وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: انه ترى إيران والصين ان الأحادية واللجوء إلى الإجراءات القسرية، بما في ذلك العقوبات القمعيّة هي الجذور الرئيسية للأزمة العالمية القائمة، وتخلق حالة من انعدام الأمن والاستقرار في العالم اجمع، وتشدد كل من طهران وبكين على ضرورة بذل جهود مشتركة من أجل تحقيق التعددية الحقيقية وتحقيق العدالة والإنصاف الدوليين وإرساء حكم عالمي عادل... في حين تؤكد طهران ان "الأصدقاء القدامى هم أفضل الشركاء من أجل مستقبل مشرق"...
وفي هذا الصدد اجرت مراسلة وكالة مهر، وردة سعد، حوارا صحفيا مع الدكتورة في علم الاجتماع السياسي، والباحثة في الشوؤن الاقليمية والدولية "د.هدى رزق"، وتمت الاشارة خلال هذا الحوار الى عدة نقاط مهمة كان ابرزها:
** التوجه شرقاً
الاتجاه شرقاً بالنسبة للرئيس الايراني إبراهيم رئيسي، يتلخص بإحداث توازن دولي من اجل وقوف إيران في وجه عقوبات "الضغوط القصوى" والدفاع عن استقلالها بوجه الهيمنة الاميركية، الإستراتيجية هي الوقوف الى جانب القوى الصاعدة.
الاتجاه شرقاً عاد إلى الواجهة السياسة الإيرانية، حيث يمثّل النموذج الصيني أحد النماذج التنموية الموجّهة لأولويات السياسة الخارجية الايرانية
الاتجاه شرقاً عاد إلى الواجهة السياسة الإيرانية، حيث يمثّل النموذج الصيني أحد النماذج التنموية الموجّهة لأولويات السياسة الخارجية، التي أثارت كثيراً من النقاش النظري والجدل السياسي في إيران... النموذج الصيني؛ يعني التهدئة مع الولايات المتحدة، والدول الغربية والتركيز علی التنمية الاقتصادية في الداخل، شجعت إدارة رفسنجاني سياسة التهدئة مع الجوار، وكان الهدف لتلك السياسة تقليص أعباء السياسة الخارجية ومع انتخاب الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي عام 1997 برزت أجندة التنمية السياسية في الداخل واستمرّت السياسة الخارجية الداعية للتهدئة لكن طرح الرئيس محمود أحمدي نجاد (2005-2013) الاتجاه شرقاً بصفته خياراً إستراتيجيّاً يؤمّن المصلحة القومية الإيرانية...
اقترب روحاني من رؤية رفسنجاني، اي ضرورة أن تخدم السياسة الخارجية التنمية الاقتصادية في الداخل، وبذلك عادت إيران إلى النموذج الصيني من البوابة النووية... وكان الرئيس روحاني يريد التهدئة مع الخارج من البوابة النووية للانتقال إلى التنمية الاقتصادية وُقّع الاتفاق النووي عام 2015، لكن الرئيس ترامب انسحب من الاتفاق وسادت العقوبات القصوى علی كل تلك الحسابات، وانتقلت حكومة روحاني إثر ذلك من أولوية التنمية الاقتصادية إلى "المقاومة الاقتصادية".
** تغيير البوصلة الخارجية
يناقض الاتجاه شرقا كل ما نادت به إدارة روحاني، فلم يكن بمقدور إدارته تغيير البوصلة الخارجية وتبنّي الاتجاه شرقاً خياراً إستراتيجيّاً رئيساً... ومع انتخاب السيد ابراهيم رئيسي، عاد الاتجاه شرقاً، استهدفت سياسة رئيسي التركيز علی القدرات الداخلية والتقرّب من الدول الشرقية التي تشمل القوى الآسيوية، الصين والهند وروسيا، أي القوى الصاعدة وفق فهم إستراتيجيي، وذلك للحد من أثقال العقوبات، كان الرجل واضحاً عند قوله إنه لن يضع مقدّرات البلاد جانباً لينتظر مآلات الاتفاق النووي، ورغم استمراره بالدبلوماسية النووية مع دول الـ1+5، فإنه عمل جاهداً علی بناء علاقات وطيدة مع القوى الصاعدة لإنهاء عزلة إيران الاقتصادية والسياسية، وتطوير إمكانياتها وفتح أبواباً اقتصادية للحد من وطأة العقوبات الاقتصادية الأميركية، ويأتي بالاستثمارات من اجل تطوير قطاعات ايران الاقتصادية ومحاولة تقليص آثار تلك العقوبات والموازنة بين اتجاهي السياسة الخارجية في الداخل، حيث يميل الاصلاحيون الى الغرب.
