تاريخ النشر: ٧ نوفمبر ٢٠١٦ - ١٦:٣٣

تمر الذكرى الذكرى التاسعة والتسعين لإطلاق المملكة البريطانية ممثلة بوزير خارجيتها آرثر بلفور وعدها المشؤوم والذي عرفه العالم بإسم وعد بلفور. هذا الوعد الذي تمثل برسالة أرسلها بلفور إلى اللورد روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة، نصَّ على تطلع بريطانيا إلى تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين فكان أولى الخطوات العملية التي تخطوها الدول الاستعمارية ممثلة ببريطانيا على طريق احتلال فلسطين وزرع الكيان الصهيوني في قلب الأمتين العربية والإسلامية.

نقلاً عن الموقع الاعلامي لمكتب حفظ ونشر آثار آية الله العظمى السيد علي الخامنئي- يقول قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي في إحدى كلماته: "بناء على الوثائق التاريخية، ان تأسيس الدولة الصهيونية هناك (فلسطين)، كان مطلباً استعمارياً للحكومة البريطانية قبل أن يكون حلماً لليهود. هناك أدلة تشير إلى أن العديد من اليهود كانوا يعتقدون بعدم الحاجة لهذه الدولة؛ وأن هذه الدولة ليست في مصلحتهم؛ لأنهم كانوا فارين. لهذا، لم تكن هذه أمنية وفكرة يهودية؛ بل كانت في معظمها فكرة استعمارية وفكرة بريطانية."(1)

يشير الإمام الخامنئي في هذه الكلمة بكل وضوح إلى أن احتلال فلسطين كان مطلباً استعمارياً بريطانياً قبل أن يكون حلماً يهودياً، وهنا لا بدَّ من مراجعة التاريخ قليلاً؛ فالمطالع لتاريخ احتلال فلسطين وكيفية نشوء الكيان الصهيوني سوف يصادف بلا ريب اسم اللورد شافتسبري، شافتسبري هذا كان عضواً في البرلمان البريطاني ويصفه البعض بأنه واحدٌ من أهم الشخصيات الإنجليزية في القرن التاسع عشر.

هنا قد يسأل سائل لماذا نتكلم عن شافتسبري وموضوع مقالتنا وعد بلفور؛ والجواب يتلخص في أن هذا السياسي البريطاني قد أفشى من خلال كتاباته التي كتبها قبل أعوام عديدة من إطلاق وعد بلفور أهداف بريطانيا الحقيقية من إعطائها هذا الوعد. حيث كتب في عام 1876 -أي قبل 41 عام من إطلاق وعد بلفور- قائلاً: "إن فلسطين في حاجة إلى السكان ورأس المال، وبإمكان اليهود أن يعطوها الشيئين معاً، وإنجلترا لها مصلحة في استرجاعهم لأنها سـتكون ضربة لإنجـلترا إن وُضع منافسـوها في سوريا. لكل هذا، يجب أن تحتفظ إنجلترا بسوريا لنفسها كما يجب أن تدافع عن قومية اليهود وتساعدهم حتى يعودوا فيكونوا بمنزلة الخميرة لأرضهم القديمة.

إن إنجلترا أكبر قوة تجارية وبحرية في العالم، ولهذا فلابد لها أن تضطلع بدور توطين اليهود في فلسطين... وهذه ليست تجربة مصطنعة... إنها الطبيعة... إنه التاريخ"(2) سوريا في كلام شافتسبري تعني سوريا الطبيعية بما فيها سوريا الحالية ولبنان والأردن وفلسطين، أما منافس انجلترا الذي يشير إليه فهو فرنسا التي كانت تتطلع هي الأخرى إلى وضع يدها على هذه البقعة المهمة من العالم. ومرت السنون وبدأت الدول الاستعمارية تتقدمها بريطانيا في تطبيق مختطاتها، وبعد عدة اتفاقيات وتنازلات فيما بين فرنسا وبريطانيا تم التوقيع على اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916م ومُنحت بريطانيا وفقها فلسطين والأردن؛ تمهيداً لتحقيق ما أشار إليه شافتسبري في السيطرة على هذه البقعة وإسكان اليهود فيها مما يضمن مصالح المملكة البريطانية إلى الأبد.

