قال الكاتب والباحث السياسي الأستاذ علي مراد، بما أن بايدن عدّل استراتيجيته في المنطقة، فهو رأى أن التعديل يتطلب جمع حلفائه لكي يضمن تشكيل حائط سد لمنع الصين من التمدد، وأيضاً للحؤول دون تطور العلاقات السعودية الإيرانية...

وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: إن الروابط التي تتشكل بين دول المنطقة "ايران والسعودية" وتعزيز العلاقات الاقتصادية فيما بينها ودخول الصين كحليف قوي، لن تُفضِ فقط إلى تعطيل المكاسب الكبيرة لتجارة الأسلحة الأمريكية، ولكن مع صون الأمن الإقليمي، ستتجه المنطقة نحو نهاية الوجود العسكري الغربي، وهو الأمر الذي سيوجه ضربة قاسية إلى هيمنتهم؛ في الوقت نفسه لقيت هذه الاتفاقيات ترحيباً من قبل العديد من الدول واعتبرتها أساسا للتطورات الجديدة في المنطقة والعالم...

فهذه الاتفاقيات والمعاهدات التي تمت بين دول المنطقة أظهرت خوف أمريكا من النظام العالمي الجديد الذي كشف انحدار النظام الرأسمالي والنزعة الأحادية للغرب في الساحة العالمية...

وفي هذا الشأن أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، "وردة سعد" حواراً صحفياً مع الكاتب والباحث السياسي الأستاذ "علي مراد"، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:

** الولايات المتحدة اعلنت عن استقدام المزيد من الحشود العسكرية الى المنطقة واضافة 3 الاف جندي وعدد من القطع البحرية القتالية.. والهدف مواجهة ايران وحماية السفن التجارية كما تقول واشنطن!! لكن ما هو الهدف الحقيقي من وراء ذلك؟ وهل يعني هذا الحشد العسكري امكانية الصدام مع القوات الايرانية في الخليج الفارسي؟

ليس في قاموس دولة الأمن القومي الأميركية أي خطة حالية للمواجهة العسكرية مع الجمهورية الإسلامية.. حالة الردع المتواصلة التي ضمنتها القوات المسلحة الإيرانية وخاصة قوات حرس الثورة الإسلامية، منذ أكثر عقد ونصف، تدل على أن التعزيزات الأميركية إلى منطقة الخليج الفارسي ليست بهدف التحضير للمواجهة بل لأسباب أخرى...

واشنطن تريد طمأنة السعودية وباقي دول مجلس التعاون والدول العربية التي تدور في فلك أميركا، بأنه لا ضمانة دولية سواها لاستمرار وبقاء هذه الدول...

الشهيد الحاج "قاسم سليماني" كان دائماً يجيب على سؤال حول إن كان التعزيزات الأميركية في مياه الخليج الفارسي دليل على اقتراب الحرب بأنكم عندما ترون الأميركيين يسحبون قطعهم العسكرية من مياه الخليج، وعندما يخفض عدد جنوده المنتشرة في قواعد المنطقة، عندها استعدوا للحرب، واما عندما يعزز حضوره بهذا يعني أنه لا مواجهة ولا حرب...

التفسير المنطقي الوحيد لهذا السلوك الأميركي الحالي هو أن واشنطن تريد طمأنة السعودية وباقي دول مجلس التعاون والدول العربية التي تدور في فلك أميركا، بأنها تجدد التزامها بحمايتهم، وأنه لا ضمانة دولية سواها لاستمرار وبقاء هذه الدول...

** هل غيرت واشنطن من استراتيجيتها تجاه المنطقة؟ وهل عادت الى سياسة الهيمنة المباشرة والمكثفة على دولها ونفطها بعد ان اعلنت الانسحاب في عهد أوباما، وطلبت من السعودية ان تحمي نفسها في عهد ترامب؟ وفي اي سياق يمكن ادراج هذا الحشد العسكري الاميركي في المنطقة؟

مقارنة بما كان بايدن قد أعلنه في بداية ولايته، لا شك بأن هناك تعديلاً على استراتيجيته لسببين اثنين؛ كان يريد التخفف من أعباء الالتزام بأمن حلفائه في المنطقة وتسخير الأصول الأميركية الموجودة في منطقتنا لصالح الصراع مع الصين؛ السبب الأول هو معركة "سيف القدس" وما تلاها من مواجهات كشفت الوهن والضعف الصهيوني...

الصين وجّهت صفعة للأميركيين عبر مباغتتهم بالنفاذ إلى منطقة نفوذهم، في الوقت الذي كانوا يحاولون تحديد ساحة المواجهة معها عبر حصرها في إقليمها في شرق آسيا...

