وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: يحق للجميع أن يحيوا ذكرى رحيل قائد الثورة المباركة سماحة الإمام روح الله الخميني قدس سره الشريف.. نعم من حقهم وواجبهم أن يفتخروا بشخصية فذة تجاوزت الدور التقليدي لقائد ثورة في دولة معينة، وامتدت وتجذرت أكثر فأكثر بعد أن دخلت من أوسع بوابات المجد، فانتشرت أنوارها المشعشعة في شتى أصقاع الكون.
وإذا كان يحق للأشقاء الإيرانيين أن يفخروا بإمام ومفجّرِ ثورة فمن واجب كل أنصار الحق وعشاق السيادة والكرامة في العالم أن يقولوا كلمتهم بوضوح، وأن يعترفوا بالفضل العميم الذي تركته الثورة الإسلامية الميمونة في إيران العزة والكرامة والنهج القويم، ومنها انتقلت بركات الثورة وثمارها اليانعة إلى جغرافيات جديدة تعلي راية رفض التبعية وتعتز اليوم بحمل هوية محور المقاومة.
وفي هذا الصدد أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، "وردة سعد" حواراً صحفياً مع مسؤول العلاقات الخارجية في حزب الله سماحة الشيخ الدكتور "خليل رزق"، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:
** لأول مرة في التاريخ المعاصر رجل دين هو الإمام الخميني يقود ثورة شعبية... إلى أي مدى أعادت هذه الثورة الإعتبار للدين في الحياة السياسية والاجتماعية ؟
الثورة الاسلامية المباركة التي قادها الإمام الخميني (رض) صحيح انها كانت ثورة فريدة ووحيدة في عالمنا المعاصر، في تاريخنا الحاضر، لكن لا يمكننا القول بأنه لم يكن في تاريخنا ما يشبه هذه الثورة، تاريخنا مليء بالعديد لا بالكثير من الثورات التي قادها العلماء، وقادها رجال الفكر الديني والعلماء المسلمين والتي كان لها آثار مدوية في هذا التاريخ، وكانت ثورات مشرقة ومضيئة، لكن ثورة الامام الخميني (رض) تتميز بعدة امور:
_ ان القائد لها مرجع ديني كبير هو الامام.
_ انها ثورة انطلقت من الشعب، والامام كان حريص على تلبية ارادة الشعوب، سيما الشعب الايراني.
_ هذه الثورة، وهذه الميزة والخصوصية في ثورة الامام الخميني (رض)، انها ثورة جاءت ضمن ظروف وبيئة قاسية جدا اراد من خلالها الاستعمار والاستكبار العالمي وايضا مع الاسف من يسمون انهم حكام المسلمين والاسلام منهم براء، ارادوا ان يفرضوا نظرية على كل الواقع الاسلامي والشعوب الاسلامية ان الدين لا علاقة له لا بالسياسة، ولا ببناء الدولة، وان الدين لا يمكن ان يكون هو الحاكم بين الشعب، وان الديموقراطية انما تتحصل عبر هذه الأنظمة والتي هي في واقع الحال انظمة ديكتاتورية.
لذلك كانت نهضة وثورة الامام الخميني (رض) ثورة استطاعت ان تحقق المجد والعنفوان والعزة وان تعيد روح الدين، وان تبث الوعي والمعتقد الفكري والديني في داخل عقول امتنا الاسلامية، وافراد هذه الامة".
** القيادة من أهم عوامل نجاح أي ثورة... بماذا تميّزت قيادة الإمام الخميني للثورة الاسلامية في إيران ؟
هناك مزايا متعددة وخصوصيات ايضا كثيرة لقيادة الامام الخميني في نهضته وفي ثورته المباركة، اقف عند واحدة من هذه الخصوصيات وهي خصوصية القائد الذي يحبه الشعب ويحب الشعب، القائد الذي انطلق من الشعب ومن داخل الشعب والى الشعب، الامام الخميني(رض) بعد انتصار الثورة الاسلامية المباركة وعندما كانت تتهافت الحشود المليونية لكي تكحل ابصارها برؤية الامام وبلقاء الامام، وكلنا كان يشاهد كيف كانت الحشود تتوالى لرؤية الامام والاستماع الى نصائح الامام.
في ذلك الوقت كان يمكن لمثل هذا القائد ان يكون له السيطرة الكاملة والقيادة الكاملة، وان يكون له هذه الخصوصيات وهي خصوصيات الرئاسة والسلطة على الناس، يقف الامام الخميني (رض) ليقول للناس ما مضمونه اني احب وارغب ان تخاطبوني وتنادوني بالخادم، لا ان تخاطبوني بالقائد.
