وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: الخامس والعشرين من أيار 2000 كان بداية التأسيس للتحول الكبير على مستوى الأمة، وليس مجرد تاريخ تحرير معظم الأراضي اللبنانية المحتلة وانسحاب العدو الصهيوني تحت ضربات المقاومة ذليلًا دون قيد أو شرط، وما نشهده اليوم على مستوى التغيرات في كل الأمة دليل على هذا التحول، سواء من ناحية أداء المقاومة أو الواقع الإسرائيلي المنقسم ومحاولة العدو ترميم قوة الردع في مواجهة وحدة ساحات المقاومة...
يعيش لبنان مسارات للانتصار منذ عام 2000 عندما اندحر العدو الصهيوني عن كل الاراضي اللبنانية بهزيمة نكراء يتردد صداها الی اليوم، فقد ألحق هذا الانتصار العار بالمنظومة العسكرية الصهيونية، هذه الهزيمة التي تتوسع اكثر في كيان الاحتلال وتتعمق أكثر في جذوره لتصل الی أزمة وجودية حقيقية يتحدث عنها اليوم الخبراء والمؤرخون الاسرائيليون...
وفي هذا الصدد أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء "وردة سعد"، حواراً صحفياً مع الاستاذ في العلوم الاجتماعية والباحث في الشؤون الإقليمية الدكتور "طلال عتريسي"، واتى نص الحوار على الشكل التالي:
** انتصار المقاومة الاسلامية عام 2000 وتحرير اراضي لبنانية بالقوة اتى في مرحلة شاع فيها الحديث عن عدم القدرة على المواجهة والعجز عن التوازن العسكري مع جيش الاحتلال!! فهل استطاعت المقاومة سد هذه الثغرة وتغيير معادلات القوة في المنطقة؟
قبل التحرير عام 2000 وعلى امتداد اكثر من ثلاثة عقود كانت الثقافة السائدة في الاوساط السياسية والثقافية اننا لا نستطيع ان نقاتل "اسرائيل" وتقدم مبررات مختلفة منها ان "اسرائيل" متقدمة تكنولوجيا وعلميا وصناعيا، وانها دولة مدعومة من الغرب، وان العرب مفككين وليس لديهم قرار، ولا ننسى ان مطلع الثمانينات كان نوع من الانتصار "الإسرائيلي" على منظمة التحرير الفلسطينية واخراج الفلسطنيين من لبنان..
مع عام 2000 بدأنا ما اطلق عليه "ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات"...
وبالتالي كان هناك نوع يسمى بثقافة الهزيمة، ثقافة العجز عن التفكير في مواجهة "اسرائيل"، الذي حصل منذ الثمانينيات وتوج بعام 2000، هو ان هذه الثقافة انتقلت تدريجيا ومن خلال تراكم التضحيات والعمليات والبطولات والانتصارات الموضوعية وصولا الى عام 2000 بإعلان التحرير وارغام "إسرائيل" على الانسحاب من دون اي قيد او شرط وبعيدا من قرار الامم المتحدة الذي لم ينفذ اي قرار 425، اذن مع عام 2000 بدأنا ما اطلق عليه "ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات" يعني ولى زمن ثقافة الهزيمة وبدأنا مع عام 2000 بتشكيل ثقافة جديدة هي ثقافة القدرة على تحقيق الانتصار، وهذه القدرة بنيت على واقع وليس على مجرد نظريات.
** منذ العام 67 تبنى العرب شعار: "ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة!!" الذي اطلقه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.. لكنهم تخلوا عن ذلك بذريعة التسوية مع الاحتلال.. فلماذا استطاعت المقاومة من تقديم نموذج للقوة المنتصرة في حين عجزت الجيوش العربية عن ذلك؟ ما هي العوامل الذاتية للانتصار؟
المقاومة التي نجحت في التحرير عام 2000 وفي الثبات وفي تحقيق الانتصارات عام 2006 غيرت طبيعة المعادلات، وغيرت من توازن الردع
تراجع العرب ما بعد67 حتى ما بعد 73 عن اللاءات الثلاثة: لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض، وعن اطروحة الرئيس الراحل عبد الناصر ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، وذهبوا الى استراتيجيات مختلفة، استراتيجية الاعتماد على الامم المتحدة، استراتيجية الاعتماد على المبادرات: كالمبادرة العربية للسلام، وصولا الى استراتيجية التفاوض المباشر، وجعل التفاوض فلسطيني _ اسرائيلي لان برأيهم ان الصراع هو فلسطيني _ اسرائيلي هذا ما حصل في السنوات الماضية، لكن بموازاة هذه الاستراتيجيات، كانت استراتيجية المقاومة تنمو وتتبلور سواء في داخل فلسطين او من لبنان، ولهذا السبب كان التركيز الدولي الغربي الصهيوني على خنق هذه المقاومة وهذه التجربة حتى لا تعرقل استراتيجيات التفاوض، واستراتيجيات السلام غير المنظور..
