وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: أحدث المستشار الألماني أولاف شولتز مفاجأة كبيرة بوعده بزيادة هائلة في الإنفاق العسكري، فيما يبدو أنه تغيير حقيقي في العلاقة الصعبة بين العالم السياسي الألماني والجيش. ولئن جاء ذلك في سياق الازمة الأوكرانية الروسية، فإنه يبقى أن يوضح المستشار ما يعنيه بتحديث الجيش الألماني ولأي غرض ؟.
بهذه المقدمة افتتح موقع ميديا بارت الفرنسي مقالا لتوماس شني، حاول فيه تحليل الخطوة الألمانية الجديدة، وقال إنها تدخل في سياق وعد الحكومة الجديدة بإحداث تغيير كامل في توجيه الجهود نحو الطاقات المتجددة، وإشراك ألمانيا في ثورة عسكرية وإستراتيجية عميقة، مرتبطة بالطبع بالازمة الأوكرانية، ولكن برنامجها يتجاوز ذلك.
وقد وعد المستشار الألماني -في خطاب "مفاجئ" أمام النواب- بمبلغ 100 مليار يورو إضافية هذا العام لتجهيز الجيش الألماني، مع زيادة مستدامة في الميزانية العسكرية، بنسبة 1.5% إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، بقفزة من 50 إلى 75 مليار يورو سنويا، مما يتيح دعم مشاريع التسلح الأوروبي الكبيرة.
ويرافق هذا التحول تغير في تصدير الأسلحة، بحيث أكدت المستشارية تسليم أوكرانيا مباشرة ألف قاذفة صواريخ و500 صاروخ ستينغر و14 ناقلة جنود مدرعة، مع احتمال تسليم 2700 صاروخ أرض جو من نوع "ستريلا" من مخزونات جيش ألمانيا الشرقية.
وفي هذا الشأن اجرت مراسلة وكالة مهر، "وردة سعد" حواراً صحفياً مع مدير مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير الأستاذ "هادي قبيسي"، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:
** لماذا لم تستوعب امريكا والدول الاوروبية ان المشتقات النفطية بباب المندب تستطيع ان تغطي على نقص المحروقات التي كانت تصدره روسيا لهذه الدول ؟، لماذا لا يوقفوا الحرب ويسعون لايجاد حل سياسي بالحوار مع اليمن لاستثمار هذه الثروة التي ستكون تحت إشراف انصار الله ؟
اظن ان هناك احتمالين للدور الاميركي في وقف الحرب او الدخول في الهدنة اليمينة، وقد يكون هناك مستويين:
- المستوى الاول؛ ان الاميركي بغض الطرف عن نية السعودية في وقف الحرب، ولا يمانع ولا يتدخل لرفض ذلك، وهناك بعض الاراء تقول ان الاميركي لا يريد وقف الحرب في اليمن لأسباب استراتيجية تتعلق بتعامله مع محور المقاومة، ومع الوضعية اليمنية التي لها مبررات استراتيجية بالنسبة لهم تتعلق بمستقبل باب المندب، والمخاطر المستقبلية عليه، والمخاطر المستقبلية على الجزيرة العربية ككل، وعلى مخزونها النفطي، هذا اولا.
- المستوى الثاني؛ الاميركي اضطر تحت ضغط السعوديين من جهة، نتيجة عدم خفضهم للاسعار، وعدم زيادتهم للانتاج، ومن جهة اخرى البيان الرسمي السعودي الذي تم نشره بعد تعرض المنشآت السعودية للقصف الكثيف انه نحن نخل عن الدفاع او عن حماية منشآتنا النفطية، فاضطر الاميركي بحسب بعض الاراء وبعض المعلومات ان يقول انه لا يريد وقف هذه الحرب، ولكن بسبب اسعار النفط والتخلي السعودي، وعدم وجود المقدرة السعودية على مواجهة هذه التهديدات وهذه العمليات اليمنية فاضطر الى دفع السعوديين للموافقة على وقف الحرب.
** هل الحرب "الروسية _ الاوكرانية" ستغيّر المشهد الاقليمي والدولي جيو سياسياً ؟
الحرب الروسية الاوكرانية بدأت بتغيير المشهد الاقليمي والدولي؛ فعلى الصعيد الاقتصادي:
هناك ازمات اقتصادية جديدة متفاقمة في عدد كبير من الدول، عموما كل الدول تأثرت بهذه الازمة نتيجة ارتفاع اسعار النفط والمواد الغذائية الاساسية كالقمح والذرة وغيرها. وبالتالي الازمة عامة وشاملة، مثلا نلاحظ مصر ما يحصل فيها، لبنان كيف يتأثر، العراق وان كان بدرجة اخف كونه بلد نفطي، سوريا المحاصرة ايضا تعاني من ازمات، هذا بالنسبة للمنطقة.
