قال المستشار الثقافي السابق في بيروت الدکتور محمد مهدي شريعتمدار، ان ايران تمثل حالة فريدة من نوعها في الديموقراطية وفي حاكمية الشعب الدينية، وان الانتخابات هي ركن من اركان هذه الديموقراطية الى جانب سائر الابعاد التي تشكل بمجموعها العملية الديموقراطية في اي بلد من البلدان.

وكالة مهر للأنباء - القسم العربي: تشهد الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذه الأيام اجواء الإنتخابات الرئاسية، وقد تقدّم للإنتخابات 7 مرشحين، وادلى كل واحدٍ منهم ببرنامجه الإنتخابي، ويرتقب العالم على أحر من الجمر نتائج الإنتخابات في إيران والتي لها تأثير على دول الإقليم والعالم أجمع.

ويُجمع الكثير على أن الذي سيفوز في الإنتخابات هو المُرشّح الأصولي "إبراهيم رئيسي" وذلك وفقاً لمعطيات كثيرة، الأمر الذي سيزعج أمريكا وحلفها؛ الذين حشدوا إعلامهم وجهدهم في سبيل إفشال الإنتخابات ودعوا إلى عدم المشاركة بها.

فقد اصبحت مسألة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الايرانية او عدمها موضوعا حساسا للغاية بالنسبة للعالم الخارجي، حيث تقوم وسائل الاعلام الغربية والسعودية ببذل كل جهودها هذه الايام للتعتيم على الاوساط السياسية في المنطقة داعين العالم اجمع بعدم الاعتراف بهذه الانتخابات.

ان مشاركة الشعب الايراني في الانتخابات الايرانية هو دليل على وجود الديمقراطية في منطقة نادرا ما يُعطى فيها حق ابداء الراي، والسعودية هي احدى دول المنطقة التي لا تعرف معنى للديمقراطية ولا لحرية الانسان ولا حق التعبير. فها هم مجددا يقومون بحملة تشويه للجمهورية الاسلامية ويوجهون حملات اعلامية ضدها ويعتبرون ان انتخابات رئاسة الجمهورية ليس لها ايه مصداقية وغير صحيحة.

وفي هذا الصدد اجرت وكالة مهر للأنباء، حوارا صحفيا مع الباحث الدکتور "محمد مهدي شريعتمدار"، واتى نص الحوار على الشكل التالي:

*ما هو تأثير الانتخابات الايرانية على المفاوضات النووية ؟

الانتخابات الايرانية لا يوجد لها اي تأثير مباشر على المفاوضات النووية، ان الموقف الايراني في المفاوضات النووية واضح جدا وصريح ومعلن ولا يختلف اثنان في الموقف الايراني الذي يتمثل في ضرورة التزام الادارة الامريكية بكافة التزاماتها بموجب خطة العمل المشتركة وان تتحقق الجمهورية الاسلامية من مصداقية الموقف الامريكي وان لا يكون حبرا على ورق لان ايران عانت من تنصن الادارة الامريكية عن اداء التزاماتها وواجباتها.

الموقف الايراني في المفاوضات النووية واضح جدا وصريح ومعلن

هذا الموقف لا يختلف عليه هذا الرئيس او ذاك، وايضا ثوابت السياسة الخارجية في الجمهورية الاسلامية لا يقررها فقط المؤسسة الرئاسية او وزارة الخارجية بل ان هناك مجموعة مؤسسات دستورية تبلور هذه السياسات؛ (وزارة الخارجية - الرئاسة – المجلس الاعلى للامن القومي – قائد الثورة الاسلامية و...)، وايضا حتى مجلس الشورى الاسلامي الذي له دور في المصادقة على الاتفاقيات الثنائية والدولية.

نعم قد يكون هناك في التكتيك في ادارة المفاوضات ربما تفاوت بين وجهات النظر؛ من دون شك اذا كانت الانتخابات الايرانية نتيجتها ان يأتي المرشح الاصولي سيكون هذا المرشح اكثر حرصا وتاكيدا على الموقف الرسمي الايراني، وادارة المفاوضات على هذا الاساس، بينما اذا كان هناك او اذا وصل رئاسة الحكم مرشح اصلاحي وهذا وفق الاستطلاعات الحالية غير وارد، لكن لو فرضنا انه ربما يكون اكثر ليونة في عملية ادارة المفاوضات، لكن اؤكد بان الموقف الرسمي الايراني يحدده مجموعة من المؤسسات الدستورية وليس فقط الرئيس او وزير الخارجية.

