أكد مسؤول ملف الموارد والحدود في حزب الله، السيد نواف الموسوي، أن الكيان الصهيوني تحول اليوم إلى عالة بفعل حركات المقاومة المدعومة من الجمهورية الاسلامية، مشدداً على أهمية يقظة الشعوب تجاه المشاريع الأميركية المغطّاة بطابع انساني وحقوقي.

وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: كان لقيم ولنموذج الثورة الإسلامية المباركة طوفان في نفوس كل الشعوب التواقة للحرية ولاسقاط التبعية والهيمتة لقوى الاستكبار العالمي فكانت الانتفاضات والثورات الشعبية لتحقيق الحرية والسيادة والاستقلال.

ودأبَ قادة الثورة الإسلامية على دعم ومساندة كل هذه التحركات المقاومة التحررية مع احترام خصوصيتها وهويتها ولم تفرض اجندتها كما يفعل الغرب الإستعماري، ولم يكن هناك اي مصلحة لها سوى القضاء على الشيطان الاكبر وأعوانه.

وفي هذا الصدد أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، الأستاذة وردة سعد، حواراً صحفياً مع مسؤول ملف الموارد والحدود في حزب الله السيد نواف الموسوي، وجاء نص الحوار على النحو التالي:

يرى البعض ان اهم نتائج الثورة الاسلامية بعد اسقاط نظام الشاه وضرب اكبر قاعدة للصهيونية في المنطقة، كان انشاء وتطوير ما يعرف اليوم بمحور المقاومة.. واذا كان الامام الخميني(قدس) هو منظر هذا المحور فان الامام الخامنئي هو راعيه وواضع استراتيجيته التطبيقية الناجحة التي قادها الشهيد القائد اللواء قاسم سليماني.. ما هي القيمة العسكرية والسياسية لهذا المحور؟ والدور الذي يقوم به في اطار الصراع التاريخي في المنطقة ؟

إن العلاقات بين ايران والمنطقة، لا سيّما لبنان، تعود إلى خمسة قرون مضت، استمرت آنذاك بلا انقطاع. حتى سقوط الشاه، كانت السفارة الإيرانية في لبنان ناشطة مع شخصيات وقوى سياسية في لبنان تعتبر أداة للسياسات الأميركية في المنطقة وحليفة للكيان الصهيوني. سبق للبنان في عام 1952، أن أعلن رئيس جمهوريته انضمامه إلى حلف بغداد الذي أنشأته الولايات المتحدة، وكان هذا القرار الذي يرفضه أكثرية الشعب اللبناني سبباً في اندلاع حرب أهلية. شاركت القوات الايرانية العائدة للشاه آنذاك، في مدّ رئيس الجمهورية بالمال والسلاح عبر طائرات إيرانية تهبط في مطارات إسرائيلية، ليتم تسليمهم بعدها إلى من يقاتلون إلى جانب رئيس للجمهورية تابع للأميركيين. مع انتصار الثورة في إيران بقيادة الإمام الخميني(قدس)، كان من الطبيعي أن يقابل الشعب اللبناني تلك الثورة بفرح عظيم لأنها قد خلّصتهم من عدوّ في السياسات الداخلية اللبنانية ومن عدو حليف لعدوهم الأول الصهيوني. لم تخلّصهم من عدو فحسب، بل تحوّل الشعب الايراني، بعدما أمسك بقراره، إلى حليف للشعب اللبناني الذي كان يرزح تحت العدوان الاسرائيلي والاحتلال.

للتاريخ، لا بد أن نذكر أن كثيراً من الشخصيات الإيرانية، وعلى رأسها وزير الدفاع الشهيد القائد مصطفى شمران، قد سبق أن وقفت إلى جانب الشعب اللبناني، وخصوصاً في الجنوب اللبناني لمقاتلة العدو الصهيوني المحتل، وقد شاركت في ذلك مشاركة عمليّة. كما أن اللبنانيين أعطوا ما لديهم من خبرات عسكرية للثوار الايرانيين الذين تمكنوا من هزيمة الاستخبارات (السافاك)، بالإضافة إلى تعطيل القدرات العسكرية القمعية لنظام الشاه.

منذ اللحظة الأولى، وقف الشعب الايراني بقيادة الامام الخميني(قدس) إلى جانب الثورة الفلسطينية الهادفة إلى أرضها، كما الشعب اللبناني العامل على تحرير أرضه المحتلة وردع العدوان عنه.

انخرطت الجمهورية في فعاليّة الدعم بصورة مباشرة حتى أثمرت بتحرير معظم الأراضي اللبناني في عام 2000. واصل الامام الخامنئي(دام ظله)، بعد غياب الامام الخميني(قدس)، المسار الذي سلكه الشعب الايراني الثوري في دعم حركات التحرّر والمقاومة، مما أدى الى قفزة نوعية في قدراته وانجازاته. ومن الحق القول أن هذه الحركات في مجالاتها كلّها أيضاً، تقوم بما عليها من واجب في الدفاع عن الجمهورية ضد الهجمة الأميركية المتمثلة بالعقوبات والحصار والضربات التخريبية بأدوات الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية، كما وضرب النسيج الإجتماعي فيها لتفتيتها وجعلها لقمة سائغة.

