تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، خلال اجتماعه مؤخراً في القدس الشريف مع بنيامين نتنياهو، ليست سوى امتداد لسياسة أمريكية قائمة على التغطية على دورها الرئيس في زعزعة استقرار غرب آسيا، من خلال دعم الجماعات الإرهابية، وتسخيرها كأدوات في مشاريعها السياسية.

وكالة مهر للأنباء _ نجاح محمد علي، قسم الشؤون الدولية:أرسل"نجاح محمد علي"، وهو محلل وناشط سياسي عراقي، مقال رأي بعنوان "أميركا وصناعة الإرهاب؛ من دعم القاعدة إلى حماية الجولاني" لوكالة مهر للأنباء، حيث أكد فيه أنه لم يكن دعم الولايات المتحدة للإرهاب مجرد اتهامٍ يطلقه خصومها، بل هو حقيقة أكدتها شخصيات بارزة داخل الإدارة الأمريكية نفسها وفيما يلي نصه الكامل:

مرة أخرى، تعود واشنطن إلى لعبتها القديمة: اتهام الآخرين بالإرهاب بينما هي من يغذّيه، ويوظّفه لتحقيق مصالحها. تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، خلال اجتماعه مؤخراً في القدس الشريف مع بنيامين نتنياهو، ليست سوى امتداد لسياسة أمريكية قائمة على التغطية على دورها الرئيس في زعزعة استقرار غرب آسيا ، من خلال دعم الجماعات الإرهابية، وتسخيرها كأدوات في مشاريعها السياسية.

اعترافات أمريكية: من القاعدة إلى داعش

لم يكن دعم الولايات المتحدة للإرهاب مجرد اتهامٍ يطلقه خصومها، بل هو حقيقة أكدتها شخصيات بارزة داخل الإدارة الأمريكية نفسها. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تصريح شهير عام 2016، قال بوضوح إن “أوباما هو مؤسس داعش، وكلينتون هي شريكته في التأسيس”. لم يكن هذا التصريح زلّة لسان، بل حقيقة موثقة بالأدلة. فمع بداية الأزمة السورية، قامت واشنطن، عبر وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، بتوفير الدعم المالي واللوجستي للجماعات الإرهابية تحت غطاء “المعارضة المعتدلة”، وهو ما كشفته صحيفة The Washington Post في عدة تقارير.

بل إن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، جون كيري، اعترف في تسجيل مسرّب أن بلاده سمحت بتمدّد داعش في سوريا، أملاً في الضغط على دمشق لتقديم تنازلات سياسية. وفي عام 2019، أكدت عضو الكونغرس الأمريكي ، مديرة الاستخبارات الوطنية حالياً تولسي غابارد أن الإدارة الأمريكية “تسلّح وتموّل القاعدة في سوريا”، مضيفةً أن “حكومة بلادها كانت تدعم القاعدة مباشرة في الحرب السورية”.

وقبل أيأم فجر السيناتور السابق ريتشارد بلاك قنبلة جديدة بشأن دعم الولايات المتحدة المباشر لجماعات مثل القاعدة وداعش في سوريا في تصريح يعد من أكثر التصريحات جرأة في كشف زوايا خفية من الصراع السوري.

‏بلاك تحدث عن دور الجماعات الإرهابية كأدوات في الحرب السورية، وهي نقطة طالما أثارت جدلاً بين السياسيين والمحللين.

و‏التصريح يتماشى مع التقارير التي تحدثت عن الدعم الأمريكي المباشر لبعض الفصائل المسلحة التي ارتكبت فضائع في سوريا، سواء عبر تمويل دول إقليمية أو عبر غض الطرف عن مصادر تمويل تلك الجماعات.

‏إقراره بأن هذه الجماعات “نفذت جميع مهام الولايات المتحدة” يعزز فرضية أن واشنطن استخدمتها كأذرع حرب بالوكالة في مواجهة النظام السوري السابق وحلفائه.

‏أدلة تأريخية تدعم التصريح:

‏بالنظر إلى ما قاله السيناتور بلاك، هناك أدلة موثقة تؤكد هذا الطرح. تقارير الأمم المتحدة في العقد الماضي أشارت إلى أن الولايات المتحدة دعمت مجموعات مثل جبهة النصرة (فرع القاعدة في سوريا) من خلال قنوات في تركيا وقطر، ضمن استراتيجية لإسقاط نظام الأسد.

‏هذا الدعم شمل تمويلًا وتسليحًا، رغم أن تلك الجماعات كانت معروفة بصلاتها بالإرهاب. ‏تقارير استخباراتية غربية أكدت أن بعض الأسلحة الأمريكية انتهت في أيدي داعش والنصرة بعد تمريرها عبر ما كان يسمى بـ”المعارضة المعتدلة”.

‏إذن، ما قاله بلاك ليس جديدًا، لكنه يأتي كدليل داخلي صادم من مسؤول أمريكي سابق، ما يجعل الأمر أكثر وضوحًا ويعزز الشكوك حول الأجندات الأمريكية في سوريا.

الجولاني: من إرهابي مطلوب إلى حاكم سوريا بدعم أمريكي

عندما يتحدث روبيو عن “عدم الاستقرار في سوريا”، فإنه يتناسى أن واشنطن هي التي ترعى أحد أخطر الإرهابيين في العالم: أبو محمد الجولاني، زعيم “هيئة تحرير الشام”، التي كانت تُعرف سابقًا باسم “جبهة النصرة”، الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة في سوريا.

