وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: كلما زرت هذا المكان المقدس شعرت بأن الشهداء يتكلمون معك ومع كل الزائرين، كيف لا وكل واحد منهم له قصة بطولية وشجاعة حيدرية لينالوا الشهادة فقد كانوا قادة ابطال قدموا أرواحهم في سبيل الله، هؤلاء الشهداء على طريق القدس هم نصر الوطن وذخيرته وارثه وتراثه، وحافظوا على الارض والتاريخ، وها هم المحبين واهاليهم يخاطبونهم بأننا سنتابع هذا الطريق الالهي الشريف معاهدين دمائهم الطاهره انهم على العهد باقون على هذا الخط المعطاء عزة وفداء.
بعد 60 يوم من العدوان كانوا أبناء جبل عامل وشاركهم ابناء البقاع وبعلبك الهرمل يتوضأون بالكرامه ويقيمون الصلاه على تراب مجبوله بدماء الشهداء، حرروا الارض من دنس الاحتلال، لأنها أرضهم وبيوتهم وهم طبعا متجذرين فيها.
وخلال تواجد مراسلتنا، الأستاذة وردة سعد، في روضة الحوراء زينب عليها السلام في ضاحية بيروت الجنوبية، أجرت حواراً مع كريمة الشهيد القائد والجهادي الكبير "إبراهيم عقيل_ الحاج عبد القادر" السيدة "زينب عقيل" حول جوانب مختلفة عن شخصية هذا القائد الفذ، وثقافة الشهادة لدى المقاومة وحاضنتها في لبنان، وجاء نص الحوار على النحو التالي:
حول النصر الذي حققته بيئة المقاومة في جبل عامل، وكيفية قراءتكم لما حصل خصوصًا أن الكثير من الأهالي هرعوا للقرى للبحث عن أشلاء أبنائهم الطاهرة، وما صلة ذلك بما علّمهم والدكم الحاج إبراهيم عقيل "عبد القادر" ؟
إنّ النصر الذي تحقّق في بيئة المقاومة في لبنان لم يكن مجرّد حدثٍ عابر أو إنجازٍ عسكري وحسب؛ بل هو ثمرة مسيرةٍ طويلة من التضحيات والصبر والجهاد. حين نرى أهالي الشهداء وقد عادوا إلى قراهم بحثًا عن أشلاء أبنائهم الطاهرة، فإننا نلمس عمق الانتماء والإصرار على حفظ الكرامة والأرض والمقدّسات. هؤلاء الذين جابوا القرى ليلتقطوا ما بقي من أبنائهم، إنما يحملون في قلوبهم تلك الروح الإيمانية والعزم الراسخ الذي تربّوا عليه في تنشئتهم الاجتماعية من خلال ثقافة التضحية من أجل الحق والشرف. إنّ والدي الحاج إبراهيم عقيل (رض) كان من جيلٍ حمل البندقية بيد، والعلم والقيم في اليد الأخرى. لقد علّم من حوله – لا سيّما أجيال الشباب – أن ليس في هذه الدنيا ما هو أغلى من كرامة الإنسان وأرضه ومقدّساته. هذه القيم لم تُنسَ مع الزمن، بل بقيت حيّةً في نفوس أولئك الذين رافقوه وتعلّموا منه، والمجاهدين الذين كان يحب أن يعرّفعهم كأبنائه . وهكذا فإنّ ما رأيناه من اندفاع الناس إنما يُجسّد تلك القيم التي أسّس عليها أبناءهم حيث لا يخلو بيت شيعي في لبنان من منتسب إلى المقاومة.
حدّثينا عن ثقافة الاستشهاد وبذل الأنفس في سبيل الله، والدوافع التي تحرّك الشهداء ليقبلوا على الموت بطمأنينة، وكيف استقبلت العائلة خبر الاستشهاد؟
ثقافة الاستشهاد في بيئة المقاومة ترتكز على الإيمان بالله تعالى واليقين بأنّ الحياة لا يمكن أن تكون مستخقة إذا كانت في ذل وخنوع وخضوع للباطل. إنّها ثقافة ترى أنّ قيمة الإنسان ليست بمجرد بقائه الجسدي بل بما يقدّمه من عطاءٍ وتضحية في سبيل مبادئه السامية. لذلك، تجد الشهيد يتحرّك بدافعٍ إيماني عميق، وبحالةٍ من الاطمئنان النفسي والروحي؛ فهو يسير نحو تحقيق وعد الله بالمقام الرفيع للأبرار الأحرار والشهداء في الدنيا والآخرة. أمّا عوائل الشهداء، فعلى الرغم من الألم الطبيعي الذي يعتري كل إنسان يفقد عزيزًا، فإنهم يعيشون الحزن الرسالي، وما خروج الأهل لمواجهة العدو باللحم العاري من مسافة صفر، إلا تجسيدًا للحزن الرسالي الذي يحوّل العاطفة إلى إصرار على السير في طريق التضحية والدفاع عن الحق، وإلى شعور بالقوة لأننا حتما في الطريق الصحيح.
