محمد جواد ظريف، نائب رئيس الجمهورية الإيرانية للشؤون الاستراتيجية، أعلن عن مقاربة إيران الجديدة لتحقيق الأمن والازدهار في غرب آسيا، داعياً إلى إنشاء «منتدى حوار الدول الإسلامية في غرب آسيا» لتعزيز الاستقرار في المنطقة.

أفادت وكالة مهر للأنباء، نُشرت هذه المقالة مساء الاثنين باللغة الإنجليزية في مجلة «الإيكونوميست» تحت عنوان: "المودة بدلاً من العداء: رؤية جديدة من إيران للأمن والازدهار في المنطقة".

النص الكامل للمقالة كما يلي:
بصفتي طالباً في العلاقات الدولية يتمتع بعقود من الخبرة في الخطوط الأمامية للدبلوماسية العالمية، أكتب هذه المقالة ليس كممثل للحكومة الإيرانية، بل بصفتي الشخصية فقط. لقد علّمتني تجربتي أن تحقيق الاستقرار في غرب آسيا، وخاصة في منطقة الخليج الفارسي، يتطلب أكثر من مجرد إدارة الأزمات. إن هذا الأمر يستدعي مبادرات شجاعة وتحولية. لذلك، أقترح إنشاء "منتدى حوار الدول الإسلامية في غرب آسيا"(MWADA) كآلية لتحقيق هذا التحول المنشود.

مبادرة "المودة" تدعو جميع الدول الإسلامية المؤثرة في غرب آسيا—البحرين، مصر، إيران، العراق، الأردن، الكويت، لبنان، عمان، قطر، السعودية، (الحكومة المستقبلية) في سوريا، تركيا، الإمارات العربية المتحدة واليمن—للمشاركة في مفاوضات شاملة. كما يمكن لممثلي الأمم المتحدة أن يكون لهم دور في هذه العملية.
يجب أن تُبنى هذه المبادرة على القيم السامية لديننا المشترك، الإسلام، وعلى مبادئ السيادة، وحدة الأراضي، عدم التدخل، والأمن الجماعي. الأحرف الأولى لاسم المبادرة باللغة الإنجليزية (MWADA)، والتي تعني "المودة" باللغة العربية، اللغة المشتركة لعباداتنا، يجب أن تعكس هدفها الأساسي في تعزيز التعايش السلمي وبناء شراكات عادلة.الأولويات الأساسية لمبادرة المودة هي تحقيق وقف فوري، مستدام ودائم لإطلاق النار في غزة، لبنان، سوريا، واليمن. وتوقيع معاهدة عدم اعتداء بين الدول الأعضاء، إلى جانب إنشاء آلية مراقبة إقليمية جماعية.

من شأن هذه الخطوات أن تساهم في ترسيخ الاستقرار وحماية المنطقة من التدخلات الخارجية والتوترات الداخلية.

يشكل التكامل الاقتصادي جزءاً محورياً في رؤية مبادرة "المودة". بسبب الشبكات التجارية المتفرقة، وعدم الاهتمام بتطوير الآليات المصرفية ونظم الدفع داخل المنطقة، إلى جانب التنافسات السياسية والاعتماد الكبير على الأسواق الخارجية، تعاني غرب آسيا من غياب الاعتماد المتبادل.

إنشاء "صندوق تنمية المودة" يمكن أن يمول المشاريع الأساسية للبنية التحتية، خاصة في المناطق التي تضررت بفعل النزاعات. بالإضافة إلى ذلك، فإن إصلاحات الحوكمة في سوريا - كشرط مسبق للحصول على المساعدات الاقتصادية - ستعزز مبدأ المسؤولية وتمهد الطريق لإقامة دولة آمنة ومستقرة يتمكن فيها النساء والأقليات من الازدهار.

