غادر الرئيس ميشال عون قصر بعبدا بعد حصار دبلوماسي سياسي شرس من خصومه في السياسة لإسقاطه كحالة سياسية إصلاحية بشكل نهائي ومنعه من تحقيق أي إنجاز يذكر، وكل ذلك ترافق مع أزمة إقتصادية حادة أدخلت البلاد في دوامة من الإنهيارات على كافة الصعد...

وكالة مهر للأنباء - د.حسين علي حسني حمية*: غادر الرئيس ميشال عون قصر بعبدا بعد حصار دبلوماسي سياسي شرس من خصومه في السياسة لإسقاطه كحالة سياسية إصلاحية بشكل نهائي ومنعه من تحقيق أي إنجاز يذكر، وكل ذلك ترافق مع أزمة إقتصادية حادة أدخلت البلاد في دوامة من الإنهيارات على كافة الصعد، وسارع خصوم السياسة لإتهام عون والفريق السياسي الذي ينتمي إليه بكامل المسؤولية عما يحدث في لبنان مع أن الجميع يعلم أن الإنهيار هو نتيجة حتمية للإرث الإقتصادي الشاذ منذ ما بعد الحرب الاهلية.

الدول الكبرى الداعمة للكيان المؤقت في فلسطين لا تريد للبنان الخلاص إنما تريد له المزيد من الغرق ليترجم ذلك تنازلات سياسية وإصطفافات جديدة بوجه المقاومة وإحداث شرخ بينها وبين قواعدها الشعبية...

دخل لبنان مرحلة الشغور الرئاسي في وقت حرج فهو لا يملك ترف الوقت لمعالجة ازماته الإقتصادية ولا الدول الكبرى الداعمة للكيان المؤقت في فلسطين تريد له الخلاص إنما تريد له المزيد من الغرق ليترجم ذلك تنازلات سياسية وإصطفافات جديدة بوجه المقاومة وإحداث شرخ بينها وبين قواعدها الشعبية..

أما في الداخل اللبناني فالمشهد مقسوم الى عدة صور:

- أولها؛ فريق التبعية السياسية العمياء سواء للولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا أو بعض الدول العربية هنا ليس مهماً المصلحة ولا يوجد منطلقات سياسية واضحة إنما يكون الموقف معلباً وجاهزاً ويتغير تبعاً للإملاء الخارجي بين ساعة وأخرى، وهذا الفريق ينتظر حلاً وتوافقاً خارجياً للأزمة الرئاسية ومن أبرزهم القوات وقوى الثورة والتغييريين.

- ثانيها؛ الفريق الوطني والذي يحاول بشتى السبل النهوض بلبنان وإعطاؤه خصوصيته السياسية وفرادته في مقاربة الأمور والمحافظة على سيادته وإستقلاله ولكنه عاجز تماماً عن إجتراح حلول نهائية بسبب طبيعة التركيبة السياسية اللبنانية والتي تنطلق من مفهوم الإدارة بالتوافق والتي ترزح تحت ثقل العرقلة المستمرة ووضع العصي بالدواليب لأن هناك فريق لبناني يرى في نجاح هذا الفريق نهايته السياسية وإنداثره من المشهد العام إلى غير رجعة ورغم ذلك نرى إصرار هذا الفريق على حصد النقاط الإيجابية حيث يتمكن كما في وزارة الأشغال العامة.

- ثالثها؛ الفريق المراهق سياسياً وهو فريق يبحث عن دور له في المعادلة ويقدم هذا التوجه على ما عداه ولو كانت كثير من منطلقاته وطنية لكنه يعيش عقدة الأقصاء وبروز نرجسية مفرطة تجعله متخبطاً في مواقفه غير راض بحلول الفريق الوطني لأنه لم ينجح في الإندماج بقاعدة العمل الفريقي في المرحلة السابقة ويفضل دوماً أن تنحصر الأمور بإسمه شخصياً خاصة وأن الحرب السياسية التي خاضها في المرحلة الرئاسية السابقة هشمت صورته وجعلته يخسر جزء مهم من شعبيته ويحمل بشكل غير منصف وزر الأزمة الإقتصادية والسياسية التي عاشها ويعيشها لبنان.