وينبغي القول أن الادارة الأميركية تعارض النظام الإسلامي، لا لهويته الفكرية الخاصة فحسب، وإنما تناوئه وتحاصره لمحافظته على مصالحه الوطنية. ومن يعرف تاريخ إيران يعرف أن الدكتور محمد مصدّق لم يكن من الحركة الإسلامية، بل رجلاً قوميّاّ إيرانياً يحرص على مصالح وطنه وشعبه، فأطاحت به الولايات المتحدة بانقلاب رعته مباشرة. إذن، ما تسعى إليه الولايات المتحدة في إيران هو سلب مقدّرات شعبها واخضاعه لسيطرتها الكاملة، وتحويله إلى شعب تابع لا يقدر على التطوّر ولا على الاكتفاء الذاتيّ.

لماذا رأت قيادة الثورة الاسلامية ان المقاومة الشعبية المنظمة هي الاسلوب الانجع لمواجهة قوى الاحتلال الصهيونية والامبريالية الطامعة في ثروات المنطقة؟ بمعنى لماذا المقاومة كانت بديلا للجيوش النظامية، في مواجهات عاتية كالتي شهدناها ولا نزال، وهل ترى ان وراء ذلك فلسفة معينة واسبابا موجبة؟

كان من الطبيعي أن ترى الجمهورية الاسلامية ذلك لأنّها حقّقت الانتصار على نظام عنيف كنظام الشاه عن طريق الثورة الشعبية التي استخدمت السلاح حين الضرورة، لذا قد فهمت من اللحظة الأولى أهمية الإرادة الشعبية المسلّحة في مقاومة المحتل وإلحاق الهزيمة به، ولأجل ذلك توجّهت بالدعم للقوى الشعبية.

أما الفلسفة التي تقوم على ذلك، فيمكن تلخيصها بالآية الشريفة: إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما في أنفسهم، وانطلاقاً من هذه الآية لا يمكن تغيير أي وضعيّة إلّا لو قرّر الناس ذلك بإرادة مباشرة، لذلك كانت ولا تزال أهمية أن يعي الشعب حقيقة مصالحه، ثم يتحرّك من أجلها، لأن واحدة من أدوات الإدارة الأميركية هي الحرب الناعمة التي تهدف إلى تزييف وعي الشعوب بحقيقة مصالحها، وهذا ما انتبه إليه كثير من المثقفين والمفكّرين الذين تحدّثوا عن حالة الاغتراب أو الاستلاب، حين تصاب الشعوب بغيبوبة عن مصالحها الأصلية فتنقاد بالتضليل الإعلامي والحرب الناعمة إلى جدول أعمال لا يتوافق مع حقيقة مصالحها.

لماذا اراد القائد الشهيد سليماني ان يربط بين حركات المقاومة في المنطقة وان يجعل القدس وفلسطين الهدف الاسمى والاول للمقاومة الاسلامية؟ واي دور لعبته هذه الاستراتيجية في المواجهة مع الكيان الصهيوني اولا والتوازن الاستراتيجي مع القواعد والاساطيل الاميركية التي تحتل المنطقة؟

كان القائد سليماني رجلاً إيرانياً قومياً وطنياً ولكنه كان أيضاً ملتزماً بمبادئ الثورة الاسلامية في إيران التي كانت تنصّ على أنّه لا يمكن لإيران أن تبقى حرّة ومستقلّة عن التبعيّة الأميركية، إلا إذا تمكّنت من تحرير جوارها، ومن تحرير الشعوب والدول في المنطقة.

ثمّة ارتباط حتميّ بين حرية الشعوب في المنطقة وحرية الشعب الإيراني. لو تمكّن الشعب الايراني من التحرر كما فعل في ثورته المباركة، بينما ظلّت الشعوب المجاورة له تحت الاحتلال، فلا بد لهذه الدول المجاورة المحتلة أو المسيطر عليها أن تقفز إلى داخل إيران نفسها.

قد سبق لكثير من المفكرين الأميركيين ممّن نظّروا لاجتياح العراق في 2003 أن قالوا علينا أن نسيطر على العراق الذي نستطيع من خلاله السيطرة على ايران. توماس فريدمان الكاتب الشهير مثال على ذلك، إذ نشر مقالاً عنوانه Buy One Get One Free، أي اشتر واحداً واحصل على الثاني مجاناً, معبّراً عن نظرية قدّمها المفكر إسحاق نقّاش مفادها أنه من خلال إيجاد كيان مستقلّ عن إيران في العراق ستتمكن أميركا استخدامه لإحداث انقلاب في إيران كالذي جرى مع مصدّق، لجرّها إلى الحظيرة الأميركية.