يشهد التاريخ أنه لم تلتزم دولة غربية في عهد قطعته كما التزمت بريطانيا في تطبيق وعد بلفور، حيث عملت هذه الدولة منذ احتلالها فلسطين على تشجيع هجرة اليهود إليها، كما مدتهم بالسلاح والمال وسهلت استملاكهم الأراضي، فيما مارست كل الضغوط على الشعب الفلسطيني وواجهت اعتراضاته بالقمع والحديد والنار. حيث كان الهدف من كل هذه الضغوط العمل على إفراغ فلسطين من شعبها الأصلي لتحقيق عبارة "شعب بلا وطن.. لوطن بلا شعب" والتي كان اللورد شافتسبري ذاته أول من قالها.

وفعلاً نجحت بريطانيا ومعها بقية الدول الاستعمارية في تحقيق هدفها؛ حيث شهد يوم 15 أيار 1948 إعلان قيام الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين. هذا اليوم كان عيداً وخاتمةً سعيدة لمخططات ومؤامرات جمة نفذتها بريطانيا والدول الاستعمارية والعصابات الصهيونية، وهو نفس اليوم الذي عرفه العرب والمسلمون بيوم النكبة وبداية عصر اغتصاب فلسطين على يد شذاذ الآفاق.

وعود بلفورية أخرى:

 إذن كانت بريطانيا هي الدولة السباقة إلى مدِّ يد العون للحركة الصهيونية العالمية وتسهيل اغتصابهم فلسطين وإقامة كيانهم المزعوم. وبعد الحرب العالمية الثانية انتقلت قيادة المعسكر الاستعماري من بريطانيا إلى أمريكا، وعملت أمريكا على إكمال المسيرة البريطانية وتعهدت بالحفاظ على أمن "إسرائيل" ودعمها بكل الوسائل الممكنة بما فيها الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والأمني وغيره ويكفينا أن نعلم أن الدولة الأولى التي تعترف بقيام الكيان الإسرائيلي كانت أمريكا؛ حيث اعترفت بهذا الكيان بعد عدة دقائق فقط من إعلان قيامه.

كما أن استخدام أمريكا حق النقض الفيتو أكثر من 36 مرة حماية للكيان الإسرائيلي وللحؤول دون إدانته أو توجيه أي لوم إليه، لهو خير دليل على تبنيها هذا الكيان بكل جرائمه وفظائعه.

في إحدى كلماته يشير الإمام الخامنئي إلى دور أمريكا الخبيث في مأساة الشعب الفلسطيني ومعاناته حيث يقول سماحته: "القضیة الفلسطینیة کانت منذ نصف قرن حتی الآن تمثّل مأساة للمسلمین وذروة آلامهم وأمرّ حادثة في تاریخهم الحدیث، غیر أنّه بعد وعد بلفور المشؤوم الذي شکّل الخطوة الاولی في تشرید الفلسطینیین لم ‌تتعرّض فلسطین المحتلّة ولم ‌یتعرّض شعبها لأخطر من هذه المؤامراة التي تحیك خیوطها الیوم أمریکا تساندها بعض الدّول الاخری ویدعمها سکوت وتعاون بعض بلدان المنطقة العربیة." (3)

فدور أمريكا اليوم لا يقلُّ خطورةً عن ما قامت به بريطانيا حينما أطلقت وعدها، وما السياسة الأمريكية التي تشهدها منطقتنا العربية اليوم المتمثلة بالدعم اللامحدود للكيان الإسرائيلي واستباحة حرمات الدول وقتل وتشريد شعوبها من أفغانستان إلى العراق وليبيا واليمن، ودعم المجموعات التكفيرية في سوريا والعراق وغيرها من الدول المبتلية بهذه المجموعات الإرهابية ما هي إلا أدلة واضحة على أصالة الشر في هذه الدولة الاستعمارية، والتي تثبت يوماً بعد يوم أنها بحق الشيطان الأكبر الذي لا يرتوي من شرب الدماء.

المراجع:

1. كلمة الإمام الخامنئي خلال خطبتي صلاة الجمعة في طهران 15/12/2000

2. موقع موسوعة النكبة

3. كلمة الإمام الخامنئي خلال خطبتي صلاة الجمعة في طهران27/9/1991