انعقد المؤتمر الدولي الثاني للتجديد والاجتهاد الفكري تحت عنوان " استراتيجيات الثقافة الإسلامية في عالم اليوم " وتطرق المشاركون في المؤتمر الى دور الثقافة الدينية والعلماء في تنمية المجتمع وتجارب الحركات الاسلامية ودور المؤسسات الدينية في تفعيل دور الاسلام في المجال الاجتماعي والسياسي

بدأ معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية أعمال المؤتمر الثاني للتجديد والاجتهاد الفكري عند الامام الخامنئي في بيروت فندق الساحة بحضور وفد رسمي من مكتب قائد الثورة الاسلامية آية الله العظمى السيد علي الخامنئي وعدد من علماء الدين، وفد علمائي وأكاديمي من الأزهر الشريف والقاهرة، وشخصيات أكاديمية من الكويت  الأردن المغرب إيران  ومن لبنان.

 

أعمال اليوم الاول:

وتحدث مدير المعهد الدكتور الشيخ شفيق جرادي فقال: لا ترتبط اهتمامات مؤتمرنا هذا بمعرفة الثقافة ومعناها؛ ذلك أنّ الإمام الخامنئي ربط دلالتها ومنشأها بالعقيدة والرؤية، كما أنه حدد إطار الثقافة بالذهنيّات الخاصّة، وتحدّث عن تأثير ذلك على سلوك الأفراد والجماعات والمؤسّسات، بل والخصائص الحضاريّة لأمّة من الأمم أو شعب من الشعوب.

وأوضح "ان انعقاد هذا المؤتمر جاء نتيجة جملة أمور نذكر منها:

أوّلًاوبالدرجة الأساس الصورة النمطيّة التي اشتغل على تثبيتها المشروع الاستكباريّ في المنطقة، وممارسات حركات التطرّف التكفيريّ تجاه الإسلام ودور المسلمين، بحيث زحزحوا صورة الإسلام كدين للرحمة عن معناه، وقدّموه دينًا للجريمة. وفي هذا قلبٌ للحقائق، ومنطقُ الأمور.

ثانيًا إنّ سقوط تجارب حركات إسلاميّة اصطُلح على تسميتها بالإسلام السياسيّ، فضلًا عن تراجع دور المؤسّسات الدينيّة العلمائيّة التي كانت تقوم بمهمّة الوصل بين انقطاعات أطراف هذه الأمّة بأبعادها المذهبيّة والقوميّة والقطريّة، فسح المجال واسعًا للحديث حول اتهام الإسلام في أصل رساليته التي جاءت لإصلاح شأن الناس من خلال عمارة البلاد وهداية العباد.

ودعا لمناقشة الرؤية التأسيسيّة التي قدّمها سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطاباته الأخيرة، لمناقشتها في مؤتمرنا هذا، والتي مفادها أنّ العدو الصهيونيّ نجح في تفكيك قضايا المنطقة وفصلها عن بعضها، ما نقلنا من مرحلة الأمّة الواحدة إلى مرحلة الجماعات الممزّقة، وعلينا العمل على إعادة توحيد الساحات والقضايا والاهتمامات والرؤى.

 ثم ترأس محمد شري الجلسة التي تحدث فيها نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم حول الاستراتيجيات المعاصرة للثقافة الإسلامية – الواقع والمأمول" فأشار إلى الأساليب والخطوات العملية التي يجب أن تكون الاستراتيجية الثقافية محكومة فيها بالقواعد الأربعة الآتية الاول انه : خلق الله الإنسان متميزًا بأفضل المقومات والثاني ان الله جعل الانسان خليفة لأداء دوره باستقامة والثالث على أن يستفيد من وجوده على الأرض للعمل الصالح كمحطة للآخرة والرابع ان الانسان سيعاني ويُبتلى ويُختبر قبل أن يحصل على النتيجة.

وذكر أن تقديم الثقافة الإسلامية في أربعة مجالات هي المجال الفكري وفي العلم والحياة والمجال المعنوي.

وفي ختام اليوم الاول للمؤتمر تحدث  الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وأكد ان الإمام السيد علي الخامنئي يتمتع بقدرة إدارية عالية لأن موقعه يتطلب منه توزيع المهام وسماحته يتحمّل هذه المسؤولية الخطيرة منذ رحيل الإمام الخميني وعلى أحسن وجه، منوهاً الى انه قاد الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع كل التهديدات التي تمر بها المنطقة ويتمكن من تحويل أغلب التهديدات إلى فرص وقد تحولت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى قوة كبرى على كافة المستويات، لافتاً الى أن هناك حصاراً غربياً قوياً وشديداً منذ تولي الإمام الخامنئي للقيادة وخطاباته في القضايا الهامة يتم التغافل عنها أو يتم أخذها بشكل مشوه ومحرف.

