وكالة مهر للأنباء_ القسم الدولي: مابرحت أمريكا منذ تأسيسها على أشلاء سكانها الاصليين من الهنود الحمر، تنظر بعينٍ جشعة إلى المنطقة وتعمل بشكل مستمر على نهب خيرات الشعوب.
وبحجة "مكافحة الإرهاب" التي دخلت فيها إلى أفغانستان ونهبت خيراتها وشردت شعبها، وأيضاً التي دخلت فيها العراق وعاثت فيه فساداً، تسعى أمريكا لفرض سيطرتها وتحقيق هيمنتها على العالم، منصبةً نفسها بشكل تعسفي "شرطياً" على هذا العالم، لكن التاريخ الحديث أثبت انه أين ما وُجِدَ هذا "الشرطي" حل معه الخراب والتفرقة، والأحداث في البلاد العربية وآخرا سوريا ليست عنا ببعيد.
ومنذ فترة أقدمت الصين على مبادرة اقتصادية أسمتها "حزام وطريق" وفي المقابل ونظراً لخوف أمريكا من تآكل نفوذها في المنطقة أطلقت بدورها مشروع اقتصادي وهو "الممر من الهند إلى أوروبا" عبر الامارات والمملكة العربية السعودية والأردن والكيان الصهيوني، في محاولة منها لضرب المبادرة الصينية وتحقيقاً لنظرتها الاستعمارية في المنطقة.
لكل هذا وللغوص أكثر في خفايا الدور الأمريكي في المنطقة في وقتنا الحالي، أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء "وردة سعد" حواراً صحفياً مع الباحث والأستاذ في التاريخ والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية "د. جمال واكيم" حول هذا الموضوع، وجاء نص الحوار على الشكل التالي:
منذ فترة قصيرة عقدت قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، وابرز ما شهدته القمة ليس قراراتها بل الاعلان الاميركي السعودي عن الممر الاقتصادي من الهند الى اوروبا.. كيف نظرتم الى هذا المشروع من زاوية ارتباطه بالاستراتيجية الاميركية تجاه المنطقة؟ هل هو مشروع اقتصادي تنموي ام بروباغندا اعلامية وسياسية ؟
هذا المشروع الممر من الهند إلى أوروبا عبر الامارات والمملكة العربية السعودية والأردن والكيان الصهيوني يشكل محاولة للتطبيع من جهة بين دول عربية رئيسية على رأسها المملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني علما بأن الدولتين العربيتين الأخريين العضوين في هذا الممر قد طبعا مع الكيان الصهيوني، أيضا هذه المحاولة من الولايات المتحدة الأمريكية لضرب مبادرة "حزام وطريق" الصينية، فإذا نظرنا إلى الخريطة نجد بأن هذا الممر يمر بين الخطين المعتمدين من قبل مبادرة حزام وطريق، فهكذا يمكن أن نفهم ما يجري.
لا يزال الكيان الصهيوني وامنه محور السياسات الاميركية في منطقتنا اضافة الى مصادر الطاقة من بترول وغاز.. ولكن لماذا تعمد اميركا الى اغراق دول المنطقة بالحروب والازمات ومنع اي حلول لها؟ هل اصبح استمرار الهيمنة الاميركية سبباً لتجويع الشعوب ومنع تقدمها؟
الولايات المتحدة تريد ضرب البنى الذي أقام عليها النظام الرسمي العربي خلال القرن الماضي والذي استند إلى عواصم رئيسية على رأسها القاهرة ودمشق وبغداد والجزائر كدول رافضة للهيمنة الغربية، وذلك بضرب دور هذه العواصم ومحاصرتها، وهنا نجحت في ذلك عندما دفعت مصر إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد التي عزلت مصر عن العالم العربي وضربت دورها الاقليمي، أيضا هي تحاول محاصرة الجزائر وتعريض عاصمتين قادتا العالم العربي على مدى الف عام هما دمشق وبغداد للضرب والتهميش، فهذا من أجل دعم صمود محاور عربية أخرى لا تستند إلى هذه العواصم التاريخية لقيادة دور عربي تابع للولايات المتحدة الأمريكية.
