وكالة مهر، قسم الشؤون الدولية: خلال الأسابيع القليلة الماضية، بدأ مشروع جديد لتحويل ايران الى مسألة "أمنية" وزيادة "دبلوماسية الضغط" من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. نقطة البداية لهذا الحملة الجديدة كانت التقرير المشبوه الذي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" وشبكة "سي إن إن"، استنادًا إلى مصادر "موثوقة"!، حول إرسال صواريخ قصيرة المدى من طراز "فتاح-360" إلى روسيا لاستخدامها في أزمة أوكرانيا. في نفس الوقت، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية هذا الخبر بشكل ضمني. وبعد ذلك، زعمت "سكاي نيوز" نقلاً عن "مصدر أوكراني" أن هذه الصواريخ نُقلت عبر سفينة "بورت أوليا 3" في بحر قزوين، حيث تم إرسال حوالي 220 صاروخًا إلى ميناء أستراخان الروسي.
بعد الانتشار الواسع لهذا "الخبر الزائف"، أعلن المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون عن فرض عقوبات جديدة على طهران بذريعة الدعم العسكري الإيراني لروسيا في الحرب الأوكرانية. على سبيل المثال، أعلنت الدبلوماسية الأمريكية فرض عقوبات جديدة على السفينة المذكورة وعدد من الشخصيات الإيرانية. كما أعلنت الترويكا الأوروبية عن فرض عقوبات جديدة على شركة الطيران "Iran Air" وتقييد الرحلات التجارية الإيرانية إلى أوروبا وبريطانيا. تأتي هذه الإجراءات العدائية في وقت كانت تزداد فيه الآمال بتحسن العلاقات بين طهران وبروكسل منذ تولي الحكومة الإيرانية الرابعة عشرة للحكم.
منذ الأيام الأولى لأزمة أوكرانيا، أعلن المسؤولون في طهران بوضوح أن إيران لم ولن تكون جزءًا من هذا النزاع، ولن تدعم أي طرف من الأطراف المتنازعة. كما سعت طهران، مثل العديد من الدول الأخرى في المنطقة، للعب دور "الوسيط" بين كييف وموسكو بهدف تهدئة التوتر في شرق أوروبا.
خلال خطبة قائد الثورة الإسلامية في حرم الإمام الرضا في مشهد، أشاد سماحته بموقف روسيا في التصدي لمخططات الناتو في شرق أوروبا. وأكد على موقف إيران الرافض للمشاركة في الحرب الأوكرانية، قائلًا: "نعلن بوضوح دعمنا لجبهة المقاومة، ونرفض بشكل قاطع المشاركة في حرب أوكرانيا."
وخلال اللقاء الذي أجراه قائد الثورة الإسلامية مع مختلف شرائح الشعب في الحرم الرضوي المطهر بمناسبة عيد النوروز، وأثناء إشادته بيقظة الروس حيال خطط الناتو في شرق أوروبا، تحدث عن الموقف الرسمي لإيران بشأن أزمة أوكرانيا، قائلاً: «نحن نعلن بشكل صريح دعمنا لجبهة المقاومة، وننفي بشكل قاطع المشاركة في حرب أوكرانيا. لقد ادّعوا كذباً أن إيران تشارك في هذه الحرب؛ هذا غير صحيح إطلاقاً، فنحن لا نشارك فيها بأي شكل من الأشكال. في الواقع، الولايات المتحدة هي التي أشعلت حرب أوكرانيا؛ إذ هيأت الظروف لهذه الحرب من أجل توسيع نطاق الناتو نحو الشرق. واليوم، الولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر من هذه الحرب، بينما الشعب الأوكراني المسكين يعاني، وتستفيد مصانع الأسلحة الأمريكية».
تكررالموقف الحازم لإيران بشأن أزمة أوكرانيا مراراً في تصريحات وخطابات العديد من مسؤولي الجمهورية الإسلامية، وهو أمر واضح للمحللين في مجالات السياسة الخارجية والأمن القومي. ومع ذلك، هناك أربع أسباب رئيسية تُظهر أن الاتهامات الباطلة ضد إيران لا أساس لها من الصحة، وتوضح أن واشنطن وبروكسل تسعيان من خلال الأخبار الملفقة إلى منع طهران من تعميق علاقاتها مع جارتها الشمالية:
1. إن التعاون الثنائي بين أعضاء الأمم المتحدة في مختلف المجالات، وخاصة في المجالين العسكري والأمني، هو أمر معترف به في القانون والعرف الدولي، ولا ینبغی لأحد أن ينكره. فعلى سبيل المثال، بينما تقوم آلة الحرب الصهيونية بقتل المدنيين في غزة، ويستعد الجيش الإسرائيلي لشن هجوم واسع على جنوب لبنان، لم تقطع الولايات المتحدة إمدادات الأسلحة إلى الأراضي المحتلة. وبالمثل، فإن طهران وموسكو تربطهما اتفاقيات وتعاون عسكري استراتيجي منذ سنوات عديدة، وهذه الحقيقة معروفة للجميع. بناءً على ذلك، فإن أي صفقة تسليحية بين إيران وروسيا إما تمت قبل بدء الحرب الأوكرانية أو أنها جزء من الاتفاقيات العسكرية القائمة بين البلدين. وبمعنى آخر، لم تقدم إيران أي أسلحة لروسيا لاستخدامها في الحرب الأوكرانية على وجه الخصوص. الغرب يحاول استغلال أزمة أوكرانيا لمنع توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي الوشيكة بين طهران وموسكو، ومنع تشكيل كتلة جديدة من القوى في منطقة أوراسيا.