وأضاف أن "سماحة السيد القائد هو مرجع تقليد يرجع اليه الاف المسلمين في العالم"، وأضاف "الامام الخامنئي يواكب بشكل دائم ما يصدر من كتب ويحضر مؤتمر طهران الدولي للكتاب حيث يتابع أدق التفاصيل ويعطي ساعات من وقته لذلك".

واذ لفت سماحته الى انه "نحن بحاجة الى جهود كبيرة للمدافعة عن الإسلام"، قال "يجب أن نقدم سماحة الإمام الخامنئي كمفكر إسلامي كبير لكل المسلمين وكمفكر إنساني كبير لكل العالم".

ولفت الامين العام لحزب الله الى ان من أهم مميزات الإمام الخامنئي كمفكر إسلامي هي الأصالة والاستقلال وعدم الخضوع للأجواء العامة، مشيراً الى ان سماحته يملك لغة العصر التي تستطيع أن تصوغ المضامين الفكرية وتعبر عنها بالمصطلحات والأدبيات التي تجعلها مقبولة للنخب ولعامة الشعب.

أعمال اليوم الثاني للمؤتمر 

وتحت عنوان قراءات في استراتيجيات الثقافة الإسلامية كعنوان للمحور الأول تحدث الدكتور محمد رضا بهمني عضو الهيئة العلمية لمعهد بحوث العلوم والثقافة الاسلامية في ايران فتناول الاطار المفهومي لدراسة قضية الانسجام الثقافي في المجتمعات الاسلامية استنادا الى تفسير مفهوم الامة الواحدة للعصر الحالي فقال: نحتاج لبناء المفهوم في وضع السياسات الثقافية الى ان نستفيد من المرتكزات والمباني المعرفية والنظرية الاساسية ومن ثم القيام بتحديد المبادئ التوجيهية الفكرية في الحصول على الاستراتيجيات والاجراءات الثقافية.

وأعطى تعريفا لرسم السياسات ومعالجة الاستراتيجيات الثقافية المذهبية (الدينية) على انها نوع من التفكير على اساس المبادئ والأصول المعرفية والتعاليم الاسلامية التي تعمل على كشف وتشخيص القضايا الثقافية للمجتمعات الاسلامية، مشيرا الى فقدان الانسجام الثقافي والاجتماعي لهذه المجتمعات، مقترحا أربع نماذج لهذه الاستراتيجية تتعلق بهوية الأمة الإسلامية والبعد الاعتقادي لها والبعد السلوكي، وبناء النظام الاجتماعي لهذه الامة.

وعالج الدكتور احمد ماجد استاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية "مفهوم الثقافة عند الامام الخامنئي" فقال: إن نهضة المجتمعات ترتبط بنهوض الثقافة فيها، وإن كانت القاعدة العلمية ضرورية ولكنها لا تأخذ موقعيتها إلا من خلال رصد الثقافة وحركتها، ناقلا عن الامام الخامنئي قوله: "إن الثورة استطاعت أن تجد سبيليها على المستوى السياسي والاقتصادي والتقني الا انها في المقابل وجدت عثرات كبيرة على المستوى الثقافي"، لافتاً الى ان الثقافة عند الامام ليست أمرا ثانويًا يمكن التغاضي عنه أو تهميشه لانها تشكل عاملا اساسيا ومصيريا في تحديد السلوكيات الفردية والاجتماعية للبلد وللأمة.

أما الأستاذ المساعد في قسم العلوم الاجتماعية في جامعة باقر العلوم في ايرن السيد محمد حسين هاشميان ومحمد زماني، فقالا في البحث الذي قدماه بعنوان "رسم سياسات التواصل بين الثقافات من وجهة نظر الإمام الخامنئي"، أنه لا تعتبر قضية التواصل والعلاقات بين الثقافات اليوم قضية منحصرة في العالم الاسلامي فحسب، بل إنها مطروحة على الصعيد الدولي ايضا.

وأشارا إلى اربعة استراتيجيات في رسم هذه السياسة من بينها: الاستفادة من ثقافات الشعوب المختلفة، اقرار الوحدة بين العلم والدين؛ أي بين الجامعة والحوزة.