في افريقيا حركة تحرر وطني تأخذ شكل انقلابات عسكرية.. ولكن الهدف منها واضح وهو معاداة الهيمنة الاستعمارية وتحقيق السيادة على مقدرات تلك الدول. فلماذا برأيك تبعد اميركا نفسها عن هذه الازمات ولا تحاول حماية اصدقائها الاوروبيين؟ وهل يمكن ان تخدع اميركا احدا بأنها تدعم التحرر والاستقلال وانهاء الاستعمار ؟
فيما يتعلق بأفريقيا الولايات المتحدة لا تبعد نفسها عن ما يجري ولكنها لا تتدخل مباشرة، إذ أنها أوكلت فرنسا بأن تكون المسؤولة عن هذه المنطقة على الصعيد الاستراتيجي ، لذلك فإن الولايات المتحدة تحاول تدعيم الموقف الفرنسي وهي تنظر بعين القلق إلى تآكل النفوذ الفرنسي في هذه المنطقة إذ أنه يعني تآكلا للنفوذ الغربي.
كثيرا ما تتهم الة الاعلام الاميركية الصين وروسيا واحيانا ايران بأنها تقف خلف الانظمة التحررية والانتفاضات في افريقيا.. هل ترون ان المواجهة العالمية بين المعسكرات المتصارعة انتقل الى افريقيا فعلا؟ وهل تتوقعون ان يتحول هذا الصراع الى مواجهات دموية في نهاية المطاف؟
طبعا الانقلابات التي تحدث في افريقيا هي نتاج أزمات اقتصادية واجتماعية نجمت عن الهيمنة الأمريكية والفرنسية والغربية بشكل عام على مقدرات القارة الأفريقية واستغلال ثرواتها ونهب ثروات هذه الشعوب وإغلاقها في الفقر، ولكن من الممكن أن يتيح ذلك فرصة لروسيا والصين وإيران أن يدخلوا على الميدان الافريقي وتقدم الدعم لهذه الدول الأفريقية التي لا يمكن أن تصمد في مواجهة الهيمنة الغربية من دون سند دولي خصوصا في ظل الفقر والضعف والوهن الذي تعاني منه هذه الدول وحاجتها إلى المساعدات الاقتصادية بالدرجة الأولى.
اذا عدنا الى اوضاع المنطقة في غرب اسيا.. لا تزال اميركا تمسك بخيوط الصراعات من باب المندب الى محافظة الحسكة مرورا بلبنان وفلسطين.. هل تعتقد ان الستاتيكو القائم حاليا سيستمر طويلا؟ وما السبيل لكسر القبضة الاميركية وانهاء الصراعات التي فرضتها على المنطقة؟
بالنسبة لغرب افريقيا أعتقد أنه لنجاح الخطة الأميركية ستلجأ إلى مزيد من الفوضى في لبنان وسوريا والعراق أيضا في اليمن وذلك لتهميش مراكز الثقل التقليدية في المنطقة العربية وتعويم مناطق نفوذ هي هامشية وهجينة ولا يمكن أن تلعب دورا مستقلا، بل هي تستطيع أن تلعب دورا بالتبعية وذلك عبر التبعية للولايات المتحدة ، من هنا فإن هذا سيؤدي إلى مزيد من الصراعات في هذه المنطقة.
اذا كان العالم ومنه منطقتنا يمر بمرحلة تحول تاريخية، كما يقول البعض.. وانه على ابواب التعددية القطبية والعدالة في توزيع الثروة وحق الشعوب في التنمية.. فما السبيل لكي لا تكون خرائط العالم الجديد وتوازناته على حساب شعوبنا وحقوقنا كما جرى في مرات سابقة؟ وكيف نضمن ان يكون لنا دور في صناعة مستقبلنا؟
بمعزل عن التحولات، طبعا التحولات الدولية تتيح فرصة للدول والشعوب التي تريد التحرر من الهيمنة الغربية أن تفوز في هذا الهدف، ولكن هذا إن وجدت النية والعزيمة والمشروع لقيادة هذا الدور، بالنهاية هذا يعتمد على شعوبنا وعلى النخب التي تدعو للتحرر من الهيمنة الغربية وان تسوغ مشروعا بديلا نابعا من هذه المنطقة العربية والإسلامية من أجل مواجهة الهيمنة الغربية ، وبعد ذلك يمكن الاستفادة من التناقضات الدولية ومن صعود قوى دولية جديدة من أجل أن تشكل توازنا أمام الهيمنة الغربية.
/انتهى/