- رابعها؛ الفريق الأخطر وهو الفريق الذي يخوض معركة صورة لبنان الفئوي الذي يحلم به منذ تأسيس هذا الكيان فهو يرى لبنانه وفق منظور دموغرافي ضيق ويخوض معركة الرئاسة كمعركة وجودية مع الطرف الآخر الذي يعتبره وجوداً دموغرافياً غير مرغوب به، وبالتالي لا حق له بأي تدخل بهذه المعركة الرئاسية وهذا الفريق يعتبر نجاح الفريق الآخر في إيصال مرشحه ( سليمان فرنجية ) إنكساراً نهائياً لمشروعه الذي يرقد تحت الرماد منذ نهاية الحرب الأهلية وكان يرى في الظروف الدولية الأخيرة فرصة له لإستعادة زمام المبادرة من جديد، ولذلك بدأ الكلام حول الفدرلة يأخذ حيزاً علنياً ولكن غير حاد لأنه غير ممكن التطبيق دون إجراء تحول دموغرافي بنيوي للمجتمع اللبناني حيث المسلمون يسكنون في جغرافيا السهول والماء والنفط وهذا يجعل الفدراليات الأخرى ساقطة إقتصادياً.

لا يمكن إغفال تأثر هذه الفرق بالتحولات الدولية والإقليمية وإنعكاسها على الداخل اللبناني ومنها التقارب السعودي الإيراني وما نتج عنه من تراجع في حدة الصراعات الإقليمية وعودة الدم لبعض الجهات العربية الداعمة لمبدأ المقاومة...

لا يمكن الفصل على نحو دقيق بين هذه الفرق فهي تتداخل أحياناً بشكل أو بآخر، ولا يمكن أيضاً إغفال تأثرها بالتحولات الدولية والإقليمية وإنعكاسها على الداخل اللبناني ومنها التقارب السعودي الإيراني وما نتج عنه من تراجع في حدة الصراعات الإقليمية وعودة الدم لبعض الجهات العربية الداعمة لمبدأ المقاومة، ولا نغفل التحول المهم في التقارب العربي السوري وعودة الرئيس الأسد إلى القمة العربية عودة منتصر عسكرياً وسياسياً وهذا له مدلولات عظيمة حول صعود المحور المقاوم وحصده لمجموعة من النقاط لا بد أن تترجم سياسياً، وكذلك إعادة تموضع سعودي من تطرف في العداء إلى التوازن في العلاقات الإقليمية مع محور المقاومة وهذا أيضاّ يشكل تحول نوعي مهم ولا بد أن ينعكس على الجهات التي تدور في الفلك السعودي وورقة ضغط غير قليلة بوجه السياسة الأمريكية.

في الختام لبنان ينتظر رئيساً بتوافق دولي ترعاه فرنسا بشكل أساسي كدولة راغبة في العودة للشرق الأوسط عبر لبنان الدولة الفرنكوفونية وفي ظل تقارب سعودي سوري وسعودي إيراني هذا دولياً، أما محلياً فالثنائي الشيعي إختار سليمان فرنجية الذي تنازل عن موقع الرئاسة المحقق لصالح الرئيس عون فيما سبق ولأنه شخص وطني وسطي قريب من الجميع ومقبول دولياً عدى الأمريكي الذي يرى فيه هزيمة سياسية في لبنان لأنه يسعى لرئيس صدامي.

القطبين المسيحيين في لبنان يرفضان ولكن لكل منهما سببه فباسيل يرفض من مبدأ النرجسية السياسية والخوف من الإضمحلال السياسي وخسارة موقع القيادة المسيحية أما جعجع فهو يخوض حرب صورة لبنان الفئوي مع الإلتزام برغبات السفيرة الأمريكية ومن خلفها تل أبيب التي تستشعر خطراً وجودياً حقيقياً، أما باقي الأطراف السياسية فهي بإنتظار نضوج التسوية الدولية للمحافظة على بعض مكتسباتهم ومنهم القوى التي تسمي نفسها تغييرية والتي هي مرتبطة بمعظمها بشكل مباشر بالسفيرة الأمريكية في لبنان ومن خلفها واشنطن.../انتهى/

(*) كاتب ومحلل السياسي