كما وترأس احدى جلسات المؤتمر الشيخ محمد رضا زائري (من ايران) فدعا الى ضرورة اللجوء الى سلوك طريق بين اتجاهين: الأول التوقف عند حدود الأبحاث النظرية والفكرية البحتة، التي لا تمت بصلة وثيقة للواقع الميداني المعاش، والثاني هو اهتمام البحث بالشأن الثقافي الميداني الواقع والمعاش بصرف النظر عن المبادئ النظرية والأسس الفكرية، داعيا الى الاهتمام كمؤسسات ومراكز وافراد الى رصد العلاقة الوثيقة بين الاتجاهين المشار إليهما.

وتناول الدكتور حسين رضي الاستاذ في جامعة الامام الصادق في طهران في بحثه تحت عنوان: "الثقافة والعلاقات: البنية التحتية وحجر الاساس للانماء والتطور"، فقال: توجد أبعاد متقدمة للانماء والتقدم مثل البعد الاقتصادي والسياسي والثقافي، ولكن نضيف لها الابعاد الاجتماعية والعلمية والتقنية والعسكرية والبشرية وغيرها...

وتطرق الى دور الثقافة الدينية بشكل خاص والى التنمية مع التركيز على التنمية البشرية وتمكين الانسان، ودورها في تنمية المجتمعات وتقدمها، مؤكدا على اهمية الاهتمام بالثقافة والعلاقات كبنية تحتية وباعث للعلاقات والتطوير في سياق الارتقاء والنمو البشري وتنفيذ الدين تحضيرا لحكومة الحق على الأرض.

وقرأ الشيخ محمد فاطمي من مركز دراسات باقر العلوم في قم البحث الذي أعده مع رضا خاك رنكين بعنوان: "الثقافة والتنمية في فكر الامام الخامنئي"، فاعتبر ان الدين في فكره أوسع وأشمل من الثقافة، بل إن الدين هو صانع للثقافة، وأن المجتمع الاسلامي النموذجي هو ذلك المجتمع الذي يتمتع بمؤشرات ثقافية دينية.

ورأى أنه للوصول إلى نقطة ذروة التكامل الثقافي علينا أن نطوي سلسلة منطقية وفطرية يمكن تسميتها عملية تحقق الاهداف الاسلامية، ويجب أن تتكون مراحل الثورة والنظام والمجتمع الاسلامي كي تتوفر البيئة ومصنع بناء الانسان.

ثم تطرق الباحث الاسلامي من سلطنة عمان محمد بن رضا اللواتي في بحثه بعنوان "الدين الركن الأوثق في الثقافات البشرية"، إلى ما يتعرض له الاسلام  من أسوأ الانتقادات وأبشع التهم في عالم اليوم، معتبرًا أن ابتكار "داعش" أشد حلقات تلك المؤامرات التي تقف خلفها ايادي "الصهيوامريكية" ووصف الثقافة بكونها المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والاخلاق والقانون وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الانسان بوصفه عضوا في المجتمع.

 وترأس جلسة بعد الظهر الاعلامي عدي الموسوي، وتحدث فيها الباحث الاسلامي من الاردن بلال حسن التل حول مسألة "اللغة كميدان للمجابهة الرسالة مع الحرب الناعمة – الغزو الثقافي"، فأكد ان اللغة هي الثقافة والاداة التي تعبر عنها والتي تحدد اطارها، مشيرا الى أن جهود محاربة اللغة العربيةوخطورة الغزو الثقافي داعيا الى استراتيجية للنهوض باللغة العربية كأساس لاستراتيجية نهوض للثقافة الاسلامية.

أما الباحث من علماء الأزهر الشريف الشيخ محمد ابراهيم هلال فقد عرض في بحثه بعنوان "علاقة الثقافة بالدين والمجتمع ونمط الحياة"، تعريفا للثقافة الاسلامية بأنها علم يبحث مقومات الأمة الاسلامية العامة المتعلقة بماضيها وحاضرها، فالثقافة الاسلامية ليست نتاجا بشريا تنهض تارة وتسكن اخرى، بل إن التاريخ يشهد أنها قدمت منهجا علميا للحياة لا مثيل له. ورأى أن مهام المثقف الرسالي  أن يكون فاعلا وناقدا عندما تكون هناك ضرورة للنقد البناء، وعليه أن يتابع الاحداث ويحلل الظواهر البشرية انطلاقا من واجبه الانساني وتكليفه الشرعي، مشددا على أن يكون المثقف ايجابيا في تفكيره ومواقفه، وأن يمتلك حصانة فكرية تحميه من أية ثقافات دخيلة وأن يكون أمينا في طرح المعلومات متجردا من أي حزبية أو طائفية أو مصلحة شخصية.