الخيار إستراتيجي من اجل تعديل وضع إيران الدولي عبر إعادة تأطير اتجاهات إيران الدولية ومع بوادر تفكك النظام الإقليمي الخاضع للولايات المتحدة، ترى ادارة رئيسي أولويات إقليمية سبق الحض عليها باستمرار باعتبارها البديل للتوجه الدولي لإدارة روحاني، كما ان إعادة التركيز على الإقليم بأبعاده الدولية تمثّل نافذة جديدة لم تكن لتهتم بها إدارات سابقة أولت البُعد الدولي اهتماماً أكبر..
** التقارب "الإيراني - الصيني"
مجاراة الصين للولايات المتحدة في حملة "العقوبات" وتصويتها ضد طهران، كل هذا لم يشجعها على التقرب من طهران، لكن عادت الصين لتكون جزءاً مهمّاً من معالم سياسة إيران الدولية... بدت ملامح التقارب الإيراني الصيني بعد توقيع وثيقة التعاون الشامل بين البلدين، حيث نمت العلاقات الاقتصادية والتجارية من مليار دولار إلى 51 مليار دولار على مدى ثلاثة عقود...
التطور الكبير دعم الصين وروسيا عضوية إيران في منظمة شانغهاي للتعاون، مثل الامر إطاراً مؤسساتيّاً لتأطير العلاقات الأمنية والعسكرية بين إيران والدول الأعضاء في مرحلة دولية تشهد استقطابات عالمية بين القوى الآسيوية والغرب...
ميل الصين إلى التعاون مع إيران يظهر أنها شريك إستراتيجي في سياستها في الشرق الاوسط وعدم تدخلها في الشؤون الداخلية للدول
ميل الصين إلى التعاون مع إيران يظهر أنها شريك إستراتيجي في سياستها في الشرق الاوسط وعدم تدخلها في الشؤون الداخلية للدول، تستمر الصين بشراء الطاقة من إيران والعمل الاقتصادي والتجاري معها رغم حملة الضغوط القصوی، الا ان زيارة الرئيس الصيني للرياض وتوقيعه بعضاً من البيانات والوثائق المشتركة اعطت المنتقدين لسياسة التوجه شرقا اسبابا للقيام بحملة..
يرى الإيرانيون في الدور الصيني عنصراً موازناً في المنطقة لرؤية بكين الأكثر توازناً من الغرب انخراطها في تعاون اقتصادي وتجاري أوسع في المنطقة، إلا أن ما استفزّ الإيرانيين أتی في توقيع الرئيس شي بينغ علی البيان الختامي للقمة المشتركة التي جمعته بقادة دول مجلس التعاون، حول مبادرة ومساعي دولة الإمارات العربية المتحدة للتوصل إلى حل سلمي لقضية الجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى، وأبو موسى..."، هو ما أثار الإيرانيين لما فيه من "دعم الصين ادعاءات الإمارات حول الجزر"... وانتقدت الخارجية الإيراني الصين، وذهبت إيران بشكل رسمي نحو الرد علی الموقف الصيني، فعند زيارة مساعد رئيس الوزراء الصيني طهران، نشر وزير الخارجية تغريدة باللغة الصينية قال فيها إن بلاده "لن تجامل أي طرف فيما يخص وحدة التراب الإيراني" وتم ايضاح الموقف بعد زيارة رئيس مجلس الدولة وافتتاح قنصلية في بندر عباس.