*ما هي ابعاد تأثير الانتخابات الايرانية والمشاركة الشعبية الواسعة على المنطقة ؟

من دون شك ان هناك تاثير قوي للانتخابات الايرانية والمشاركة الشعبية الواسة على المنطقة:

الجمهورية الاسلامية الايرانية تمثل حالة فريدة من نوعها في الديموقراطية او في حاكمية الشعب الدينية

اولا، ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تمثل حالة فريدة من نوعها في الديموقراطية او في حاكمية الشعب الدينية، الانتخابات هي ركن من اركان هذه الديموقراطية الى جانب سائر الابعاد التي تشكل بمجموعها العملية الديموقراطية في اي بلد من البلدان.

ان تداول السلطة في ايران امر فريد من نوعة، نحن في منطقتنا وفي غرب اسيا نشاهد ان اغلب الانظمة ملكية وراثية لا يوجد فيها انتخابات، بعض هذه الانظمة لا دستور لها، وليس لها مجالس منتخبة من قبل الشعب؛ يعني حتى لا تمثيل للشعب في هذه السلطات، لذلك هذا النموذج الايراني في سيادة الشعب الدينية وفي الديموقراطية وفي التمثيل الشعبي في مختلف مؤسسات الدولة وان يكون القول والفصل للمواطن وللناخب الايراني عبر صناديق الاقتراع؛ هذا بحد ذاته يشكل نموذجا متميزا في المسار الديموقراطي الذي يشكل نموذجا فريدا من نوعه في المنطقة.

ثانيا، ان هذه الانتخابات خاصة اذا شارك اغلبية ساحقة طبعا على الرغم من وجود مشاكل الكورونا والمشاكل المعيشية وما الى ذلك، لكن هذا يدل على قوة نظام الحكم والدولة في ايران لان هذا القوة تستند الى شعبها والى قدراتها الذاتية.

نحن امام نماذج من السلطة ومن الحكم ومن الانظمة التي لا تستند الى اصوات الشعب والى اراء الناخبين ولذلك تطّر ان تركن من اجل الحفاظ على السلطة تركا الى الاعتماد على القوى الاجنبية مثلا الى التحالف مع الكيان الصهيوني، او الاعتماد على القوى العظمى من امثال الولايات المتحدة الامريكية.

هذه المشاركة المشاركة الشعبية الواسعة في ايران والقيام بالانتخابات وان يكون بمعدل كل سنة عملية انتخابية واحدة خلال سنوات ما بعد انتصار الثورة الاسلامية تقريبا في كل سنة هناك عملية انتخابية ان كانت الانتخابات الرئاسية او النيابية او البلدية او انتخابات مجلس الخبراء او انتخاب مجلس المؤسسين من اجل وضع الدستور او الاستفتاء العام الذي جرى على الدستور؛ هذه الانتخابات والعمليات الانتخابية كانت بمعدل عملية انتخابية في كل سنة.

الحضور الجماهيري الواسع يدل على ان نظام الحكم يعتمد ويستند الى قوة الشعب

هذا الحضور الجماهيري الواسع يدل على ان نظام الحكم يعتمد ويستند الى قوة الشعب، وهذا يؤمن استقلاله ايضا في مواجهته للتحديات والتهديدات الموجودة في المنطقة المتأتية من القوى العظمى ومن الكيان الصهيوني ومن كل من يحاول ان يعادي هذا الشعب وهذا البلد، لذلك له تأثير اولا اثبات قوة وسلطة الشعب الايراني على تحقيق الاستقلال والاعتماد على الذات والى قوة واقتدار نظام الحكم الذي بخلاف كثير من الانظمة التي تعتمد على القوى العظمى.

تكريس هذه المفاهيم الديموقراطية وسيادة الشعب الدينية والاعتماد على الشعب واكتساب القوة والقدرة والاقتدار من الشعب وتحقيق الاستقلال والوقوف بوجه التحديات والتهديدات الاجنبية كل ذلك من دون شك تقوي هذا الخطاب في منطقتنا التي تعاني من الاحتلال والمؤامرات الامريكية التي تحاك ضدها وتعاني من الاعمال الارهابية ومن الجماعات الارهابية التي تنفذ اجندة استعمارية وصهيوامريكية.

تقوية هذا الخطاب في المنطقة من دون شك سيكون له اثاره، من هنا اود ان انطلق الى موضوع اخر وهو موضوع بناء القوة في ايران؛ فالجمهورية الاسلامية حاولت ان تبني القوة الدفاعية والصاروخية والتكنولوجية في مختلف المعدات البحرية والبرية والجوية والدفاعية وفي الحرب الالكترونية وما الى ذلك من طائرات مسيرة وفي العديد من الشؤون.