الجولاني، الذي كان يومًا مطلوبًا على قوائم الإرهاب الأمريكية، بات اليوم الحاكم الفعلي لسوريا، وسط دعم وتسهيلات أمريكية مباشرة وغير مباشرة. لم يعد مجرد قائد لجماعة مسلحة، بل أصبح واجهة لمشروع أمريكي لإعادة رسم المشهد السوري وفق المصالح الغربية.

القنوات الأمريكية، مثل PBS، أجرت معه مقابلات ترويجية قدّمت فيها صورة زائفة عن “زعيم معارضة معتدلة”، رغم أن سجلّه مليء بالمجازر والانتهاكات، في العراق وسوريا، وخاصة ضد العلويين والمسيحيين والدروز. في الوقت نفسه، كشف تقرير لمؤسسة RAND البحثية أن واشنطن ترى فيه “شريكًا محتملاً” يمكن الاعتماد عليه في المرحلة المقبلة، مما يفضح ازدواجية المعايير الأمريكية في التعامل مع “الإرهاب”.

الجولاني الذي تحول إلى الرئيس أحمد الشرع ، ارتكبت جماعته مجازر بشعة في الساحل السوري راح ضحيتها أكثر من 22 ألف علوي، لكنه لم يُحاسَب حتى، بل يتلقى دعمًا أمريكيًا غير مباشر، يُترجم بتسهيلات سياسية وإعلامية، وبتغاضٍ متعمد عن جرائمه. ومن كان بالأمس إرهابيًا مطلوبًا، أصبح اليوم رئيسًا لسوريا بغطاء أمريكي، والهدف واضح: إبقاء البلاد في حالة فوضى، ومنع أي استقرار قد يُعيد القرار السيادي إلى دمشق بعيدًا عن الهيمنة الغربية.

دعم مطلق للكيان الصهيوني.. الإرهاب المُشرعن

لا يمكن فصل تصريحات روبيو عن الدعم الأمريكي غير المشروط للكيان الصهيوني، الذي يمارس إرهاب الدولة بشكل يومي. فمنذ بدء العدوان الأخير على غزة، قتلت قوات الاحتلال عشرات آلاف المدنيين، بينهم أطفال ونساء، ودمرت المستشفيات والمدارس، وسط غطاء سياسي وعسكري من واشنطن.

ألم يكن الاحتلال هو من أنشأ “جيش لبنان الجنوبي” العميل، الذي ارتكب المجازر ضد المدنيين في جنوب لبنان؟ أليس الكيان الصهيوني هو الذي دعم المجموعات الإرهابية في سوريا، وقدّم العلاج لجرحى “جبهة النصرة” في مستشفياتها، وهو يواصل العدوان بشكل مستمر على سوريا ؟

الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني لا يتوقف عند السلاح والتمويل، بل يشمل الحماية السياسية في مجلس الأمن، حيث تستخدم واشنطن الفيتو لمنع أي قرار يُدين جرائم الكيان الصهيوني ، مما يجعلها شريكًا مباشرًا في الإرهاب المنظّم الذي يمارسه الاحتلال.

ازدواجية المعايير: إرهاب “جيد” وآخر “سيئ”

إذا كانت واشنطن ترى أن كل الجماعات التي تواجه الاحتلال الصهيوني أو تدافع عن أرضها “إرهابية”، فلماذا لا تُطبق نفس المعايير على الجماعات التي تدعمها في سوريا والعراق وأفغانستان؟

التناقض الصارخ في الموقف الأمريكي يكشف أن تصنيفات الإرهاب ليست سوى أداة سياسية، تُستخدم لخدمة الأجندة الأمريكية. فطالما أن الجماعة تعمل وفق المصالح الأمريكية، فهي “معارضة معتدلة”، أما إذا كانت تقاوم الهيمنة الأمريكية والاحتلال الصهيوني، فهي “إرهابية”.

إيران والمقاومة: محاولات بائسة لشيطنة العدو الحقيقي

اتهام إيران بالوقوف وراء كل “جماعة إرهابية” هو تكرار ممل لخطاب أمريكي مفلس. نعم، تدعم إيران المقاومة الفلسطينية واللبنانية، لكن هل يُعدّ دعم الشعوب المحتلة جريمة؟ وهل الدفاع عن الأرض والكرامة إرهاب؟

أمريكا تريد فرض معادلة مقلوبة: من يقاتل الاحتلال إرهابي، ومن يدعم الاحتلال هو “حامي الديمقراطية”. لكن هذه المعادلة لم تعد تنطلي على أحد، خاصة بعدما أصبحت جرائم الاحتلال تُبثّ مباشرةً أمام العالم، وتتكشف حقيقة العلاقات الأمريكية مع الإرهابيين الذين تدّعي محاربتهم.

أمريكا هي العرّاب الحقيقي للإرهاب

إذا كان روبيو يبحث عن “المصدر الأعظم لعدم الاستقرار”، فليبدأ من واشنطن. فبين دعم القاعدة وداعش، وحماية الجولاني، والتغطية على إرهاب الاحتلال، يتضح أن الولايات المتحدة ليست جزءًا من الحل، بل هي أصل المشكلة. التاريخ لن يرحم الدول التي صنعت الإرهاب، ثم ادّعت محاربته، والشعوب لن تنسى من وقف مع قضيتها ومن تآمر عليها.

/انتهى/