واما اذا ذهبنا الى اوروبا تكلفة المعيشة تضاعفت ثلاثة اضعاف في الشهر الذي وقعت فيه الحرب، وبالتالي هناك تضخم تراكمي ومتسارع وقد يؤدي الى ازمات خانقة في الاشهر القليلة المقبلة اذا استمرت الحرب والحصار، وفي حال انقطاع الغاز عن اوروبا، فستكون اوروبا مرشحة لتضاعف في ازمتها.
وعلى الصعيد الدولي؛ فليس هناك تحولا كبيرا الا على صعيد اتجاهين:
اتجاه التدخل الاميركي الجديد في بيئة الناتو، للملمة الناتو واعادة تقوية مفاصلة واعادة بناء بنيته الداخلية ودوره الخارجي، واستعادة حضورها الكبير داخل الدول الاوروبية، وتوجيهها وتحريكها نحو عدو موحد وهذا امر غير مسبوق، وهذا ما عبر عنه بايدن بأن الناتو موحد بشكل غير مسبوق وهذا سليم وصحيح، الى جانب بريطانيا التي دخلت على خط المواجهة، كل بحسب رؤيته ومصالحه.
الاتجاه الثاني عودة العسكرة الالمانية الممنوعة منذ الحرب العالمية الثانية، وهذا سيكون له تأثيرات على الناتو، وتأثيرات على روسيا، وتأثيرات على علاقة الناتو ببريطانيا وعلاقته بالولايات المتحدة، مع ظهور قطب اقتصادي وتحوله الى قطب عسكري في هذا الحجم كألمانيا ستتغير الموازين والعلاقات، وسيحصل دومينو ولو بشكل بطيء او تدريجي.
ومن ناحية اخرى هناك المتحول الثاني على المستوى الدولي وهو المتغير الصيني، واذ عدنا الى البيان "الصيني _ الروسي" الذي صدر بعد الالعاب الاولمبية الصينية وقبيل العملية الروسية الخاصة في اوكرانيا، نلاحظ ان هذا البيان يزخر بمجموعة من العناوين التي تؤكد وجود مواجهة قريبة بين الشرق والغرب، مواجهة في كل المجالات والعناوين، مواجهة شاملة وان كانت المعالم الزمنية والبرامج الزمنية لهذه المواجهة غير واضحة.
لكن هناك توجه واحد ومشترك "صيني _ روسي" في الحد الادنى نحو مواجهة جذرية مع الناتو تحديدا، وهذا ما عبر عنه التدخل الروسي والتحرك الروسي بإتجاه منع الناتو من التمدد بإتجاه اوكرانيا وايضا ما نلاحظه من رد فعل غربي يعكس فهما وادراكا لهذا التوجه الشرقي الواضح والشامل، وان كان التدريجي لمواجهة الغرب، فهو بمثابة عملية احتواء، وعملية استباق للتحرك الصيني.
** ما الذي تريده الادارة الاميركية من افتعال الحروب في ارجاء العالم والتي كانت اخرها في اوكرانيا لمحاولة جر روسيا اليها؟ هل الادارة الامريكية في حالة من الارباك او تخبط في سياستها ؟
لا اوافق ان الادارة الاميركية في حالة ارباك، بل هي في حالة تغيير لاساليب العمل بمعنى نجاح متفاوت وفشل متفاوت، فهي فشلت في ردع روسيا عن التدخل في اوكرانيا، وان كانت قد لجأت الى الاستدراج والاستنزاف، فلأنها عاجزة عن الردع، وهذا تحول خطير جدا جدا، لان بعد الحرب العالمية الثانية لم يحصل تدخل سوفياتي او روسي بشكل كلاسيكي ومباشر في اوروبا، وهذا يعني تغيير في موازين القوى.
نعم من هذه الناحية، فإن الولايات المتحدة خسرت صورة اساسية وهي حماية اوروبا التي تعتبر الباحة الخلفية لها، وعدم السماح لأي احد بالدخول الى اوروبا، وهذه نقطة خاسرة بالنسبة لها، فقد استطاعت روسيا ان تتحدى، وكانت على معرفة بأن الغرب لن يتدخل وهذا امر خطير جدا.
