قال الدكتور وسيم بزّي العاملي، انّ ما قدمه السيد حسن نصرالله عن الحضور الروسي كان هائلاً في خلفية المشهد الجيوسياسي والجيواستراتيجي، خاصةً أن الرئيس الروسي بوتين يتوجه لِلقاء سماحة الإمام السيد علي الخامنئي، لتكريس الثالوث "الصيني-الروسي-الإيراني" كمشروع جدي للإطاحة بالأحادية الأميركية المتوحشة.

وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: وصل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وصل طهران للمشاركة في قمة السلام السوري بصيغة استانة وذلك برئاسة رؤساء جمهورية الدول الثلاث الراعية "ايران وروسيا وتركيا"، ومن المُقرذر أن يناقش الرئيسين الروسي والايراني التعاون الثنائي بالإضافة إلى القضايا الدولية والاقليمية للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة.

واكد مسؤولون ان الصين تعارض بشدة العقوبات الأحادية وغير القانونية التي تفرضها الولايات المتحدة على الجمهورية الاسلامية الايرانية، وان أسلوب التواصل والتدخل في شؤون الآخرين من الجانب الامريكي مرفوض تماماً، وأنه على الرغم من العقوبات المفروض ستواصل التعاون الطبيعي مع إيران. وستحاول فرض نظام جديد في العالم وهو تعدد القطبية بمساعدة الدول الصديقة.

الحكومات الأمريكية السابقة، تفرض عقوبات أحادية الجانب دون الرجوع الى مجلس الامن الدولي ومن خطة عمل شاملة ومشتركة بين الدول بل انها تقوم بذالك من تلقاء نفسها، وتتسبب السياسة الامريكية في إلحاق أضرار جسيمة باستراتيجية الدبلوماسية متعددة الأطراف لحل الخلافات، والحكومة الأمريكية الحالية، رغم شعاراتها عن اصلاح أخطاء الحكومات الامريكية السابقة، الا انها تتبع نفس النهج مع استمرار العقوبات وممارسة الضغوط الاقتصادية على معظم الدول.

وفي هذا الصدد أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء "وردة سعد" حواراً صحفياً مع الكاتب والباحث السياسي الدكتور "وسيم بزّي العاملي"، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:

** معادلة جديدة اضافها السيد نصرالله (حفظه الله ورعاه) الى معادلاته التاريخية في المواجهة مع الاحتلال، وهي معادلة النفط والغاز للجميع أو لا أحد يمكنه التصدير... إلى ماذا يشير هذا التطور في إطار المواجهة مع الاحتلال؟

في إطلالةٍ تُحاكي في لُغتها ومضمونها، نفس "لغة الحسم" التي خاطب بها سماحة السيد، وذلك في مؤتمره الصحفي الشهير، إثر أسر الجنديين الإسرائيليين يوم ١٢ تموز ٢٠٠٦، فإنّ إطلالة ١٣ تموز ٢٠٢٢ لِسماحة السيد فيها من اللغة والأسلوب والطرح، ما يجعلنا أمام لحظتين متشابهتين، ولكن بفارق عشر سنوات...

سخّرَ سماحة السيد "عامل الوقت"، كعنصر حيوي محوري في المعركه التي يخوضها، فارضاً على الجميع أجندته، والتي لن تتجاوز بمواعيدها ما تبقىّ من تموز وشهر آب القادم، لقد جعل من ملف النفط والغاز، والوصول به إلى النتائج المتوخاة، جعل من تحقيق هذا الهدف سبباً وجودياً لبقاء لبنان، وجزم أنّ المقاومة هي عامل القوّة الوحيد الذي يُلزم الأعداء أن يأتون إلينا ولو مكرهين. وأنّ "قوة القُوّه" التي تمتلكها المقاومة، هي الوحيدة الكفيلة بإنتزاع الحق اللبناني من فم الأعداء.

وبناءً عليه، رسم سماحة السيد حسن نصرالله معادلة جديدة، "الكلفة بين الموت الذليل على أبواب الأفران بحثاً عن رغيف خبز، وبين الموت شهيداً في معركة استعادة الحق بمواجهة العدو، وهي معركه لها أفق الإنتصار والوصول لتحقيق الأهداف"...

** الرئيس الأميركي جاء الى المنطقة للإستحواذ على ثرواتها ملوحاً بتحالف عسكري أو أمني غير واضح المعالم... والبعض رأى ان خطاب سماحة السيد أفرغ الزيارة من مضمونها... كيف تقرأ هذه الزيارة؟

بنى سماحة السيد إطلالته، وبتزامن مُحكم مع موعد زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لٍكيان العدو، وبنى إطلالته عبر مدخل تأسيسي، لا بل هو "حجر الرُحى" في كل الحكايه، إنّ ما يتوخاه رئيس أميركا من زيارته التي رُتِّبتْ على عجل لمنطقتنا، هو أن يكون "حوض شرقي المتوسط" هو البديل الأكثر أملاً لِأوروبا، لكيْ يُعوِّضها النفط والغاز الروسيين، وهذا الأمل مقرون بزمنٍ قصير جداً، لا يتجاوز الأشهر القليله، وهو تسخير حوض شرقي المتوسط كبديل عالمي أول للطاقة الروسية وكبوابة لتحقيق هذا الحلم الأميركي...

