وكالة مهر للأنباء- انه خلال زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى موسكو في 7 يناير الماضي ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تم التوقيع على اتفاقية التعاون الاستراتيجي مدتها 20 عامًا بين البلدين. اتفاق أعرب الجانبان عن أملهما في تأثيره على توسيع العلاقات الثنائية. ومن المنتظر أن يسهم توقيع هذه الاتفاقية في توسيع العلاقات بين البلدين، خاصة في المجالات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والثقافية والسياحية.
وتعتبر هذه الاتفاقية في الواقع نصا محدثا للاتفاقية السابقة بين البلدين بشأن العلاقات الثنائية ومبادئ التعاون، والتي تم توقيعها في موسكو في عام 2001.
وللتعرف على طبيعة هذا الاتفاق الاستراتيجي بين موسكو وطهران وآثاره على نوعية العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات في ظل النظام العالمي الحالي، أجرى مراسلة وكالة مهر، آذر مهدوان مقابلة مع السفير الإيراني في روسيا، كاظم جلالي التي تأتي تفاصيلها كالتالي:
نظرا لأهمية اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين إيران وروسيا ومكانة هذين الطرفين الفاعلين على الساحة الدولية والإقليمية، هل يمكن أن نتوقع تنفيذ كافة بنودها؟
كاظم جلالي: تشكل هذه المعاهدة الأساس القانوني والمفاهيمي للعلاقات بين إيران وروسيا، والتي ستكون اساس التفاعلات بين البلدين في جميع الجوانب خلال العقدين المقبلين. وفي عالم اليوم الذي يتطور بسرعة ويسهل التبادلات والتفاهمات بين الدول، يتعين علينا أن نجعل الأسس القانونية واسعة وشاملة قدر الإمكان، وهذه الوثيقة لديها القدرة على شمول جميع جوانب العلاقات.
ولكن هذه ليست اتفاقية تنفيذية، بل هي في الواقع خارطة طريق وقوة دافعة لتعزيز العلاقات على أساس الإرادة السياسية للبلدين. لذلك، وبناءً على هذه المعاهدة، ينبغي للخبراء من الجانبين تطوير قدرات جديدة للتعاون وسلسلة من المبادرات واتخاذ التدابير التنفيذية، خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية، والطاقة والنقدية والمصرفية والاستثمار، لإعداد الوثائق التشغيلية والقطاعية.
ورغم الاضطرابات التي تشهدها الساحة الاقليمية والدولية، فإن إيران وروسيا، باعتبارهما دولتين مستقلتين ومستقرتين ومؤثرتين، تتمتعان بالقدرة العملية على تطوير العلاقات على أساس أحكام هذه الوثيقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ربط هذه الوثيقة بإمكانات التعاون الأخرى، وخاصة في شكل الاتحاد الأوراسي وشنغهاي ومجموعة البريكس، قد وفر فرصا مناسبة للبلدين، وهو أمر غير مسبوق في التاريخ المعاصر للعلاقات الإيرانية الروسية. ومن واجبنا أن نستغل هذه الفرصة لضمان الرخاء والأمن لشعبي البلدين.
بما أن إيران وروسيا عززتا علاقاتهما من قبل من خلال العضوية في شنغهاي ومجموعة البريكس، وكذلك الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، هل يمكن اعتبار مثل هذه الاتفاقية بمثابة محرك للعلاقات التجارية بين البلدين، بحيث تحيد العقوبات أيضًا ؟
كاظم جلالي: التعاون بين إيران وروسيا ضمن الآليات الإقليمية والدولية يتجاوز مجرد الجهود الرامية إلى زيادة التبادل التجاري والاقتصادي. لقد أصبح العالم رهنا للأحادية الأميركية الجامحة، وهذه الدولة تحاول ترسيخ وتعميق هيمنتها وأحاديتها باستخدام آليات ومؤسسات قانونية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والتي أسسها ويديرها الغرب، واستخدام العقوبات كأداة، هو وسيلة لمواجهة البلدان التي لا تتوافق مع تيار الهيمنة.