المقاومة التي نجحت في التحرير عام 2000 وفي الثبات وفي تحقيق الانتصارات عام 2006 غيرت طبيعة المعادلات، وغيرت من توازن الردع، ولاول مرة في تاريخ الكيان يحسب الف حساب لاي اعتداء يمكن ان يفكر فيه، يحسب الف حساب لرد المقاومة، والمعضلة التي يعيشها الكيان اليوم انه كلما تأخر في عملية عسكرية ضد المقاومة، كلما زادت قدرات المقاومة، وبالتالي تراجعت قدرة الردع لديه، ولا يستطيع ان يشن مثل هذه الحرب اليوم لانه لا يثق بقدرته على تحقيق الانتصار الواضح، هكذا تغيرت المعادلات، اصبحت المقاومة حاجز حقيقي استراتيجي ردعي في مواجهة هذا الكيان الذي فقد القدرة الاساسية الاستراتيجية الذي بنى عليها كل اسطورته وهي "الحرب الخاطفة" وانجاز الحرب بسرعة، وجعل العدو عاجزا عن التفكير في الرد او في شن الحرب هذا كله انتهى مع هذه المقاومة ومع معادلات الردع الجديدة في المنطقة.
** في السنوات التي اعقبت العام 2000 دأبت المقاومة على تقديم العروض العسكرية التي توقفت لاسباب معروفة! ثم عادت هذا العام ولو بشكل رمزي، ما أهمية هذه العروض سياسيا ومعنويا اولا وما دورها في معركة كي الوعي كما تسميها المقاومة في المواجهة مع جيش الاحتلال؟
العوامل الذاتية للانتصار هي في هذه الاستراتيجية: الاعتماد على المقاومة وليس على التفاوض، وليس على الامم المتحدة، والقيام بالواجب وبالتكليف والاعتماد على الشعب، وعلى القضية المحقة.
والاعتماد على قاعدة متينة هي الجمهورية الاسلامية الايرانية التي كانت تؤمن بالمقاومة وتدعمها، وهذا خلاف الاستراتيجيات السابقة، ولهذا السبب كان تحقيق شروط الانتصار على كل المسؤوليات، واهمها الاعتقاد بالقدرة على تحقيق الانتصار والقيام بالواجب، وتأمين كل الشروط العملياتية والفنية والأمنية وغير ذلك، وكل هذا ساهم في تغيير المعادلة وفي تحقيق الانتصار.
** المقاومة لا تقاس قوتها بترسانتها العسكرية، ولا بجحافل جيوشها الجرارة، بل هناك مقاييس اخرى لذلك، من بينها ما يعرف بالحاضنة الشعبية.. فكيف رأيتم اداء هذه الحاضنة في الجنوب والبقاع وكل لبنان، التي امدت المقاومة ولا تزال بأحد اسباب الانتصار؟
المقاومة هي طبعا جزء من الشعب، وانا لا اميز حقيقة بين المقاومة وبين الشعب، لان هذا الشعب هو الذي انتج المقاومة وليس اي بيئة اخرى، وبالتالي البيئة الحاضنة هي المقاومة والمقاومة هي البيئة الحاضنة...
البيئة الحاضنة هي المقاومة والمقاومة هي البيئة الحاضنة...
هذه البيئة عايشت من جهة الاعتداءات وتعرضت للذل وللظلم، ولذلك عندما تقدمت مجموعات من الشباب وبادرت الى تأسيس المقاومة كانت الناس تشعر بالحاجة الى المقاومة، ولم تكن بعيدة عن هذا التفكير، كانت تشعر بالحاجة الى ردع العدو الذي كان يهدد ويقصف ويدمر كل يوم، ولهذا السبب لا نستغرب ان تقدم هذه البيئة الحاضنة هذه التضحيات لانها هي المقاومة ولانها هي التي انتجت هذه المقاومة، وهذه مسألة يعجز البعض عن فهمها وادراكها لانهم يعتقدوا ان المقاومة شيء والحاضنة الشعبية شيء اخر، وان ضرب الحاضنة يعزل المقاومة، وهذا غير صحيح فهما شيء واحد، هذه المقاومة تحقق الانجازات لانها من هذا الشعب، ولان الشعب هو الذي انتجها، وهذه ميزة للمقاومة وخصوصيتها ايضا.
