إذ لم تغب مخالفة الفيصل لهذه السياسات عن أنظار مخالفيه وكذلك تأكيده الدائم على نهج سياسة إسلامية وغير قومية مما جعل القوميون في وضع حرج. أضف إلى ذلك أن نهج الملك فيصل النضالي لم يكن كباقي القادة العرب أمثال جمال عبدالناصر ومعمر القذافي وصدام حسين، نضالاً شعبوياً وصاخباً.
كان الفيصل مهتما بالنتيجة ودفع خطر إسرائيل وتأسيس دولة فلسطينية ولم يعن كثيراً إلى الشعارات الفارغة ولم یثیر الشعوب العربية بوعود واهية وانتصارات وهمية. الفيصل كان ناقداً لأوضاع الشعوب والدول الإسلامية وكان يدعوهم إلى إصلاح أمرهم والعدول عن الفرقة واللجوء إلى الوحدة. وقد كانت كلماته بعيدة عن الشعارات المعادية لليهودية والولايات المتحدة، التي كانت تهز الشارع العربي. لم يتحدث الفيصل عن رمي اليهود في البحر ولم يُدل بشعارات نارية. لم تكن مواقف الملك فيصل مشجعة لعامة العرب والفلسطينيين، إذ كانت بعيدةً عن التصريحات الدعائية التي يقوم بها القادة الشَعبويين فلم تساعده في رفع مؤشر شعبيته بين العامة. وهذا هو أسوء جزء في قصة الملك فيصل النضالية، حيث رغم كل ما قام به الفيصل من إنجازات جبّارة قبال ما أنجزه القادة العرب الآخرين، لم تكن شعبية الملك عند الشعوب العربية سيّما الشعب الفلسطيني بقدر القادة القوميين والشَعبويين أمثال ناصر وصدام.
/انتهى/