في حين أن العديد من الدول المستقلة في العالم تعتبر هذه العملية غير عادلة وغير متناسبة مع الوضع العالمي الحالي وتسعى إلى التعددية في النظام الدولي. فان مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون تشكل حقا منصة ومسارا للتغلب على الأحادية وإرساء التعددية، ومن الطبيعي أن تلعب مؤسسات مثل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي أيضا دورا فعالا في تسريع هذه العملية.
ومن هذا المنظور، فإن الهدف النهائي للمؤسسات المذكورة أعلاه هو إحداث تغييرات جذرية في العلاقات العالمية، وبطبيعة الحال، وبالنتيجة، فإن التعاون بين إيران وروسيا في هذه المنظمات لن يؤدي فقط إلى تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين وتحييد العقوبات الأميركية، ولكن خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو، صرح الرئيس بزشكيان أن طهران وموسكو وبكين، من خلال العمل معًا، ستتمكن من فرض عقوبات على الولايات المتحدة.
من الناحية السياسية، فإن هذا الاتفاق يحمل في طيها رسالة إلى الغرب، وخاصة في وقت صعود ترامب إلى السلطة، بأنه يظهر تقارباً وتعاوناً أكبر بين إيران وروسيا. ومن هذا المنطلق هل يمكن اعتبار هذا الاتفاق نوعا من المعارضة للنظام الغربي الأحادي الجانب؟
كاظم جلالي: يمكن الإجابة على سؤالك المهم من منظورين سياسيين: الأول، من منظور الواقعية البنيوية، وهو أنه في الظروف الحالية فإن النظام العالمي الذي يعتمد على النموذج والنمط الغربي المتمركز حول أميركا آخذ في الانحدار. إن التطورات والاتجاهات الاستراتيجية العالمية في عام 2024 تظهر بوضوح أن النظام العالمي دخل في مرحلة انتقالية هيكلية من نظام "الاحادية القطبية" إلى نظام "متعدد الأقطاب".
إن تزايد المعارك الكبرى في مناطق عالمية مهمة، والحرب الاقتصادية وما تلاها من اعتماد استراتيجية العقوبات (أداة غير قانونية للضغط على الحكومات والدول)، والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في غزة ولبنان، ومشكلة اللاجئين والنازحين في العراق وسوريا، والقضايا البيئية، وانعدام الأمن في مجالات الاقتصاد، والصحة، والطاقة، والغذاء، كلها عوامل أدت إلى تفاقم هذه الظاهرة انهت حقبة "العولمة على الطريقة الأميركية".
إن صراع القوة، الذي بدأ بطبيعة اقتصادية وجيواقتصادية، سيكون له عواقب سياسية وأمنية واسعة النطاق في أبعاد مختلفة على مستقبل النظام العالمي. وفي مثل هذا النظام، ان الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند، باعتبارها قوى عظمى، ودول اخرى مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتركيا وجنوب أفريقيا والبرازيل، باعتبارها جهات فاعلة إقليمية، تستمر في تشكيل العلاقات العالمية والاقتصادات العالمية.
وستكون الوحدات الأصغر والجهات الفاعلة غير الحكومية مؤثرة أيضاً في احداث فرص إعادة رسم الحدود أو تشكيل جزء من التطورات. ورغم أنه في مثل هذه البيئة، سوف تستمر المؤسسات المتعددة الأطراف على النمط الغربي مثل منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومنظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي في العمل بشكل غير فعال، إلا أن آليات إقليمية ودولية جديدة ذات أهداف متناقضة في بعض الأحيان سوف تنشأ، بما في ذلك منظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة البريكس، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، على أجندة الجهات الفاعلة الناشئة والمستقلة والعالمية في الجنوب كنموذج بديل.