بناء هذه القوة "قوة الردع" جعلت ايران يحسب لها الف حساب، ولا يتمكن احد من شن هجوم على هذا البلد، بعد بناء القوة ايران عملت على بناء تحالف في المنطقة وهذه كانت الخطوة الثانية، اما الخطوة الثالثة ان بهذه القوة وبهذا التحالف في المنطقة اي محور المقاومة استطاعت ايران ان تتحدى وان تتصدى التهديدات في المنطقة ليس بالنسبة لها بل بالنسبة الى شعوب المنطقة.

نحن نلاحظ الشعب الفلسطيني كيف اليوم له القوة في مواجهة العدو الصهيوني، ونشاهد المقاومة الاسلامية في لبنان كيف استطاعت ان تطرد الاحتلال الصهيوني من اراضيها، ونشاهد الدول الاخرى في العراق وسوريا كيف واجهت بالتعاون مع ايران وقوى المقاومة في مواجهة الجماعات التكفيرية والارهابية والمتطرفة واستطاعت ان تطهر اراضيها من هذه الجماعات المدعومة امريكيا واسرائيليا ورجعيا، لذلك بناء قوة الردع من قبل ايران وبناء هذه التحالفات في الاقليم وفي المنطقة والتصدي لكل هذه التحديات والتهديدات هذا يرفع من مستوى روحية ومعنويات الشعوب في المنطقة ومحور المقاومة.

الانتخابات الايرانية والحضور الواسع لجمهور الشعب الايراني في هذه الانتخابات يرفع من مكانة هذا النظام واستناده الى الشعب ويرفع من قوته

من دون شك ان الانتخابات الايرانية والحضور الواسع لجمهور الشعب الايراني في هذه الانتخابات يرفع من مكانة هذا النظام واستناده الى الشعب ويرفع من قوته ويمكن ان يشكل وسيلة لتقوية محور المقاومة ويبعث الامل والمعنويات في قلوب قوى المقاومة في المنطقة.

هذا ايضا ينعكس على الامن القومي لدول محور المقاومة التي استطاعت ان تحبط كل المؤامرات والمخططات والحروب التي شنت ضدها في لبنان وسوريا والعراق وايران وايضا مؤخرا في فلسطين، وايضا نحن نشاهد بان كل الحروب العربية الاسرائيلية الى ما قبل انتصار الثورة الاسلامية في ايران مع الاسف كانت لصالح الكيان الصهيوني بينما هذا الكيان لم يتمكن تحقيق الفوز في كل الحملات والحروب التي شنها ضد محور المقاومة في المنطقة ان كان ذلك في الاجتياح الاسرائيلي للبنان او في الحروب التي شنها ضد قطاع غزة في اربع مرات او في مجمل المشروع الذي يريد ان يفرضه على المنطقة.

ولذلك بالاضافة الى تشكيل محور المقاومة هذا ايضا يترك اثاره على الامن الوطني والقومي لمحور المقاومة، كما انه ايضا كما قلنا سابقا يرفع قوة ايران في مواجهتها اولا للكيان الاسرائيلي وثانيا للولايات المتحدة الامريكية.

اي ان هذه الانتخابات والحضور الجماهيري الواسع يرفع قوة ايران في تحدياتها الاقليمية والدولية، ومن هنا يمكن خاصة ان المنطقة والعالم يشهدان منعطفا تاريخيا مهما. هناك تغييرات تحصل في المنطقة؛ حل مرتقب لليمن ايضا الازمة في سوريا انتهت وتتجه نحو الحل السياسي بالاضافة الى ان الموقف الامريكي اختلف في عهد بايدن عما كان عليه في عهد ترامب.

الولايات المتحدة الامريكية تريد انتهاء ادارة الازمة في منطقة غرب اسيا والشرق الاوسط لتتوجه نحو التهديد الاكبر وهو التهديد الصيني، ربما يكون هناك انفراج في الكثير من الملفات.

ايضا في الملف النووي والضغوط والحصار على ايران؛ كل هذه الامور تعني بان هذه الدورة الانتخابية لها خصوصية اكثر من الدورات الاخرى لانها تتقارن وتتزامن مع متغيرات مهمة في هذه المنطقة ولذلك كلما ازدادت ايران قوة كعنصر اساسي في محور المقاومة هذا سيترك اثاره على محور المقاومة وستجعل هذا المحور اكثر قوة في مواجهة التحديات.