والسبب الثاني هو دخول الصين إلى المنطقة من البوابتين الكبيرتين "الايرانية والسعودية"، وهو ما يعني أن الصين وجّهت صفعة للأميركيين عبر مباغتتهم بالنفاذ إلى منطقة نفوذهم، في الوقت الذي كانوا يحاولون تحديد ساحة المواجهة معها عبر حصرها في إقليمها في شرق آسيا، فإذا بها تقول للأميركيين بأنها لن تقبل بحصر المعركة حيث يريدون بل ستأتي بها إلى غرب آسيا (منطقة النفوذ المهمة لواشنطن)...

هذان السببان كانا وراء تعديل بايدن استراتيجيته التي كان يسير فيها على خطى سلفَيه السابقين وهو اليوم يضطر الى تعديلها...

** الرئيس بايدن تبنى استراتيجية السلام الابراهيمي والتطبيع بين كيان الاحتلال ودول الخليج وادماج الكيان في تحالفات امنية واقتصادية معها.. والشائعات حول ذلك كثيرة.. ولكن ما الذي تتوقعونه على هذا الصعيد؟ وهل سينجح بايدن في دفع السعودية للتطبيع مع اسرائيل؟

بايدن عدّل استراتيجيته في المنطقة لانه يرى أن التعديل يتطلّب جمع حلفائه لكي يضمن تشكيل حائط سد لمنع الصين من التمدد وللحؤول دون تطور العلاقات السعودية الإيرانية...

بما أن بايدن عدّل استراتيجيته في المنطقة، فهو رأى أن التعديل يتطلّب جمع "حلفائه" مع بعض لكي يضمن تشكيل حائط سد لمنع الصين من التمدد وأيضاً للحؤول دون تطور العلاقات السعودية الإيرانية بحيث ينشأ عنها نظام إقليمي جديد، يكون الكيان الإسرائيلي لا مكان له فيه...

لذلك نرى هذه الاستماتة من قبل إدارة بايدن لإقناع السعودية بقبول توقيع اتفاق مع الكيان ضمن ما تسمى "اتفاقات ابراهام".. هل سينجح؟ أنا شخصياً أستبعد، رغم كل ما تنشره الصحافة الأميركية وأيضاً الصهيونية عن حصول تقدّم في المفاوضات...

المطالب التي وضعها محمد بن سلمان على الطاولة أمام بايدن من الصعب أن تجري تلبيتها كلها بشكل كامل؛ من القضايا الأكثر تعقيداً وصعوبة قضية انتزاع التزام من قبل حكومة نتنياهو بالاعتراف بدولة فلسطينية (أياً كانت حدودها أو مكان عاصمتها)، هذه نقطة مرفوضة رفضاً قاطعاً من قبل شركاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي، وإن حاول نتنياهو تلبية هذا المطلب سينهار ائتلافه...

الأميركيون يطرحون فكرة جديدة على نتنياهو لتسهيل العملية، بأن يحل حكومته الحالية ويتخلص من احزاب اليمين الدينية ويذهب لتشكيل حكومة بالشراكة مع لابيد وغانتز لكي يضمن حكومة فيها أغلبية قادرة على المصادقة على اعتراق بما يسمى حل الدولتين، لكن حتى لابيد وغانتز يرفضان الاشتراك مع نتنياهو في حكومة واحدة...

كخلاصة، أنا اعتقد أن مساعي بايدن ستفشل ليس لأن السعودية سترفض أي اتفاق من دون حقوق الفلسطينيين، بل لأن الصهاينة لن يقبلوا إعطاء أي شيء للفلسطينيين، والسعودية بموقعها عربياً واسلامياً لا تستطيع أن تتجاوز حقوق الفلسطينيين ومكانة المقدسات الاسلامية في القدس في اي اتفاق تطبيع، كون المسألة تمس شرعية النظام الذي يكتسب شرعيته من رعايته للحرمين الشريفين، فلا تستقيم خدمة الحرمين والتفريط بالحرم الثالث (المسجد الاقصى)...

** ما حقيقة الخلافات بين حكومة اليمين العنصري في تل ابيب والادارة الاميركية في واشنطن؟ وهل يمكن ان نشهد موقفا اميركيا حازما للضغط على حكومة الاحتلال؟ والاهم من ذلك الى اي مدى يمكننا البناء على هذا الخلاف في حال وجوده، لتعزيز كفة المقاومة في مواجهة الاحتلال؟

هناك خلاف لا شك بين ادارة بايدن وحكومة نتنياهو... بايدن والديمقراطيون الليبراليون غير راضين عن ما تفعله حكومة اليمين الصهيونية، لأن استراتيجيتهم في المنطقة تتأثر بما يقوم به نتنياهو واركان حكومته، يعتقد بايدن ومساعدوه أن ما تسمى الاصلاحات القضائية من شأنها أن تؤثر على مستقبل الكيان، وبما ان بايدن يعتبر نفسه صهيونياً اصيلاً، فهو يحاول ممارسة أبوية في الضغط على نتنياهو لكي يتراجع...