إطلالته هي أميركيه بإمتياز، متجاوزاً فيها كيان العدو وكل الأدوات الصغية الأخرى من دول المنطقة، ومثّل ما قاله سماحته وبالبريد المضمون، رسالةً لِرئيس الولايات المتحدة، وهي رسالةٌ من شخص خَبِرت أميركا صفاته جيداً، وعلى رأسها الصدق والتوكل والثقة بالنفس ورباطة الجأش في اتخاذ القرارات خاصةً المصيرية منها، خاصةً وأنّ سماحته وهو بصدد هذه الرسالة لِأعدائه، يعرف جيداً طبيعة الأرض التي يقف عليها مقابل هؤلاء، ومن هنا أتى كلامه الذي ردّدهُ أكثر من مرة عن قلب الطاولة في المنطقة، لا بل في وجه العالم أجمع.

** لمن كان سماحة السيد يوجه خطابه وتحذيراته من الاستمرار في سياسة الحصار والتجويع؟، وكيف ستؤثر هذه المواقف المتقدمة للمقاومة على سير المفاوضات غير المباشرة والمتعلقة بالترسيم البحري بين لبنان وكيان الاحتللال؟

اختصار الرسالة للأميركيين بالمعنى الإستراتيجي في كلمة سماحة السيد، أنكم أتيتم برئيس دولتكم، بحثاً عن الهدف الأسمى، وهو تعويض أوروبا ما فقدته نتيجة الحرب الأوكرانية من نفط وغاز روسيين، وردْ سماحة السيد كان "إمّا أن تعطونا حقّنا، أو سنُفوِّت عليكم الفرصة، سنخربها، وسنقلب الطاوله على رؤوس الجميع"...

لِأوّل مرّه، أعاد سماحة السيد تصويب نقطة تموضع المقاومة تجاه الدولة في هذا الملف، تاركاً للدولة حقّها بأن تفاوض، وللمقاومة فهمها الحر لقواعد ما يجري، رافضاً أن تكون المقاومة محددة الهامش والحركة من قبل أحد، ومن دون سقف يُلزم المقاومة أن تكون خارج قناعاتها، تاركاً للمقاومة هامشها بخوض هذه المواجهة حتى الحدود القصوى التي قد تفرضها قواعد المعركة. وبالتالي أجلى سماحته أي غموض أو تضليل أو التباس، في معنى وقوف المقاومة وراء الدولة، قاطعاً الطريق على أي محاولة لجعل هذا الموقف خارج حدوده المفترضة...

انّ الهدف المُتوخّى ليس فقط وحدة الدولة ومؤسساتها بمواجهة الأعداء، بمنطوق ما يريده سماحة السيد، بل الهدفين الأساسيين هما انتزاع الحق بالمياه وجوفها، وكذلك الحق بالتنقيب المتلازم مع الحق الأول...

** لا تزال الترسانة العسكرية لجيش الاحتلال الصهيوني تراكم احدث الاسلحة والتجهيزات غير المسبوقة، فكيف استطاع الحزب ان يقيم معادلات الردع رغم الاختلال الكبير في ميزان القوى العسكري؟

مضمون إضافي لِذكاء قيادة المقاومة وسيطرتها على مسرح العمليات، وهو دفع فخر سلاح الجو لِطيران العدو، وهي الأف-35 للفشل في النيل من مُسيّرات المقاومة، وهو امتحان سيُبنى عليه الكثير من العِبر المستخلصة لاحقاً، وكذلك منظومة "باراك بحر- جو"، والأهم أنّ النيران الأولى في ساحة الصراع القادم قد أتت من العدو نفسه...

بحديثه عن المسيّرات الثلاث، وظروف اتخاذ ذاك القرار وملابساته، والرسائل الأساسية والفرعية من كل مشهدية المسيرات، وذكاء قيادة المقاومة بإرسالهم من دون تسليح، و "الكمين المُحكم" الذي أُوقِع به العدو، حينما دُفِعَ لِتكون نيرانه أول شرارة اشتعال في حقل المواجهة القادم، وهو ميدان يُفترض أنه يبحث عن الإستقرار والهدوء وليس عن النيران...

** كيف تقرأون الحضور الروسي في خطاب سماحته؟

أنّ الحضور الروسي كان هائلاً في خلفية المشهد الجيوسياسي والجيواستراتيجي الذي قدّمهُ سماحة السيد... خاصةً أن الرئيس الروسي بوتين يتوجه لِلقاء سماحة الإمام السيد علي الخامنئي، وهو الثالث بينهما خلال سبع سنوات، والأخير سيجري في ظل ظروف مؤاتيه عالمياً، ليس أقلّها تكريس الثالوث الصيني الروسي الإيراني كمشروع جدي للإطاحة بالأحادية الأميركية المتوحشة على رأس المعمورة.

وكذلك في ظل علاقة روسية - إسرائيلية تمر في أزمة صامتة، وامتحان بالغ المرارة على الجبهة الأوكرانية، وعلى الأرجح إيقاف عمل الوكالة اليهودية في روسيا، والتورط المتسارع والمتدحرج لكيان العدو في الميدان الأوكراني بمواجهة الروس، وتعاظم الأدلة بيد موسكو على ذلك، وانعكاسات كل ذلك على علاقة موسكو مع سوريا وإيران.

كل هذا مع عوامل عديدة أخرى كفيل بجعل روسيا حاضراً ثقيلاً في مواجهة شرق المتوسط بكل معالمها... والأكيد أن مسيّرات حزب الله الثلاث الوادعة وغير المسلّحه، وهي في طريقها الى ما بعد ما بعد كاريش، كانت تعي جيداً خطة سيرها الأبدي، مدركةً لكل ما سبق من حقائق، فاتحةً لنا الطريق باستشهادها... لنرى ونقاتل وننتصر...

/انتهى/