واعتبر الدكتور ميثم لطيفي من جامعة الامام الصادق في إيران في بحثه بعنوان: "المسجد بؤرة التطور الانساني – الاجتماعي في الثقافة الاسلامية"، أن للمسجد ميزات وأداءات يمكن تطويرها في مجالات  تربوية عبادية اجتماعية إسنادية عسكرية وأمنية وغيرها، ويحتل المسجد دون سواه من سائر المعابد في بقية الديانات، عدة كفاءات وطاقات شاملة لخلق التطورات الاجتماعية.

أما الشيخ سمير خير الدين الباحث في معهد المعارف الحكمية فرأى أنه يترتب على حضور الاخرة والعدالة في الثقافة الاسلامية الثورية أمور أبرزها أن ثقافة مصيرية، وثقافة اطمئنانية، وأنها ذات دافعية. وأضاف أما الارتباط بالنبوة والامامة فيترتب عليه أولا ثقافة الثقافة ومنعتها، وأنها ثقافة إباء وعزة وحرية بلحاظ البعد الكربلائي المقدس في الوجدان، كما أنها ثقافة أمل وتحضر لا يهدأ بلحاظ المهدوية، كما أنها ثقافة تحقيق براءة الذمة عبر المرجعية.

وترأس الجلسة الأخيرة للمؤتمر الشيخ حسين  السعلوك،  وتحدث فيها الباحث الاسلامي من المغرب عبد العالي العبدوني فقد سأل في بحثه بعنوان "استراتيجية ثقافية إسلامية على حد العولمة" كيف يمكن للثقافة الاسلامية أن تحافظ على هامش قدرتها، ليس في محيطها الجغرافي الطبيعي وحسب، بل ايضا في أفق عولمة أضحت ضرورية في الآن نفسه لأن ثمة علاقة جدلية بينهما من جانب التأثر والتأثير، مطالبا بخلق خط ممانع يتحرك أفقيا من اقصى غرب العالم الاسلامي الى شرقه والعالم استتباعا وفق استراتيجية عملانية تتواضع أمام التنظير العالي وترتفع عن الافكار الجاهزة التي لا تبقي مجالا للنقد.

وأعرب الدكتور خالد سعيد الباحث ومدرس اللغة العبرية في مركز بحوث الشرق الأوسط في جامعة عين شمس في القاهرة في بحثه بعنوان "المجابهة الرسالية بين الحفاظ على الهوية والغزو الثقافي"، عن اعتقاده بأنه من الواجب على الانسان المسلم اعادة تشكيل الهوية الاسلامية والقومية العربية، ومحاولة ترسيخهما في عقول وأذهان الجميع،  والابتعاد عما يزج في هذه الهوية.

وتحدث الباحث في جامعة الامام الصادق في إيران مجيد امامي عن "الصراع العالمي: أزمة الهويات والأخلاق الإنسانية"  فأشار الى أن الفجوات بين الثقافات تزداد يوما بعد يوم اضافة الى تزايد استغلال الغربيين وتمييزهم ضد الشرقيين والسود والفقراء، لافتا الى فشل النظام الراسمالي في قدرته على تقديم الحل الحقيقي، وأنه يجب توضيح هذا الأمر من وجهة علم النفس الاجتماعي في اطار معرفة المواقف السلبية.

وكانت المحاضرة الأخيرة في جلسة ما بعد الظهر للدكتور فرشاد مهدي بور العضو في الهيئة العلمية لمعهد العلوم والثقافة الاسلامية في ايران فتحدث عن "تشخيص التيارات الفكرية المواجهة للحداثة ودورها في رسم السياسات الثقافية للدول الإسلامية"، عارضا لايران المعاصرة كحالة في هذا السياق، مشيرا الى وجود ثلاث مقاربات هي: معارضة الحداثة، تأييد الحداثة، والتفاعل معها، مركزا على دراسة تيارات التحولات الفكرية في ايران المعاصرة للاستفادة منها كنموذج في شرح العلاقات بين التيارات الفكرية الداخلية والخارجية، مما قد يشكل اطارا مناسبا لاستراتيجيات مؤثرة في حل المسائل والقضايا الثقافية./انتهى/