من هنا لا يمكن فصل ما يجري في جوار إيران عمّا يجري فيها، وهذه من مفاهيم الأمن القومي المسلّم بها، فالولايات المتحدة تعتبر نشر قوات لها في الخليج تحقيقاً لأمنها القومي. إذا كانت الولايات المتحدة تفعل ذلك في أعالي البحار، فكيف لإيران أن لا تكون معنيّة بما يجري في جوارها؟ هنا جاء دور الشهيد قاسم سليماني في عمل لم ينحصر في المناطق العربية، بل امتد إلى أفغانستان وباكستان، بحيث أمّن لإيران مدى من الأمن يصعّب على غزاتها الوصول إليها، وفي الوقت نفسه قدّم الدعم الإيراني لشعوب تتوق إلى الحرية.

القوى المعادية تركز على تصوير قوى المقاومة بأنها ادوات بيد ايران، وانها تخدم اهدافا توسعية او للدفاع عن الجمهورية الاسلامية نفسها... من خلال الوقائع والمعطيات الواقعية اليوم كيف يمكن ان نرد على هذا المنطق المغلوط، ومحاولة تشويه اهداف المقاومة وجهاد رجالها ؟

أنا لا أرى غضاضة في العلاقة التبادليّة بين دول وحركات المقاومة، هذا موجود بين الكيان الصهيوني والادارة الأميركية والغرب الذين يقدمون الدعم له في مقابل سعيه لإعانتهم في حماية مصالحهم في المنطقة، وإن كان ذلك قد تغيّر اليوم.

لقد تحوّل الكيان الصهيوني إلى عالة بفعل حركات المقاومة المدعومة من الجمهورية الاسلامية، يضطر الغرب إلى التدخل المباشر لحمايته. الشعوب لها هويّتها واستقلاليتها. والمقاومة في لبنان مثلاً بدأت قبل الثورة الإسلامية في إيران، فالذين كانوا يقاتلون في لبنان، وقاتل معهم الدكتور شمران، سبقوا انتصار الثورة الإيرانية. إذن، فالزعم بأن لا كينونة مستقلّة لحركات المقاومة والشعوب التوّاقة إلى الحرية معروفٌ الغرض منه. أنا أقول، وبكل واقعية سياسية، إن العلاقة التبادلية علاقة مشروعة. أنا حليفي يقدّم لي الدعم وأنا أقدم الدفاع عنه من موقعي كحليف له أيضا.

الى جانب ما قامت به المقاومة الاسلامية في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن من حماية لهذه الاقطار والتصدي للعدوان عليها، فان ابرز ما تجلى به دور هذا المحور هو صمود وانتصارات المقاومة في فلسطين، كيف تقيمون هذا الدور؟ وما هي المخاطر التي تتهدد فلسطين وقضيتها ومقدساتها بغياب محور المقاومة؟ وهل ترون ان ذلك على صلة بمشاريع التطبيع في المنطقة؟

ما حدى بالشعب الفلسطيني لتحقيق هذه الهبّة في طوفان الأقصى في 7 أوكتوبر من العام الماضي، كان شعوره بأن الخطة الأميركية تهدف إلى تطويقه عبر فرض التطبيع على جميع الدول العربية، بحيث يبقى الشعب الفلسطيني معزولاً عن بقية الشعوب العربية التي ستبقى مقهورة بإجراءات التطبيع.

لذا قام الشعب الفلسطيني بإرادته المستقلّة، ومدعوماً من حلفائه في المقاومة المنتشرة في مختلف الجبهات، بنقلة نوعيّة غيّرت المعادلات كما نشهد. لا زلنا في خضّم المعركة، لكن يسعنا القول أن ما تبيّن بعد 3 أشهر من العدوان الأميركي البريطاني على الشعب الفلسطيني أن هذا الشعب لا زال صامداً، وأن المقاومة لا تزال حيّة في شمال غزة وفعّالة وقويّة... نعم، هناك كارثة تتمثل بمئات الآلاف من العائلات النازحة فيها أطفال ونساء لا تجد سقفاً يأويها. كارثة أخرى مروّعة تتمثل بأكثر من 25 ألف شهيد جلّهم من الأطفال. لكن إن دلّ ذلك على شيء، فعلى وحشيّة الغرب وعدوانيته وعنصريته، وأن دعايته المنادية بحقوق الانسان والليبرالية التي يحاول، من خلال حربه الناعمة، ترويجها قد انكشف زيفها وبانت أضاليلها في ميادين غزة. المطلوب اليوم من شعوب العالم بعد أن أدركت إجرام الولايات المتحدة في غزة، هو يقظتها تجاه المشاريع الأميركية المغطّاة بطابع انساني وحقوقي. علينا أن نفهم أن وراء هذا القناع المزيّف ثمّة وجه لوحش يفتك بالأطفال في غزة. وفي هذه المناسبة السعيدة، نحن كحركة مقاومة نعبّر عن جميع أشقّائنا وزملائنا في محور المقاومة، كما نعبر عن أنفسنا، عن امتناننا للإمام الخامنئي(دام ظله) ولدوره الفعال الذي مكنّنا من استعادة معظم حقوقنا، مع سعينا الدائم لاستعادة ما تبقّى منها، وسنبقى دائماً إلى جانب الشعب الإيراني الذي يتعرّض للغزوات على جميع الصّعد، إن كان من خلال العقوبات الاقتصادية او الحرب الناعمة.

/انتهى/