2. النقطة الرئيسية الأخرى في هذه المناقشة الإعلامية والسياسية هي عدم تأكيد هذا الخبر من مصادر موثوقة. خلال الاجتماع التاريخي بين رئيسي "سي آي إيه" و"إم آي 6"، أبدى ويليام بيرنز قلقه بشأن احتمال إرسال صواريخ قصيرة المدى إيرانية إلى روسيا، لكنه لم يتمكن من تأكيد هذا الادعاء عندما سُئل مجددًا من قبل أحد الصحفيين الحاضرين. كما أعلن فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، بوضوح أنه لا توجد أي أدلة على إرسال صواريخ إيرانية إلى روسيا. وردت السفارة الإيرانية في لندن على هذا العرض الإعلامي في تغريدة قالت فيها: "هذا ليس صحافة، بل قصص خيالية ومغامرات". وقد دفعت الاتهامات المتكررة من أوروبا ناصر كنعاني إلى إدانة بيان جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، مؤكدًا مرة أخرى على موقف إيران المحايد في أزمة أوكرانيا. وعندما لا يتم تأكيد هذا "الخبر الزائف" حتى من أعلى المسؤولين الأمريكيين والأوكرانيين، فإنه يصبح ضرورياً للمحللين إعادة النظر في دور أوروبا كـ "الشرطي الجيد" في النزاع بين إيران والغرب.
3. الحقيقة هي أن دول منطقة اليورو-أطلسي تسعى إلى فرض عقوبات على طهران بحجج مختلفة، بهدف منع نمو إيران باعتبارها دولة "إصلاحية" في العلاقات الدولية. حتى اليوم، تم فرض أكثر من 1400 عقوبة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي استهدفت مختلف قطاعات الاقتصاد والقوات المسلحة الإيرانية. ورغم أن عدد العقوبات المفروضة على روسيا يفوق بكثير تلك المفروضة على إيران، إلا أن تاريخ العقوبات المدمرة ضد طهران أطول بكثير.
في ظل هذه الظروف، السؤال الأساسي هو: كيف استطاعت دولة خاضعة لعقوبات أمريكية وأوروبية أن تصل إلى تكنولوجيا صاروخية متقدمة لدرجة تمكّنها من تصدير هذه الأسلحة إلى واحدة من القوى الصاروخية العالمية الثلاث؟ الأميركيون دائمًا ما يتحدثون عن تأثير العقوبات المدمرة ويطالبون بتشديدها، ولكن اليوم يعبرون عن قلقهم من تزايد قوة طهران والتعاون العسكري لهذه القوة الناشئة مع روسيا.
4. ان تاريخ الدعم العسكري والاستخباراتي من الدول الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا لنظام صدام حسين في هجومه على إيران وما أسفر عنه من كوارث إنسانية في المدن الجنوبية والغربية والشمال الغربي لإيران يستوجب أن تمثل بروكسل في "موقع المسؤول" في محكمة لاهاي، وتشعر بالخجل إزاء سجلها في حقوق الإنسان تجاه الشعب الإيراني.
بناءً على ذلك، يُقترح أن يقوم الجهاز الدبلوماسي الإيراني بالتعاون مع السلطة القضائية بعقد جلسات محكمة لمراجعة الجرائم الأوروبية ضد إيران، وبناءً على الأحكام الصادرة يتم فرض عقوبات واسعة على أعضاء الترويكا الأوروبية. وإذا كانت بروكسل تسعى، بدلاً من استغلال الفرصة المتاحة لرفض "الأحادية" والتأكيد على "التعددية"، إلى الاستمرار في قرع طبول العقوبات، فإنها بذلك تتماشى مجددًا مع رغبات واشنطن وتل أبيب. في هذا السياق، ستدافع طهران بنشاط عن مصالحها الوطنية ضد العقوبات الأوروبية الرعناء، وستعمل بالطبع على منع تضييق الخناق الغربي عليها.
خلاصة القول
مع تصاعد المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والقوى الناشئة في الشرق، تسعى واشنطن إلى منع تعميق العلاقات الاستراتيجية بين القوى المراجعة للنظام العالمي مثل روسيا، الصين، إيران، بروكسل، وكوريا الشمالية. الغربيون يستخدمون اتهامات مثل التعاون العسكري والنووي، تكثيف الهجمات السيبرانية ضد الغرب، التدخل في العمليات الانتخابية، أو إطلاق حملات لنشر المعلومات المضللة، كذريعة لمعاقبة هذه الدول ومنعها من تحقيق مزيد من النمو في مجالات متعددة. بالإضافة إلى ذلك، فإن إنتاج خطاب مبني على ثنائية "السلطوية" و"الديمقراطية" يساعد الغرب على استعادة انسجامه المفقود عن طريق خلق أعداء مشتركين.
محمد بيات؛ باحث في الشؤون الدولية
/انتهى/