ومن خلال هذه القراءة الواقعية [البنيوية]، يمكننا أن نصل إلى الحجة المنطقية التي تقول إن "النظام الأحادية القطبية الذي يدور حول أميركا والغرب" يواجه تحدياً أساسياً وشرخا خطيرة. ومع ذلك، في عالم تتسع فيه التطورات الجيوسياسية بسرعة، فإن الجهات الفاعلة الناجحة هي تلك التي تستطيع هيكلة تعاونها لحماية نفسها من الضرر المحتمل. ولا يقتصر هذا الهيكل على الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية والدفاعية فحسب، بل يمكن أن يمتد أيضاً إلى المجالات الثقافية والبيئية والعلمية والتكنولوجية.
وفي ظل هذه الظروف، فإن الرغبة في إنشاء وتنفيذ إطار قانوني شامل وطويل الأمد للتعاون المستقبلي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والاتحاد الروسي، المسمى "معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة"، تعكس الفهم العميق للنخب التنفيذية في كلا البلدين للتعقيد والتغيير في النظام العالمي.
ثانياً، من منظور التنافس الاستراتيجي بين القوى العظمى، وما هو هيكل توزيع القوة في العلاقات الدولية في الوضع الحالي، ويرى المحللون في مجال السياسة الدولية أن المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين وروسيا تشكل التحدي الأكثر أهمية من حيث تأثيراتها وعواقبها على النظام الدولي اليوم ومستقبلا. لأن طبيعة هذه المنافسة هي، من ناحية، مواجهة خطيرة بين وجهتي نظر بنماذج وهويات متعارضة، ومن ناحية أخرى، هناك العديد من القضايا المتباينة في العلاقات الحالية بين البلدان الثلاثة والتي من المحتمل أن تؤثر على الاقتصاد الكلي. إن هذه العمليات الدولية تؤثر على موقف الوحدات المتفوقة في النظام وحرية عملها في تثبيت النظام المطلوب.
إن التحدي والتهديد الأهم الذي تواجهه أميركا في العصر الحالي سيكون زيادة مستوى التقارب والتحالف بين إيران وروسيا والصين في البيئة الخارجية. ومن وجهة نظر النخب الأميركية، تستطيع طهران وموسكو وبكين، في الأمد المتوسط، أن تجمع قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتشكل تحدياً دائماً للنظام العالمي على النمط الغربي، وبالتالي تتسبب في انشاء نظام عالمي جديد يكون متعدد الأقطاب.
ونتيجة لهذا فإن التوسع الإضافي للعلاقات بين طهران وموسكو وتشكيل كتل إقليمية جديدة في وقت لاحق، وخاصة مع وجود قوى آسيوية ناشئة أخرى مثل الصين والهند، من شأنه أن يعزز ويثبت اتجاهات التعددية على المستوى العالمي. وهذا يتعارض بشكل مباشر وكبير مع مصالح ومطالب الإدارة الأميركية الجديدة، التي وضعت شعار "أميركا أولاً" - أي الأحادية والهيمنة على العالم - في مقدمة سياساتها العالمية.
كيف يمكن تقييم مستقبل العلاقات بين روسيا وأميركا وأثرها على العلاقات بين موسكو وطهران في ظل هذا الاتفاق؟
كاظم جلالي: تشهد أميركا والغرب ظهور هياكل وترتيبات غير غربية رغما عنهما وخلاف لرغباتهما.، وهذه الترتيبات تتوسع وتتعزز يوماً بعد يوم. ومن الطبيعي أن أحد أهداف السياسة الخارجية الأميركية هو منع تشكيل أي ترتيبات سياسية أو اقتصادية أو أمنية ليست محورية بالنسبة لها أو خارجة عن سيطرتها.
والآن استعاد العالم غير الغربي أو الجنوب العالمي موطئ قدمه، والمنظمات والاتفاقيات التي تم التوصل إليها تعمل على تعزيز هذا العالم غير الغربي. ومن ثم، إيران وروسيا جزء من هذه المساحة الجديدة، وقد بذلتا كل جهد ممكن من أجل خلق التقارب في المساحة التي تشكلت حديثاً. ومن المفهوم في هذا الصدد استعداد البلدان للانضمام إلى مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون. وتعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية والاتحاد الروسي لاعبين مهمين في هذا المجال، وهذا اتجاه لا رجعة فيه.
/انتهى|/