ماذا تعني "روضة الشهداء" لعوائل الشهداء؟ وما العبر التي نتعلّمها في هذه الأماكن، وهل لا يزال التواصل قائمًا مع من فقدناهم؟
إنّ روضة الشهداء بالنسبة إلينا ليست مجرّد مقابر لدفن الأجساد؛ هي أشبه بمدارس تربوية وروحية مفتوحة. عندما نزور روضة الشهيد، نحمل معنا مشاعر الفخر والاعتزاز بتضحياتهم، ونجدّد العهد على حفظ الوصايا والقيم. إنها محطات نستذكر فيها أنّ الشهداء لم يرحلوا فعلاً عن حياتنا؛ فهم أحياءٌ بإنحازاتهم، وأن أجرهم الذي لم يضع، إنما لمسنا أثره نحن في الدنيا قبل أن يلمسوه هم في الآخرة. فأثرهم ما يزال شاخصًا في وجداننا وكل بيت فيه شهيد ترك منارة لإرشاد سفن النجاة. من هنا، فإنّ التواصل الروحي والفكري معهم باقٍ لا ينقطع، لأنهم تركوا فينا بصمةً لا يحدّها الزمن؛ بصمة المسؤولية، والصمود، والإيمان الصادق. عندما نقف على أضرحتهم ونقرأ الفاتحة أو ندعوا لهم، نشعر أننا نُخاطب أرواحًا قريبة، نتشارك معها الخطى والأهداف، فنستمدّ منها العزم والقوّة.
يدور جدل في لبنان حول "ثقافة الموت" و"ثقافة الحياة"، ويتّهم البعض بيئة المقاومة بأنها تشجّع ثقافة الموت. فما ردّكم؟ وما هي المعاني الحقيقية للحياة التي أودعها الله تعالى فينا؟
الموت هو عندما يموت الانسان ولا يترك أثرا ولا بصمة على مستوى التاريخ والجغرافيا والاجتماع وغيرها.. لكن ثقافتنا هو ان نموت لتحيا اجيالنا القادمة بكرامة، وليحيا غيرنا ممن يتهموننا بالعدمية بكرامة العيش ايضا. وما ثقافة عند أبناء المقاومة هو في حقيقته حبٌّ للحياة بكل مقوّماتها وكرامتها. إنّ من يستشهد لا يفعل ذلك حبًا بالموت لذاته، بل رفضًا للذلّ والهوان، وسعيًا لصيانة الحياة الحرة الكريمة. إنّه يموت ليحيا الآخرون بعزّة. وهذه هي المعادلة الأصيلة في ديننا وقيمنا الوطنية: لا قيمة للحياة إذا خلت من الحرية. انهم يُسيئون الفهم أو يُغفلون السياق الذي قدّم فيه الشهداء دماءهم دفاعًا عن شعبهم ووطنهم. إنّ المعاني الحقيقية للحياة التي أودعها الله تعالى فينا ترتبط بمسؤوليتنا تجاه الآخرين، وإقامة العدل، وحماية المظلومين، وهذه معانٍ لا يفهمها إلا من يملك استعدادًا للبذل والتضحية.
ما هو الإرث الذي تركه لنا الشهداء؟ وكيف يمكننا المحافظة عليه والاستفادة منه في حياتنا؟
الإرث الذي تركه الشهداء لنا هو مزيجٌ من القيم والمبادئ والتجارب العملية. لقد ورثنا منهم شجاعة الموقف، والإخلاص في العمل، وحب الوطن، والثقة بوعد الله، والصبر على الشدائد. لقد قدّموا لنا نموذجًا حيًّا يعمّق فينا روح المسؤولية والتضامن الاجتماعي.
وحتى نحافظ على هذا الإرث ونستثمره في حياتنا الدنيوية، علينا:
1. *أن نعيش المسؤولية*: ندرك أنّ كل فردٍ منا شريكٌ في البناء الحضاري وحماية الأمة.
2. *أن نحافظ على الوحدة*: فالنصر لا يُصنع إلا بتكاتف الجميع حول قضية عادلة وواضحة.
3. *أن نبني وعيًا صلبًا*: بنقل تجارب الشهداء للأجيال القادمة عبر التاريخ الشفهي والكتابات والفعاليات الثقافية والتربوية.
4. *أن نعمل بجد* في كل المجالات: العلمية والاجتماعية والسياسية، متمسّكين بقيمنا وأخلاقنا، لنكون فعلاً خير امتدادٍ لتضحياتهم.
بهذا نحفظ العهد الذي قطعوه لنا بدمائهم ونصون المسيرة التي بذلوا في سبيلها مهجهم.
/انتهى/