فقد فشل في الحؤول دون إقرار قانون تقليص صلاحية المحكمة العليا، لكنه لا يزال يراهن على أن نتنياهو سيوقف اندفاعته وإما يقنع سموتريتش وبن غفير بالتوقف عن المطالبة بإقرار هذه القوانين، أو سيحل حكومته لتشكيل حكومة مع لابيد وغانتز. لكن لا يوجد مؤشر على أن نتنياهو سيستجيب للضغوط الأميركية...

طبعاً ما يحصل بين بايدن ونتنياهو هو ليس وليد اليوم أو الأمس، فالمشكلة بدأت قبل سنوات عندما جيّر نتنياهو قسماً كبيراً من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لصالح ترامب والجمهوريين، ما أدى إلى تشظي اللوبي الصهيوني الذي أغلب قاعدته موجودة في الحزب الديمقراطي (حوالي 70% من يهود أميركا يصوتون للديمقراطيين)، الأمر الذي كرّس انقساماً كبيراً جعل تأييد الحكومات الإسرائيلية مسألة حزبية في أميركا، وهو ما كان غير مألوف خلال العقود السابقة...

هذا التطور لا شك مفيد للفلسطينيين وكذلك لمحور المقاومة، ففي الوقت الذي تهتز علاقة تل ابيب وواشنطن بسبب الانحيازات، محور المقاومة يزداد تماسكاً ووحدة وخاصة في ملف القضية الفلسطينية...

** ما حدث في النيجر لم يكن مجرد انقلاب عسكري او تغيير لسلطة مدنية.. بل ان الكثيرين يعتبرون هذا البلد بمثابة اوكرانيا الافريقية.. فهل فعلا ردت روسيا الضربة للتحالف الغربي وفتحت جبهة مواجهة جديدة في القارة السمراء؟ ولماذا تحاول اميركا استيعاب الموقف وعدم الذهاب باتجاه المواجهة السافرة مع قادة الانقلاب في النيجر؟

وفق الظاهر حتى الآن، ما حصل في النيجر ليس أن روسيا ردت على التحالف الغربي هناك.. من يتابع جيداً المسار الذي تسلكه كثير من الدول الأفريقية منذ مدة كان من البديهي أن يتوقع ما حصل، فقبل النيجر كانت "بوركينا فاسو" وقبلها "مالي"، وهناك دول افريقية اخرى باتت تأخد قرارات اكثر استقلالية عن الغرب...

ما يحصل برأيي هو بوادر عملية تحرر القارة من ربقة الاستعمار الغربي على اختلاف أشكاله...

ما يحصل برأيي هو بوادر عملية تحرر القارة من ربقة الاستعمار الغربي على اختلاف أشكاله... الأفارقة كغيرهم من شعوب العالم يرون أن أفريقيا هي ساحة مواجهة وتنافس مهمة في النظام العالمي الجديد الآخذ بالتشكل، وما يقدمه الغرب لهم لم يعد مغرياً في مقابل ما تقدمه كل من الصين وروسيا وبعض الدول المستقلة الباقية كإيران...

جمع بايدن العام الماضي الدول الأفريقية في قمة عبر الفيديو وأعلن أنه سيخصص حوالي 50 مليار دولار كمساعدات ومشاريع لكل الدول الـ54 الأفريقية، وهذا رقم متواضع لعموم دول القارة، وفي الوقت الذي تستثمر الصين وروسيا هذا المبلغ في 3 او 4 دول...

كما أنه في الوقت الذي تقدّم فيه موسكو وبكين للشعوب الأفريقية مشاريع تنموية مهمة، من صحة وتعليم وبنى تحتية ومشاريع طاقة وتجارة الخ..، الولايات المتحدة تقدم لشعوب أفريقيا الشذوذ الجنسي لإقناعهم بالعلاقة معها! أنا أعتقد بأن أميركا الآن تحاول أن تستميل قادة الانقلاب في النيجر من خلال السعي لتلبية بعد احتياجات النيجريين بعد ان تأكد طرد فرنسا من هناك...

أميركا لا تريد أن يصل منافسوها إلى مخزون المعادن النادرة الموجود في النيجر وهي تعرف بأن الخيار العسكري لن يكون مجدياً وسوف يوحد كثيراً من الدول الأفريقية ضدها، لذلك يستعملون الدبلوماسية والحوار ويرسلون الموفدين، لكن لن تنجح مساعيهم في نهاية المطاف، وقد يدفعوا دول إيكواس بأن يتدخلوا في نهلية المطاف ولكن النتيجة ستكون اقتتال دول الساحل وخراب هذه الدول كلها، وبذلك تضمن أميركا أن خربت المنطقة بعد أن فشلت بوضع اليد والهيمنة عليها...

/انتهى/