المعارك المتنقلة تواجه تمدد روسي اقتصادي في اوروبا، من خلال تحريك الناتو، من خلال توسيع الناتو بشكل مستمر، وقد كان متوقعا بالنسبة للاميركيين ان تستعيد روسيا حركتها ونشاطها بعد يلتسين ومجيء بوتين، وهي تحتاج الى بعض سنوات.
ومع ارتفاع اسعار النفط خصوصا بعد حرب العراق 2003، فقد كانت مرشحة روسيا ان تصبح دولة ذات نفوذ ولديها مطامح تاريخية، ولها تاريخ ولها عقل امبراطوري، فبالتالي واجهتها الدول الغربية من خلال توسيع الناتو.
اذن هناك مواجهة، وهناك مواجهة مشابهة ومماثلة مؤجلة حاليا هي في تايوان، حيث يواجه الغرب ايضا التحالف البريطاني الاميركي الاسترالي تحديدا بشكل اساسي الى جانب آخرين، يواجه التمدد الصيني نحو تايوان، وذلك بنفس الفكرة والعقلية، وعلى خلفية تعريفات بريجنسكي مستشار مجلس الامن القومي السابق الذي قال ان روسيا تتحول الى دولة عالمية من دون اوكرانيا، والصين لا تتحول الى دولة عالمية وقوة عظمى من دون تايوان، اذن هناك مواجهة واضحة الاسباب، واضحة الاهداف، وهناك ارباك في تحولات موازين القوى التي تميل تدريجيا لغير صالح الغرب، طبعا هناك قلق من هذه الناحية.
** من الملاحظ ان شق التباعد بين الادارة الاميركية و"حلفائها" الخليجيين يزداد اتساعا. فلماذا برأيك خسرت اميركا ثقة اصدقائها بها، ولم تعد الطرف المعول عليه لا في ضمان السلام ولا كسب المعارك ؟
التباعد بين الاميركي وحلفائه بالمنطقة بيّن وواضح وصريح، سببه الفشل في الحروب المشتركة التي فرضتها الولايات المتحدة عبر هؤلاء الوكلاء. فلو كان هؤلاء الوكلاء نجحوا في الحروب باليمن والعراق وفي سوريا ولبنان وفلسطين وغيرها لما كنا شاهدنا هذا التباعد.
التباعد سببه الفشل واخفاق السياسات المشتركة، ايضا اضطرار الاميركي للذهاب الى الانكفاء عن المنطقة والذهاب نحو الشرق الاقصى، لانه لم يستطع السيطرة على موارد غرب اسيا، وهو يحتاج للمواجهة في الشرق الاقصى لكبح الصين، هو كان يستطيع كبح الصين من خلال الامساك التام بموارد المنطقة في غرب اسيا، ولكنه عجز عن ذلك خلال العشرين عاما من الحروب، فإنكفائه نحو الشرق الاقصى يدفع وكلائه الى القلق والخوف، والذهاب الى سياسات متعددة الابعاد، وعدم وضع البيض كله في سلة واحدة في السلة الاميركية، فهو يحتاج الى تنوع في العلاقات وفي التحالفات والتوازنات مع تغيير موازين القوى الدولية.
** اتى بايدن الى السلطة بشعارات تستهدف تصحيح الاخطاء والانحرافات التي تسبب بها سلفه ترامب!! فهل تعتقد انه فعل ذلك ؟ ولماذا يبدو عاجزا وكأنه عاد ليستكمل سياسات ترامب الذي اعتبر نفسه نقيضه ؟
بشكل اساسي هناك فارق في السياسة الاميركية تجاه روسيا بين بايدن وترامب بشكل واضح، وقد عبر عنه ترامب مؤخرا، اعتقد ان هذا التغيير نحتاج الى وقت لنعرف نتائجه، ليس هناك حسبما يبدو حتى الآن ان هناك منتصر واضح وحاسم في الحرب بأوكرانيا، او في الصراع بين الغرب وروسيا.
هناك مواجهة واسعة متمددة وتشمل مجالات عديدة، هناك مراحل لهذه المواجهة ومسارات مختلفة، وايضا حتى في الميدان ليس هناك من حسم نهائي، وبالتالي لا نستطيع القول ان سياسات بايدن نجحت في حل المشاكل التي تركها ترامب، واهمها ان روسيا تتوسع وتتمدد، وعدم مواجهتها بشكل واضح وصارم في المواجهات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لا اعتقد ان هناك امكانية للحسم بالقول ان نجح بايدن او لا، هذا الامر لا زال مبكرا الحديث عنه./انتهى/