سوريا بعد الأسد تعد تحدياً كبيراً لنا جميعاً. تجاوزات إسرائيل غير المحدودة التي تنتهك سيادة سوريا، التدخلات الخارجية التي تهدد وحدة أراضي سوريا، مشاهد العنف الوحشية التي تذكر بوحشية داعش، والنزاعات العرقية والطائفية التي قد تؤدي إلى حرب أهلية شاملة، كلها تتطلب اهتماماً فورياً من أعضاء مبادرة "المودة".

معالجة الكارثة الإنسانية في فلسطين تظل أمراً حيوياً لاستقرار المنطقة. يجب أن تضع مبادرة "المودة" حق تقرير المصير للفلسطينيين في مقدمة أولوياتها، وأن تدعم حلولاً عادلة تحترم تماماً تطلعات هذا الشعب. لا تقتصر هذه الجهود على الحلول السياسية فقط، بل تشمل أيضاً خلق الفرص الاقتصادية والاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين.

توفر مبادرة "المودة" أساساً ملائماً لتنفيذ مشاريع البنية التحتية، من شبكات النقل إلى خطوط الطاقة وشبكات الاتصالات. هذه المشاريع لا تسهّل فقط حركة البضائع، بل تمكّن أيضاً من تبادل الطاقة، المعلومات، والخدمات. يجب أن ندرك في غرب آسيا أن مفهوم الاستقلال يرتبط ارتباطاً وثيقاً بموقع كل دولة في سلسلة القيمة المضافة العالمية.

يعد ضمان أمن الطاقة أحد الأعمدة الأساسية للتعاون الإقليمي، إذ يخلق فرصاً لتعزيز الترابط المتبادل على مستوى المنطقة. يجب تصميم الاتفاقيات الإقليمية المتعلقة بالطاقة بهدف حماية مسارات الطاقة واستكشاف مصادر طاقة مستدامة.

الإمكانات الواسعة وغير المستغلة للهضبة الإيرانية وغيرها من أراضي الدول الأعضاء في مبادرة "المودة" التي تصلح لإقامة مزارع طاقة شمسية ورياح، تجعل التعاون في مجال الطاقة المتجددة برنامجاً اقتصادياً قابلاً للتنفيذ. هذا التعاون يمكن أن يوفر الطاقة النظيفة للمنطقة بل ويمتد ليشمل مناطق أبعد منها.

مبادرة "المودة" يمكن أن تمهد الطريق لتعاون إقليمي جديد في مجال حرية الملاحة من خلال إنشاء دوريات أمنية بحرية مشتركة. تعد منطقتنا معبراً رئيسياً للممرات المائية الاستراتيجية العالمية، بما في ذلك مضيق هرمز، قناة السويس، ومضيق باب المندب. تمتلك إيران، نظراً لموقعها الاستراتيجي وخبرتها في مجال الأمن، مكانة فريدة للمساهمة البناءة في تأمين الممرات المائية الحيوية مثل مضيق هرمز. كما يمكن للدول الأخرى أن تلعب دوراً رئيسياً في تأمين قناة السويس ومضيق باب المندب.

تعد مبادرة سلام هرمز (HOPE)، التي اقترحتها إيران قبل أكثر من خمس سنوات، مثالاً بارزاً على مبادرة إقليمية تهدف إلى تعزيز السلام والاستقرار بين دول منطقة هرمز. ويمكن لهذه المبادرة أن تكتسب زخماً جديداً في الوقت الحالي بفضل التقدم الكبير في العلاقات بين إيران، الإمارات، والمملكة العربية السعودية.

يشكل التعاون بين إيران والمملكة العربية السعودية—كقوتين مؤثرتين في المنطقة—عنصراً أساسياً في هذا الإطار. من خلال تعزيز الوحدة والأخوة بين المسلمين الشيعة والسنة، يمكننا مواجهة القوى المسببة للانقسام، والتطرف، والنزاعات الطائفية التي زعزعت استقرار المنطقة تاريخياً.

السعي إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وإحياء الاتفاق النووي مع إيران يمثلان عناصر أساسية في هذه الرؤية. لا يعالج هذا النهج قضية منع انتشار الأسلحة النووية فحسب، بل يعزز أيضاً الالتزام المشترك بالسلام والاستقرار.