** دائما كان المثقفون العرب يتحدثون عن صراع شامل مع كيان الاحتلال، لا يقتصر على المواجهات العسكرية.. بل هي حرب على مستوى الوعي والثقافة والحريات والتقدم العلمي والصناعي.. اي انها حرب حضارية!! هل ترون ان المقاومة ادت قسطها في هذه الميادين؟ هل باتت المواجهة اكثر وضوحا بفضل تضحيات المقاومين وانتصاراتهم؟
ربما بدأت المقاومة بالعمل العسكري والميداني وهذا كان امرا ضروريا لان العدو كان موجود على الأراضي اللبنانية، وبالتالي كان يجب المبادرة الى الحرب المباشرة والى التعبئة في هذا الاتجاه اتجاد طرد الاحتلال عن الارض اللبنانية، لكن بمرور الوقت تبلورت مفاهيم ثقافية في هذا الصراع، ربما لم تكن مطروحة في البداية، لكن طبيعة المواجهات وتوسعها، وارتفاع الوعي في عملية المواجهة، ودراسة العدو واساليبه النفسية والإعلامية والسياسية اتاح للمقاومة ان تنتج مفاهيمها الثقافية...
المعركة اليوم باتت متلازمة بين الاستعداد والقدرات العسكرية والامنية والتدريبية وبين المواجهة الفكرية والثقافية..
عندما نقول ان مثلا "عصر الهزائم" "زمن الانتصارات" هذه مفاهيم ثقافية بمعنى ان ننظر الى العدو بإعتباره يعيش الهزائم وبأنه كيان مؤقت، وان الصراع هو صراع وعي واعلامي وسياسي، وصراع مفاهيمي وتسميات ومصطلحات، مثل التسميات التي تطلق على الحرب التي تشن على غزة "ثأر الاحرار" و"سيف القدس" او المصطلحات التي يطلقها العدو "عناقيد الغضب" "سلامة الجليل" وغير ذلك، المعركة اليوم باتت متلازمة بين الاستعداد والقدرات العسكرية والامنية والتدريبية وبين المواجهة الفكرية والثقافية.. في اصل طبيعة ووجود هذا الكيان والمفاهيم التي يحملها والثقافة الغربية التي تحمي هذا الكيان وتحمي الاحتلال والاستبداد، هذا بات واضحا في ادبيات المقاومة وفي وسائل اعلامها، وفي وسائل التثقيف لديها...
** عندما نتحدث عن ثورات عالمية او حتى ثورات تاريخية فان ما يبقى عالقا في الاذهان هو مجموعة اسماء وقادة تحولوا الى رموز للحدث التاريخي.. فهل استطاعت المقاومة الاسلامية ان تخلق رموزها؟ وما الذي سيتحدث عنه التاريخ عند مروره على هذه المرحلة من تاريخ العرب والمسلمين؟
هذه المقاومة خاضت تجربة على امتداد اربعة عقود هي نصف تاريخ لبنان ونصف تاريخ الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وانجزت الكثير على المستوى الميداني في مواجهة الاحتلال وطرده، وفي تثبيت توازن الردع، وانجزت الكثير على مستوى الوعي في المواجهة وشمولية هذه المواجهة...
نظرا لأهمية هؤلاء القادة، اليوم الولايات المتحدة تحاول ان تشوه صورة القائد الكبير الحاج عماد مغنية، لانهم يعرفون اهمية القادة واهمية ما سيذكره التاريخ عنهم...
وهذه التجربة انجبت الكثير من القادة، ولو كان هؤلاء القادة في جيوش نظامية في الغرب لكانوا اليوم برتبة جنرالات وعلى صدورهم عشرات النياشين والاوسمة، لكن هؤلاء قادة من الشعب، اناس بسطاء ومتواضعين وابطال كبار ومفكرين ومنظرين ومخططين استراتيجيين، لكنهم بسطاء وقريبين من الناس، هذا ما يعمل عليه اليوم بسيرة هؤلاء القادة، طبعا التاريخ يذكر القادة، والقادة يلعبوا دورا كبيرا في التاريخ، ونظرا لأهمية هؤلاء القادة، اليوم الولايات المتحدة تحاول ان تشوه صورة القائد الكبير الحاج عماد مغنية، لانهم يعرفون اهمية القادة واهمية ما سيذكره التاريخ عنهم...
اليوم هناك مهمة ملحة هي في تأكيد التاريخ الحقيقي لهؤلاء القادة، ليتحول الى مرجعية يدرسها الطلاب، يقرأ عنها الشباب في الكتب والمؤلفات في الافلام والفيديوهات، وهذه مرحلة فاصلة واساسية في تاريخ الصراع، هذا الصراع كان له قادة بارزين صنعوا الانتصارات وادركوا نقاط الضعف عند هذا العدو، وساهموا الى جانب هذا الشعب فيما نعيشه اليوم من مرحلة انتصارات وعزة وكرامة، وفيما يعيشه العدو من اسئلة وقلق وجودي عميق وحقيقي...
/انتهى/