وهنا نرى بأن الامام استقى هذه الرؤية من النبع الاسلامي الاصيل من جده امير المؤمنين (ع) الذي عندما استلم الخلافة وتصدى لشؤون الامة الاسلامية كان يتكلم مع الناس بهذه اللغة وبهذه اللهجة، يقف امير المؤمنين امام الناس ليقول:" لا تكلموني بما تكلم به الجبابرة".. وكذلك الامام الخميني لا يريد ان يعيد من جديد صورة الملك او الشاه الذي كان يحكم ويتسلط على رقاب الناس، انما اراد ان يبين فرادة وميزة القائد في الاسلام الذي هو رمز التواضع، والذي عبر عنه الامام بأنه خادم للشعب وليس قائد ولا ديكتاتور ولا حاكم ولا متسلط.
** أكد الإمام على ضرورة استفتاء الشعب لإقرار الدستور والتصويت على الجمهورية الاسلامية... ما هي أبعاد هذا الحرص على الحضور الشعبي في النظام الاسلامي ؟
الامام الخميني(رض) انطلق في حاكميته وقيادته للامة من مبدأ نظرية ولاية الفقيه، وهي النظرية السياسية التي تبناها الامام ومن قبله كل علماء الشيعة الامامية لقيادة الامة وفق خط اهل البيت(ع)، بإعتبار ان الفقيه هو الذي يحكم في عصر الغيبة الكبرى.
لكن الامام اراد ان يضيف ابعادا كثيرة ويطبق هذه النظرية وفقا للانظمة التي تفرض ان يكون هناك نوعا من المشاركة للشعب في اختيار من يريده، لذلك الامام (رض) عندما كُتب دستور الجمهورية الاسلامية لم يرد ان يفرض هذا الدستور على الناس.
وطبعا هذا الدستور منطلقه قرآني نبوي ومستقى من منبع العلم الذي افاضه ائمة ال البيت (ع) على علمائنا الاجلاء، اراد الامام ان يكون هناك اضافة جديدة لهذا الدستور انه دستور قبل به الشعب، ونحن نرى ان كل الدساتير الموجودة اليوم في كل حكومات دول العالم هي دساتير كتبت وفرضت على الشعوب، وليس هناك اي رأي للشعب، لذلك ما قدمه الامام (رض) من خلال عملية الاستفتاء هو انه اراد ان يجعل الشعب منطلق للحكم من خلال موافقته على الدستور.
وهذا طبعا من الامور التي اختص بها فكر الامام الخميني(رض) وعلى ما اذكر انه لا يوجد اي دستور تم الاستفتاء عليه من قبل الشعب في اي دولة من دول العالم الا دستور الجمهورية الاسلامية المباركة.
** كيف بلورت إيران شعار لا شرقية ولا غربية في سياساتها الخارجية بعد الثورة ؟
في ذلك الوقت الذي انطلقت فيه الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام، وايضا بعد انتصار هذه الثورة بقيادة الامام كان العالم يتقاسمه قوتان اساسيتان هما: قوة اميركا، وقوة الاتحاد السوفياتي في ذاك الزمان، يعني بتعبير آخر هي الوجه الآخر لقوتين الشرق والغرب، وكانت شعوب العالم منقسمة ما بين الشرق والغرب، ومنقسمة ما بين الولاء لاميركا والولاء للاتحاد السوفياتي، وهذا يعني حكما ان الاسلام بعيد كل البعد عن الحضور او التواجد في الحاكمية والآمرة، وفي عالم السياسة والحكم في كل دول العالم...
ما اسس له الامام، ما قام به الامام هو انه انتهج نهجا جديدا هو الذي اضفى هذا البعد العظيم على ثورته المباركة، فأعلن شعار :"لا شرقية ولا غربية"، واعتمد هذا الشعار كأساس وكعنوان بارز في سياسة ايران الخارجية، حيث انطلقت ايران كدولة لا تتبع الشرق ولا تتبع الغرب.
ولعلنا اذا قرأنا التاريخ منذ انتصار الثورة الاسلامية الى اليوم نجد ان كل دول العالم محكومة ضمن نظام الشرق والغرب الا الثورة الاسلامية، فانها ثورة ما زالت تتبنى هذا الشعار، وهذا ما يكلفها كثيرا لانها ما زالت دولة تحافظ على كيانها، وتحافظ على اهدافها، وتقوم بتطبيق شعاراتها، وليست شعارات الجمهورية الاسلامية شعارات مزيفة، ولا هي شعارات منمقة، انما هي تنطلق من ذلك المبدأ الاسلامي الاصيل الذي يقول بأنه لا يجوز لأي حكم اسلامي ان يتبع اي واحد من هذه الحكومات، بل يجب ان يكون حكما اسلاميا ينبع من اصالة القرآن وسنة النبي واهل بيته المعصومين (ع).
/انتهى/