يجب أن يضع إطار عمل مبادرة "المودة" التعاون في مجالات التبادل الثقافي، إدارة الموارد المائية، مكافحة الإرهاب، والحملات الإعلامية التي تعزز التعايش السلمي على رأس أولوياته.

دور إيران

مثل باقي الدول، ستلعب إيران دوراً أساسياً في إطار مبادرة "المودة" المقترحة. على مدار الـ45 سنة الماضية، أظهرت بلادي قدرة كبيرة على الصمود والاكتفاء الذاتي في مجال الأمن والدفاع، وتمكنت من الاستمرار في البقاء دون الحاجة للمساعدة الخارجية، بل وحتى التقدم في مواجهة ضغوط القوى الإقليمية والدولية.

التصور السائد الذي يفيد بأن إيران فقدت قوتها في المنطقة هو ناتج عن افتراض خاطئ مفاده أن إيران كانت تتبنى علاقات بالوكالة مع قوى المقاومة. فالمقاومة تنبع من احتلال الأراضي العربية من قبل إسرائيل، والإهانة للمقدسات الإسلامية، والفصل العنصري، والإبادة الجماعية، والعدوان المستمر على الجيران. كانت المقاومة موجودة قبل الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وستستمر طالما استمرت الأسباب الجذرية التي أدت إليها. محاولة ربطها بإيران قد تكون فعالة في الحملات الإعلامية، لكنها ستعيق أي حل حقيقي.

مثل جميع الأمم، كانت إيران أيضاً تواجه تحديات. الشعب الإيراني الذي تحمل العديد من الصعوبات بتفانٍ، أصبح الآن على استعداد لاتخاذ خطوات شجاعة بعزم وثقة بالنفس. هذا التحول من النظرة المتمحورة حول التهديد إلى نهج متمحور حول الفرص يتماشى تماماً مع الرؤية التي طرحناها أنا والرئيس بزشكيان في حملته الانتخابية الصيف الماضي في إيران.

مبادرة "المودة" تدعونا لإعادة تصور المنطقة، ليس كميدان للصراع من أجل المصالح المتناقضة، بل كفضاء للصداقة والتعاطف، يقوم على البحث عن الفرص المشتركة والرفاهية الجماعية. لقد حان وقت التغيير. يجب أن نستغل هذه اللحظة وندخل في حوارات هادفة وصريحة لكي نتمكن من بناء مستقبل قائم على التعاون، والتنمية المستدامة والمشتركة، والعدالة الاجتماعية، والرفاهية والأمل.

تدعو مبادرة "المودة" إلى إعادة التفكير في صورة المنطقة، ليس كميدان قتال، بل كمركز للصداقة والمودة والتعاطف، منطقة تركز على البحث عن الفرص المشتركة والرفاه الجماعي. من الضروري أن نتوجه إلى حوارات هادفة وصريحة كي نتمكن من رسم مستقبل قائم على التعاون، والتنمية المشتركة والمستدامة، والعدالة الاجتماعية، والرفاه، والأمل الجديد.

تحويل غرب آسيا إلى رمز للسلام والتعاون ليس مجرد أمنية لا أساس لها، بل هو ضرورة استراتيجية وهدف قابل للتحقيق، لا يتطلب سوى الالتزام والحوار والرؤية المشتركة. يمكن لمبادرة "المودة" أن توفر مساحة لهذا التحول. لنعمل على استثمار هذه الفرصة لتحويل غرب آسيا إلى منطقة مستقرة ومزدهرة وسلمية؛ منطقة تتبادل فيها التعاطف، والتفاهم المتبادل، والتعاون بدلاً من الخلافات والانقسامات. نحن في حكومات دولنا نتحمل المسؤولية، ويجب أن نغتنم هذه الفرصة لننظر إلى المستقبل بدلاً من أن نظل أسيرين للماضي. الوقت للعمل هو الآن.

/انتهى/