** زيارة رئيسي الى الصين
يزور الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الصين بناءً على دعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ يوم 14إلى 16 فبراير/شباط الجاري، وسيلتقي نظيره الصيني، في ثاني لقاء بينهما بعد اللقاء الأول الذي جمعهما على هامش قمة منظمة شنغهاي في أوزبكستان في شهر أيلول/سبتمبر الماضي... تأتي زيارة الرئيس الإيراني إلى الصين بعدما أثار بيان القمة الخليجية الصينية الَّذي تطرَّق إلى الجزر المتنازع عليها بين إيران والإمارات العربية المتحدة والاتفاق النووي الإيراني...
تظهر الزيارة الرهان الايراني على التقارب في ظل التباعد الصيني الاميركي بعد حادثة المنطاد والتهديدات الاميركية التي طالت الصراع على تايوان ومحاولة زعزعت الاستقرار التجاري الصيني وبناء قواعد عسكرية في الفيليبين
ستتناول المباحثات التي سيجريها الرئيس الإيراني مع نظيره الصيني والمسؤولين الصينيين مواضيع عدة، أبرزها تعزيز الشراكة الإستراتيجية الشاملة التي وقعها البلدان في آذار/مارس 2021، وبدأ تنفيذها في كانون الثاني/يناير 2022، وسيتم توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات عدة تطال النفط، والتعاون العسكري والدفاعي، وزيادة الصادرات الإيرانية إلى الصين، وزيادة الاستثمارات الصينية في إيران.
وسيبحث الجانبان الدور الصيني في الملف النووي الإيراني والأوضاع الأمنية في أفغانستان والتعاون مع حركة "طالبان"، بعد تهديدات داعش للسفارات الصينية والايرانية... "تأمين الاستقرار والأمن في المنطقة" الذي ترغب به بكين سيمكنها من لعب دور الوسيط بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي بعد ان نالت الموافقة المبدئية من مجلس التعاون... ايران من جهتها لم تأوا جهدا في سبيل التقارب مع جيرانها...
تظهر الزيارة الرهان الايراني على التقارب في ظل التباعد الصيني الاميركي بعد حادثة المنطاد والتهديدات الاميركية التي طالت الصراع على تايوان ومحاولة زعزعت الاستقرار التجاري الصيني وبناء قواعد عسكرية في الفيليبين... لا شك ان السياسة الاميركية العدائية اتجاه كل من الصين وروسيا قربت بينها وبين ايران وطورت العلاقات مع الشرق.
** العلاقات "الايرانية - الروسية"... تقارب وتعاون
تم تطوير العلاقة مع روسيا... ابتعد بوتين عن الغرب ووطد العلاقة مع ايران من البُعد السياسي إلى أبعاد غير مسبوقة كالتعاون العسكري، فقد ساهم الظرف الدولي والتطورات الإقليمية في دعم العلاقة بين البلدين فاصبحا شريكين إستراتيجيين مع تصاعد أزمتي أوكرانيا والاتفاق النووي...
لقد وضعتهما السياسة الغربية والعقوبات في تعاون اقتصادي وعسكري التعاون الاقتصادي التجاري جرى التفاهم علی تطوير التجارة البينية إلى 40 مليار دولار في غضون الأعوام العشرة المقبلة مذكرة تفاهم في تاريخ العلاقة بين شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة غازبروم الروسية لتطوير حقول نفط إيرانية تخدم التقنية الروسية طهران في تطوير البنی التحتية للطاقة الإيرانية وتوسيع شبكة المواصلات؛ تمتد شبكة المواصلات الدولية الجديدة التي تعمل الدولتان علی توسيعها من شرقي أوروبا إلى البحر الهندي على مساحة 3000 كيلومتر تعبر بعيداً عن أي تدخّل أجنبي عزّز البعد المائي في بحر قزوين... سيطرة روسيا علی بحر الآزوف إثر الحرب الأوكرانية... التعاون التسليحي التقني مهم حيث تحصل إيران علی أنظمة دفاعية وعلی مقاتلات وأنظمة دفاعية تمنحها قدرات وميزات عسكرية.
/انتهى/