*كيف سيستفيد محور المقاومة من نجاح الانتخابات ؟

محور المقاومة هو عبارة عن تحالف اقليمي تاسس بعد بناء القوة وقوة الردع في ايران؛ هذا التحالف هو المهتم والذي ينبغي ان يطّلع به مهمة التصدي لكل التهديدات التي تواجهه، هو المهتم بالدفاع عن القضايا العادلة في المنطقة وعلى راسها القضية الفلسطينية القضية المركزية للامة الاسلامية.

وبما ان ايران هي سند اساس لهذا المحور، فكلما ازدادت ايران قوة هذا بالمحور سيزداد قوة في تصديه للتهديدات في المنطقة والعكس كذلك يعني اذا ازداد محور المقاومة قوة ستزداد ايران كذلك وستشعر بقوة اكبر في مهامها الصعبة التي تواجهها.

*هناك من يرى ان نتائج الانتخابات الايرانية ستكون لها انعكاساتها على الداخل العراقي في تقوية الروابط المشتركة وتمتين للعلاقات بين البلدين وتعزيز النمو الاقتصادي المشترك . كيف ترى ذلك ؟

انا اتصور بان العلاقات الايرانية العراقية هي علاقات تاريخية وجوار وعلاقات مصير مشترك وحضارة مشتركة وعلاقات اجتماعية قوية جدا من الناحية الثقافية والدينية والانتماء الديني والمذهبي ووجود العتبات المقدسة والعلاقات الاسرية؛ هناك الكثير من الوشائج التي تربط مصير البلدين ببعضهم.

من دون شك كلما تكون الحكومتان في كلا البلدين تستند الى الارادة الشعبية والى القوة التي تاتي من قوة الشعب هاتان الحكومتان سيكون بامكانهما ان تقيما علاقات افضل وان توسّع العلاقات التجارية بين البلدين.

اتصور بان الحكومة القادمة في ايران وبعد تجربة هذه السنين من الضغوط الامريكية على الجمهورية الاسلامية الايرانية ستتجه اكثر من اي وقت اخر الى تقوية وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول الجوار.

وهذا ما يعزز اولا الاقتصاد الايراني وايضا الاقتصاد العراقي، ثانيا بعد التغلب على جائحة كورونا سيكون هناك انفجار في تبادل الزيارات والسياحة العامة والدينية والطبية، ولذلك البلدان مدعوان للاستعداد لهذه النقلة النوعية بعد التغلب على جائحة كورونا.

الامن العراقي هو من الامن الايراني والعكس كذلك، لذلك الاستقرار والامن والسلام في المنطقة وفي البلدين هو هم مشترك

ايضا الامن العراقي هو من الامن الايراني والعكس كذلك، لذلك الاستقرار والامن والسلام في المنطقة وفي البلدين هو هم مشترك، وكلما كانت الحكومتان في البلدين قويتين تستنديان الى سلطة الشعب سيكون بامكانهما ان يبنيان علاقات امنية قوية واستراتيجية مشتركة من اجل التصدي للتهديدات، لاسيما اننا نواجه مشكلة الوجود العسكري الامريكي في المنطقة وفي العراق بالذات، حيث هناك قرار صدر عن البرلمان العراقي يفيد باخراج القوات الامريكية.

وهناك مطالبة شعبية واسعة في الداخل العراقي من اجل تنفيذ هذا القرار، وهناك ايضا نية من قبل السلطات المعنية في العراق لتنفيذ هذا القرار ولكن ضمن شروط ومراحل زمنية معينة ضمن جدولة هذا الخروج.

فمندون شك ان تقوية العلاقات بين البلدين ووجود حكومة قوية مستندة الى ارادة الشعب الايراني سيكون بامكانها ان تتعاون مع دول الجوار ولاسيما مع العراق من اجل تحقيق الاهداف المشتركة لهذين الشعبين. المرحلة القادمة ان كانت في ايران او في دول المنطقة هي مرحلة ضرورة تحقيق نسبة اعلى من النمو الاقتصادي للتغلب على ما خلفته الحروب في المنطقة، وما خلفته نتائج جائحة كورونا في تقليل حالات السفر والسياحة وما الى ذلك.

وايضا ما تركته جائحة كورونا على نسبة الانتاج والقدرة التشغيلية لمراكز الانتاج، كل هذا يدعو الدول الى ان تستعد لتنمية اقتصاداتها وتجاراتها وانتاجاتها من اجل التعويض عن الخسائر التي تكبدتها خلال الفترة الاخيرة يدعو الدول للتعاون فيما بينها؛ وخصوصا التجارة البينية بين دول المنطقة ربما ترفع من مستوى هذا النمو الاقتصادي وتسبب انعاشا اقتصاديا بدلا من ان تكون هذه التجارة مع اطراف اخرى خارج هذه المنطقة./انتهى/